الرباط ـ «القدس العربي»: عمّرت أزمة طلاب الطب والصيدلة في المغرب طويلاً، فبعد تسعة أشهر على مقاطعة المدرجات والتداريب الاستشفائية، وجَّه الطلاب نداءً لأساتذة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان، عقب “استنفاد كل السبل وطرق جميع الأبواب”، ووجهوا مناشدة من أجل أن “يشد أساتذتنا عضُدنا ولا يتركونا وحدنا أمام تكالُب من لا تهمه رسالة مهنتنا النبيلة ومن لا يهمُّه سوى المناصب والأرباح المادية والسياسية، فنحن اليوم أمام منعطف تاريخي سيترك جرحاً غائراً في جسد المنظومة الصحية والتعليمية”، وفق تعبير بيان لـ “اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة”.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2023، يواصل مئات من طلاب كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان في المغرب تنظيم وقفات احتجاجية أمام مقر البرلمان في الرباط، وإضرابات شاملة عن الدروس النظرية والتطبيقية والتدريبات الاستشفائية، إلى جانب مقاطعة شاملة للامتحانات، رفضاً لـ “تخفيض سنوات التكوين من سبع إلى ست سنوات، مع المطالبة بتسريع طلبات الاعتماد الدولية لتكوينات الدكتوراه لدى المنظمات المعتمدة، إضافة إلى تنظيم 5 فترات تدريب على طوال السنة الجامعية مع مراعاة شهر من العطلة”.
وتابع بيان للطلاب اطلعت عليه “القدس العربي”، أن تسعة أشهر مرّت على خوض الطلاب الأطباء والصيادلة المقاطعة المفتوحة التي “فُرضت علينا بعد ما استوفينا جميع الحلول، من حوار واستفسار طبع عليهما حسن النية والإرادة الحية في المساهمة في إصلاح منظومة الدراسات الطبية والصيدلانية على قدر المستطاع، ولا يمكن إلا لجاهل أن ينكر أن الدافع لهذا غيرتنا على مهنة الطبيب والصيدلي، هذه المهن النبيلة التي كانت حلم أغلبنا، ولا يضاهي الطبيب والصيدلاني نبلاً إلا المعلم، فكيف بمن جمع بينهما”.
وتابعت “اللجنة الوطنية” في بيانها قائلة إنه “لا تسعنا الكلمات ولا الصحف لشرح ما مر على أطباء وصيادلة المستقبل من حيف وظلم لم نتوقع قبله أن نكون وحدنا، لم نتصور أنه برفضنا للاكتظاظ والضبابية البيداغوجية في جميع الشعب وكذا حذف سنة من التكوين، وبدعوتنا لتغليب كفة الجودة على الكثرة أن لا ينتصر لنا صوت ولا يُشاد بصمودنا في قول الحق، بل أصبح حلم الواحد منا استنكار القرارات المجحفة من توقيف وطرد وغلق لباب الحوار وتعاطٍ رسمي تغيب عنه الجدية والإرادة الصادقة في حل الأزمة. فما يتمناه كل طالب اليوم هو خروج الغالبية الساحقة لأساتذتنا الأجلاء عن صمتهم، وهم الذين يُعبِّرون لنا عن تضامنهم في كل لقاء عفوي فيدعون لنا بالتوفيق”.
مصدر من داخل “اللّجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة”، تحدث لـ “القدس العربي”، مفضلاً عدم ذكر اسمه، أبرز أن الطلاب باتوا في حاجة ماسَّة لمساندة أساتذتهم، خاصة على مشارف الدخول الجامعي الجديد، وتابع: “ربما يستطيعون أن يجدوا حلاً لهذه الأزمة في حال تدخلهم، نرجو أن يتجاوبوا مع ندائنا، خاصة أن العديد من أساتذتنا يُبدون تضامنهم معنا”.
وأفاد المتحدث قائلاً: “نناشد أساتذتنا من أجل مساندتنا ودعمنا، ليس بإمكاننا الاستمرار وحيدين في هذا الصراع، فلسنا سوى طلاب، نحتاج إلى تدخُّل أساتذتنا في هذا الوقت العصيب بالطريقة التي يرونها مناسبة، وبالمُحصِّلة فالحلول ستكون بمباركتهم وانخراطهم لأنهم من سيشرفون على تدريسنا وتكويننا وعلى إجراء اختباراتنا”.
تعليقاً على الملف، قال النقابي الحسين اليماني، في تصريح لـ “القدس العربي”، إن الطلاب المغاربة اختاروا ولوج كليات الطب، على أساس المعلن من الوزارة الوصية بأن التكوين يستغرق 7 سنوات، وحينما قررت الوزارة تغيير عدد سنوات الدراسة، من بعد تسجيل الطلاب في موسم 23/24 فتكون الوزارة قد خالفت مبدأ التعاقد وغيرت بنود العقد دون موافقة الطرف الثاني الذي يمثله الطالب، ولذلك يعتبر القرار الأحادي للوزارة “باطلاً بقوة القانون”.
وحسب مجموعة من المقتضيات القانونية والدستورية، ينصّ الفصل السادس من دستور المملكة المغربية على أنه “ليس للقانون أثر رجعي”. كما تنص مجموعة القانون الجنائي في الفصل الرابع على: “لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان سارياً وقت ارتكابه”، وتنص قاعدة العقد شريعة المتقاعدين على: “لا يجوز نقض العقد أو تعديله إلا باتفاق الطرفين، وعليه إذا انعقد العقد صحيحاً اكتسب قوة ملزمة من حيث مضمونه ومن حيث أشخاصِه”.
وقال اليماني إن مصلحة المغرب والمغاربة تقتضي مراجعة قرار التخفيض من سنوات الدراسات الطبية والصيدلية، مع ضمان جودة التكوين ودون ضرب المكانة الاعتبارية للطبيب في المجتمع. إلى جانب فتح باب المفاوضات الجِدّية والمباشرة مع ممثلي الطلاب وإقناعهم بالإصلاحات المزعومة واحترام حقهم في الاحتجاج وسحب العقوبات الصادرة في حقهم وتشجيعهم على السياسة وليس تنفيرهم منها.
ودعا النقابي المغربي إلى اللجوء لوساطات ذات مصداقية، لتقريب وجهات النَّظر بين الأطراف والكف من التصريحات المستفزة من طرف الحكومة وأحزابها. لافتاً إلى أن التوصل إلى حل هذه الأزمة يتطلَّب قراراً حاسماً ومُنصِفاً للطلبة والطالبات، المنحدرين بأغلبيتهم من أبناء الشعب، الذين كافح أولياؤهم من أجل تربيتهم وتعليمهم.