الرباط ـ «القدس العربي»: جعلت الزيادات المهولة في أثمان المواد الاستهلاكية العديد من المغاربة يسخرون من الشعار الانتخابي الذي حمله حزب “التجمع الوطني للأحرار” لرئيسه عزيز أخنوش خلال الانتخابات الأخيرة (تستاهلو أحسن) أي “تستحقون أفضل”. في حين، دعا حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض إلى “تسقيف الأسعار” من خلال اقتراح قانون يتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، من أجل وضع حد “للهيب الأسعار المتفشي في عدد من المواد الاستهلاكية، بما فيها المواد التي تحصلت على دعم من الدولة”.
وبعيدًا عن التفسيرات الاقتصادية وحالة قطيع الأغنام وظروف تربية الدجاج، لا يهتم المغربي إلا بالثمن الذي يشتري به لحم الخروف أو البقر أو لحم الدجاج، ليصطدم بسقف مرتفع جداً لا يمكنه بلوغه، بالأحرى تجاوزه، بعد أن بلغ السعر ما يفوق 100 درهم (10 دولارات) للحوم الحمراء، و25 درهماً (دولاران) للحوم البيضاء.
الحالة عامة بالنسبة للمواد الغذائية الزراعية من خضار وفواكه، تضاف إليها اللحوم بمختلف أنواعها، حتى السمك لم يسلم من هذا الاشتعال الصيفي في الأسعار، ويبقى أنين الجيوب المغربية يسمع في الأسواق بشكل يومي، وينتقل إلى العالم الافتراضي عبر تدوينات منتقدة ومهاجمة للحكومة، التي لا أحد غيرها يتحمل المسؤولية فيما وصلت إليه الأسعار وسعارها، كما يؤكد المغاربة.
من التدوينات التي صيغت بأسلوب ساخر، هناك اقتراح الاعتماد على البيض النباتي عوض الحيواني، بما أن سعره ارتفع بارتفاع ثمن الدجاج. ونشر مدون صورة مركّبة لبيض ينبت من شجرة، فيما آخر قال إن ولاية الحكومة الحالية لن تنتهي حتى يصبح المواطن المغربي نباتي، بسبب غلاء أسعار اللحوم الحمراء ونظيرتها البيضاء، وبينهما يقف السمك وقد اختار موقعاً مرتفعاً بدوره في حالة تمنع عن الأسر ذات الدخل المحدود، بل حتى السردين “رفيق الفقراء” لم يعد في المتناول مثل السابق.
أحد المدونين طالب بإطلاق “هاشتاغ” مقاطعة البيض، وآخر زاد قليلاً باقتراح مقاطعة اللحوم أيضاً، والاعتماد على الخضار الرخيصة فقط. وجاء الرد سريعاً، بأنه ليست هناك خضار رخيصة، فكل الأنواع والأصناف مرتفعة، حتى الفاكهة الصيفية التي كانت تشكل متعة المواطن فيما مضى، أصبحت في حكم الفاخرة مثل التين، أما “الهندية” وهي فاكهة الصبار أو التين الشوكي، فقد فقدت شعبيتها مند مدة بعد أن بلغ سعر الحبة الواحدة حوالي 5 دراهم (نصف دولار).
وبالنسبة لصفحة على “فيسبوك” تدعى “قناة أصواتكم”، فـ “ليست الدواجن فقط التي عرفت هذا الارتفاع الكبير في أسعارها، إنما هناك الكثير من الخضار كاللفت واليقطين وقبلها الطماطم التي عادت قبل يومين لسعرها فضلاً عن الفواكه”.
وحسب التدوينة نفسها، فإن “المصيبة أن الحزب الذي يرأس الحكومة، في شخص عزيز أخنوش، وعد الشعب المغربي بوعود كاذبة تحت شعار (تستاهلو أحسن) يعني (تستحقون أفضل)”، وتساءلت: “أين هو الأحسن فيما فعلت وتفعل حكومة أخنوش بالمغاربة البسطاء الذين علّقوا آمالاً كثيرة على حزب التجمع الوطني للأحرار؟”.
أما صفحة تدعى “ضد غلاء ثمن المحروقات والمواد الغذائية في المغرب”، فقد جعلت صورتها الرئيسية عبارة عن تدوينة تقول إن “رجوع الأسعار بشكل عام إلى مستوياتها المتناسبة مع القدرة الشرائية للمواطن، رهين ومتعلق جذرياً برجوع أسعار المحروقات إلى قيمتها الحقيقية”، ويبقى هذا نوعًا من التفسيرات الاقتصادية التي تعطى حول تسلسل الارتفاعات وارتباط بعضها ببعض، وتحمّل وزر ذلك لغلاء البنزين، وما يترتب عن تضاعف سعر النقل من مدينة إلى أخرى ومن سوق إلى أخرى.
على أرض الواقع، وبعد جولة في أحد أسواق، استفسرت “القدس العربي” أحد باعة الدواجن عن السبب في رفع السعر، فكان رده فورياً، برّأ من خلاله زملاء مهنته، وأكد أنهم مجرد مستهلك بدورهم يبتاعون الدجاج من عند أصحاب البيع بالجملة، ووصل رأساً إلى أرباب الضيعات الذين قال إنهم يتحكمون في السعر، هؤلاء بدورهم يرمون الكرة في مرمى باعة الأعلاف الذين زادوا في السعر، وبالتالي فإن بائع التقسيط والمستهلك اليومي هما ضحية هذه السلسلة من “الجشع”، كما وصفها البائع.
الجزار بدوره يتبرأ من مسؤولية رفع سعر اللحم “الغنمي أو البقري”، ويؤكد أن ربحه لا يتجاوز السقف القانوني والشرعي، في إشارة إلى الحلال والحرام في التجارة، لكنه يبقى تائهاً وهو يبحث عن أسباب ذلك. أحدهم يتحدث عن ذبح أنثى الخروف وما يسببه من خطر على القطيع، والآخر يؤكد أن النقص هو السبب، والعهدة على عيد الأضحى، بينما تشير جمعيات مهنية إلى أن الوفرة موجودة والسعر بيد “الوسطاء” الذين يتلاعبون بالأثمان كما يحلو لهم.
ويبقى المواطن حائراً يتساءل: أين الخلل في كل هذا؟ ولماذا يرتفع السعر ولا يعود إلى الانخفاض مجدداً؟ وهل السردين له علاقة بأنثى الخروف وعيد الأضحى؟ والحال أن المغرب يتوفر على امتداد بحري في البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ورغم ذلك لا يبلغ المواطن العادي أنواعاً من السمك تدخل في خانة الفاخرة جداً، مثل الروبيان ومختلف فواكه البحر. أما حديث اللحم والخضر، فيحيي نقاش البلد الزراعي، وهل كان لمخطط ما دور في هذا السعار الذي تعرفه الأسعار مند مدة طويلة ارتبطت بولاية الحكومة الجديدة لتي يرأسها حزب “التجمع الوطني للأحرار” ويشارك فيها كل من حزبي “الاستقلال” و”الأصالة والمعاصرة”؟
ويحفل الفضاء الرقمي بتدوينات مستاءة وأخرى غاضبة وثالثة تحلل الوضع وتقترح، ومنها ما كتبته صفحة تدعى “الدائرة”، حين أكدت أنه “في ظل الأزمة غير المسبوقة في إنتاج اللحوم الحمراء في المغرب التي تعصف بالسيادة الغذائية، ومع ارتفاع الأسعار بشكل كبير وندرة الموارد”، فقد “أصبحت الحاجة إلى اتخاذ تدابير فورية وحاسمة وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى”.
سياسياً، تقدّم فريق حزب “التقدم والاشتراكية” المعارض، في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان المغربي)، بمقترح قانون يتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، وذلك من أجل وضع حد “للهيب الأسعار المتفشي في عدد من المواد الاستهلاكية، بما فيها المواد التي تحصلت على دعم من الدولة”. ويرمي الحزب بمقترحه إلى تسقيف أسعار المواد التي تستفيد من دعم الدولة، وضبطها كي لا يتم التلاعب بها، وأن “يقرن وجوباً إقرار أي دعم مالي أو ضريبي أو جمركي من طرف الدولة لإنتاج أو استيراد مادة أو سلعة أو خدمة بإجراء تنظيمي لتحديد وتنظيم وتسقيف سعر المادة المدعمة المعنية عند الاستهلاك، بعد استشارة مجلس المنافسة”.
وحسب الفريق النيابي للحزب اليساري المعارض، فإنه تقدم بمقترح القانون بغاية أن يتم الإقرار القانوني الصريح والملزم لربط أي دعم من الدولة لإنتاج أو توزيع أو تسويق أو استيراد أي منتج أو سلعة أو خدمة بوجوب إدراج المادة المدعمة عبر نص تنظيمي، ضمن قائمة السلع والمنتوجات والخدمات المشمولة بتسقيف الأسعار وتنظيمها وضبطها وفق كيفيات تحدد أيضاً بنص تنظيمي، كما هو الحال بالنسبة لما يجري به العمل بالنسبة لتنظيم أسعار السكر والقمح اللين بفعل دعمهما.