الرباط ـ «القدس العربي»: لم تكن القضية التي تم تفجيرها بداية أيلول/ سبتمبر المنصرم، على إثر نشر رسائل تحمل طابعاً جنسياً جرى تبادلها بين أستاذ جامعي وطالباته على تطبيق التراسل الفوري”واتساب”، إلا كرة ثلج صغيرة بدأت في التدحرج حينها، لتكبر كاشفة بالتّوالي عن ملفات مشابهة في عدة مدن مغربية.
وتعود تفاصيل القضية حين انتشرت صور لمحادثات مطولة تحمل كلاماً جنسياً صريحاً بين أستاذ جامعي يدرّس في جامعة الحسن الأول في مدينة سطات قريباً من الدار البيضاء، وإحدى الطالبات التي كان يحثها على التوسط لدى طالبات أخريات من أجل ممارسة الجنس معه ومع أربعة من زملائه الأساتذة مقابل تمكينهن من النجاح، قبل أن تطفو إلى السطح عدد من القضايا المشابهة.
القضية التي باتت تعرف إعلامياً بـ”الجنس مقابل النقط”، أدَّت إلى متابعة 5 أساتذة استغلوا الطالبات جنسياً، لم تكن أولى القضايا من هذا النوع ولا آخرها، حيث تداول طلبة “المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير” في مدينة وجدة، صوراً لمحادثات عبر تطبيق “ماسنغر” منسوبة لأستاذ وبعض طالباته، وهو يتحرش بهن ويطالبهن بإشباع نزواته الجنسية، مقابل الحصول على علامات نجاح جيدة.
“مدرسة الملك فهد العليا للترجمة” في طنجة، كانت منذ أيام مسرحاً لـ”فضيحة جنسية” جديدة لا تقل خطورة عن تلك التي شهدتها “كلية الحقوق” بسطات و”المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير” في وجدة، حيث كشفت طالبة أن أحد أساتذتها تحرش بها جنسياً أمام مرأى من زملائها، ما دفع 12 طالباً وطالبة إلى تقديم شكاية ضده إلى النيابة العامة.
مُساءلة
هذه القضايا المتناسلة، دفعت نواباً برلمانيين إلى استدعاء وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، لمجلس النواب للمثول أمام لجنة التعليم والثقافة والاتصال لإثارة واقع التعليم الجامعي، ومن المتوقع أن تتم مساءلة الوزير عن هذا الملف المثير للجدل إلى جانب ملفات تتعلق بالجامعة المغربية. وسبق لـ “فريق الأصالة والمعاصرة” في مجلس النواب أن وجه سؤالاً شفوياً آنياً “حول ظاهرة التحرش والابتزاز مقابل النقط في الوسط الجامعي والمدارس العليا” إلى وزير التعليم العالي، وتساءل برلمانيون عن “الإجراءات المستعجلة من أجل فتح تحقيق بشأن هذه الوقائع، وعن التدابير المتخذة لحماية الطالبات من تكرار هذه الأفعال بما تشكله من عنف وتمييز في حقهن، وتهديد لمسارهن الدراسي”.
كما وجه الفريق سؤالاً آخر إلى وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، حول “استراتيجية الوزارة لحماية الطالبات من الابتزاز والتحرش الجنسي داخل الجامعة والمدارس وفي محيطها”.
مباشرة، عقب الجدل الذي أثارته قضية سطات، خرج “المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين”، ليؤكد أنه “اطلع بألم وحسرة على ما نشر أخيراً بخصوص أحد الأساتذة الباحثين بجامعة الحسن الأول بسطات من تلاعب مفترض بمصير طلاب علم ومعرفة”.
وجدّد المرصد التأكيد على أن هذا النوع من الأحداث التي تقع اليوم في بعض المؤسسات، “هي تصرفات غير محسوبة العواقب من طرف البعض القليل من الأساتذة الباحثين الفاقدين للتجربة أو الذين ابتُلوا بمثل هذه الأخلاق، يحط من أدوار ورسائل التعليم العالي ويضرب المنظومة في قلبها”، مشيراً إلى أن الظاهرة “مرفوضة بكل المقاييس والأخلاق والقناعات والعقائد الفردية والجماعية”.
ودعا المرصد وزارة التعليم العالي ورئاسة الجامعة المعنية إلى “فتح تحقيق في الموضوع، وإخبار الرأي العام والجامعي بنتائجه”، وأضاف أنه قرر تنصيب طرف مدني في كل ما قد ينتج عن هذا الملف من تبعات ومعطيات، مطالباً في الوقت ذاته النيابة العامة بفتح تحقيق في صحة الخبر المنشور من عدمه درءاً وتحصيناً لسمعة أسرة التربية والتكوين وطنياً وخارجياً”.
تنديد ورفض
سميرة موحيا، رئيسة فدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب التي تضم عشرات الجمعيات، أدانت بشدة ما سمّته “جرائم حاطة من كرامة الطالبات، التي تدخل في إطار العنف المبني على النوع الممارس ضد النساء اللواتي يتعرضن له بشكل يومي ويؤثر على أوضاعهن الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والجسدية والنفسية”. وطالبت الناشطة الحقوقية القطاعات الوصية بحماية الطالبات المشتكيات وضمان حقهن في متابعة دراستهن بعيداً عن أي ردود أفعال قد تعصف بمسارهن الدراسي ثم بمستقبلهن، وحمايتهن من التشهير، معتبرة أن هذه الأفعال تدخل في إطار الاتجار بالبشر، وتطالب بأن تأخذ العدالة مجراها الصحيح على كل من ثبت في حقهم هذه الأفعال الجرمية لضمان عدم الإفلات من العقاب. ودعت رئيسة الفدرالية إلى تجويد القانون 103.13 بشأن العنف والتمييز ضد النساء المغربيات في أفق قانون إطار شامل يضمن الوقاية والحماية والعقاب وجبر الضرر وإدماج الضحايا وتكسير “التابوهات” المتعلقة بالعنف الجنسي ومحاربة التطبيع المجتمعي مع العنف.
ودعت موحيا، في تصريح لـ “القدس العربي”، إلى متابعة المتهمين بقانون الاتجار بالبشر من أجل استغلال النفوذ والسلطة، عوض القانون الجنائي الذي يمكن أن ينقلب على الضحايا، على اعتبار أن المجتمع والمنظومة التعليمية دائماً ما يميلان إلى تحميل النساء أسباب ما وقع، وأن للضحية بالضرورة يداً فيما وقع لها.
وترى الناشطة الحقوقية أن الجامعة فضاء للتعلم والمعرفة بعيداً عن أي شيء آخر، مثمنة الإجراءات التي قامت بها بعض المؤسسات التعليمية عبر إحداث لجنة للاستماع ووضع رقم هاتفي خاص بذلك، معتبرة أنها “سابقة متميزة ستخدم لا محالة الضحايا وتكسر التابو حول ما تعرفه بعض المؤسسات الجامعية من تمييز وعنف وتحرش في حق الطالبات، وأحياناً في حق الأستاذات كذلك”، وفق تعبيرها.
وتوجّهت “جمعية نعمة للتنمية” إلى ذوي القرار والمجتمع بكافة مؤسساته، مؤكدة أن ما تتعرض له الطالبات في إطار ظاهرة “الجنس مقابل النقط” ليس سوى امتدادٍ لما تتعرض له النساء سواء في الشارع أو غيره، وفق ما جاء في بيان تلقت “القدس العربي” نسخة منه.
وطالبت بمراجعة القوانين التي تجرّم الابتزاز الجنسي واعتبارها ضمن جرائم الاتجار بالبشر، وإجبار كل المؤسسات على إعداد خطة لمناهضة العنف والتعريف بها داخل المؤسسة وتفعيلها حماية للنساء والفتيات، وإخراج هيئة المساواة ومكافحة كل أشكال التمييز للوجود، مع مراجعة القانون المحدث لها لتقوم بدورها كهيئة تقوم برصد الانتهاكات المبنية على النوع الاجتماعي.
ألا يوجد هناك شكل من تجمعات الطلبة والطالبات يتعاونون على فضح هؤلاء الأشرار؟
هل هذا الموضوع بالمغرب فقط؟ ولا حول ولا قوة الا بالله