مهما كان دور الشعوب في تحريك المياه الراكدة في الأقطار العربية، ومهما بلغ حجم تضحياتها للمطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ومهما نجحت في إسقاط رمـوز الفساد والاستبداد، فـإن مسؤولية إدارة المراحل الانتقالية بتعقيداتها وإكراهاتها والنجاح في صناعة التحول نحو المرحلة الديمقراطية، يقع بالـدرجة الأولـى على عاتق النخب السياسية من مختـلف التيـارات السياسية والتوجهات الفكرية.
نعم، الجماهير، والجماهير وحدها، هي من يستطيع تحرير النخب السياسية من قبضة الجمود والمحافظة، وهي وحدها من يستطيع استرجاع المبادرة، وهي التي خرجت إلى الشارع في غفلة من الجميع بعدما سدت أمامها قنوات التعبير عن مطالبها بطريقة مؤسساتية، وهي التي نجحت في إسقاط رموز الدكتاتورية في الأقطار العربية..لكن هل من مسؤوليتها، أو بمقدورها، إدارة التحديات السياسية التي تفرضها إدارة العملية السياسية؟
بالتأكيد، الجواب بالنفي..
يمكن للشارع أن يأخذ المبادرة للاحتجاج وللتعبير عن الغضب، لكن المسيرات الشعبية والاحتجاجات الغاضبة لا يمكن أن تدبر شؤون الدولة ولا يمكن أن تكتب دساتير ولا قوانين ولا مواثيق ولا تحالفات سياسية ولا أن تبحث على أنصاف حلول..
علينا أن نعترف، بأن الشارع لم يكن دائما عاملا مساعدا في مراحل التحول الديمقراطي، ويمكن أن ينزلق إلى لغة المزايدات السياسية والمواقف الراديكالية والانتقام والثأر من توجهات فكرية أو سياسية معينة، كما يمكن أن يمثل عائقا موضوعيا أمام النخب السياسية لتنمية ثقافة العيش المشترك وترسيخ ثقافة الاختلاف والتعددية..
إن شعوبنا لم تنشأ في زمن الاستبداد على ثقافة احترام الرأي الآخر، ولم تترعرع على الإيمان بالتعددية وبدولة المؤسسات، بالمقابل هناك الكثير من ثقافة تمجيد الفرد/ البطل والزعيم الملهم القادر على صناعة ‘المعجزات’ وقهر التحديات…
الديمقراطية هي دولة الأحزاب، كما تعرف في بعض الأدبيات السياسية، ومن تم فإن المسؤولية الأولى في مراحل الانتقال الديمقراطي ينبغي أن تتحملها نخب سياسية شجاعة، سواء في مواجهة أشكال التسلط وجيوب مقاومة التغيير وفلول الدولة العميقة المتحصنة بمواقعها والرافضة للإصلاح، أو اتجاه الشارع والتوجهات التي لا تساعد على بناء توافقات سياسية بين أطراف سياسية مختلفة، ولا تساعد على تنمية ثقافة التنازل على المصالح الفئوية أو الحزبية لفائدة المصلحة العليا للوطن..
مسؤولية الأحزاب السياسية والنخب المثقفة، مسؤولية حاسمة في جميع مراحل البناء الديمقراطي.. طبعا، هناك نقاش كبير حول مواصفات الحزب النموذجي، سنعود إليه في مناسبة قادمة..ما يهمنا في هذا السياق هو دور النخب السياسية بالدرجة الأولى.
في المغرب، وبعد هدوء العاصفة التي أعقبت احتجاجات عشرين شباط/فبراير، تشير العديد من المؤشرات من هنا وهناك إلى أن المغرب يمر بمرحلة سياسية صعبة تستبطن صراعا خفيا بين إرادتين: إرادة الإصلاح والتغيير التي كسبت مساحات جديدة بعد الرجة الاحتجاجية لدينامية العشرين من شباط/فبراير وإرادة الجمود والمحافظة التي تحاول استرجاع مواقعها بعد نسيم الرجة الثورية العربية الذي وصل إلى المغرب. لكن، – وبصفة خاصة، بعد الارتدادات التراجعية التي أصابت بعض البلدان العربية ومسلسل عدم الاستقرار الذي لازال يعبر عن ذاته في أقطار عربية أخرى..
ودون الدخول في التفاصيل، فإن الطبقة السياسية في المغرب بكل تعبيراتها تتحمل مسؤولية تاريخية في مرحلة سياسية صعبة ..هذه الصعوبة تكمن في التعقيدات المرتبطة بتدبير ظرفية انتقالية من نظام سياسي ودستوري يتميز بثقل الكثير من الموروثات المحافظة التي تتعارض مع القيم الديمقراطية، إلى نظام أكثر انفتاحا وأكثر ديمقراطية، وهو ما يتطلب الكثير من التكيف من طرف مختلف الفاعلين السياسيين (الملك، الأحزاب السياسية، رجال الأعمال، الجهاز البيروقراطي، المجتمع المدني.(..
كما تكمن صعوبتها أيضا في الظرفية الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة العاجزة عن تلبية انتظارات المواطنين التي تخفي وراءها عقودا من الخصاص الاجتماعي والاقتصادي.
وهو ما يفرض تنمية ثقافة مطلبية جديدة تؤمن بـ ‘الممكن’، ولا تساهم في تأزيم الأوضاع الاقتصادية المأزومة أصلا..
إن دور النقابات والفاعلين الاجتماعيين يبقى دورا حاسما في هذا الباب، وهنا يبرز دور النخب العالمة مرة أخرى..
نحن بحاجة إلى أدبيات نقابية جديدة تقدس العمل وتؤمن بالإنتاج وتزاوج بين المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات، وتمتلك القدرة على عقلنة المطالب على ضوء قياس مؤشرات النمو والتقدم الاقتصادي..
فئات اجتماعية عديدة، عانت كثيرا من الانسداد السياسي ومن التوزيع غير العادل للثروات، لكن، حينما انطلقت شرارة الربيع العربي، انفجرت معها المطالب الاجتماعية والاقتصادية بطريقة تتجاوز قدرة الحكومات الجديدة وتصطدم بندرة الموارد، وبمخلفات النماذج التنموية التي تم إرساؤها في زمن الانغلاق السياسي.
الطبقة السياسية مدعوة للتحلي بالكثير من النضج ومن العقلانية لاستيعاب حساسية المرحلة وخطورتها..
طبعا، لا نحتاج للتذكير بالسياقات التي أفرزت المرحلة الراهنة، وليس لدينا الكثير من الوقت لتبذير الزمن السياسي في المناورات والدسائس..
إن التأخر في مباشرة العديد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لا يخفي وراءه صعوبات ذات طبيعة تقنية، وهذا وارد، ولكنه انعكاس في كثير من الأحيان – لتكالب إرادة الجمود والمحافظة التي تحاول استرجاع مواقعها السابقة بكل الأساليب الممكنة، وتعمل على إضعاف خصومها السياسيين حتى ولو كان هذا الإضعاف على حساب المصالح العليا للوطن..
إن إبداع الحلول المبدعة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ينتعش في ظل مناخات سياسية هادئة تساعد على التفكير الخلاق والتفاعل الإيجابي مع القوة الاقتراحية للمجتمع.
إن الذين يعملون على إفشال تجارب التحول الديموقراطي في المنطقة يفتحون بلدانهم على مخاطر التفكك الداخلي والانكشاف الخارجي..وهذه حقيقية لا بد من الوعي بها وبمآلاتها الكارثية على الجميع
طبعا، لا ينبغي استثناء من ابتلوا بتدبير الشأن العام في هذه المرحلة من مسؤولياتهم التاريخية، و ودفعهم نحو الرفع من أدائهم ليكون في مستوى انتظارات الشعوب وآمالها المشروعة في الحرية والديمقراطية والرفاه الاجتماعي..
‘ كاتب من المغرب
الى صاحب المقال: نتمنى منك ان تلقي الضوء على قضية سيادية: الصحراء الغربية وشرعية المغرب في ارضه، وليتك تعرفنا بالقبائل الصحراوية المتصارعة. سبتة ومليلية وبادس وجزيرة ليلى هذه الاراضي المحتلة من اسبانيا ووضعها في السياسة المغربية…وفشل لخمليشي في مهمته بالأمم المتحدة الخ. نتمنى ان تكتب عن الموضوع لتعم الفائدة ولنفهم اكثر أبعاد هذه القضايا القومية. مع فائق احترامي
نور
ليتك ثورتنا من اين انت حتى نعرف مع من نتكلم
السياسة لعبة وللعبة شروطها , إن توفرت كانت اللعبة ممتعة . إن لم تتوفر تبقى اللعبة ناقصة غير مكتملة مع كل الثناء على اللعبة .
اخي خالد أنا امازيغية مغربية عربية…إفريقية، احب وطني رغم بعدي عنه، أغار عليه.. أحيانا أحنو عليه وأخرى اقسو… ستظل ارضي. تحياتي اخي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
اريد ان ادلي براي ان امكن دالك و هدا بخصوص حب الوطن فانا اعرف ان حب الوطن من الايمان فلمادا نقول على شخص انه لا يحب وطنه فقد تختلف درجة الحب من شخص الى اخر
وشكرا.