اكتست العلاقات التركية – السورية تاريخيا بملامح التوتر، منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية وبدء عملية إقامة الدولة الحديثة في كل من البلدين؛ الدولة القومية الحديثة في تركيا بقيادة كمال أتاتورك، والدولة القومية العربية في سوريا بقيادة الأمير فيصل بن الشريف حسين بمساعدة ضابط المخابرات البريطاني توماس إدوارد لورانس. خرائط سايكس – بيكو كانت ترسم حدودا لسوريا غير الموجودة حاليا، أتاتورك فرض تغيير الحدود عمليا، باقتطاع محافظة الاسكندرونة وضمها إلى تركيا.
سوريا من ناحيتها حاولت أن تلعب دورا ضد تركيا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بمد جسور للتعاون مع الحركة القومية الكردية في تركيا. هذا التعاون وصل إلى منح الأكراد معسكرات للتدريب، واستضافة زعيم حزب العمال الكردستاني التركي عبد الله أوجلان. على الرغم من ذلك، كان رجال الصناعة السوريون، ينظرون إلى تركيا بوصفها بوابة إلى أوروبا، ونافذة من نوافذ التصدير إلى العالم.
لكن الأمور انقلبت رأسا على عقب بعد ذلك، وتحولت سوريا إلى بؤرة للتوتر، اجتذبت جماعات إسلامية متطرفة ومرتزقة في حرب أهلية مزقت البلاد. تركيا كان لها نصيب. في البداية تدخلت لإسقاط الأسد، لكنها في عام 2017 انضمت إلى كل من روسيا وإيران في قيادة عملية عسكرية وسياسية، تهدف إلى إعادة الاستقرار إلى سوريا. هذه العملية كان لها جناحان، سياسي هو مفاوضات أستانة السياسية، وعسكري هو إنشاء سلسلة من المناطق الآمنة أو مناطق «تخفيف التوتر»، لإنهاء الحرب.
العملية العسكرية التركية الجديدة في سوريا، التي أطلق عليها أردوغان اسم «نبع السلام»، تنحصر أهدافها، حسب الرواية التركية، في تطهير شرق الفرات من الإرهابيين، وحماية الأمن القومي التركي، وإقامة (منطقة آمنة) على طول الحدود، بعمق يصل إلى 35 كيلومترا، والبدء في خطة للإعمار في هذه المنطقة بتكلفة 27 مليار دولار، لاستيعاب ما لا يقل عن مليونين من اللاجئين السوريين المقيمين حاليا في تركيا. النتائج الأولية للعملية حتى الآن هي نزوح أكثر من 130 ألفا من أهالي المنطقة، لأنها ليست آمنة، وتهديد العملية السياسية في سوريا، وفتح طريق لعودة الجيش العربي السوري إلى الحدود الشمالية بالتعاون مع الأكراد. اجتياح تركيا لحدود سوريا الشمالية يثير العديد من الأسئلة، حول مدى التزامها بالتفويض المتفق عليه بين كل من روسيا وإيران وتركيا، الذي يتضمن العمل على ضمان وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها. موسكو قالت إنها لم تعرف مسبقا بقرار الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال شرق سوريا، بينما سارعت طهران إلى إجراء مناورات عسكرية على حدودها مع تركيا، تحسبا لأي تطورات غير متوقعة.
مصطلح «المنطقة الآمنة» ليس جديدا في قاموس إدارة الصراع. وقد تطور مفهومها اشتقاقا من المناطق منزوعة السلاح، في اتفاقيات حفظ السلام أو تسوية النزاعات الحدودية، مثل المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود بين الكوريتين. لكن صراعات ما بعد الحرب الباردة، وعودة النزعة القومية المتوحشة في بعض مناطق العالم مثل البلقان، سجلت الحاجة لإقامة مناطق آمنة، يتركز الهدف منها في حماية المدنيين من مخاطر الحرب، وتقديم مساعدات إنسانية لهم. وتعد المنطقة الآمنة في سبرينتسا في البوسنة، التي شهدت مذبحة غيرت مسار الحرب في البلقان، من أشهر هذه المناطق. أيضا نحن نعرف عن المنطقة الآمنة في شمال العراق، التي فرضتها الولايات المتحدة لحماية الأكراد في التسعينيات، وكذلك المناطق الآمنة التي انشئت تحت إشراف الأمم المتحدة في مناطق أخرى مثل جنوب السودان ورواندا- بوروندي. المناطق الآمنة كما عرفها قاموس الصراعات في العالم كان الغرض منها أساسا، إما حفظ السلام وتقليل فرص الاحتكاك بين دولتين، أو لضمان سلامة المدنيين، وتوفير المساعدات الإنسانية لهم، في مناطق صراع انهارت فيها سلطة الدولة.
الصراع في سوريا أضاف عنصرا جديدا مهما إلى مفهوم المناطق الآمنة، يتعلق بإدارة الحرب، وأظن أن الفضل في ذلك يعود إلى قدرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على تجميع خيوط اللعبة بين أصابعة، وتحريك هذه الخيوط في اتجاه متناسق، بحيث يكون الأثر النهائي هو وقف الحرب، وفتح مسار جديد لتسوية الصراع، يسمح لروسيا بأن تلعب دورا محوريا، لفترة من الوقت، على المدى المتوسط على الأقل، في منطقة شرق البحر المتوسط. المناطق الآمنة في سوريا (المعروفة اصطلاحا باسم مناطق تخفيف التوتر)، تؤدي أيضا إلى خلق وضع سياسي جديد، يسمح للدولة المنهارة باستعادة سلطتها وسيادتها على أراضيها.
وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والقادة العسكريون الروس قدموا ميدانيا نموذجا جديدا للمناطق الآمنة، يتجاوزنموذج حفظ السلا ، ونموذج أمن المدنيين في مناطق الصراع. نموذج المناطق الآمنة (تخفيف التوتر) في سوريا، يمثل آلية لإدارة الحرب، بهدف وقف الاقتتال وفتح الطريق لتسوية سياسية. هذا هو الجديد، الذي ربما، يتشابه جزئيا مع نموذج «الفصل بين القوات» المصرية والإسرائيلية، الذي ابتكره هنري كيسنجر بعد حرب أكتوبر 1973. ويمكن القول بأن إنشاء مناطق تخفيف التوتر في سوريا، اعتبارا من عام 2017، يمثل المرحلة الثانية من مراحل الاستراتيجية الروسية هناك. المرحلة الأولى، كانت التدخل العسكري المباشر (2015)، والمرحلة الثالثة هي مفاوضات أستانة للتسوية السياسية، التي بدأت على التوازي مع مناطق تخفيف التوتر، التي تم الاتفاق عليها في قمة سوتشي (مايو 2017)، التي تشمل: أولا، الغوطة الشرقية في ريف دمشق، وكان يوجد فيها مقاتلون من «جبهة النصرة» وتنظيمات أخرى، تضمنها روسيا، وتديرها بالاشتراك مع الحكومة السورية. ثانيا، منطقة حمص وريفها الشمالي، وتضمنها روسيا أيضا. والثالثة وهي الأهم في إدلب، وتضم إدلب ومناطق من محافظات اللاذقية وحماة وحلب. وتوجد أيضا منطقة رابعة في جنوب سوريا، وتضم درعا والسويداء والقنيطرة، وتتولى روسيا إدارتها بتفاهم مع الأردن وإسرائيل.
وتقوم مناطق (تخفيف التوتر)على أساس عدد من المعايير السياسية، والمحددات الأمنية والعسكرية، تلتزم بها الأطراف الضامنة، من خلال مركز مشترك للتنسيق والعمليات. من أهم المعايير السياسية، الالتزام بوحدة الأراضي السورية، واحترام سيادتها واستقلالها. وبالنسبة للمحددات الأمنية والعسكرية، فقد تم الاتفاق على أن تتولى قوات شرطة عسكرية، ومسؤولون للاتصال في كل منطقة، مهام المراقبة، وسحب الأسلحة الثقيلة، ووقف غارات الطيران، بافتراض عدم وجود عمليات على الأرض، وتأمين خروج المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية إلى السكان. بالطبع كانت وما تزال إدلب هي أكبر وأصعب وأخطر هذه المناطق؛ فتم الاتفاق على توزيع الأدوار فيها على الدول الثلاث الضامنة، بحيث تولت تركيا مهام المراقبة والإدارة في الجزء الشمالي الغربي من إدلب، وتولت إيران المسؤولية في الجنوب الشرقي، في حين اتخذت قوات الشرطة العسكرية الروسية موقعها في الوسط. وعلى الرغم من كل التجاوزات وأعمال خرق الاتفاقيات، فقد سارت تجربة مناطق تخفيف التوتر بنجاح حتى الآن، على التوازي مع التقدم في عملية أستانة السياسية، لكن أصعب وأخطر التحديات المنتظرة هو ما يتعلق بمستقبل المنطقة الآمنة في إدلب.
على ضوء ما تقدم يتضح أن العملية العسكرية التركية الأخيرة، هي عملية تركية خالصة، من حيث الأهداف والوسائل، ولا تتضمنها خطة المناطق الآمنة التي تم الاتفاق عليها في سوتشي، كما أن تركيا بدأت تنفيذها باتفاق مع الولايات المتحدة، بدون التنسيق مع الأطراف الأخرى أو إبلاغها مسبقا. وهذا من شأنه أن يضع قيودا على نجاحها، وأنها من المرجح أن تواجه عقبات في مراحلها الأخيرة، لأن نجاح أي عملية عسكرية يتطلب وضوحا شديدا لما بعدها. لذلك فقد عادت روسيا وإيران إلى التأكيد على احترام سيادة سوريا واستقلالها ووحدة أراضيها، وهو ما يتعارض مع تمسك تركيا باحتلال شريط حدودي عميق، بدعوى مكافحة الإرهاب، ومباشرة أنشطة اقتصادية على أراضي هذا الشريط، بدعوى توطين اللاجئين، وهو ما يعد خرقا لقواعد اللعبة المتفق عليها، وينطوي على إهدار لمسؤوليات الحكومة السورية، المدعومة من روسيا وإيران. كذلك فإن ردود الفعل الأوروبية والأمريكية، التي تضمنت وقف صادرات السلاح بواسطة القوى الأوروبية الرئيسية، والتهديد بفرض عقوبات اقتصادية قاسية بواسطة الولايات المتحدة، تعني أن استمرار العملية العسكرية التركية، سيكون مكلفا، ويهدد الدور التركي بأكمله، كشريك في العملية السياسية السورية، خصوصا مع الموقف شديد الحذر الذي تتخذه طهران وموسكو تجاه أنقرة. هذا الحذر الشديد يأخذ في اعتباره ثلاثة اعتبارات، الأول هو مصلحة الدولتين في تصفية نفوذ الولايات المتحدة في سوريا، والثاني هو التحدي الخطير الذي ينتظرها عند البدء في تسوية الأوضاع في إدلب، حيث تلعب تركيا هناك دورا مهما، والثالث يتعلق بمقومات السيادة السورية، التي تتضمن أن وجود أي قوات أجنبية على أراضيها، سيكون مشروطا بموافقة حكومتها المقبلة.
كاتب مصري
To Ibrahim Nawar
Your column indeed reveals that you are absolutely are ill informed, or misinformed or yourself misinforming on the complex fgeopolitic economic facts of Syria modern history since WW-I
One fact is that Arabis nationalism and also Syrian nationalism were creatures of western imperial powers who used certain ethnic and sects minorities in Syria and Lebanon and Iraq to create ethnic hate for Arab neighbors Turks Iranian and Kurds whom are called Shoobeyoun by nationalists fascists of Ba’ath party and Syrian national socialist party both had malign goals
After all your column is out of the truth, it is disconnect