المغرب: خبير اجتماعي يلقي باللائمة على المواطنين في انتشار الفيروس وقيادي نقابي: الحكومة تحاول استغلاله لتمرير قوانين مجحفة

الطاهر الطويل
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: عدد المُتعافين من فيروس «كورونا» يُقارب عدد المصابين به خلال 24 ساعة. ذلك ما أُعلن عنه في المغرب السبت حيث سُجّلت 2663 حالة إصابة جديدة، مقابل تماثل 2643 حالة للشفاء، بينما توفي 30 شخصاً متأثراً بالفيروس، ووصل مجموع الحالات الخطيرة أو الحرجة الموجودة حالياً بأقسام الطوارئ والعناية المركزة إلى 440 حالة، 51 منها تحت التنفس الاصطناعي الاختراقي.
ومنذ ثلاثة أسابيع تقريباً، ما زالت أعلى الإصابات تُسجَّل في «جهة الدار البيضاء ـ سطات» حيث أعلن فيها خلال 24 ساعة الأخيرة عن وجود 1475 حالة، أي أكثر من نصف العدد المسجل في المغرب ككل. وهو ما يطرح مشكلة استيعاب الأعداد المتزايدة من المصابين في المستشفيات وأقسام العناية المركزة.
ومن بين حالات الوفاة التي سجلت في مدينة الدار البيضاء بسبب الفيروس، رحيل ثلاثة أسماء وازنة في مجال الطب، يتعلق الأمر بالبروفيسور فاطمة عبي، أول امرأة جراحة في المغرب وأستاذة علم التشريح سابقاً في كلية الطب والصيدلة في المدينة المذكورة، والبروفيسور بنزاكور، أستاذ جراحة العظام والمفاصل، والدكتور الحمداني، أستاذ سابق في أمراض الجهاز الهضمي. ونعى العديد من الأطباء المغاربة وكذا طلاب كليات الطب أساتذتهم عبر تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قدموا التعازي الحارة لعائلات الراحلين وذويهم، واصفين إياهم بشهداء الواجب الإنساني والمهني.

ثمن رفع الحجر الصحي

و أفاد موقع «أخبارنا» أن كوادر وموظفي إحدى كبرى المؤسسات المصرفية في الدار البيضاء يشتكون من الإهمال الذي يعاني منه زملاؤهم المصابون بفيروس «كورونا» وأعطوا مثالاً على ذلك بمهندس معلوميات يوجد حالياً في إحدى مصحات العاصمة الاقتصادية دون أية رعاية ولا التفاتة من رؤسائه بالعمل ولا من الإدارة العامة.
ويؤاخذ مختصون على الحكومة المغربية عدم قدرتها على التعامل مع هذه الأزمة بالفعالية المطلوبة. وفي هذا الصدد، أوضح البروفيسور أحمد بلحوس، طبيب في المركز الاستشفائي ابن رشد في الدار البيضاء، في تصريح لأسبوعية «الأيام» أن السلطات المعنية ارتكبت عدة أخطاء في تدبير أزمة الجائحة بعد تجاوز مئة ألف حالة، ومنها التعامل الانفرادي مع الجائحة دون إشراك الكثير من الفاعلين، وعدم استغلال فترة الحجر الصحي لتأهيل المستشفيات العمومية، وكذا سوء تدبير رفع الحجر الصحي، وغياب مسار واضح لمعالجة المصابين بالفيروس، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالموارد البشرية وإنهاكها بدون تحفيز، وسوء تقدير الجائحة، والاغترار بنتائج تدبير بدايتها، ثم فقدان ثقة المواطنين في الكثير من قرارات الدولة، وهذا أخطر من الوباء نفسه. وأضاف بلحوس قائلاً إن «ما نعيشه اليوم هو المرحلة الأولى الحقيقية للوباء، وليست موجة ثانية».
في السياق نفسه، قال الدكتور الطيب حمضي، باحث في السياسات والنظم الصحية، إننا «نعيش حالة انتكاس ونؤدي ثمن رفع الحجر الصحي، دون احترام الإجراءات الاحترازية داخل المصانع والمؤسسات والفضاءات العامة، وندفع كذلك ثمن عدم قدرة المنظومة الصحية على كثافة الكشف المبكر».
وإذا كان بعض الخبراء ينحون باللائمة على الحكومة والجهات المسؤولة في موضوع تفشي الوباء، فإن آخرين يركزون فقط على المواطن، ويحملونه المسؤولية الكاملة. وهكذا نقلت صحيفة «المساء» عن علي الشعباني، مختص في علم الاجتماع، قوله إن تعايش المغاربة مع الفيروس أخذ منحى سلبياً، بدليل أنه ألحق بهم العديد من الأضرار النفسية والاجتماعية والعلائقية. وأضاف قوله: «للأسف لم يستطيعوا تجسيد المعنى الإيجابي للتعايش مع الوباء. والدليل على ذلك هو أعداد الإصابات التي ما زالت في ارتفاع مهول، والوباء ما زال يلحق الكثير من الضرر، من خلال عدد الوفيات المصرح بها من طرف الجهات الرسمية. كلها أمور تدل على أن المغاربة لم يعرفوا كيفية التعامل مع الوباء، أو أنهم ملوا من الإجراءات والتدابير الاحترازية التي تقف حاجزاً في وجه الوباء، بسبب ما فرض عليهم من تقليص للحريات التي كانوا يتمتعون منها قبل كورونا». وتابع قائلاً: «تعايش المغاربة، أو فئة منهم، مع الوباء كان سلبياً، على الرغم من أنهم حاولوا في بداية الأمر احترام الكثير من التعليمات والإجراءات الاحترازية، لكن مع طول مقام الفيروس ووجوده بيننا، تضايقت نفوس المغاربة، وبالتالي خففوا من درجة الالتزام والانضباط».
وما زالت الأزمة الصحية المتفاقمة في مدينة الدار البيضاء تلقي بظلالها على أوضاع العمال الذين يعانون من مضايقات كثيرة من طرف مشغليهم، تصل أحياناً إلى درجة الطرد من العمل، وهو ما حذا بأعضاء في النقابة العمّالية «الاتحاد المغربي للشغل» إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر هذه النقابة، أول أمس، نددوا خلالها بتقاعس الحكومة المغربية عن حمايتهم من تجاوزات أرباب العمل، مطالبين بإنصافهم وتخفيف المعاناة عنهم في ظل جائحة «كورونا». ويُنتظر أن ينظم العمال المنضوون تحت لواء النقابة المذكورة احتجاجاً جديداً غداً الثلاثاء أمام مقر «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» ثم وقفة في الحي الصناعي «مولاي رشيد» والحي الصناعي «سيدي معروف عين الشق».
وذكر ميلودي موخاريق، أمين عام «الاتحاد المغربي للشغل» أن أعداداً مهمة من العاملات والعمّال فقدوا مناصب عملهم، وبالتالي مورد رزقهم، بسبب التسريحات الجماعية، حيث إن ما يقارب 600 ألف أجير توقفوا عن العمل بمعدل 10.000 عامل يتم فصلهم يومياً عن العمل في المغرب، حسب آخر التقارير الرسمية.

مدونة الشغل

وتزامنت الوقفة الاحتجاجية المقامة في الدار البيضاء مع تنظيم ندوة حول «تطبيق مدونة الشغل» من طرف وزارة الشغل والإدماج المهني في العاصمة الرباط، حيث عاب مسؤولون نقابيون على الحكومة استغلالها لجائحة «كورونا» من أجل تمرير قوانين مجحفة، مثل مشروع قانون الإضراب ومشروع قانون المنظمات النقابية. وفي هذا الصدد، قال القيادي النقابي موخاريق إن الحكومة لم تقم بتدبير الأزمة الحالية من الناحية الاجتماعية بالمسؤولية اللازمة، بل إنها استغلت هذه الظرفية لتمرير قوانين مجحفة في حق الطبقة العاملة، واعتبر أن طرح الوزارة موضوع تطبيق مدونة الشغل في الظرفية الحالية ينطوي على تناقض بين الخطاب الحكومي وبين الوضعية السيئة للطبقة العاملة. وتحدث عن الأعداد الكبيرة من العمال الذين فقدوا عملهم بسبب تداعيات جائحة فيروس «كورونا» معتبراً أن هذه الوضعية التي وصفها بـ«المأساوية» ستزداد حدة أمام ضعف الحماية الاجتماعية، ومعها سيزداد الفقر والبطالة والهشاشة.
وأكد عبد الإله الحلوطي، أمين عام «الاتحاد الوطني للشغل» الدرع النقابي لحزب العدالة والتنمية، على ضرورة جعل الحماية الاجتماعية من القضايا المهمة لتتبوأ صدارة الاهتمامات، مشيراً إلى أن المغرب حقق خطوات مهمة مقارنة مع أقطار أخرى، لكن عند المقارنة بما هو مطلوب وبما يحفظ الحياة الكريمة للأسر المغربية ينبغي جعل الحماية الاجتماعية من القضايا المهمة. وقال إن كرامة الوطن من كرامة العمال والطبقة الشغيلة، وأضاف أنه ينبغي إعادة النظر في مدونة الشغل وتطبيقها ودراسة بنودها، متسائلاً عما إذا كانت كل بنودها تساير الواقع اليومي، خاصة بعد أكثر من عشر سنوات من التطبيق وما شهده المغرب من تطورات في آليات ووسائل العمل، وأشار إلى أنه باسم هذه «المدونة» وانطلاقاً من تطبيق بنودها يعاني العديد من العمّال، بعضهم توقف عن العمل وبعضهم الآخر عُوقب بالسجن. وعبّر عن أسفه لما تعاني منه العديد من القطاعات جراء تداعيات تفشي كورونا، كما هو الحال بالنسبة لربابنة ومستخدمي «الخطوط الملكية المغربية» رغم تقدمهم بمقترح التنازل وتقاسم أجرتهم مع زملائهم.
وفي إطار النضال العمّالي دائماً، أفادت صحيفة «الصحراء المغربية» أن الوقفة التي نظمها سائقو سيارات الأجرة، وسط الدار البيضاء، عجّلت بدعوة السلطات المحلية للجلوس إلى طاولة للحوار، الجمعة الماضي، لطيّ مشكلات القطاع، حيث عقد ممثلو السائقين لقاء مع محافظ المدينة، ما مكّن من امتصاص غضب المحتجين الذين أوقفوا إضرابهم في انتظار تنفيذ قرار تنظيم الجولات بين مناطق جهة الدار البيضاء هذا الأسبوع.
وكان لتوقف حركة السفر نحو الخارج انعكاس على بعض مشروعات الهجرة إلى أوروبا وأمريكا، بسبب الوضعية الوبائية التي يمر بها العالم، الأمر الذي تسبب في تأجيل الأحلام لوقت لاحق. وساقت صحيفة «بناصا» الإلكترونية مثالاً على ذلك بإحدى الوسائل التي يلجأ إليها الشبان المغاربة من أجل التمكن من الهجرة إلى البلدان الأوروبية بطرق قانونية، والمتمثل في «الزواج الأبيض» أو «الصوري» وهو أن يعقد الشخص قرانه بفتاة على الورق، مقابل مبلغ مالي كبير، على أن يتم إنهاؤه مباشرة بعد حصول الطرف الأول على أوراق الإقامة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية