باريس ـ «القدس العربي»: ما زال المغرب والمغاربة يعيشيون تحت صدمة الزلزال المدمر الذي حدد مركزه في إقليم الحوز جنوب غربي مدينة مُراكش السياحية، والذي بلغت قوته 7.2 درجات على مقياس ريختر، وذلك بعد مرور أسبوع بالكامل على هذه الكارثة التي خلفت نحو ثلاثة آلاف قتيل وآلاف المصابين بجروح متفاوتة الخطورة، في مناطق الحوز ومراكش وورززات أزيلال وشيشاوة وتارودانت.
وتواصل فرق الإنقاذ جهودها المكثفة في القرى التي دمرها الزلزال وسويت العديد منها بالأرض وإن كانت آمال العثور على ناجين تتضاءل، في ظل التضاريس الوعرة والطرق المتضررة وتباعد القرى ووجود الأماكن المتضررة فوق جبال شاهقة، مثل القرى التابعة لمدن أمزميز وشيشاوة وتارودانت، كما أن تساقط أحجار ضخمة على الطرقات أسهم كذلك في إعاقة عمل الجرافات. ويستعين المغرب بفرق إنقاذ من أربع دول من بريطانيا وإسبانيا والإمارات العربية المتحدة وقطر. وجاء في بيان لوزارة الداخلية المغربية، أن المغرب استجاب لعروض المساعدة التي قدمتها الدول الصديقة، إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، والتي اقترحت تعبئة مجموعة فرق الإنقاذ والبحث، وأنه يمكن مع تقدم عمليات التدخل أن يتطور تقييم الاحتياجات المحتملة، وبالتالي، قد يتم اللجوء إلى عروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة، انطلاقاً من احتياجات كل مرحلة.
غير أن موافقة السلطات المغربية على مساعدة هذه الدول الأربع من بين أكثر من 60 دولة أعلنت استعدادها للمساعدة الفورية لم تَمر مرور الكرام. فمن الولايات المتحدة الأمريكية إلى روسيا مرورا بفرنسا، سارعت دول العالم على عرض مساعداتها للمغرب المتضرر عقب هذا الزلزال المدمر. أبلغت واشنطن الرباط أنها مستعدة لتقديم مساعدة كبيرة، بما في ذلك فرق بحث وإنقاذ جاهزة للانتشار، والإفراج عن أموال في الوقت المناسب، كما جاء على لسان نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون فاينر. من جانبها، حشدت فرنسا كافة الفرق الفنية والأمنية لتتمكن من التدخل عندما ترى السلطات المغربية ذلك مفيدا، حسب ما أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، موضحاً أنه يعود للسلطات المغربية «أن تقرر بناء على تقييمها الميداني» لكي تعود المساعدة الفرنسية بالفائدة. وعرضت بلجيكا تفعيل خدمة تنسيق المساعدات الطارئة بالخارج للاستجابة لطلبات المساعدة التي ستقدمها للسلطات المغربية، المستشفيات الميدانية والمتنقلة المزودة بمعدات الاستجابة للطوارئ والفرق الطبية. وكذلك فعلت إيطاليا بعرض مساعدة هيئة الدفاع المدني وفرق الإطفاء، وشدد الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا على استعداد بلاده للمساهمة في عمليات الإنقاذ المعقدة. وعرضت سويسرا، بدورها، توفير ملاجئ موقتة ومعدات لمعالجة المياه وتوزيعها ومرافق صرف صحي ومستلزمات نظافة. بدورها، اقترحت تركيا إرسال العشرات من عناصر الإنقاذ وألف خيمة. كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن بلاده ستقدم كل المساعدة الممكنة للمغرب بما في ذلك فريق بحث وإنقاذ إذا طلبت ذلك. وعرضت الجزائر مخططاً طارئاً لمساعدة المغرب، بعد أن قررت فتح مجالها الجوي أمام الرحلات لنقل المساعدات الإنسانية إلى المغرب.
العلاقات الدبلوماسية
أثار قبول المغرب عروض المساعدة من إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة، دون غيرها من العروض التي تلقاها من مختلف أنحاء العالم، تساؤلات العديد من المتابعين والمحللين، لاسيما في الجزائر وفرنسا التي تصدر هذا الموضوع النقاش في وسائل إعلامها. فقد ربط العديد من المحللين وحتى السياسيين الفرنسيين ما اعتبروه «رفضاً» أو «تجاهلاً» مغربياً للمساعدة الفرنسية المقترحة بالتوتر الذي تشهده العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، على خلفية محاولات الرئيس الفرنسي ماكرون التقرّب من الجزائر التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط في 2021 إثر اتّهامها المملكة بالقيام بـ«أعمال عدائية». بالإضافة إلى القيود التي فرضتها باريس على منح تأشيرات للمغربيين قبل أن ترفعها في كانون الأول/ديسمبر الماضي. ناهيك عن أن صبر الرباط بدأ ينفد حيال موقف باريس من ملف الصحراء الغربية. وللإشارة، منذ أشهر لم يعد هناك سفير مغربي في فرنسا. وأمام هذه التساؤلات والتكهنات، ندّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجدل الدائر حول العلاقات بين باريس والرباط، قائلاً في رسالة وجهها إلى الشعب المغربي عبر مقطع فيديو نشره حسابه على منصّة إكس، أي تويتر سابقاً، قال فيه: «يعود إلى العاهل المغربي وحكومته بصورة سيادية بالكامل، تنظيم المساعدات الدولية، وبالتالي فإن فرنسا بتصرّف خيارهما السيادي. وعليه، يجب أن تتوقف كلّ السجالات التي تفرّق وتعقّد الأمور في هذا الوقت المأساوي للغاية، احتراماً للجميع».
وبينما كان الرئيس الفرنسي ووزيرة خارجيته يُحاولان وضع حد للجدل في بلدهما حول موضوع قبول المغرب مساعدة دول دون أخرى، بما في ذلك فرنسا، أعلنت وزارة الخارجية الجزائرية إنها تلقت ردا من قبل السلطات المغربية، عبر القنصل الجزائري في الدار البيضاء، يفيد بأن المغرب ليس بحاجة إلى المساعدات الإنسانية التي عرضتها الجزائر. وشددت مصادر رسمية مغربية، على أن الرباط لم تتعامل بصيغة انتقائية سلبية مع عروض المساعدات، وإنما قاربتها من زاوية احتياجاتها على المستوى التقني، ذلك أن الأدوية والأغذية تمكنت السلطات بمعية المجتمع المدني من توفير ما يلزم منها. وأكدت المصادر المغربية أن قبول المساعدات حتى هذه المرحلة من دول قليلة يروم التحكم في عملية تنسيق الجهود، وبالتالي ضمان نجاعة التدخلات. وتضيف المصادر التوضيح أن المقاربة التي اعتمدها المغرب في التعاطي مع المساعدات المقترحة هي مقاربة تقنية بالدرجة الأولى، وقبول المساعدات من الإمارات العربية المتحدة وإسبانيا وبريطانيا وقطر راجع بالأساس إلى كون المساعدات التي عرضتها هذه الدول الأربع ذات طبيعة تقنية، لاسيما فيما يتعلق بتقنيات البحث تحت الأنقاض.
إيواء المتضررين
في خضم ذلك، أعلن الديوان الملكي في المغرب عن تفعيل خطة فورية لإيواء المتضررين وإعادة إعمار المناطق المنكوبة جراء الزلزال، بما في ذلك إيواء مؤقت بهذه المناطق تأخذ في الحسبان تحديات كثيرة بينها الأمطار وتراجع درجات الحرارة، صرف مساعدات مالية مباشرة لتسريع أعمال البناء أو إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا، حسب ما ورد في بيان للديوان الملكي، عقب اجتماع عمل حكومي، يوم الخميس، أشرف عليه العاهل المغربي محمد السادس. يشمل البرنامج «مبادرات استعجالية للإيواء الموقت وخصوصا من خلال صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد، فضلا عن فضاءات استقبال مهيأة وتتوافر على كل المرافق الضرورية» بتعليمات من الملك. بالإضافة إلى ذلك، ستمنح الدولة مساعدة استعجالية بقيمة نحو 2900 دولار للأسر المعنية. كما أمر بإحصاء الأطفال اليتامى بسبب الزلزال، و«منحهم صفة مكفولي الأمة».