الرباط ـ «القدس العربي»: التأمت الجولة الثانية من “جلسات الحوار الاجتماعي” في المغرب، عشية الأربعاء، حيث جمعت المنظمات النقابية الأكثر تمثيلاً بعدد من أعضاء الحكومة يتقدمهم رئيسها عزيز أخنوش، وبممثلي اتحاد المقاولات الكبرى.
بيان لرئاسة الحكومة، أرسل إلى “القدس العربي”، شدد على أن الحكومة أوفت بأولى التزاماتها، إذ تشرع ابتداء من أيلول/ سبتمبر الجاري في تنفيذ مخرجات “الحوار الاجتماعي”، وذلك من خلال الرفع الفوري بنسبة 5% من الحد الأدنى للأجر في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة، وبنسبة 10% في القطاع الزراعي.
وفي إطار إصلاح أنظمة التقاعد، عملت الحكومة على تخفيض شروط الاستفادة من معاش الشيخوخة من 3.240 يوم اشتراك إلى 1.320 يوماً، مع تمكين المؤمن له البالغ السن القانونية للإحالة على التقاعد والمتوفر على 1.320 يوماً من الاشتراك، من استرجاع حصة الاشتراكات الأجرية واشتراكات المُشغِّل، واعتماد زيادة في المعاشات لفائدة المتقاعدين عن القطاع الخاص المحالين على التقاعد إلى تاريخ 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، بنسبة 5%، مع حد أدنى قدره 100 درهم (حوالي 10 دولارات) شهرياً وبأثر رجعي من فاتح كانون الثاني/ يناير 2020. وخلال جلسة الأربعاء، جرى الاتفاق على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة المواضيع الراهنة، وفق الجدولة الزمنية المبرمجة في اتفاق 30 نيسان/ أبريل 2022، وفق البلاغ دائماً، مشيراً إلى أن هذه المواضيع تهُم بالخصوص مراجعة نظام الضريبة على الدخل، وإصلاح أنظمة التقاعد، وإعادة النظر في عدد من تشريعات العمل، إضافة إلى وضع تصوّر مشترك لإرساء “المرصد الوطني للحوار الاجتماعي” و”أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل والمناخ الاجتماعي”، باعتبارها آليات مواكبة لمَأْسَسَة الحوار الاجتماعي.
تعليقاً على نتائج الحوار الاجتماعي ومخرجاته، اعتبر “الاتحاد المغربي للشغل”، أن زيادة 5 بالمائة في معاشات المتقاعدين والمتقاعدات بأثر رجعي تعدّ من المطالب الرئيسية للنقابة، التي تهم أكثر من 600 ألف متقاعد، كان قد أقرها المجلس الإداري “للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” في كانون الأول/ ديسمبر 2019، وظلّت حبيسة وزارة الاقتصاد والمالية، بل تم التراجع عنها من طرف الحكومة السابقة قبل أن يتم إدراج النقطة من جديد في جدول أعمل الصندوق والمصادقة النهائية عليه من طرف رئيس الحكومة، وفق تعبير بيان اطلعت عليه “القدس العربي”.
وقالت النقابة إن هذه المكتسبات الجديدة لفائدة المتقاعدين في القطاع الخاص هي ثمرة الجهود التي بذلها ممثلو “الاتحاد المغربي للشغل” في المجلس الإداري “للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” والترافع القوي والمستميت في اتجاه تحسين ظروف عيشهم ومواجهة تكاليف الحياة.
ميلودي موخاريق، الأمين العام لـ “الاتحاد المغربي للشغل”، أكد أنه إلى جانب المكتسبات، طُرحت نقطة هامة متعلقة بالتخفيض الضريبي عن الأجور، ذلك أن الأجراء هم الشريحة الوحيدة التي تؤدي الضريبة عن الدخل بصفة منتظمة ودون تهرب وبنسبة عالية تصل إلى 38 بالمائة، متابعاً: “هذا مجانب للصواب ويجب تخفيض هذا الشطر قبل مناقشة موازنة عام 2023، وقد اتفق رئيس الحكومة على هذا المطلب وكلّف وزراء بعقد لقاء مع النقابة الأسبوع المقبل، وفي حال تم تحقيق هذه النقطة فسيعدّ الأمر مكسباً كبيراً لتحسين دخل الأجراء”، وفق تعبير موخاريق متحدثاً لوسائل إعلام محلية.
على العكس من ذلك، اعتبر عبد الإله دحمان، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، أن مخرجات الحوار الاجتماعي الأخير الذي لا يمكن فصله مع اتفاق نيسان/أبريل، لا تستجيب للحظة التاريخية الموسومة بالحرب الأوكرانية الروسية وبتداعيات جائحة “كورونا” على المستويين الاجتماعي والاقتصادي.
وأبرز دحمان متحدثاً لـ “القدس العربي” أن المغاربة يعيشون اليوم أزمة اجتماعية واقتصادية تتفاقم بشكل يومي، أما الانتقال لتنفيذ مقتضيات الاتفاق فلا يعدو كونه قفزة في الهواء لا تستجيب لما يقع؛ وفق تعبيره، لافتاً إلى أن الترويج والاحتفاء بالرفع من نسبة المعاش، مكسب تم الاتفاق عليه منذ 2019 وكان ينتظر الوقت المناسب لتطبيقه لا غير.
“نعيش اليوم على وقع ارتفاع الأسعار والمحروقات وتداعياتها الوخيمة، ما يمس جوهر معيشة الشعب المغربي وانهيار القدرة الشرائية وتقليص الطبقة المتوسطة، ما يؤدي إلى اختلال التوازن الاجتماعي” يقول المتحدث، معتبراً أن “الاتفاق كان خارج التوقعات والانتظارات الحقيقية، ولا يراعي ما يقع على أرض الواقع اقتصادياً واجتماعياً”.
ويرى النقابي المغربي أن على الحكومة فتح حوار حقيقي لأن الأزمة ما زالت مستمرة، والحرب والجائحة ما يزالان معنا، لافتاً إلى أن الحوار لا بد أن يكون مسؤولاً وأن يستجيب لأبرز مطالب الطبقة العاملة، وهي الزيادة في الأجور، وهي الزيادة التي لا بد أن تكون حقيقية وملموسة وتخلق التوازن في القدرة الشرائية.
من جانبه، قال عادل عوين، المسؤول النقابي في “الاتحاد العام للشغالين بالمغرب”، متحدثاً لـ”القدس العربي”، إن النقابة سجّلت بإيجاب تفهم الحكومة لمقترحاته؛ كما تمت الدعوة لإعادة النظر في الأنظمة الأساسية لتصبح متشابهة وتكون منصفة، زيادة على تفعيل الحوار القطاعي حتى يكون هناك جسر بين ما هو مركزي وما هو قطاعي، وأشار إلى أنه تم تجديد الدعوة لجميع القطاعات الحكومية للانخراط إيجابياً في الحوار القطاعي لتفادي مجموعة من الإشكالات.
حري بالذكر أن هذه الجولة من الحوار الاجتماعي عرفت مشاركة كل من نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية، وشكيب بنموسى وزير التربية والتعليم الأولي والرياضة، ويونس السكوري وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، وفوزي لقجع الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية، ومصطفى بايتاس الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان – الناطق الرسمي باسم الحكومة، وغيثة مزور الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة.
كما شارك في أشغال الجولة الثانية من هذا الحوار المنظمات النقابية الأكثر تمثيلاً، وهي: الاتحاد المغربي للشغل برئاسة الأمين العام الميلودي المخارق، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب برئاسة خديجة الزومي، والكونفدرالية الديمقراطية للشغل برئاسة نائبي الكاتب العام العلمي لهوير وبوشتى بوخالفة، ووفد عن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، برئاسة الرئيس شكيب العلج، ووفد عن الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية برئاسة محمد العموري.