وأخيرا انطلق النقاش السياسي في المغرب حول الانتخابات، بعد إعلان رئيس الحكومة عن مواعيد الاستحقاقات القادمة..
هذا النقاش يكتسب قيمته السياسية من كون الانتخابات البلدية التي ستجرى في المغرب بعد حوالي سنة من الآن ستكون هي الأولى من نوعها بعد الدستور الجديد، فقد تأخر تنظيم الانتخابات البلدية التي كان من المزمع تنظيمها مباشرة بعد الانتخابات التشريعية لـ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وكان الملك محمد السادس عبر عن رغبته في الإنهاء من مختلف العمليات الانتخابية وتجديد المؤسسات التمثيلية سنة 2012 بما فيها انتخابات مجالس الجهات والغرفة الثانية، وذلك على ضوء المقتضيات الجديدة للدستور الجديد. هل سينجح المغرب في تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة وفق المعايير الديموقراطية المعروفة؟ كل ذلك رهين بجودة القوانين المؤطرة للعملية الانتخابية، ورهين بطبيعة المشاورات السياسية بين الفرقاء السياسيين، وبطبيعة الحال، رهين بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة وعدم تحيزها لهذا الطرف السياسي أو ذاك.. الرهان الكبير لهذه الانتخابات يتمثل في الإقبال على صناديق الاقتراع بكثافة وتسجيل أرقام معبرة عن نسبة مشاركة المواطنين والمواطنات.
الإطار القانوني الحالي تعتريه الكثير من الثغرات والعيوب التي تجعله على مسافة معتبرة من مفهوم الانتخابات والحرة والنزيهة.
اللوائح الانتخابية الحالية وضعت سنة 1992 أي قبل 22 سنة، يجري تحيينها قبل كل عملية انتخابية وفق مسطرة قانونية وتنظيمية لا تستجيب لشروط الشفافية المطلوبة وتطلق العنان لرؤساء الجماعات للتلاعب بهذه اللوائح..
المعطيات الحالية تشير إلى أن عددا كبيرا من المغاربة (حوالي سبعة ملايين) غير مسجلين في اللوائح الحالية، بينما هناك إغراق لهذه اللوائح بعدد من المتوفين وحالات التكرار .. الشروط القانونية والسياسية التي أفرزت هذه اللوائح ظلت محتفظة بهاجس الضبط والتحكم في إرادة المواطن، ولذلك أصر وزراء الداخلية المتعاقبون على هذا المنصب على رفض مطلب التسجيل الأتوماتيكي في اللوائح الانتخابية بناء على قاعدة المواطنين الحاصلين على بطاقة التعريف الوطنية ..
هل سنخرج من القواعد التي حكمت تاريخ الانتخابات المغربية، أم أننا بصدد بلورة اجتهادات جديدة ترسخ قواعد الانتخابات الحرة والنزيهة كما هي متعارف عليها دوليا..
تاريخ الانتخابات في المغرب ليس تاريخا للتنافس السياسي بين مشاريع وبرامج سياسية مختلفة، وإنما ظل هاجس التحكم في مخرجات العملية الانتخابية حاضرا لدى المشرفين على العملية الانتخابية، بما في ذلك إمكانية التدخل المباشر لتزوير إرادة الناخبين خلال عقود خلت..
وبغض النظر عن الانتخابات التشريعية لـ 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 التي جرت في ظروف أحسن من سابقاتها بفعل أجواء الحراك الشعبي الذي انطلق يوم 20 شباط/فبراير، فإن استراتيجية الدولة ظلت محكومة بالحيلولة دون تبلور مؤسسات قوية تعكس تمثيلية شعبية حقيقية، وتستطيع اتخاذ قرارات فعلية مسنودة بالشرعية الديموقراطية، فرغم جميع خطابات النزاهة والشفافية وتخليق الحياة العامة ظلت الانتخابات المغربية محكومة بمنطق الأعيان والمال وتواطؤ الإدارة المتمثل في غض الطرف عن الخروقات ودعم بعض المرشحين والهندسة القبلية للنتائج….
في الدول الديموقراطية نزاهة الانتخابات مرتبطة أيضا بمصداقية النخب السياسية المتنافسة وبقدرتها على ترشيح عناصر نزيهة تحمل برنامجا سياسيا وتتمثل المذهبية السياسية للحزب الذي تحمل رمزه الانتخابي..
إن من أخطر الملاحظات على الانتخابات المغربية هو استسلام أغلب الأحزاب السياسية بما فيها الأحزاب الوطنية العريقة لمنطق المقعد أولا بغض النظر عن الوسائل المعتمدة لتحصيل المقعد، وهكذا تخلت عن وظيفتها السياسية والأخلاقية المفترضة في الرقي بوعي المواطن والنهوض به إلى تكريس قيم الجشع والانتهازية والرشوة الانتخابية.. ينضاف إلى ذلك حجم الأموال المشبوهة التي أغرقت بها الحملات الانتخابية والتي تطرح العديد من الأسئلة حول مصادرها وحول مدى قدرة الأدوات والآليات القانونية المتوفرة حاليا على مراقبة مسالك المال الانتخابي ومعرفة مصادره وفك ارتباطه المشبوه بأموال المخدرات والتهريب والاتجار في الممنوعات..
في السابق لم تكن إرادة الدولة تقبل بوجود مفاجآت في النتائج الانتخابية، رغم حرصها على صورة الشكل الديموقراطي للمؤسسات، وما كان من مهندسي العملية الانتخابية إلا اللجوء إلى وضع قواعد على مقاس خدمة الاستمرارية وإنتاج مجالس منتخبة تتحمل اليوم مسؤولية تعثر الأداء الجماعي وارتباك مشاريع التنمية المحلية في هدد من المدن والأرياف المغربية.
وزير الداخلية الحالي صرح أمام المؤسسة التشريعية بأن أجندة الدولة بخصوص الانتخابات القادمة ليس فيها نية التغيير الجذري للقوانين المؤطرة للعملية الانتخابية..وهو تصريح يحتاج إلى بعض التدقيقات حتى لا يفهم منه بأن الانتخابات القادمة ستجرى في ظل القوانين السابقة..
لقد جرت الانتخابات البلدية لحزيران/يونيو 2009 في ظل لوائح انتخابية مشكوك في شفافيتها، بعدما «عجزت» الدولة عن المراجعة الجذرية للوائح الانتخابية…
وأصرت الدولة على التصويت ببطاقة الناخب التي تشكل مدخلا للتلاعب بأصوات المواطنين بعدما تراجعت عن وعودها التي قدمتها سنة 2002 باعتماد بطاقة التعريف الوطنية في الانتخابات التشريعية لـ 2007..
وتم فرض تقطيع انتخابي لا يستجيب لأبسط المعايير المتعارف عليها، وأبرزها الإكثار من الجماعات القروية التي لا تتوفر على شروط الحياة، وإغراق جسم المستشارين بالعالم القروي بالشكل الذي يؤدي إلى عدم التوازن في التمثيلية، إذ يمثل 55٪ من سكان العالم الحضري حوالي 18٪فقط من المستشارين، في حين يمثل 82 ٪ من المستشارين 45 ٪ من سكان العالم القروي، وهو ما يعني عدم تناسب عدد المقاعد المتنافس حولها بعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية!. إن هذا الخلل في التوازن هو بالضبط ما يريده من يتحكمون عن بعد في نتائج الانتخابات قبل انطلاقها، لأنهم يدركون أنهم بهذا الإجراء يستطيعون تمكين الإدارة من التحكم في انتخابات مجالس العمالات والجهات وانتخاب مجلس المستشارين…
كما أن اعتماد نمط الاقتراع باللائحة في 92 دائرة فقط التي يتجاوز عدد ناخبيها 35 ألف ناخب، من أصل أزيد من 15000 دائرة ، يعني فسح المجال أمام مفسدي الانتخابات لاستثمار مساوئ النظام الفردي وعلى رأسها سهولة استعمال المال للتأثير في أصوات الناخبين، وسهولة توظيف المعطى القبلي والعشائري في العملية الانتخابية ….
وفي الوقت الذي يشتكي فيه الجميع من كثرة الأحزاب التي لا تعكس في جوهرها تعددية حقيقية، حرصت وزارة الداخلية آنذاك على رفض كل المقترحات الرامية إلى اعتماد عتبة تمثيل محترمة تسمح بفرز قوى سياسية كبرى وتشجع الأحزاب الصغيرة على التكتل في أقطاب سياسية واضحة على غرار الأنظمة الانتخابية الديموقراطية (عتبة التمثيل في بريطانيا و تركيا وغيرها10٪ واكتفت بعتبة (6٪ محليا) وهي عتبة ليست كافية لتجميع أصوات الناخبين في مشاريع سياسية قوية، خصوصا إذا علمنا أن العديد من الأحزاب السياسية أضحت مرتهنة لنظام الأعيان المحليين الذين يفتقرون إلى امتداد سياسي وطني، ولا يعبرون عن مشروع سياسي حقيقي بقدر ما يعبرون عن مصالح فردية أو فئوية ضيقة سرعان ما تتحول إلى مكاتب جماعية مشتتة تعكس خريطة سياسية مبلقنة…
إن أعطاب النظام الانتخابي جعلتنا بالضرورة أمام انتخابات ناقصة النزاهة والشفافية، وبدون حماس شعبي نحن في أمس الحاجة إليه لزرع بذور الأمل لدى المواطن خصوصا بعد الحراك الشبابي الذي لم يعد يسمح لنا بأن نخطأ موعدنا مع التاريخ مرة أخرى..
٭ كاتب من المغرب
د. عبد العلي حامي الدين
أيها المواطنون المغاربة لماذا الإنتخابات ولكم ملك مثل محمد السادس وقد ظهر تواضعه في رحلته الأخيرة عند احتكاكه بالناس وركوبه في وسائل النقل العمومي والتقاط الصور التذكارية معه؟ أم تريدون أن تفرعنوه بانتخاب ثلة تقوم مقامكم لتقبيل يمناه؟ إذا أنتم من اخترتم منهج حياتكم تحت ظل الملك فألهتموه ولا يقول أحدكم إنه ” مولاكم وابن مولاكم ” لأن ذلك معلوم. ولا يستبعد أنكم وعبر من ينوبون عنكم ممن هم حوله يضللونه باستمرار استخراب الصحراء الغربية. أشجع ما يمكن أن يتخذه ملك المغرب هو منح الصحراويين استقلالهم عندها سوف تصمتون ولن يتجرأ أحدكم عليه ويزداد احتراما عند معظم المغاربة كما سيجلب ذاك الموقف للمغرب استثمارات كانت معطلة بسبب الصحراء الغربية.