المقاومه العراقيه بين طريقين: مقاربات التصفية… أو المبادرة الوطنية؟
عبدالامير الركابي المقاومه العراقيه بين طريقين: مقاربات التصفية… أو المبادرة الوطنية؟ بلغتنا الانباء تقول، بأن جهودا تبذل الان علي طريق توحيد المقاومة العراقيه، وهذا بالطبع نبأ جيد، وكان ينبغي ان نسمعه قبل اليوم، غير ان الظروف علي ما يبدو، لم تكن قد سمحت بالعمل الجدي عليه في الماضي، بينما يقال انه اصبح قيد التداول من الجميع الان، السؤال الذي يمكن التفكير به، مع تأييد هذه الخطوة، هو: لماذا الان؟ وهل من مستجدات طرأت علي الوضع، او علي مسار عمل المقاومة، يبرر مثل هذه الخطوة، او يجعلها ممكنة الآن اكثر من السابق؟ هل ما يجري اليوم، يحسب في باب التطور العضوي، والموضوعي، ام ان عوامل طارئة، واسبابا من خارج بنية ومحركات عمل المقاومة الذاتيه، هي التي تدفع بهذا الاتجاه حاليا؟الاجوبة او الاعتقادات والتكهنات، كثيرة، واذا استبعدنا منها نغمة التهيؤ للقادم، وهي نغمة استعملت من قبل الموهومين، او المهولين بقرب العودة الي الحكم احيانا، ولفترة من الوقت، فان الآراء تذهب الي التركيز بالذات، علي مسألة القاعدة والموقف منها، خصوصا بعد ان استشرت ممارساتها، وتجاوزت كل حد، والاخطر وصولها الي ايحاءات التأسيس المقابل لمشروع التقسيم ، ان اجندة هذا التنظيم، كانت وما تزال غريبة عن خصائص العراق الفكرية والسياسيه، وعن طبيعته، ومناقضة تماما، لآليات التشكل الوطني المحتملة، الا ان هذه الناحية بالذات، لم تكن قد مثلت احد الانشغالات الملحة، او الكبري في جدول اعمال المقاومة العراقية، ولعبت ظروف تشكل المقاومة، ونظرتها لاولويات العمل وسلسلة الاهتمامات، دورا في تأجيل التفكير بمواجهة هذه الظاهرة، كما ساهم الاعتقاد بأن وجود هذا التنظيم، يمكن ان يكون مصدر دعم وقوة للمقاومة. واسهمت الفترة السوداء (عام 2006)، ابتداء من شباط (فبراير) من تلك السنة، حتي وقت قريب، في تبريرالتعايش مع هذا التنظيم، والاسباب معروفة، فالامريكيون نجحوا وقتها في رفع درجة الاقتتال الطائفي الاعمي، الي اعلي حد يمكن تصوره، مما كان من شأنه ان يخفض بقوة، الرغبة او الاستعداد لمواجهة موضوع مثل وجود القاعدة وسلوكها، ومآل مشروعها، غير ان السنة السوداء كما نعلم، انتهت مخلفة وراءها حقائق، تغري الجميع بالانقلاب علي ما قد اعتبروه مخرجا، او طريقا للحل، الامريكيون انفسهم اصيبوا باضرار، مما صنعت ايمانهم وايسارهم، والمقاومة تضررت، بتضرر مجتمعها وقاعدتها الشعبيه، والتيار الصدري، الذي تقدم صفوف القوي الموغلة في التصادم الطائفي، خلال تلك الفترة، وجد نفسه معزولا وضائعا، ومرشحا للتصفية، والمجتمع العراقي، وصلت مأساته درجات لا توصف، وعمت الكارثة ارجاء البلاد كلها، ووصلت اعداد المهاجرين والمهجرين، الملايين، والقتلي عشرات الآلاف، لقد اراد الامريكيون اخضاع المقاومة، بالانتقال من وسيلة تدمير الدولة الي جريمة تدمير المجتمع ، تعدت كل الحدود، لتشمل حتي السكان العاديين، لقد بدأ الاحتلال بمجزرة امحاء الثقافة والهوية كما نعلم، قبل ان تعم موجة قتل الطاقات والملاكات الخطرة ، العلميه والعسكرية، وغيرها، اما الان، فقد تحول كل عراقي الي هدف للقتل والتهجير، واصبحت حصته الوحيدة التي يستحقها في بلاده، الموت بلا رحمة ولا تمييز.من حسن الحظ، ان تلك السياسة لم تكن قابلة للحياة طويلا، لانها كانت محكومة بشروط تجعلها تعمل ضد قوانين الحياة والتاريخ، فالطابع المتعجل لتلك المهمة، فرض علي المشرفين عليها، ومن ينفذونها، ان يشحنوها باقصي قدر من الفظاعات الممكنة وغير الممكنة، كما وكيفا، الامر الذي افضي التسارع وتيرة الشعور بالكارثة الناجمة عنها، وعمم في الوسط الاقليمي والدولي، وداخل الولايات المتحده نفسها، المخاوف المتعاظمة، من نذر الكارثة التي انشغل بها الاحتلال.. ثمة كيانات عربية، اصبحت علي حافة الهاوية، وقوي دولية، تجرأت علي الخروج عن صمتها، وقررت ادانة السياسة الخطرة والهوجاء للادارة الامريكيه، وفجأة تناقصت مكانة الولايات المتحدة ومصداقيتها، بينما تعاظم التساؤل بين الامريكيين، عن جدوي ما تقوم به بلادهم في العراق، وعن اهميته ونفعه لبلادهم، وزاد الي حد كبير، الاعتقاد بان ما يقومون به هناك، لا معني له، ولا جدوي منه، ومن وحي كل هذا، وما ولده من ضغط هائل، قررت الخطة الجديدة لبوش، وبدأت تؤلف من يومها، مقاربات جديدة للوضع، علي ضوء الاعلان عن زيادة القوات، والتركيزالاحادي علي وعد بتحقيق الامن المفقود، وايقاف المطحنة الطائفية ، المصنوعة اصلا بوسائل امريكية. تتمثل تلك المقاربات اليوم، في اثنتين ظاهرتين، وواحدة خفية: وكلها يجمعها قاسم مشترك، هو هول الكارثة الناجمة عن احتمالات الحرب الاهلية، وانعكاس مسارها ونتائجها علي الاطراف الفاعلة كافه، تلك المقاربات هي:1 ـ التي يعتمدها معسكر الاحتلال وحكومته: وهؤلاء يتصورون ان السياسة الامنية الحالية، لها بعد مساند من خارجها، وليست مجريات الخطة الامنية، هي الاهم، فهذه قد تواصل طريقها، وتحقق او لا تحقق اهدافها، بينما مصدر قوتها الفعلي لا يتأتي من زخمها هي بالذات، بل من زخم ما قبلها، فهل المقاومة مستعدة بعد تلك (السنة السوداء) لان تجازف مراهنة علي اعتماد نفس الطريق، وتقرر الذهاب الي ابعد، متحملة تبعات الاحتراب الاهلي واحتمالات توغل منطق الابادة الشاملة؟ هذا ما يسمي في العادة وفي مثل هذه الاحوال، مبدأ اسقاط فرصة الوصول للهدف، فالتحرير اليوم، موضوع وراء الحرب الاهلية، والولايات المتحدة تعتقد، ان ما قامت به من بروفة علي طريق التدمير الاجتماعي، صالح للاستعمال بقوة في هذه اللحظة بالذات، وهو الذي يعطي السياسة الجديدة، والخطة الامنية المطبقة، في الوقت الحاضر، مضاءها عمليا، وذلك امر لا تقرره عمليا الجيوش وحسن التنفيذ والمدة المطلوبة.مقاربة الاحتلال هذه موضوعة ايضا، ليس بناء علي حسابات عراقية بحتة، فعلي ارض العراق هنالك مضمرات المواجهة، او التلاقي بين القاعدة من ناحية، و الاحتلال من ناحية، و القاعدة بالطبع، وباعتبارها عنصرا من عناصر الحرب الاهلية ، تلقت التوجه الامريكي الجديد، وتمعنت فيه، وقررت من جهتها التعامل معه، بطريقتها وحسب اجندتها الخاصة، وهذا ما يفسر كل التكتيكات التي باشرت هذه الجهة باعتمادها مؤخرا، بما في ذلك العمليات ذات الطابع المشهدي من ناحية، واستعمال الكلور الفاشل، واستعمال الاطفال والنساء، وتوسيع نطاق السيطرة بالارهاب، بحيث تشمل المناطق السنية كاملة. والغرض من هذه السياسة واضح، فالمطلوب استباق احتمالات ميل بعض اطراف المقاومة العراقية، للتعامل مع الواقع الجديد بايجابية ما، عبر مصادرة القرار السياسي في هذه المناطق كليا، واعطاء الانطباع بان مواجهة السياسة الامريكية الحالية، يمكن ان تذهب من جانب القاعدة ، نحو اعتماد خيار شمشون او خيار نيرون ، وهو ما يجري التأكيد عليه عمليا، عبر تكريس شناعة الاساليب والممارسات الرهيبة المتبعة حاليا، بما يوحي بان الفصل الحالي، من سياسة هذه الجهة، عنوانها: الارض المحروقة، وخرق المحرمات كافة.الا تبدو المقاومة والحالة هذه، بين المطرقة والسندان؟ هذا ما يخطر علي بال الاحتلال، ثمة اجواء يعتقد ان ترجمتها هي الحشر في الزاوية ، وما بعدها، هو انتظار الاستدارة باتجاه الحكومة و العملية السياسية الامريكية ، هناك علي بوابة الندم والعودة الي بيت الطاعة المتخيل، يقف اليوم اشخاص مثل جلال طالباني، واياد علاوي، يحملون بيدهم لافتة القوي العلمانية ونبذ الارهاب، وبالاخص ارهاب القاعدة الاجرامي، حتي ان جلال طالباني، اقام حفلا في احدي ساحات كرة القدم، اهداه للحزب الشيوعي العراقي في عيد تأسيسه في 31 /آذار (مارس) الماضي، حشد المناصرين الاكراد من حزبه وغير حزبه، والقي هناك كلمة افتتاحية، قُرئت نيابة عنه، موحيا بان العراق لم ينس العلمانية، وانه لا يمكن ان يكون مرتعا لـ القاعدة ، ومن هذا المنطلق السخيف، البعيد عن جوهر المشكلة وغيره، يروج هو واياد علاوي لما يسمونه المفاوضات مع المسلحين : ويعنون، تصفيتهم. 2 ـ تاكتيك القاعدة او مقاربتها، معروفة، وقد تناولناه في النقطة اعلاه، وهو بالطبع قائم علي تصور وخلفية تقول، بان الطريق الوحيد لمواجهة نتائج او احتمالات الحرب الاهلية، هو المزيد من الايغال في الحرب الاهلية، وهنا تصبح المقاومة العراقية عقبة لا بد من ازالتها او تطويعها، لان هذه لن تقبل منطق الحرب الاهليه، ولا تريدها اطلاقا. القاعدة تعرف بان الانشقاق حاصل وحتمي، بينها وبين المقاومة، بينما هي طريقها واحد، لا طريق سواه، فهي غير صالحة للتفاعل مع واقع العراق الوطني، بتعقيداته وخصوصياته، ورؤيتها وبنيتها مناقضة له قطعا، ووجودها مشروع حرب اهلية بالطبيعة، والان ثمة خطر اصبح يتهدد القاعدة ، فالمقاومة العراقية، والمجتمع العراقي برمته، استدرك الان، وتحول الي البحث عن حلول وطنية وواقعية، هذه حقيقة عراقية، كرستها بقوة سياسة الاحتراب الاهلي وتجربتها السوداء، خلال عام 2006 وهي حقيقة موضوعية ووطنية، لا علاقة لها بالاحتلال وخططه وتصوراته، علي العكس هي خيارالضد، خيار النقيض لكل ما يرغب به الاحتلال، وما يخطط له. القاعدة كما نري مؤخرا، وسعت نطاق عملها الي المغرب العربي، وهكذا يثبت مرة اخري، ان شرارات المسألة العراقية، لا شيء يحدها، او يحول بينها وبين الوصول الي نقاط بعيدة جدا، فـ القاعدة ما ان تحاصر في العراق، حتي تضرب في اقاصي المغرب العربي، علي امل ان تفك الطوق، او تصرف انتباه الامريكيين نحو مواضع اخري، عموما هي تعاني من شعور بقرب النهاية.3 ـ المقاربة الثالثة: هي بالطبع تلك التي تقول بان مجريات الاحداث الان، لها بعد نابع من قانون الوحدة الوطنية، ان اهم قوانين المواجهة الدائرة مع الاحتلال الامريكي، تلك التي تقول: التحرير والوحدة الوطنيه ، وتعتبرهما متلازمين مترابطين من دون فكاك، ومن هذه الزاوية، يصبح ما يتصوره الاحتلال عن الحشر في الزاوية لا معني له، ومجرد وهم. ان التحركات الجارية مؤخرا، والتي جرت، تقع كلها في مجري بلورة هذا الخيار، فالعراق هو وحدة قواه الرئيسية والحية، وليس هنالك من مجال لمقاومة الاحتلال، والتدخلات، من دون بلورة شكل من اشكال الوحدة الوطنية المقاومة، الجميع توهموا، وكثيرون جربوا الطيران بجناح واحد، او كسر الاجنحة الاخري، ولم يجنوا غير تكسر اجنحتهم هم، ومن ثم احتمالات انكسار اجنحة العراق، الذي لا وجود لهم من دونه.ليست الوحدة الوطنية شعارا، بل هي حقيقة تتكرس بالاختبار، واليوم لا شيء اجلي من قوة هذه الحقيقة، حسب ما قد حدث في مجري السنة السوداء، لن يحارب النفوذ الايراني، او سياسة القاعدة التصفوية ضد المقاومة، الا بوحدة العراق، وبتجسيد تلك الوحدة في اطار واضح، يكون هو خيار المقاومة الطبيعي المفتوح، لا بوابة جلال طالباني المهترئة العفنة، ولا شبح جثة اياد علاوي، التي لا لزوم لها الا في خيالات صاحبها.يمكن ان تكون المرحلة المقبلة، مرحلة بداية تبلور الخيار الوطني الشامل، وهذا علي الارجح هو ما تعدنا به الايام او الشهور القادمة، لا القاعدة ، ولا الاحتلال، ولا ايران، من سيربح الجولة الحالية، وما قد جنته ايادي المحتلين والمتدخلين، رأيناه جليا، مئات الالوف من الاعلام العراقية في النجف، وتلازم الأزمة الداخلية، مع المعركة الوطنية داخل التيار الصدري، مما يعزز امكانية استعادة التيار، او عودته الي الصف الوطني، ويقوي احتمالات التداخل والتفاعل الطبيعي، بين قوي المقاومة، واطرافها، علي امتداد البلاد، تلك برأينا هي الحصيلة التي اورثتها سياسة الاحتلال التدميرية، علي المستوي الوطني، وهي ستكون الاقوي، لان العراق ووحدته الوطنية، وارادة تاريخه، اقوي من الاحتلال وايران و القاعدة مجتمعين.المقاربة الثالثة التي نتحدث عنها، يتصورها بعض الاخوة من الوطنيين، قضية يمكن ان تعلن نتائجها، بين ليلة وضحاها، بعضهم يستعجلون، وبعضهم يتساءلون ويتصلون من شدة الحرص وقوة الامل، ولهؤلاء نقول، لقد وضعت الأسس، وهذا التحرك سيكون صفحة مهمة وبارزة في مسار المواجهة الوطنية، نريده ان يكون شاملا، ومؤسسا علي قواعد ثابتة وقوية، وهذه ليست بالشؤون التي تنجز بين ليلة وضحاها. في اللقاءات الاولية التي اجريناها في عمان، كان هنالك اتجاه الي وضع وثيقة للنقاش تدرسها المقاومة، وهذا المنحي قائم، وهو يتفق تماما مع رؤيتنا المسبقة للظرف الحالي، ولمجرياته. الا ينبغي ايضا البحث مع التيار الصدري، الا ينبغي حل اشكالات عويصة اخري، ناشئة عن اعتقادات، ما تزال راسخه لدي بعض الاطراف او القوي، نعم ثمة عمل كثير، وهنالك ايضا مخاطر، منها واسوأها، تلك النزعة التي تميل دائما الي طرح المبادرات علي الامريكيين، كل من يبادر للعمل يريد ايجاد حل للوجود الامريكي، يؤمن انسحابه من العراق، بآليات مختلفة عن تلك التي تورط بها الاحتلال، المطلوب اليوم ان تركز المبادرات، داخل المعسكر الوطني والمقاوم، هنا يوجد عمل كثير وكبير وصعب، يجب الانكباب عليه، وبذل الجهد فيه، بعيدا عن الامريكيين وغير الامريكيين.ولكن هذه قضية لا ينبغي ان تترك، بل لا بد من العودة لها ومعالجتها.. نعدكم بذلك…ہ كاتب من العراق يقيم في باريس8