عندما رحل المغني الجزائري إيدير سنة 2020، نعاه رئيس الدولة الجزائرية عبد المجيد تبون، كرمز من أهم رموز الفن الجزائري في العالم. وبرحيله اختتمت رحلة فنية رائعة، كانت قد انطلقت منذ سبعينيات القرن الماضي، وانغلق القوس على تجربة موسيقية فريدة ومشروع غنائي متميز، ليبدأ ما أبدعه الفنان الراحل وما تركه من فن، رحلة جديدة في مواجهة الزمن، خائضاً اختبار البقاء والاستمرار، والنجاة من الاندثار والتلاشي، ليؤكد حضوره القوي الراسخ في بيئته أولاً، ثم يخاطب أسماعاً بعيدة في شتى بقاع العالم، ويثبت جدارته وقدرته على الحياة في أمكنة أخرى، وأزمنة حديثة قادمة. وأن هذا الفن بما يحتويه من عناصر جمالية وخيال خاص، وأبعاد إنسانية عامة، قادر على تجاوز الثقافات وتخطي حواجز اللغة، بل إنه يكسر الحاجز اللغوي، ويقرب لغته إلى من هم بعيدين عنها، ويسهل تذوقها جمالياً على الأقل.
الانطلاق الفني من الجزائر
ولد إيدير سنة 1949 في منطقة القبائل شرق الجزائر، تحديداً في بني يني التابعة لولاية تيزي وزو، واسمه الأصلي حميد شيريت، أما إيدير فهو الاسم الفني الذي اشتهر به في العالم، ويعرف به لدى الجميع. يعد اسم إيدير المرادف الأمازيغي في لهجة أهل القبائل، لكلمة يعيش في اللغة العربية، درس الفنان الراحل علوم الجيولوجيا، وكان يشق طريقه العملي في مجال البحث والتنقيب عن الطاقة، لكن موهبته الموسيقية كانت أقوى من أن تظل داخل إطار الهواية، واجتذبته نحو المسار الفني. كانت الانطلاقة من خلال الإذاعة الجزائرية الرسمية، حينما سُمع صوته للمرة الأولى عبر الأثير وتردد في أرجاء الجزائر. بعد ذلك اتخذ إيدير من فرنسا مقراً لإقامته، ومركزاً فنياً لأعماله، حيث قدم الكثير من الحفلات الموسيقية على المسارح الفرنسية، وتعاون مع بعض الفنانين الفرنسيين، على رأسهم أسطورة الغناء الفرنسي شارل أزنافور، حيث عملا معاً على إعداد نسخة جديدة من أغنية أزنافور المشهورة La Bohème، وأضاف إليها إيدير بعض المقاطع، وجعل شارل أزنافور يغني باللغة الأمازيغية القبائلية. كان إيدير يُكبر شارل أزنافور، ويرى فيه مثالاً سامياً للفنان في دنيا الموسيقى والغناء، وقد جمعتهما صداقة استمرت حتى وفاة أزنافور، ويقول إيدير في حوار له على قناة فرنسا 24، إن أزنافور كان يسأله كثيراً عن الإسلام، وكان لديه اهتمام خاص بالدين الحنيف.
لم ينحصر نشاط إيدير الفني داخل فرنسا، بل امتد إلى مجموعة من بلدان العالم العربية والأجنبية، أقام على مسارحها الكثير من الحفلات الموسيقية. فقد استطاع أن يصنع جمهوراً كبيراً، لا يقتصر على الجزائر ودول المغرب العربي، وضم إلى جمهوره الرئيسي الأصيل، طبقات وشرائح أخرى من العرب والأجانب شرقاً وغرباً. ذلك أن اسم إيدير يكاد يكون مرادفاً لنوع موسيقي معين، ونغم خاص متفرد، مشحون بثقافة وتاريخ وحكايات، فهو ليس مجرد غناء وألحان، يجد فيهما السامع لذة الفن وأنس الجمال، وإنما هو أشبه بكتاب، يقدم معرفة ما إلى جانب المتعة الفنية، كتاب ألفه إيدير على مدى مسيرته الطويلة، وكل أغنية من أغانيه تمثل فصلاً من فصول هذا الكتاب. يمكن القول إن ثيمة عامة تجمع بين هذه الفصول، وتربط بعضها بعضاً، هي ثيمة الحياة الجزائرية في منطقة القبائل، بكل ما فيها من وجوه الفرح والحزن، والألم والمعاناة، والتغلب على صعوبات العيش، وتحقيق النجاح، والتشبث بلغة الأجداد، والحفاظ على إرثهم الثقافي، ومقاومة الاندثار والنسيان وكل عوامل الزمن. يقدم إيدير فناً خاصاً، يعد رافداً ومكوناً من مكونات الفن الجزائري الأعم والأشمل، الذي يضم في داخله جميع الروافد والمكونات الفنية والثقافية، وهو فن محلي بدرجة كبيرة، إلا أن إيدير صاغه في شكل حديث بأسلوب عالمي، يستطيع أن يصل إلى الجميع. ذلك أن أنغام موسيقى إيدير وإيقاعاتها وكلمات أغنياته، تمس شغاف قلوب الجزائريين خصوصاً، قبل غيرهم من الذين يجذبهم جمال هذه الموسيقى، وتخاطبهم الرسائل الإنسانية المشتركة بين البشر كافة. موسيقى إيدير نابعة من التراب الجزائري، وكلماته تحكي شيئاً من تاريخ الجبال وسكان تلك المناطق.
يغني إيدير باللغة الأمازيغية القبائلية، وهي لغته الأم التي نطق بها منذ طفولته، ويرتبط بها ارتباطاً وجدانياً وثقافياً وتاريخياً، وكان يجيد اللغة الفرنسية تمام الإجادة بطبيعة الحال، وبها كتب وغنى أيضاً بعض الأعمال، وعلى الرغم من أنه لم يغن باللغة العربية، فصيحها أو عاميتها، وأنه لم يكن يتقن التحدث بها، إلا أننا نسمعه في بعض حواراته التلفزيونية يتكلم كلاماً عربياً، ويحاول قدر المستطاع أن يستمر ويسترسل في التحدث باللغة العربية، لكن مفرداته العربية القليلة، وحصيلته المحدودة من اللغة لم تكن تسعفه. ونراه كذلك يخاطب جمهور حفلاته أحياناً، ببعض العبارات العربية، كما في الحفل الموسيقي الذي أقامه في مدينة وجدة المغربية. حتى أثناء تحدثه باللغة الفرنسية أو باللغة الأمازيغية القبائلية، كان بعض الكلمات والتعبيرات العربية يتردد على لسانه، خصوصاً تلك الكلمات والتعبيرات المرتبطة بالدين الإسلامي، كالحمد والدعاء، والترحم على الموتى وما إلى هنالك. وقد كان إيدير متحدثاً بارعاً أيضاً، يتمتع بإلقاء حسن وأسلوب جاذب، واعتاد على أن يتحدث في حفلاته بين الأغنية والأخرى، وكان الجمهور يبدو متشوقاً إلى سماع حديثه، وإن طال هذا الحديث وامتد، الأمر الذي يعطي الانطباع بأنه كان صاحب قول وكلمة، سواء كانت هذه الكلمة منطوقة ملقاة، أو كانت ملحنة مغناة، وأحياناً كانت الفرقة تصاحب حديثه، بعزف موسيقي بطيء خافت كخلفية هادئة.
كان إيدير يرغب في أن يوصل كلماته، التي تعبر عن مشاعر وأفكاره، ومواقفه تجاه مختلف الأمور والقضايا الإنسانية. والكلمة عنده أداة حيوية، فيها البساطة والخيال، والفكرة المفهومة والمعنى الواضح، وفيها كذلك الصور والحكايات، لذلك لا تفقد كلماته معانيها وجمالياتها، عندما تترجم إلى العربية أو الإنكليزية أو الفرنسية. أما مواضيع أغانيه فتتنوع بين الغوص في الذاكرة، وما انحفر فيها منذ سنوات النشأة الأولى والطفولة المبكرة، وتفاصيل الحياة البسيطة الهادئة بين أحضان الجبال، حيث الزراعة وانتظار الحصاد، والسعي لكسب العيش وتحصيل القوت، وطرق إعداد الطعام. والأفراح والأحزان والتجمعات العائلية، وكفاح الأهل في سبيل الحفاظ على الأبناء، والاحتفاظ بالعادات والتقاليد، كما ان هناك من المواضيع ما يتناول المكان نفسه، المدينة والجبل والقرية، والطبيعة التي تكون رحيمة أحياناً، وفي أحيان أخرى تقسو وتغضب. وهناك ما يتناول حكايات الأجداد، والأساطير القديمة التي يرجع تاريخها إلى قرون بعيدة، هذا بالإضافة إلى مواضيع الهجرة، وأثرها على من يسافر ومن يبقى، وما تخلقه من ألم في النفس، ومواضيع الموت الذي يذهب بالأحباب والأصدقاء، والكوارث التي تلم بالبشر، ومواضيع الحلم بالعدالة والمساواة، والتآخي بين جميع البشر دون تفريق أو تفضيل، والحلم بالسلام وانتهاء الحروب.
خصوصية المشروع الموسيقي
هي إذن أغنيات مكتملة موضوعاً وجواً وحالة، لكن عناية إيدير بالكلمة، لا تعني أن مشروعه كان قائماً على الكلمة وحدها، دون الاهتمام بالموسيقى، فقد كان مشروعه مشروعاً موسيقياً في الوقت ذاته، بل إن الموسيقى كانت تسبق الكلمة في بعض الأحيان، خصوصاً عند من لا يعرف اللغة الأمازيغية القبائلية، لأنه يكون في تلك الحالة، معتمداً أثناء السماع الأول العابر، على ما يصله من خلال الموسيقى، وإحساس صوت المطرب وطريقة أدائه. قدم إيدير الموسيقى الجزائرية، وأنغام منطقة القبائل وإيقاعاتها، بشكل حديث وأسلوب عصري، حيث جمع بين الآلات الموسيقية الغربية، والآلات الشعبية التقليدية، ما صنع مزيجاً فريداً، وصوتاً نغمياً شديد الخصوصية يصعب تقليده. ويرجع الفضل في ذلك أيضاً إلى طبيعة توظيفه للآلات الغربية، ومثال ذلك ما كان يقوم به من تقاسيم بديعة على آلة الغيتار. لم يكن إيدير مطرباً أو كاتباً فحسب، وإنما كان موسيقياً يؤلف ألحانه، ويعزف على الغيتار الذي لم يكن يفارقه في حفلاته، كما لو أنه لا يستطيع أن ينفصل عنه. كذلك كان يعزف على آلة موسيقية أخرى، من الآلات الجزائرية التقليدية الخاصة بمنطقة القبائل على ما يبدو، وهي آلة هوائية شبيهة بالناي، لكنها أقصر طولاً وأرفع حجماً، وصوتها أكثر حدة من صوت الناي، ويمكن القول إن آلة البيكولو هي الآلة المقابلة لها، في آلات الأوركسترا السيمفوني.
في حفلاته كان إيدير يتوقف عن الغناء ويكف عن العزف على الغيتار، ليمسك تلك الآلة ويقوم بالعزف عليها، ويُسمع الجمهور مقطوعة موسيقية بحتة، منفرداً أو بمصاحبة فرقته الموسيقية. كان هذا الأمر فقرة يحرص عليها، وكانت هذه الفقرة من الفقرات الممتعة، التي لا تقل جمالاً عن الغناء، الذي كان يواكبه بالعزف على الغيتار طوال الأوقات الأخرى. أما الآلات الموسيقية التي كان يعتمد عليها إيدير في فرقته، فهناك الغيتار في المقدمة بطبيعة الحال، وكان هو العازف الأول عليه، بالإضافة إلى الأورغ الذي يكون غربياً تارة، وشعبياً تارة أخرى، والفلوت الخشبي القديم الذي يقوم أحد العازفين بالعزف عليه، ومجموعة الآلات الإيقاعية من الطبول والدفوف. كانت فرقته الموسيقية تضم بعض العازفين الأجانب، إلى جانب الجزائريين، وكان يستضيف من حين إلى آخر، مجموعة من الفنانين التقليديين الجزائريين، سواء عازفين أو مغنين أو راقصين، ليشاركونه في تقديم بعض الفقرات الفنية، كما كانت ابنته تاتينا تشاركه بالغناء والعزف في حفلاته، خصوصاً في المرحلة الأخيرة من مسيرته الفنية.
تتسم موسيقى إيدير بجمال اللحن وميلوديته الرقيقة، وهو ما يبدو بشكل أكثر اتضاحاً، في أغنياته الهادئة ذات الإيقاع البطيء، التي تتسع لدرجات متعددة من السماع، ومستويات مختلفة من التلقي، فهي تصلح لأن تكون أغنية لطيفة تغنى للأطفال قبل نومهم، وتصلح في الوقت ذاته لأن تكون أغنية تأملية لها فلسفتها الخاصة. تتهادى هذه الأغنيات، وتنسال رائقة بصفاء نغمي أخاذ، يعكس مدى سلاسة أفكار إيدير الموسيقية، وبراعته في تنفيذها والتعبير عنها، وقدرته على توصيلها إلى المتلقي في سهولة ويسر. يبدو هذا النوع من الموسيقى في بعض الأحيان، كما لو أنه يخاطب الجانب النقي البريء في النفس البشرية، بل ربما الجانب الطفولي، أو المتعلق بذكريات الطفولة، الذي ينظر إليها من بعيد، وقد اتسعت الرؤية، وتعمقت التجارب وتراكمت الخبرات. أما أغنياته الفرحة ذات الإيقاع السريع، فإنها تعبر عن الجانب المرح الاحتفالي، وتتميز هذه الأغنيات بألحانها الحيوية المليئة بالنشاط، وباتصال النغمات واستمراريتها، وتكررها على نحو يخلق الرغبة في عدم التوقف.
من يستمع إلى موسيقى إيدير للوهلة الأولى، وبعيداً عن لغة الغناء، يشعر على الفور بأن تلك الموسيقى، آتية من مكان له خصوصيته الثقافية، وأنها تحمل تاريخاً يرتبط بجذور قديمة. وبذلك أيضاً يوحي صوت إيدير وأسلوبه في الغناء، الذي يميل إلى الطبقات الخفيضة والأداء المتأني، مع لمسة مجروحة وارتعاشات تميز الصوت وتضفي عليه المزيد من الجمال. لكن على الرغم من خصوصية موسيقى إيدير، وارتباطها ببقعة جغرافية وثقافة محددة، إلى أنه لم ينغلق على تلك الثقافة، ولم يضع الحواجز بينها وبين الثقافات الأخرى. فقد انفتح بموسيقاه على العالم، وبحث لها عن آفاق جديدة، كما لو أنه يسافر بها أو أنه يسافر بالمستمع إلى المنطقة الخاصة بتلك الموسيقى. صحيح أنه لم يغن بالكثير من اللغات الأخرى، حتى أغنياته باللغة الفرنسية تعد قليلة ومحدودة، لكن ذلك ليس مطلوباً دائماً من أجل الوصول إلى العالم، فهو يقدم فناً كاملاً وثقافة أصيلة، واللغة مكون من مكونات هذا الفن، وجزء عضوي من أجزاء هذه الثقافة. وقد وجد إيدير أنه يستطيع التعبير على أفضل ما يكون، من خلال اللغة الأمازيغية القبائلية، التي لم تقف حاجزاً بينه وبين المتلقي العربي أو الأجنبي، فهناك ترجمات متاحة بعدة لغات للكثير من أغانيه، وهناك الموسيقى التي لا تحتاج إلى ترجمة، والصوت الذي يلامس الشعور والحس الإنساني بشكل عام. خاطب إيدير العالم بلغته الخاصة وقال كلمته، وأسمعه موسيقاه وغناءه، وروى له حكاياته، كنوع من الرغبة في المشاركة مع الجميع. هذا الإحساس بالمشاركة يخلق بدوره لدى المتلقي، الرغبة في التعرف على هذه الأعمال الفنية، وما يحيط بها من جوانب ثقافية واجتماعية، واكتشاف الحكاية التي تقف وراء كل أغنية، والتقاط إيقاع اللغة وتنغيمها الخاص، وتأمل مفرداتها، والوقوف عند بعض الكلمات العربية داخل الأغنية إما في صيغتها المعروفة، أو في تحوير آخر لا يُخفي اشتقاقها العربي.
يغني إيدير أغنية «تيزي وزو» وهو اسم الولاية الجزائرية التي ينتمي إليها، ويغني «أدرار إينو» أو «جبلي» حيث يصف الفرحة الكبرى بالعودة إلى البيت، الذي تزول فيه الهموم كلها، والجو الساطع المضيء الذي يشيع البهجة في الوجوه، وفرحة الأبناء بعودة الأب، ويقول إنه يحب جبله وصخوره، وإن كانت الشمس حارقة، أو كانت الثلوج تغطي المكان، ويحلم تحت سمائه بالرخاء وابتعاد البؤس، ويتحدث كذلك عن الشعور بالعزة. وفي أغنية «أتذكر» يروي إيدير كلمات الأم وحكاية الجراد، الذي هجم على القرية، سواء كان هذا الجراد حقيقياً، أو رمزاً للأعداء الذين أغاروا على القرية، تشبه الأم الحرب بالجراد، وتشبه ابنها بسنبلة القمح، وتعبر عن سعادتها لأنه نجا وعاش، وتوصيه بأخيه خيراً، لأن من لا أخ له يعيش محقوراً. وحول الأم أيضاً تدور أغنية «آسيندو» التي كان إيدير يعتز بها كثيراً، وكان يتحدث عن أمه ويترحم عليها، قبل أن يشرع في غناء هذه الأغنية، التي تصف عملية خض الحليب واستخراج الزبدة منه، وفيها تفاصيل تلك العملية، ووصف الأدوات القديمة التي كان يتم استخدامها، وهي أدوات يدوية بسيطة، مصنوعة من المواد الطبيعية التي كانت متاحة في ذلك الوقت. أما «أزواو» و»زويت رويت» فهما من الأغنيات السريعة الراقصة، ذات الطابع الشعبي إلى حد ما. وعن الهجرة والغربة يغني إيدير أغنية «أغريب» حيث يودع المسافر أهله، ويذهب في طريقه نحو المجهول، وأغنية «أندا يلا» عن الزوجة التي يهجرها الزوج ويسافر، ويتركها وحيدة مع الأولاد. وفي أغنية «تارجيت» يحلم إيدير بأن تتحول الأرض إلى جنة، يعيش فيها الجميع بلا حدود أو فوارق، وأن يعم العدل والسلام. وعن كارثة فيضان باب الواد التي أصابت الجزائر سنة 2001، غنى إيدير «لماذا هذا الأمطار» وهي أغنية باللغة الفرنسية.
آفافا إينوفا والأسطورة القديمة
ومن أشهر أغنيات إيدير وأجملها، أغنية «آفافا إينوفا» التي صدرت سنة 1976، وهي معالجة موسيقية لأسطورة أمازيغية قبائلية قديمة، وحكاية متوارثة عن الأجداد، يتناقلها الجيل بعد الآخر. الأغنية عن فتاة اسمها «غريبة» ابنة لرجل مسن ولديها أشقاء صغار، تذهب غريبة للعمل كل يوم في أعمال الزراعة، وتعود في آخر النهار، لكي لا يهاجمها وحش الغابة الذي يظهر وقت الغروب، ويتربص بأطفال المرأة التي تتأخر خارج المنزل، فيطرق الباب على الصغار، ويقلد صوت الأم، حتى يطمئنوا ويفتحوا له الباب فيقوم بافتراسهم. لذلك اتفق الأب الشيخ الكبير مع ابنته، على أنها إذا تأخرت يوماً، فعليها أن تصدر صوتاً معيناً بواسطة أساورها، فيتعرف الأب على هذا الصوت ويفتح لها الباب، لكن «غريبة» في يوم من الأيام، تعرضت للهجوم من بعض الأشخاص، وتم السطو على أسورها، وذهبت تطرق باب البيت، وترجو الأب أن يفتح لها الباب، وتخبره أنها خائفة من وحش الغابة، فيطلب منها الأب أن تصدر صوت الأساور المتفق عليه، لكي يتأكد أنه ابنته لا الوحش، لكن «غريبة» لا تستطيع أن تصدر الصوت لأنه فقدت أساورها، والأب لا يستطيع أن يفتح الباب، ويخبرها أنه خائف هو الآخر، ويخشى على أشقائها الصغار من وحش الغابة. وهكذا تقف الابنة والأب، وبينهما ذلك الباب الذي لا ينفتح، وحولهما الخوف الذي يحيط بهما من كل جانب. حول إيدير هذه الحكاية القديمة، إلى أغنية رائعة ذات لحن خلاب لا يمل سامعه، وقسمها إلى مقاطع يأتي بعضها على لسان الابنة، وبعضها الآخر يأتي على لسان الأب، وفي النسخة الأولى من هذه الأغنية، شاركت إيدير الغناء المطربة ميلا، لكن بعد ذلك كان إيدير يغني جميع المقاطع بصوته في الحفلات، بأداء رائع وتعبير قوي عن كلمات الابنة والأب على السواء.
كاتبة مصرية