مدريد ـ «القدس العربي»: الحدث كان منتظرا والتوقيت لم يكن منتظرا، هو الخبر الذي نزل بمثابة القنبلة على الرأي العام الإسباني أمس الاثنين، تنحي الملك خوان كارلوس البالغ من العمر 76 عن العرش بعد 39 سنة من الحكم لصالح ابنه الأمير فيلبي 46 سنة. ويأتي التنازل في وقت تمر فيه المؤسسة الملكية بأسوأ مراحلها منذ الانتقال الديمقراطي سنة 1975، وفي وقت ترتفع فيه أصوات المنادين بالجمهورية بدل النظام الملكي.
ملك جديد لقيادة جيل جديد
وجرى استدعاء وسائل الاعلام على عجل صباح أمس الاثنين الى قصر رئاسة الحكومة،حيث ألقى رئيس الحكومة ماريانو راخوي خطابا يعلن فيه نية الملك خوان كارلوس التنحي عن العرش لفائدة ابنه الأمير فيلبي، وأعلن عن الإجراءات التي ستتبعها الحكومة في هذا الشأن. وثلاث ساعات بعد ذلك، قام الملك خوان كارلوس بتوجيه خطاب الى الشعب الإسباني مستعرضا الأسباب التي دفعته الى اتخاذ القرار في يناير الماضي والاعلان عنه أمس رسميا، وأجملها في نهاية مرحلة وبداية أخرى بزعامة ولي العهد الأمير فيلبي الذي اعتبره مؤهلا لإرساء الاستقرار والمساهمة في خروج البلاد من أزمتها.
وقال الملك في خطابه «عندما جرى إعلاني ملكا لإسبانيا، منذ أربعة عقود تقريبا،التزمت بخدمة المصالح العامة لإسبانيا…، اقترحت نفسي وقتها لقيادة المهام الوطنية التي سمحت للمواطنين باختيار ممثليهم الشرعيين وتزعم التحول الإيجابي لإسبانيا الذي كنا في أشد الحاجة إليه».
وبعدما اعتبر أنه قام بالمهمة التي أنيطت به رفقة جيل السياسيين الذين رافقوه،يقول الملك «الآن يستحق الانتقال الى الصفوف الأمامية للقيادة جيل جديد شاب،له طاقات جديدة ومصمم على خوض التحولات التي يستوجبها الظرف الحالي ويواجه بكثافة وتفان تحديات الغد». ويجسد هذا الانتقال في ابنه ولي العهد الأمير فيلبي، وقال في هذا الصدد «ابني فيلبي، وريث العرش، يجسد الاستقرار، الذي هو علامة للمؤسسة الملكية».
ويثني الملك على ابنه وريث العرش «يمتلك النضج والتأهيل وحس المسؤولية لتولي،بكل ضمانات قيادة البلاد وفتح مرحلة جديدة من الأمل حيث تمتزج التجربة المكتسبة وقوة الدفع لجيل جديد».
التنحي عن العرش في غياب قانون منظم
والمثير هو أن حدوث التنحي عن العرش يأتي في وقت لا تتوفر فيه اسبانيا على قانون ينظم انتقال العرش عبر صيغة التنازل. وستحاول الحكومة إعداد قانون في أقرب الآجال للتصويت عليه في البرلمان لتسهيل انتقال العرش ربما في نهاية الشهر الجاري.
ومباشرة بعد الإعلان الرسمي عن تنحيه عن العرش بدأت ردود الفعل الرسميةوالشعبية والسياسية. سارع الحزب الشعبي المحافظ والحاكم عبر ماريا كوسبدالالشخصية الثانية في الحزب الى الثناء على الملك وشكره على الفترة التي بقيفيها في العرش. ومن جانبه، أعلن الحزب الاشتراكي المتزعم للمعارضة الموقف نفسه، لكن شبيبة الحزب رفضوا هذا الموقف وطالبوا باستفتاء.
أحزاب تنادي بالاستفتاء حول الملكية
وأعلنت الأحزاب القومية واليسارية موقفا معارضة، إذ رفضت تأييد ولي العهد ملكا للبلاد مستقبلا بل اشترطت ضرورة إجراء استفتاء شعبي. وقال ويلي ماير أحدزعماء اليسار الموحد القوة السياسية الثالثة في البلاد «الديمقراطية في القرن الواحد والعشرين تنص على الدعوة الى استفتاء ملزم لكي يبت الشعب بين الجمهورية والملكية».
وشكل خبر تنحي الملك عن العرش مناسبة لأنصار الجمهورية الذين من المحتمل أن يكونوا قد نزلوا مساء أمس الاثنين في مختلف ساحات مدن البلاد ومنها ساحة بويرتا ديل سول في العاصمة مدريد للمطالبة برحيل الملكية وتبني الجمهورية نظاما للحكم في البلاد.
وأقدم عدد من البلديات ومنها في أقاليم معروفة بنزعتها الاستقلالية والانفصال عن اسبانيا مثل كتالونيا وبلد الباسك برفع علم الجمهورية الإسبانية التي شهدتها البلاد ما بين 1931 الى 1939 تاريخ نهاية الحرب الأهلية.
الملكية في أسوأ مراحلها
ويعلن الملك خوان كارلوس تنحيه عن العرش في وقت تمر فيه المؤسسة الملكية بأسوأ فتراتها منذ عودتها الى العرش سنة 1975، مباشرة بعد وفاة الجنرال فرانسيسكو فرانكو.
وكشف استطلاع رسمي للرأي أنجزته مؤسسة الدراسات الاجتماعية الحكومية منذ أقل من شهر تردي صورة الملكية عند الرأي العام الإسباني للمرة الثالثة على التوالي، حيث حصلت على 3،72 على عشرة.
ويعود تراجع صورة الملكية الى تورط أعضائها بمن فيهم خوان كارلوس في فضائح مالية وغرامية، ويلاحق القضاء الأميرة كريستينا ابنة الملك، بينما فقد خوان كارلوس شعبيته منذ سنتين عندما ذهب في رحلة صيد الى بوتسوانا في إفريقيا رفقة خليلته والبلاد تعيش أسوأ أزمة اقتصادية.
وتبرز الكتابات التاريخية والسياسية أن خوان كارلوس اكتسب شرعيته السياسية ملكا للبلاد بعدما ساهم في الانتقال الديمقراطي وساهم في إفشال الانقلاب العسكري سنة 1981.
وقبل هذا كان يعاني من فقدان الشرعية لأن الذي عينه في المنصب هو الجنرال فرانسيسكو فرانكو رغم أن وراثة العرش كانت من نصيب أبيه خوان دي بوربون.
وتنازل الأخير عن حقوقه ومطالبته بالعرش سنة 1977، أي سنتين بعد تنصيب ابنه ملكا لإسبانيا.
حسين مجدوبي