الرباط ـ « القدس العربي »: تأبى السياسة إلا أن تُلقي بظلالها على الرياضة، إذ صارت هذه الأخيرة بالنسبة لأحزاب المعارضة في المغرب وسيلة لتوجيه سهام النقد اللاذعة لحكومة عزيز أخنوش الليبرالية، التي تُؤاخذ على رصد مبالغ مالية ضخمة لرياضات معينة، مقابل نتائج هزيلة في منتديات دولية. كما تطالب أطياف في الرأي العام المحلي باستقالة مسؤولين عن اتحادات محلية، متهمين بـ”سوء التدبير” الذي أدى إلى تراجعات ملحوظة في أصناف رياضية كانت تبوّئ المغرب سابقًا مكانة مرموقة في المسابقات العالمية.
ضمن هذا الإطار، دخلت المعارضة البرلمانية على خط المشاركة المغربية في “أولمبياد” باريس التي اختتمت مؤخرا، وفي حوزة الرياضيين المغاربة ذهبية واحدة حصدها العدّاء البطل سفيان البقالي، وبرونزية نالها المنتخب الأولمبي المغربي لكرة القدم. ويُنتظر أن يكون النزال السياسي ساخنا حول حصيلة الرياضة المغربية تحت قبة مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي) خلال الموسم السياسي المقبل، وهي مبادرة تقف وراءها المعارضة ممثّلة في كل من المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” والفريق النيابي لحزب “الاتحاد الاشتراكي”.
دعوة كل من حزبي عبد الإله بن كيران وإدريس لشكر لاجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال، تأتي بعد الجدل الكبير الذي شهده المغرب طيلة الأيام القليلة الماضية حول موضوع المشاركة الرياضية المغربية في “أولمبياد” باريس، تجسد ذلك في تدوينات على منصات التواصل الاجتماعي وهاشتاغ “ارحل” التي رُفعت في وجه مسؤولين عن جامعات رياضية (اتحادات محلية)، كما كان موضوعا دسما لمقالات ومتابعات إعلامية أنجزتها مختلف المنابر الصحافية، وأخذت منحى النقد اللاذع لطريقة تدبير الرياضة في المغرب على يد المسؤولين عنها.
المجموعة النيابية لحزب “العدالة والتنمية” اختارت التسلح بخبراء وأبطال سابقين، وطلبت في مراسلتها الموجهة إلى رئيس لجنة التعليم والثقافة والاتصال، بحضور كل من الخبير والإطار المغربي عزيز داودة، والأبطال العالميين السابقين سعيد عويطة ونوال المتوكل ونزهة بيدوان وهشام الكروج.
وتطرقت المراسلة التي اطلعت عليها “القدس العربي” إلى ضرورة حضور وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بن موسى، على اعتبار أنه المشرف على قطاع الرياضة، وذلك لمساءلته حول “الحصيلة المؤسفة والمحبطة للرياضة المغربية في أولمبياد باريس 2024”. ووصفت المجموعة النيابية للحزب الإسلامي المعارض مشاركة الرياضيين المغاربة في الأولمبياد بـ “الباهتة”، وقالت: “لم تحصد بلادنا في هذا المحفل الرياضي العالمي سوى ميداليتين يتيمتين، ذهبية في سباق 3000 متر موانع، ونحاسية في كرة القدم”.
الدعوة نفسها وجهها الفريق النيابي لحزب “الاتحاد الاشتراكي” المعارض، وكانت مراسلته الموجهة إلى رئيس اللجنة المذكورة تتضمن المعنى ذاته الوارد في مراسلة “العدالة والتنمية”، بمصطلحات مختلفة، لكنها تفيد المغزى نفسه والدلالات عينها، وزاد نواب حزب إدريس لشكر بطلب حضور إلى جانب الوزير بن موسى الوصي على قطاع الرياضة، رئيس “اللجنة الوطنية الأولمبية المغربية” ورؤساء الجامعات الرياضية (الاتحادات المحلية) التي شاركت، وأيضا رؤساء الجامعات التي لم تتمكن من التأهل إلى الأولمبياد، وذلك بهدف “تقييم المشاركة المغربية في النسخة الأخيرة” من هذه الألعاب، و”الوقوف على مدى حضور الرياضة المغربية في مثل هذه التظاهرات الدولية في مختلف المسابقات والتخصصات” من أجل “تدارس أسباب النتائج السلبية وغير المقبولة قياسا بالإمكانيات الهائلة التي تم توفيرها، والاستثمارات الضخمة في المجال الرياضي عامة وفي البنيات التحتية الرياضية على وجه الخصوص”.
“الخيبة” الرياضية في أولمبياد باريس، التي شعر بها المغاربة بعد الحصيلة “الهزيلة”، لم تكن موضوع مساءلة المعارضة السياسية فقط، بل حتى الأغلبية عبّرت عن ذلك، كما ورد في سؤال كتابي للنائب البرلماني عبد اللطيف الزعيم عن حزب “الأصالة والمعاصرة” المشارك في الحكومة، وجهه إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وأكد فيه أن الرياضة المغربية عجزت عن “تحقيق نتائج تتماشى مع طموحات الجماهير والتوقعات”، كما وصف المشاركة بـ “خيبة أمل واسعة”.
وتحدث برلماني فريق “الأصالة والمعاصرة” الأغلبي، عن “الاستثمارات الكبيرة التي ضختها الحكومة المغربية واللجنة الأولمبية الوطنية في تجهيز الرياضيين”، إلا أن النتائج، يضيف البرلماني المذكور، جاءت “بعيدة عن المأمول؛ فقد اقتصرت الإنجازات على استثناءات محدودة أنقذت ماء الوجه مثل ذهبية العداء سفيان البقالي في سباق 3000 متر موانع، والإنجاز الكبير وغير المسبوق للمنتخب الأولمبي المغربي في كرة القدم بعد حصوله على الميدالية البرونزية”.
وحسب البرلماني الزعيم، فإن ذلك “يدفعنا في ضوء النتائج المخيبة للآمال، إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الفشل، خصوصا أن الجماهير المغربية التي كانت تأمل في رؤية أبطالها على منصات التتويج شعرت بخيبة أمل كبيرة، وهو ما يرسخ أن التسيير الرياضي في المغرب يعاني من اختلالات جوهرية حالت دون تحقيق النتائج المتوقعة رغم الاستثمارات الكبيرة التي ضختها الحكومة المغربية واللجنة الأولمبية الوطنية في تجهيز الرياضيين، وهو ما يستدعي إجراءات حازمة وإحداث تغيير جذري أصبح ملحاً لضمان أن الاستثمارات الكبيرة لا تذهب سدى، ولتحقيق الأهداف التي ترجوها الجماهير المغربية من رياضييها في المحافل الدولية”.
من جهته، صبّ الرأي العام المغربي غضبه على اللجنة الأولمبية الوطنية المغربية، ومعها باقي الجامعات الرياضية (الاتحادات المحلية)، التي عجزت عن التتويج بأي معدن من الميداليات، ورفعت جماهير منصات التواصل الاجتماعي هاشتاغ “ارحل” في وجه كل رؤساء الجامعات الرياضية، مذكرين بأنهم عمّروا طويلا في كراسي المسؤولية لسنوات طويلة في مقابل حصاد هزيل جدا، بلغ صفر تتويج بالنسبة لبعض الرياضات، ونحاسيات بالنسبة للأخرى مثل الملاكمة، أما ألعاب القوى التي كان حضور المغرب فيها وازنا جدا في السابق، فقد عرفت أضعف مشاركة خلال “أولمبياد” باريس.