لم يأت كلام أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني حول البرنامج الصاروخي من فراغ، لأنه كشف بشكل غير مباشر عن وجود مفاوضات مع جهة ما لم يحددها حول هذا البرنامج، وأن هذه المفاوضات تدور حول مديات الصواريخ الإيرانية وقدراتها التهديفية والتدميرية.
ما لم يقله المسؤول الإيراني فضحه وزير الخارجية الفرنسية جان أيف لودريان، عندما تحدث بشكل صارم عن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق حول البرنامج الصاورخي ودور إيران الإقليمي.
كلام لودريان جاء بعد يوم واحد من كلام شمخاني، ما يعني وجود مفاوضات بدأت قبل وقت ليس بقليل، وأن المباحثات فيها وصلت إلى مرحلة متقدمة باتت تفرض على كلا الطرفين التصعيد ورفع السقف في مواقفهما، إما للحصول على تنازلات أكثر، وإما لتثبيت ما تم التوصل إليه من تفاهمات وتحويلها إلى حقائق أو صياغات نهائية وانطلاق آليات تنفيذها وتطبيقها.
نقطة النهاية الإيجابية التي تؤكد على أن طرفي المفاوضات حقق أرباحا سياسية واقتصادية، كانت على ما يبدو تتمركز حول تثبيت الدائرة التي قد تطالها الصواريخ الإيرانية، أي مدى هذه الصواريخ، وهل تشكل تهديدا مباشرا للمصالح الأوروبية والأمريكية في المنطقة المحيطة بإيران. وعلى ما تكشفه المواقف فإن الجانب الفرنسي، الذي يمثل الطرف المفاوض الأبرز مع طهران، وضع شروطا قاسية على الجانب الإيراني تطالبه بتخفيض مدى هذه الصواريخ إلى حدود 300 كيلومتر، وفي أفضل الحالات 700 كيلومتر، أي أن على طهران التخلي، وإن لم يكن تفكيك أو تدمير كل الأنظمة الصاروخية التي يفوق مداها هذه المسافة، ما يعني سحب الورقة الأساسية من اليد الإيرانية التي ترفعها بوجه خصومها (الدول العربية) وعدوتها (إسرائيل) ردا على أي تهديد قد تتعرض له، أو اعتداء قد يشن ضدها، وبالتالي سقوط المقولة التي يرفعها قادة حرس الثورة عن قدرة إيران على تدمير إسرائيل خلال سبع دقائق ونصف الدقيقة.
التنازل الإيراني والضغط الأوروبي ما كان ليحصل من دون الأرضية التي وفرها قرار الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات
هذا السقف الذي طالبت به باريس المتعلق بمدى الصواريخ، رفضته طهران منذ أن أبدت استعدادها للدخول في مفاوضات حول الموضوع بعيدا عن الأضواء، ووضعت حينها سقفا لا يمكن التراجع عنه، يحدد حجم ومستوى التنازلات الممكنة، مستفيدة من آليات التفاوض التي أرستها حول البرنامج النووي، عندما رفعت سقف المطالبة بمستويات مرتفعة من تخصيب اليورانيوم، من أجل الحصول على مستوى 20% على أراضيها، وهو ما تحقق لها نسبيا، لذلك فقد كان السقف في البرنامج الصاروخي هو عدم التخلي عن المراحل المتقدمة التي وصلت إليها في هذا المجال، مع تقديم ضمانات واضحة ودقيقة بعدم التطوير، خصوصا أن العوائق التي وضعها الاتفاق النووي وقرار مجلس الأمن 2231 الصادر في 20 يوليو/تموز 2015 حول البرنامج الصاروخي الإيراني وتطويره تبدأ بالتراجع بعد مرور تسع سنوات على القرار والتوقيع، بما في ذلك ما يتعلق بتطوير إمكانيات هذه الصواريخ القتالية التي قد تصل إلى المستوى النووي.
التنازل الإيراني والضغط الأوروبي ما كان ليحصل من دون الأرضية التي وفرها قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات عليها بشكل قاس وموسع، وهو ما وضع إيران أمام مأزق التعامل مع تداعيات هذا القرار، وخسارتها للمزايا التي كانت تراهن الحصول عليها من هذا الاتفاق، ووضع الدول الأوروبية التي لعبت دورا أساسا ومحوريا في التوصل إلى هذا الاتفاق، على أمل استثماره اقتصاديا من خلال الانفتاح على الأسواق الإيرانية المتعطشة، التي تلبي حاجات الاقتصادات الاوروبية المتراجعة، ووضعها أيضا أمام تحدي الوقوف بوجه الإرادة الأمريكية التي تستهدف في جزء منها هذه الدول وتعميق حقيقة التحكم الأمريكي في استثماراتها واقتصاداتها. وقد أسهم القرار الأمريكي في إعادة إحياء الترويكا الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي تولت التفاوض مع إيران منذ عام 2003 وحتى دخول الطرف الأمريكي للمشاركة فيها، فاستغلت الهامش الذي وفره ترامب للعب دور محوري في تولي دفة الحوار مع طهران للتوصل إلى حلول تساعد طهران على تخطي العقوبات، وتساعد اوروبا على استمرار دورها في القضايا العالمية، وتقديم مصالحها على المصالح الأمريكية من دون التصادم، وبالتالي إمكانية تقديم خدمات غير مجانية لواشنطن.
وليس بعيدا عن الصواريخ، فإن تصويب الوزير الفرنسي على الدور الاقليمي لإيران مرتبط ايضا بهذا البرنامج، الذي يشكل أحد ابرز الأذرع الإيرانية، إضافة إلى أذرعها المحلية في دول الجوار، دلّ عليه أمين المجلس الأعلى للأمن القومي شمخاني بالحديث عن امتلاك حلفاء إيران في لبنان (حزب الله) وفي قطاع غزة لصواريخ دقيقة التهديف والتصويب، والذي جاء بعد كلام أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله عن امتلاك حزبه لمثل هذه الصواريخ، في رسالة واضحة بأن إيران، وإن كانت قد وافقت على الحد من تطوير برنامجها الصاروخي إلا انها قادرة على الحفاظ على قواعد الاشتباك التي وضعها نصرالله في مواجهة إسرائيل وغيرها، وبالتالي فإن التنازل الإيراني لا يعتبر هزيمة في التخلي عن الطموحات الإقليمية، إنما يشكل منطلقا لمرحلة من التعاون البناء، قد يكون موضوع ولادة الحكومة اللبنانية التي سارع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الترحيب بها، من أبرز هذه الدلائل، بانتظار أن تتضح مستويات التعاون الإقليمي على ساحات أخرى خصوصا في سوريا.
من هنا يأتي الكشف الأوروبي عن الانتهاء من وضع آلية التعامل المالي والاقتصادي بين الاتحاد الاوروبي وطهران، التي تسمح للطرفين بإمكانية الالتفاف على العقوبات الأمريكية، وفي الوقت نفسه تشكل مخرجا لإمكانية فتح قنوات حوار مع طهران، للتوصل إلى تفاهمات لا تحرج واشنطن ولا تحشر طهران.
كاتب لبناني
يهمني كجزائرية أن يكون لإيران برنامج باليستي جد متقدم، و في إعتقادي نحن أحرار نطور ما نريد من سلاح لا حق لأحد أن يحدد لنا عتبة في البحث العلمي التسلحي. و ياليت لو تهتموا قليلا بالبرنامج التسلحي للكيان الغاصب في فلسطين المحتلة و شكرا.