الرباط ـ «القدس العربي»: مع اقتراب موعد تطعيم المغاربة باللقاح ضد كوفيد الذي سيكون بالمجان للجميع، وفق توجيهات العاهل المغربي محمد السادس، تظهر من حين لآخر عبر مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الافتراضية أصوات تشكك في سلامة ونجاعة اللقاح، تأثراً بمشككين آخرين موجودين في أكثر من بلد عبر العالم. ويقترح البعض أن يعطي الوزراء والبرلمانيون المثال بأنفسهم، ليكونوا أول الملقَّحين، من أجل زرع الثقة في نفوس المترددين. أما أغرب المواقف فجاءت من أحد الفاعلين الجمعويين الذي طالب بمعاقبة من يدعو إلى مقاطعة التطعيم.
أول رد على الذين يغردون خارج السرب يأتي ـ حسب مراقبين ـ من كون الدولة لا يمكن أن تضحي بخيرة كوادرها في مجالات الطب والأمن والجيش والتعليم الذين سيلقحون في البداية، وهي غير مطمئنة لسلامة اللقاح؛ فقرار الموافقة على اللقاح جاء بناء على استنتاجات اللجنة العلمية والطبية المختصة، وعلى التجارب السريرية والاختبارات التي أثبتت سلامتها.
ويرى الدكتور سمير قدار، رئيس شبكة الكفاءات الطبية لمغاربة العالم، أن وباء فيروس كورونا المستجد أدى إلى تزايد نظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة. وأضاف قائلاً في حديث لوكالة الأنباء المغربية: «هذا الفيروس شديد الخطورة، أولاً لأنه شديد العدوى وينتقل بسرعة كبيرة، وأيضاً لأنه في بعض الحالات يصيب المرضى بأشكال حادة من العدوى يمكن أن تؤدي إلى الوفاة. وعلى الرغم من ذلك، ما يزال هناك أشخاص ينكرون وجوده أو يقللون من خطورته. وفي المقابل، بدأ المشككون في اللقاح، مؤخراً، يتساءلون عن فعالية اللقاح ويعبرون عن مخاوفهم إزاء آثاره الضارة المحتملة».
المسؤولية الجماعية
ويدعو الدكتور قدار المشككين إلى «التحلي بالمسؤولية الجماعية، والثقة في الإجراءات التي تتخذها السلطات واللجان العلمية، قصد النجاح في عملية التلقيح وتجاوز هذه الأزمة الصحية» موضحاً أن تلك اللقاحات جرى تطويرها من قبل أطباء وعلماء ذوي كفاءة، ولا يمكن منحها إلا بعد سلسلة من التجارب السريرية والاختبارات التي تثبت سلامتها، ما ينطبق على اللقاح الذي تم اختياره من طرف المغرب لحملته التلقيحية.
كما لاحظ أن «كوفيد 19» فيروس جديد لا نعرف عنه الكثير؛ وبالنظر لعدم وجود أدوية (مضادات فيروسية، مضادات حيوية…) ضد هذا الفيروس، يظل اللقاح الوسيلة الوحيدة الفعالة لمواجهة انتشاره. وتابع قوله: «بفضل التمويلات والاستثمارات الهائلة، انخرطت الكثير من مختبرات الأدوية في السباق للحصول على لقاح مضاد لـ»كوفيد 19» الذي يعتبر أملاً في تقليل عدد الإصابات والوفيات وكذا الخروج من الركود الاقتصادي».
ومع ذلك ـ يقول رئيس شبكة الكفاءات الطبية لمغاربة العالم ـ ينبغي معرفة أن اللقاح، حتى لو كان فعالاً للغاية، لا يضمن المناعة ضد الفيروس بين عشية وضحاها، لا سيما بالنسبة للأشخاص الضعفاء، المصابين بمرض مزمن أو الذين يعانون من نقص المناعة الخلقي. من هذا المنطلق، يجب ألا نخفض مستوى حذرنا ويتعين الاستمرار في احترام التدابير الصحية الوقائية (التباعد الاجتماعي، نظافة اليدين، ارتداء الكمامة الواقية…) لعدة أسابيع.
في السياق نفسه، أعلن مصطفى الشناوي، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي في المغرب، أنه سيكون من أوائل مستعملي اللقاح ضد كوفيد-19 أمام أنظار الجميع، ليعطي المثال كنائب برلماني يقوم بحقن نفسه بهذا اللقاح الجديد. ونشر صوره على صفحته الافتراضية وهو يحقن نفسه باللقاح ضد الإنفلونزا الموسمية، وأكد أنه قريباً سيحقن نفس باللقاح ضد كوفيد 19 هو وكل أفراد عائلته، داعياً جميع الوزراء والمسؤولين إلى القيام بنفس الشيء وإعطاء المثال، فالمغاربة في أمس الحاجة إلى من يمنحهم ويعيد لهم الثقة.
وتابع قائلاً: «أنا طبيب اشتغلت خلال كل مساري المهني في قطاع الصحة العمومي، وأنا مقتنع حتى النخاع بضرورة وأهمية التلقيح بصفة عامة والتلقيح ضد كوفيد 19 بصفة خاصة». وأوضح أنه «بفضل المناعة التي يوفرها التلقيح، تم القضاء نهائياً على عدة أمراض، وبفضله تم الحد من انتشار بعض الأمراض، وبفضله كذلك يتم التخفيف من شراسة وقوة بعض الفيروسات والباكتيريات بعد دخولها للجسم، والإنسانية جمعاء مدينة للعلماء والخبراء الذين اكتشفوا وبحثوا وصنعوا لقاحات متعددة لحماية صحة الإنسان».
وقال كذلك إنه يفهم تخوفات البعض وتحفظاتهم وتساؤلات المواطنين عن فعالية وأمن وانعدام الضرر بالنسبة للقاح ضد كوفيد19 لكن، ليس هناك أي حل آخر لتفادي المزيد من الأحزان بتزايد الوفيات والحالات الحرجة وعدد الإصابات بالفيروس، إلا التلقيح ضده بشكل مبكر ومكثف لأغلبية المواطنين.
«بالرغم من اصطفافي في المعارضة، يقول النائب البرلماني، لا يمكن أن أصدّق أن الدولة والحاكمين في بلدنا هم بصدد الزج بالكوادر الصحية ونساء ورجال التعليم والسلطات المحلية وقوات الأمن وفئات أخرى إلى الهاوية بحقنهم باللقاح ضد كوفيد 19 في إطار التجريب». وتساءل: «وهل هذا معقول وهل هذا ممكن؟» وبالتالي، يؤكد أنه لا يمكن أن يصطف مع الخزعبلات والتفكير غير العقلاني وغير المنطقي الذي يشكك في كل شيء إلى حدود العدمية.
عزيز التوسي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أرجع تخوفات مجموعة من الناس من التطعيم باللقاح ـ على المستوى العالمي وليس في المغرب فقط ـ إلى أن الفيروس مستجد، ولا نزال إلى اليوم لا نملك خيوطه، ما يجعل درجة التوجس تكون عالية، خاصة وأن العلماء والمختصين أنفسهم تتضارب مواقفهم، وهذه الاختلافات من الطبيعي أن تخلق الشك من كل ما يقدم بخصوص الفيروس، بما في ذلك اللقاحات، فكلما كانت الأشياء مجهولة، كلما كان التخوف والتشكيك فيها حاضراً بقوة.
وأضاف في تصريح لموقع «لكم» قائلاً: «اللقاحات عموماً، وحتى قبل كورونا، كانت مثار نقاش اجتماعي وتشكيك من الناس، إلى درجة أنه يتم إدراجها ضمن نظرية المؤامرة، ومن الطبيعي أن تطال هذه الأفكار اللقاح المرتبط بفيروس كورونا». وتابع: «في المغرب تتغذى هذه الشكوك أكثر من مسألة ضعف الثقة في المجتمع المغربي، فالمغاربة لا يثقون في المنظومة الصحية، والمؤسسات السياسية، وهذا التشكيك وفقدان الثقة تحول إلى سمة لدى الكثير من المغاربة الذين باتوا يرفضون كل ما يأتي من هذه المؤسسات. كما أن عدم الشفافية مع الناس في المعطيات والأرقام والتحليلات يخلق نوعاً من عدم الثقة الذي يجعلهم يشكون حتى عندما تكون الجهة التي تصدر المعلومة محقة، ويجعل أي عملية إرشادية مهددة بالفشل».
وانتقد عزيز التوسي غياب التواصل وغياب النقاشات حول عملية التلقيح من الفيروس، ما يجعل المغاربة يطرحون عدداً من الأسئلة حول متى وكيف وأين، دون أن يجدوا سوى الغموض أمامهم، وهذا الغموض لا يمكن أن يؤدي إلا إلى التشكيك. كما أن غياب المعلومات والإجابات، يضيف الخبير في علم النفس الاجتماعي، يفتح الباب للشائعات، فالناس عندما تخاف تقبل الشائعات ويصبح لها وقع كبير عليهم، فالخوف يحارب التفكير العقلاني لحساب النمط الانفعالي في التفكير، ما يجعل لأي كان القدرة على إخافتنا، حتى وإن كانت معلوماته خاطئة ومبنية على الشائعات.
في المقابل، رأى فاعل مدني أن أحسن طريقة للتعامل مع الأشخاص الداعين إلى عدم التلقيح ضد الفيروس في المغرب، ليس محاورتهم ومحاولة إقناعهم بالتي هي أحسن، ولكن معاقبتهم وزجرهم. فقد طالب الدكتور مصطفى كرين، رئيس «المرصد الوطني للعدالة الاجتماعية» بمعاقبة الأشخاص الداعين لعدم التلقيح ضد فيروس كورونا في المغرب، داعياً الحكومة إلى سن قانون زجري في حقهم. وكتب في تدوينة على صفحته الفيسبوكية: «أريد المطالبة بتجريم الدعوة لعدم التلقيح. من لا يريد أخذ اللقاح فله كل الحق في ذلك ولا أحد سيجبره عليه، ولكن دعوة الآخرين لعدم التلقيح تنطوي على جهل وسوء نية، وتعريض مقصود لحياة للآخرين للخطر».
وتابع قوله: «الأطباء الذين يوجدون في خط المواجهة الأول مع الوباء يتساقطون كأوراق الخريف بسبب هذا الجهل والاستهتار وادعاء العلم الذي يمارسه هؤلاء». وأورد لائحة غير حصرية لبعض الأطباء الذي راحوا ماتوا وهم يحاربون الفيروس، وتضم اللائحة أكثر من 50 طبيباً وطبيبة. وقال: «لا أريد الكلام عن كل من فقدناهم من محامين وقضاة أجلاء وأطر (كوادر) عالية التأهيل. فهل يمكن أن نستمر بالقبول بكل هذا العدوان على حياة الآخرين؟ لذلك أجدد مطالبتي للحكومة بالإصدار الفوري والتفعيل العاجل لقانون يُجَرِّم الدعوة لعدم التلقيح».
المناعة ضد الفيروس
وتنقل صحيفة «المساء» تساؤلاً عريضاً للعديد من المواطنين: هل سنتخلص من الكمامات والتباعد بحلول نيسان/ أبريل المقبل؟ لتجيب: في انتظار انطلاق حملة التلقيح ضد فيروس كورونا بشكل رسمي، سيكون أمام المغاربة انتظار خمسة أشهر لتشكيل مناعة جماعية ضد الفيروس، ففي حالة ما انطلقت الحملة خلال الشهر الجاري سيصل المغرب إلى تلقيح 60 في المئة من الساكنة التي يفوق عمرها 18 سنة بحلول نيسان/ أبريل من العام المقبل، وهو الشهر الذي سيكون بإمكان المغاربة التخلص فيه تدريجياً من الكمامات والتباعد الاجتماعي والغسل المنتظم لليدين. وهو ما سبق أن أكده وزير الصحة المغربي، خالد آيت الطالب، الذي شدد على ضرورة الاستمرار في احترام الإجراءات الصحية الوقائية إلى حين بلوغ 60 في المئة من نسبة الساكنة الملقحة من أجل تحقيق مناعة جماعية. وكشف مولاي سعيد عفيف، عضو اللجنة العلمية للتلقيح، في تصريح صحافي أن اللقاح الصيني الذي سيبدأ المغرب به المرحلة الأولى لتلقيح الصفوف الأمامية والفئات الهشة سيوفر مناعة ضد الفيروس لهؤلاء حيث يحتاج الفرد حوالي شهرين ليشكل الجسم مناعة ضد الفيروس، إذ سيتم التطعيم بالحقنة الأولى وانتظار حوالي 21 يوماً لأخذ الحقنة الثانية من اللقاح وبعدها انتظار حوالي أربعة أسابيع ليشكل الجسم مناعة ضد الفيروس.