الرباط ـ «القدس العربي»: لم يتأخر طلاب الطب والصيدلة في المغرب المضربون عن الدراسة والامتحانات منذ حوالي سبعة شهور، في الرد على التصريحات التي أطلقها وزير التعليم العالي في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان)، حيث قال إن الحكومة “استجابت لمطالب الطلاب وبدّدت كل مخاوفهم المتعلقة بالدراسة والتدريب”. وأضاف أنه “رغم التوافق مع ممثلي الطلاب بشأن مختلف النقاط المطروحة، فإن الحلول المقترحة يتم رفضها من لدن جموع الطلاب”.
وعقدت “اللجنة الوطنية لطلاب الطب والصيدلة وطب الأسنان” مؤتمراً صحافياً في مقر “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” في الرباط، حيث أعلنت تشبثها بمطالب تمثلت في رفع جميع العقوبات التأديبية من توقيفات لممثلي اللجنة الوطنية وحلِّ المكاتب ونقطة الصفر؛ إلى جانب منح الطالب فرصتين في كل فصل دراسي (دورة) من أجل اجتياز الامتحانات، وتحرير محضر اتفاق يوقع بين الأطراف المعنية، فضلاً عن مواكبة قرار تقليص سنوات الدراسة مع الهندسة البيداغوجية الملائمة للقرار، وبالتالي إعفاء الدفعات الخمس من السنة الأولى حتى السنة الخامسة في الموسم الجامعي 2023/2024 من هذا القرار وإلحاقهم بمرجع الضوابط البيداغوجية القديم. وتشبثت اللجنة وأعضاؤها بمبادرة وساطة من الفرق البرلمانية، أغلبية ومعارضة، باعتبارها وساطة مؤسساتية قادرة على تقريب الرؤى بين الطرفين وإيجاد حلٍّ واقعي يصب في مصلحة الوطن.
واستنكر الطلاب المضربون اتهامات الوزير لـ”اللجنة الوطنية” بمنع الطلاب من أداء امتحاناتهم. كما انتقدوا في تصريحات صحافية الوزير لشخصنته الأزمة، وقالوا: “على الوزير عبد اللطيف ميراوي أن يراجع تصرفاته التي لا تتوافق مع مسؤولياته ولا تخدم المصلحة الوطنية. ويجب أن يحاسب وأن يستقيل إذا بقيت لديه ذرة من الوطنية”، وفق ما أورد موقع “تيل كيل”.
وفنّدت “اللجنة الوطنية” أي تحريض، مؤكدة: “لم نحرض أي أحد. كيف يمكن لعدد قليل من الطلاب التأثير على أكثر من عشرين ألفاً من زملائهم؟ جميع الطلاب ناضجون ومسؤولون عن قراراتهم”.
وكان وزير التعليم العالي أكد أنه ما زال من الممكن إنقاذ العام الدراسي، متهماً “اللجنة الوطنية لطلاب الطب والصيدلة وطب الأسنان” بمنع زملائهم من اجتياز امتحاناتهم. وأكد أن الحكومة بددت كافة مخاوفهم.
وردت اللجنة على هذه التهمة بالقول إن لديها أدلة تثبت عدم تحريض الطلاب، وأنها ستحيل الموضوع إلى المحكمة للطعن في قرار الإيقاف التعسفي. ووصفت الاتهامات الموجهة إليها بأنها “فارغة ومهترئة”، داعية الحكومة إلى حلول جديدة.
وتعهدت “اللجنة الوطنية” بتعديل بعض نقاط العرض الحكومي، لا سيما بتطبيق هندسة تعليمية مكيفة مع تخفيض سنوات الدراسة، وذلك بإعفاء الترقيات الخمس الحالية من السنة الأولى إلى السنة الخامسة من هذا القرار لسنة 2023/ العام الدراسي 2024، وإعادة دمجها في الأنظمة التعليمية القديمة.
وكان المئات من الطلاب إلى جانب أُسَرهم، من مختلف كليات الطب والصيدلة، قد شاركوا في “مسيرة الغضب”، أمام مبنى البرلمان، حيث عرفت تطويقاً أمنياً، منع تقدمها إلى باقي شوارع العاصمة، وذلك رفضاً لقرار وزارة التعليم العالي تنفيذ مشروع إصلاح جديد لنظام التكوين، بموجبه سيتم خفض مدة الدراسة من سبع إلى ستّ سنوات.
أطباء المستقبل المحتجون على التّماطل في حل الملف الذي عمّر طويلاً، منبئاً بسنة بيضاء، طالبوا الحكومة بـ “التحلي بالمسؤولية والحكمة”، وأكدوا ضمن تصريحات صحافية لوسائل إعلامية محلية أن “الوُعود كانت شفهياً دون الالتزام بمحضر مكتوب ورسمي”. كما انتقدوا ما اعتبروه “غياب الجدية في حل الملف، وضرباً في التكوين الذي من شأنه إلحاق أضرار جسيمة بالطلاب والمسؤولين الحكوميين وقطاع الصحة والمواطنين”.
وعقب المسيرة الممنوعة، قالت “اللجنة الوطنية لطلاب الطب وطب الأسنان والصيدلة” إن “الحضور الكثيف بعد 7 أشهر من الأزمة يعكس الإيمان العميق بقضيتنا. كما يعكس في الوقت ذاته خيبة الأمل الكبيرة بسبب التأخير غير المفهوم وطريقة التعامل مع ملفنا وقضيتنا العادلة والمشروع”، وأضافت: “تحرك هؤلاء الطلاب بثبات وإصرار لا مثيل لهما للتعبير عن استيائهم، مندّدين بالضغوط التي يتعرضون لها مع ممثليهم، والتدبير الكارثي للأزمة”.
وتأتي “مسيرة الغضب” بعد برنامج تصعيدي شمل جميع كليات الطب والصيدلة في كل مدن المغرب. كما أعلنت اللجنة تشبثها في ممارسة جميع الخطوات السلمية من اعتصامات محددة ومفتوحة داخل كليات الطب والصيدلة، “ما لم يتم التأسيس لحوار جدي متوج بمحضر موقع”.
ونفى مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن تكون هذه الأخيرة خوَّنت طلاب الطب والصيدلة، في إشارة لتعليقات مسؤولين حكوميين لمّحوا إلى تسييس الملف ومنع طلاب من اجتياز الامتحانات.
وأكد أن “الحكومة تتفاعل مع موضوع طلاب الطب بكل حسن نية، وأنها تجاوبت مع مختلف النقط المدرجة في طاولة الحوار، وقدّمت الأجوبة حول مختلف الأسئلة والتخوفات المرتبطة بالتكوين والمنح والهندسة وفضاءات التداريب”.
وتابع: “لا أعتقد أن هناك إرادة أكثر من هذه في معالجة هذا الملف، عقدت لجنة على مستوى مجلس النواب حضرها الوزيران المعنيان وقدمت كل التوضيحات حول هذا الموضوع، ولا أعتقد أن الحكومة أخلت من جهتها، بل بالعكس، تعمدنا أن نقدم الملف تقنياً لكي نحيط بمختلف الأسئلة المطروحة”.
وبالعودة إلى تصريحات وزير التعليم العالي، فقد أكد بدوره أن الحكومة “تعهّدت بتحقيق عدد من المطالب، شرط اجتياز الامتحانات واستعادة السير العادي للكليات”، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بـ “إعادة البت في العقوبات التأديبية مع السماح للطلاب الموقوفين باجتياز الامتحانات، وتعديل بيانات النقاط وتعويض نقطة الصفر، التي منحت للمتغيبين خلال الدورة الأولى، وإمكانية استكمال التكوين بعد النجاح في الامتحانات، مع برمجة التداريب الاستشفائية من أجل استدراك فترات الانقطاع عن الدراسة انطلاقاً من الموسم الجامعي المقبل، مع الحرص على استكمال جميع التداريب بمدتها الزمنية الكاملة”.
ومن بين ما التزمت به الحكومة، وفقاً للوزير، إمكانية استفادة الطلاب من سنة تدريب بعد استكمال ست سنوات من الدراسة والاستفادة من المنحة. وشدد على أن تقليص سنوات الدراسة إلى ست سنوات ليس هدفه اقتصادياً، “بل من أجل جودة التكوين والمساهمة في النهوض بالمنظومة الصحية الوطنية وتعزيزها بالموارد البشرية اللازمة وفق المتطلبات الجديدة لمهنتي الطب والصيدلة”، واعتبر أن التداريب الاستشفائية للسنة السابعة، التي كان معمولاً بها في النظام القديم، “غير مؤطرة، ولا تضمن استيفاء الطلاب للمهارات المهنية”.
وأبرز ميراوي أن الحكومة، ممثلة في وزارتي التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية، قدمتا مقترحات في 25 حزيران/ يونيو 2024، تتضمن “حلولاً مرِنة للملف المطلبي للطلاب” وفق توصيفه، والتي شملت على الخصوص مدة التكوين للحصول على دبلوم دكتور في الطب، ومشاكل الأطروحات، إلى جانب التكوين في التخصص الطبي في السلك الثالث، وأيضاً وضعية الطبيب المقيم، فضلاً عن مضاعفة التعويضات المخولة للطلاب المتدربين. وسجّل المسؤول الحكومي أنه “بالرغم من الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل تجاوب إيجابي مع مطالب الطلاب، انطلاقاً من اقتناعها بأن جودة الأطباء تعني جودة الصحة.