بعد ذلك التقرير الأسود عن الاقتصاد المغربي، الذي سبق وقدمه، نزار بركة، وزير المالية خلال اجتماع سابق للأغلبية الحكومية، وبعد أن خيمت الوضعية الاقتصادية التي لا تسر عدوا ولا صديقا، الوضعية الاقتصادية الصعبة والمقلقة التي تمر فيها البلاد اليوم، تبنى اجتماع الأغلبية الحكومية مؤخرا خيار زيادة الاسعار الذي لن يخرج عن عادة حليمة القديمة، الذي، بطبيعة الحال، سيمس مباشرة بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والشرائح الاجتماعية ‘اللي ما في حالهومش’. هكذا وبدون مقدمات، بعدما تمحصت حكومة بنكيران مليا في أزمة الوضعية الاقتصادية للبلد، ذهبت مباشرة إلى وصفتها المعتادة، وهي وصفة ‘زيادة الاسعار لكن السواد الأعظم من الشعب يرزح تحت عقبة الفقر، ومن حقه المشروع أن يسائل الأغلبية الحكومية عمن المقصود بالضبط بوصفتها السحرية، وصفة زيادة الاسعار. هل زيادة الاسعار على الحيتان الكبيرة التي تستنزف خيرات وثروات ومقدرات البلد؟ أم فقط على الطبقات الفقيرة وفئات المجتمع الكادحة والمقهورة، التي بالكاد تدبر معيشتها وقوتها اليومي؟ وصفة حكومة بنيكران التي أتت على أكتاف تداعيات وتأثيرات الربيع العربي، الذي أطاح بأعتى الديكتاتوريات العربية، وركبت على احتجاجات ومسيرات حركة 20 فبراير المجيدة، واعتبرتها الحل الوحيد الذي ارتكنت إليه الأغلبية الحكومية التي على البال، لتحريك عجلة ودواليب الاقتصاد المتوقفة عن الدوران، اقتصاد البلد الذي أهلكه تجار الأزمات ومصاصو الدماء، وأنهكه الفاسدون، فاسدون امتصوا ضرع البلد ولهفوا مقدرات وثروات العباد والبلاد حتى آخر قطرة. يجب أن تبدأ وصفة زيادة الاسعارمن الأغلبية الحكومية نفسها، من وزرائها والكتاب العامين للوزارات ومديري دواوين الوزراء، لكن هل يستسيغ وزير ما صدق أنه أصبح وزيرا، أن يتجرد من الامتيازات الهائلة التي يتمتع بها، من أجل سواد عيون الطبقات الكادحة والفقيرة؟! هل لوزير ناور ونصب الفخاخ والدسائس للإخوان والأعداء وتقاتل من أجل الحقيبة الوزارية، فيسمح في سيارة الدولة الفارهة وما تستهلكه يوميا من وقود، وأين سيذهب سائقه الخاص؟ هل سيصرف له راتبه من دون أن يؤدي عمله ووظيفته التي هي السياقة؟ وحتى إذا ما فرضنا أن سعادة الوزير تخلى عن استعمال سيارة الدولة وركنها بأقرب مرآب من مقر وزارته. هل سيستعمل الترامواي أم القطار في تنقلاته من محل سكناه إلى مقر الوزارة، هل سيدفع تذكرة النقل من جيبه أم من ميزانية الوزارة. حتى نكون على بينة من أمر التطبيق السليم لمبدأ الحكامة في وصفة زيادة الاسعارالتي أتت بها أغلبية حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران؟! هل يهون على وزير حديث ‘بتاوزيريت’، أن يتخلى طبقا لمبدأ زيادة الاسعار الذي سنته الأغلبية الحكومية هكذا مثلا، عن سكن الوظيفة الوزارية ويسكن في سكن الإيجار، وأن يحذف من رزنامة استفاداته الكثيرة وامتيازاته العديدة التعويضات الغليظة والعلاوات السمينة بخدمة أو بدون خدمة، والسفريات وما أكثرها من أجل مهمة أو بدونها؟ وهل يقبل وزير في الأغلبية الحكومية التي تبنت هذه السياسة لإصلاح أحوال الاقتصاد في البلد، أن يحذف ويشطب ما تعود عليه من مصاريف بروتوكولات الأبهة وتقاليد البريستيج الضاربة في عمق ‘تاوزيرت المغربية’ كالاستقبالات الباذخة بالموائد المليئة بمختلف أشكال وألوان الطعام والشراب وأصناف الحلويات والمرطبات والشكولاته حتى؟ وهذه الموائد وغيرها تدفع من ميزانية الوزارة وأثمانها يقدر مبالغها ممونون محترفون، تتعاقد معهم، بطبيعة الحال، مصالح وزارة الوزير. زيادة الاسعارعلى من؟ على مجهول… الذي لن يكون في آخر المطاف إلا المواطن المغلوب على أمره، الذي لا حول ولا قوة له. نعم لوصفة زيادة الاسعار، إذا كان أول من سيبدأ بتنفيذها على نفسه، هي الأغلبية الحكومية التي تبنتها، من الوزير إلى آخر موظف سام فيها. نعم لوصفة الأغلبية الحكومية إذا كانت ستضيق الخناق على الفاسدين والمفسدين وعلى أسماك القرش الذين يسرقوننا في وضح النهار، ونحن نرى بأعيننا. نعم للوصفة إذا كانت ستقطع دابر تجار الأزمات والمستفيدين من الريع، أي ريع يخطر على بال، الريع السياسي والريع الاقتصادي والريع الإعلامي والريع النقابي، وهلم ريعات هي… بمعنى القطع النهائي مع كل أشكال وألوان الريع، من الريع في البر إلى الريع في البحر وفي الجبل والحجر والرمل وريع المياه والوديان. نعم للوصفة إذا كانت ستكشف بيادق وأذناب اللصوص الكبار، هؤلاء الذين يساعدون لصوصنا كي يسرقونا في أمان. نعم لوصفة الأغلبية الحكومية للنهوض باقتصادنا المنهوب، إذا كانت زيادة الاسعار ستعيد الحق إلى أصحابه وستنصف المظلوم والمقهور والمضطهد. وصفة أغلبية حكومة بنكيران، تطرح أكثر من تساؤل وعلامة استفهام. زيادة الاسعار على من؟ على الحيتان الكبيرة أم على الفقراء والدراويش؟