الرباط ـ «القدس العربي»: بعد تكليف عزيز أخنوش، رئيس “التجمع الوطني للأحرار” برئاسة الحكومة المغربية والشروع في مشاورات من أجل اقتراح تشكيلة وزارية على العاهل المغربي، بدأ محللون يضعون سيناريوهات حول طبيعة الحكومة المنتظرة والأحزاب التي يُحتمل أن تشارك فيها.
وتتركز الأنظار على تلك المتبوّئة صدارة الترتيب في الانتخابات التشريعية ليوم 8 أيلول/ سبتمبر.
في هذا السياق، ينصبّ جزء مهم من النقاش على حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” الذي منحه الناخبون المغاربة 34 مقعداً في مجلس النواب، محتلاً بذلك المرتبة الرابعة بعد “التجمع” و”الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”.
ومن خلال تأمل الخريطة السياسية المحلية واستقراء أبعاد التدافع الاجتماعي والأيديولوجي وما يتصل به من توازنات سياسية، يُعرب مراقبون عن أملهم في أن يتجه الاشتراكيون المغاربة نحو المعارضة، موضحين أن هذه الحاجة تمليها عدة اعتبارات:
أولها الانسجام مع مطلب سياسي وشعبي، في آن واحد؛ سياسي بحكم ضرورة وجود قطب قوي في البرلمان لمعارضةٍ تمارس العمل الرقابي وتقويم السياسات العمومية، وشعبي للتماهي مع انتظارات المواطن المغربي وقواه الحية التي تبحث دائماً عمّن يوصل صوتها ومطالبها ويجسد مواقفها من العمل الحكومي، ما دام أن هذا الأخير لا يسلم من التوجهات الخاطئة والقرارات التي قد تخلّف ردود فعل رافضة.
في حين يتعلق الاعتبار الثاني بحزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” نفسه، من منطلق أنه في حاجة لالتقاط أنفاسه ومراجعة تجربته وتقييم مساره وفق رؤية نقدية ذاتية، لا سيما بعد مشاركته في تجربة حكومية “قزّمت” حضوره ووزنه في حقيبة وزارية واحدة، ومع ذلك كان عليه أن يتحمّل وزرَ حكومة يقودها الإسلاميون ممثلين في حزب “العدالة والتنمية” الذي أدى أخيراً ثمن سياسته “اللاشعبية” غالياً، حسب تقديرات الكثيرين.
ومن المؤمّل في حزب إدريس لشكر أن يتفادى تكرار التجربة ذاتها مع حزب “التجمع” باعتبار أن صورته ورمزيته أهمّ وأكبر من عدد الحقائب التي قد يحصل عليها. كما أن عليه استثمار تحسّن وضعه الانتخابي مقارنة مع الاستحقاق التشريعي السابق (حصل على 20 مقعداً فقط في 2016) ويقوّي موقعه في المعارضة بجانب مَن يتقاسم معهم المرجعية الفكرية نفسها، خاصة “الرفاق” في حزب “التقدم والاشتراكية” بقيادة نبيل بنعبد الله.
قد يدفع مُعترض بالقول إن الحزب نفسه كان إلى جانب “التجمع” في تجربة حكومية سابقة، من 1998 حتى 2002 ولكنّ الأمر يختلف؛ لأن الاشتراكيين كانوا هم من يقودون الحكومة في إطار ما عُرف بـ”التناوب التوافقي” بناء على اتفاق جرى وقتها بين زعيم الحزب سابقاً الراحل عبد الرحمن اليوسفي والعاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، بعد تصدّر “الاتحاد الاشتراكي” لانتخابات 1997.
ومنذئذ أُنهِكَ الحزب، بسبب إجهاض تجربة “التناوب” وتعيين رئيس حكومة تكنوقراطي، وأيضاً بسبب تذبذب الحزب المذكور بين المعارضة والمشاركة في تحالف حكومي غير منسجم وغير مستساغ إيديولوجياً، خاصة مع حزب ذي مرجعية محافظة، هو “العدالة والتنمية” ارتفعت أسهمه الانتخابية في سياق خاص، تمثل في حراك “20 فبراير” سنة 2011.
أما بخصوص الاعتبار الثالث الذي يستند إليه المحللون السياسيون لافتراض وجود “الاتحاد الاشتراكي” في المعارضة البرلمانية، فهو أن هذا الحزب ـ كما يوحي بذلك اسمه وهويته ـ ذو مرجعية اشتراكية يسارية، تتعارض تماماً مع مرجعية الحزب الذي كُلّف بتشكيل الحكومة، بناء على نتائج صناديق الاقتراع. فمن المعروف أن “التجمع الوطني للأحرار” حزب يميني ليبرالي، كما أن قيادته وتوجهاته تسير في هذا المنحى، علماً بأن أغلبهم رجال أعمال. وتفيد المدارس الديمقراطية الغربية أنه من غير المستساغ مشاركة اشتراكيين في حكومة يقودها ليبراليون.
ملفات حارقة
ودون شك، كما يرى مراقبون، فإن التموقع في المعارضة سيجنّب الاشتراكيين المغاربة الحرج الذي سيقعون فيه إنْ هم دخلوا الحكومة، حين ستشرع هذه الأخيرة في تنفيذ سياسة قد تظهر “لا شعبية” مما يؤدي إلى التصادم مع الشارع وتفاقم الاحتقان الاجتماعي.
وما يؤكد هذا الطرح، أن الحكومة المنتهية ولايتها تركت ملفات حارقة، يبدو أنها طُبخت على نار هادئة من لدن “اللوبي” الاقتصادي القوي؛ وقد تشرع الحكومة المقبلة في تطبيقها، ما دام الأمر يتعلق بإملاءات فوقية، دون أن تبالي بانعكاساتها الاجتماعية، خاصة إذا استحضر المتتبع غلبة الطابع الليبرالي على الحزب الحاكم الجديد وبنيته الرأسمالية المتوغلة.
وتتعلق تلك الملفات برفع الدعم عن المواد الاستهلاكية الأساسية، خاصة الغاز والسكر والدقيق ضمن مشروع “إصلاح صندوق المقاصة”. فيما ينصب الملف الثاني على إصلاح قانوني الإضراب والنقابات، وهو إصلاح تعتبره المنظمات النقابية إجهازاً على حقوق الأجراء وتضييقاً على العمل النقابي المشروع؛ ثم ملف “الحوار الاجتماعي” بين النقابات وممثلي المقاولات الكبرى الذي أوقف لشهور عديدة، وملف المدرّسين الذين يشكون من تداعيات التوظيف عن طريق التعاقد، فضلاً عن الملفات الشائكة المتصلة بمشكلات البطالة والتعليم والصحة والإدارة وغيرها.
ويضيف مراقبون إلى ما سبق قضية التطبيع مع “إسرائيل” فمن المؤكد أن الحكومة الحالية ستمضي قدماً في هذا المسار، بل وستعززه أكثر باتفاقيات ومشروعات متعددة، وهو ما سيضع حزب “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” في حرج كبير، وأيضاً في مطب الازدواجية ما بين الموقف الحزبي والتعامل الحكومي مع القضية نفسها. وقد يكرر الخطيئة نفسها التي وقع فيها حزب “العدالة والتنمية” قائد الائتلاف الوزاري المنتهي، حينما سقط في تناقض صارخ ما بين خطاب رفض التطبيع الذي رددته بياناته الحزبية، وبين التوقيع على الإعلان المشترك مع إسرائيل وما تلاه من اتفاقيات وتصريحات لوزراء من الحزب نفسه.
يذهب محلل إلى القول إن الاشتراكيين المغاربة، مثل كل أحرار العالم، يميزون بين اليهودية والصهيونية. ولذلك، يؤكدون أنه ليست هناك أي مشكلة مع اليهود المغاربة سواء كانوا في إسرائيل أو في أي بقعة من العالم، ولكنهم يرفضون التطبيع السياسي والاقتصادي والإعلامي والثقافي مع دولة الاحتلال التي ما زالت تتمادى في سياستها العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني وتحرمه من العيش بسلام في أرضه المشروعة.
ومن ثم، تذهب آراء إلى القول إن عودة الاشتراكيين المغاربة إلى ممارسة المعارضة فرصة لإضفاء مناعة سياسية على حزبهم ولاسترجاع تأثيره ومكانته، خاصة وأنه ذو شرعية تاريخية ووطنية، ويقوم على أدبيات فكرية مؤسّسة، ويمتلك رصيداً نضالياً بحكم امتداده الجماهيري في أوساط العمال والمدرّسين والموظفين والأطباء وأصحاب المهن الحرة والمثقفين والفاعلين الجمعويين وغيرهم.