الرباط ـ «القدس العربي»: أثار مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب في المغرب جدلاً كبيراً منذ انطلاق مناقشته في لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب المغربي. وعبّرت هيئات نقابية عن رفضها مشروع القانون معتبرة أن بنوده “تُصادر الحريات وتنتهك حقوق الإنسان وتمس بالحق في الإضراب”.
ودعت فرق الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب المغربي، إلى تغليب “روح التوافق” من أجل إخراج مشروع القانون التنظيمي إلى حيز الوجود. وشددت على أن “أهمية إخراج قانون متوافق عليه، يعكس حقوق وطموحات الطبقة العاملة، على اعتبار أن هذا النص يلعب دوراً حيوياً في تحقيق السلم الاجتماعي وضمان استقرار الاستثمارات”، والوصول إلى “نسخة تحظى بإجماع الفاعلين، خارج منطق الأغلبية والمعارضة وبعيداً عن الحسابات السياسية”.
واعتبرت هذه الفرق أن هذا النص بحاجة إلى إجماع وطني لكونه يعني المجتمع ككل والفرقاء جميعهم، داعية إلى “توسيع المشاورات مع مختلف النقابات بغض النظر عن تمثيليتهم، والحوار العميق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والخبراء”. كما سجّلت أن مشروع القانون التنظيمي للإضراب “شائك تتقاطع فيه أبعاد حقوقية، واجتماعية، واقتصادية، وقانونية، بشكل معقد”، معتبرة أن الخروج بنص متفق عليه “لن يتأتى سوى بإعمال الذكاء الجماعي وروح التوافق المتين والخلاّق”.
وتمت المطالبة أيضاً بتخفيف القيود الواردة في مشروع قانون الإضراب وبلوغ أقصى درجات التلاؤم مع الاتفاقيات الدولية في هذا المجال، وحماية بعض القطاعات من الإضراب الشامل نظراً لحساسيتها الاجتماعية مثل المستشفيات وقطاع العدالة، وكذا تدقيق النظر في الآجال والشروط والأسباب والدوافع للإضراب والجهة الداعية له.
رفض
وأكد المكتب التنفيذي لـ “المنظمة الديمقراطية للشغل”، موقفه الرافض لتمرير وفرض القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، واعتبر أن الحكومة تستهدف من ورائه “مصادرة الحريات والتضييق وانتهاك حقوق الإنسان والمساس بهذا الحق بمفهومه الشامل كحق من الحقوق الأساسية والإنسانية والدستورية لجميع المواطنين المغاربة أفراداً وجماعات”، من خلال تقييده بشروط أمنية ضبطية وزجرية، وبحصره واختزاله في الأجراء، وإلغاء هذا الحق بالنسبة للفئات الأخرى من المواطنين والهيئات والجمعيات المهنية من تجار وحرفيين ومهنيين.
وترى النقابة أن هناك تناقضاً صارخاً بين منطوق الدستور ومحتوى هذا المشروع الذي يتنافى مع منطوق الدستور الصريح والواضح في فصله 29 الذي شدّد على أن “حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته. ولم يجعله حكراً على العمال والموظفين، ولم يقل إن هذا الحق يهم فقط العمال بل جميع المواطنين والأفراد والهيئات”.
واعتبر علي لطفي، الأمين العام لـ “المنظمة الديمقراطية للشغل”، أن الإضراب حق إنساني ودستوري يُتيح للأفراد والمجموعات التعبير عن مواقفهم ومطالبهم والدفاع عن مصالحهم. وهو سلوك احتجاجي مشروع على وضعية غير مُرضية. وهو أيضاً وسيلة شائعة للتعبير عن الرفض أو الاحتجاج على قضايا معينة، حيث يُعتبر حقاً إنسانياً مكفولاً في العديد من الدساتير والمواثيق الدولية، ووسيلة مهمة للمطالبة بتحقيق المطالب العادلة والحفاظ على حقوق الأفراد والمجموعات.
وأبرز متحدثاً لـ “القدس العربي”، أن الحق في الإضراب جزء لا يتجزأ من الحق الأساس في حرية تكوين النقابات والجمعيات ومعترف به في عديد من القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان الاجتماعية وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة، وتقوم منظمة العمل الدولية على دفع الأعضاء فيها إلى الاعتراف بهذا الحق وتطبيق النصوص الوطنية والدولية بهذا الخصوص. وعلى المستوى الأوروبي، يعترف ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي بالحق في الإضراب أيضاً. كما أنه معترف به ومحمي بالمثل من قبل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ويرى النقابي المغربي أن الهدف من تمرير هذا المشروع يأتي “لقمع وإسكات صوت العمال والمهنيين والمواطنين وحقهم في الاحتجاج المشروع، وتسعى الحكومة إلى إقرار هذا المشروع بعد الفشل في برنامج التشغيل وارتفاع معدل البطالة إلى مستويات غير مسبوقة واستمرار ظاهرة تشغيل الأطفال وتكريس فوضى الأسعار والقضاء على الطبقة المتوسطة والبحث عن حلول لتوقيف نضالاتها عبر مقاربة أمنية زجرية مغلفة بالقانون”، وفق تعبيره.
وقال لطفي إن المصادقة على هذا القانون سيقضي عملياً على الحق في الإضراب عن العمل والحد من ممارسته، وسيؤدي إلى الإجهاز على ما تبقى من وسائل الدفاع ضد كل ما يضر بحقوق العاملين من استغلال وقمع وتعسف وحرمان من العدالة الحقوقية والأجرية، والبحث عن وسائل قمعية للقضاء على الإضراب الذي تلجأ إليه الجمعيات والنقابات المهنية والتنسيقيات التي تحتج من أجل الدفاع عن حقوقها، لتجعل من ممارسة حق الإضراب مجالاً احتكارياً، وبالتالي منع النقابات الأخرى أو الجماعة العمالية خارج أي تأطير نقابي من ممارسة هذا الحق، خاصة أن الانخراط النقابي بالمغرب ضعيف جداً، وفق تقارير رسمية.
ودعت الهيئة النقابية المغربية جميع المركزيات النقابية العمالية والمهنية ولكل الحركات الاجتماعية والأصوات الحرة الديمقراطية إلى التصدي لما سمته “مشروعاً استبدادياً واستعبادياً لا مثيل له في تاريخ المغرب”، والنضال المشترك من أجل سحبه من البرلمان.
رداً على الانتقادات والتخوفات من قانون الإضراب المثير للجدل، والمطالب المتواترة بإشراك جميع الهيئات في مناقشته، أكد وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، سعي الحكومة للتوافق مع مختلف الشركاء الاجتماعيين والسياسيين حول مشروع القانون، موضحاً أن هذا التوافق “نابع من قناعة الحكومة الراسخة بأهمية اعتماد المقاربة التشاركية وانسجاماً مع مخرجات الحوار الاجتماعي”.
وأشار إلى أن الحكومة “قطعت أشواطاً مهمة في مناقشته مع الفُرقاء الاجتماعيين، وفي تقريب وجهات النظر بشكل كبير حوله”.
وأفاد المسؤول الحكومي، خلال تصريحات بالبرلمان، بأن للفرقاء الاجتماعيين “ملاحظات وتعديلات جوهرية حول هذا النص”، مبرزاً أن الفرصة متاحة لهم للتعبير عن رأيهم بشكل مباشر، لافتاً إلى وجود مواد يتضمنها مشروع القانون “ما زالت في حاجة إلى تدقيق، والتشاور بشأنها مستمر، ومنها العقوبات الواردة في المشروع والفئات الممنوعة من الإضراب”.
وبخصوص توسيع المشاورات، قال الوزير: “بعد الانتهاء من الاجتماع بالنقابات الأكثر تمثيلية، سألتقي النقابات التي لم تسنح لي الفرصة للقائها، وأحيطها علماً بالنقاش حول الموضوع، وهي نقابات ممثلة بمجلس المستشارين، وكذا الاطلاع على مقترحاتها”.
وعبر عن استعداده لعقد لقاءات مع مختلف الفرق البرلمانية والمجموعة النيابية بمجلس النواب، مؤكداً أن الحكومة “تتعامل مع هذا الملف بشكل جدي بالنظر لأهميته في حماية الشغيلة وفي تحقيق السلم الاجتماعي”.
وأوضح وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، أن المرجعية الحقوقية تم تجسيدها في مشروع القانون، مشدداً على أن هذا القانون “ليس ملكاً للحكومة بل هو ملك للمجتمع، بمن فيهم الفرقاء الاجتماعيون”.
استشارة
ووسط هذا الجدل المثار بين الحكومة والهيئات النقابية وأحزاب الأغلبية والمعارضة، طالبت المجموعة النيابية للعدالة والتنمية المعارضة بإحالة مشروع القانون التنظيمي رقم 15.97 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛ لإبداء رأيه فيه. واعتبرت المجموعة في طلب موجه إلى رئيس مجلس النواب اطلعت عليه “القدس العربي” من أجل إحالة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الإضراب على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة استشارية)، أن هذا المشروع له أهمية خاصة ورهانات منتظرة وآثار على مجالات متعددة، أبرزها تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وجلب الاستثمارات.