إسطنبول ـ «القدس العربي»: نفذت القوات البحرية اليونانية والتركية، أمس الثلاثاء، مناورات عسكرية متزامنة في مناطق متداخلة ومتنازع عليها شرق البحر المتوسط اعتبرت «الأخطر» منذ تصاعد التوتر بين البلدين في المنطقة وسط محاولات ألمانية حثيثة للتوسط، في حين ألمحت مصادر تركية إلى إمكانية لجوء الجيش التركي لتوجيه ضربة للطائرات الإماراتية التي أعلنت مشاركتها في المناورات إلى جانب اليونان في حال اقترابها بالفعل من المياه التركية.
وقال مصدر تركي خاص لـ«القدس العربي» رفض الكشف عن اسمه، إن تركيا «لن تتردد في إسقاط أي طائرة إماراتية تقترب من المياه التركية أو مناطق عمل سفينة أوروتش رئيس في محيط جزيرة كريت شرق البحر المتوسط»، مشدداً على أن «الإمارات تحاول لعب دور أكبر من حجمها وهي تلعب بالنار، وفي حال تجاوزها الخطوط الحمر أو اقترابها من المياه التركية سوف تلقى رداً قاسياً»، وهو ما ألمح له كثير من الخبراء السياسيين والعسكريين الأتراك في مقالات وكتابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وبالتزامن مع مشاركة الإمارات في المناورات شرق المتوسط والإعلان عن اتصال هاتفي بين وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع محمد البواردي ووزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، اعتبر تقرير للتلفزيون التركي الرسمي أن الإمارات تحاول الاستقواء بإسرائيل في تحركاتها شرق المتوسط، وحذر من أن تركيا لن تتردد في توجيه ضربة قوية لأي طائرات أو سفن إماراتية قد تدخل المياه أو الأجواء التركية شرق المتوسط.
وفي لقاء تلفزيوني مع قناة «الجزيرة» القطرية، الشهر الماضي، قال وزير الدفاع التركي خلوصي إن الإمارات أضرت بليبيا وسوريا، وإن تركيا ستحاسبها على ما فعلته في الوقت والزمان المناسبين. واصفاً إياها بالدولة «الوظيفية» التي تخدم غيرها سياسياً أو عسكرياً، ويجري استخدامها واستغلالها عن بُعد. وأشار أقار إلى أن «الإمارات تدعم المنظمات الإرهابية المعادية لتركيا قصد الإضرار بأنقرة»، داعياً إياها لأن تنظر إلى ما وصفه بـ «ضآلة حجمها ومدى تأثيرها وألا تنشر الفتنة والفساد».
وصباح الاثنين، أعلنت تركيا أنها مدّدت مهام سفينة «أوروتش رئيس» للأبحاث شرقي المتوسط حتى 27 أغسطس/آب الجاري، حيث أطلقت البحرية التركية إنذاراً بحرياً جديداً «نافتيكس»، حيث بدأت سفينة التنقيب التركية عملها بحماية كبيرة من خمس سفن حربية تركية قبل أسابيع في منطقة متنازع عليها، وهو ما رفع التوتر العسكري في المنطقة لمستويات غير مسبوقة.
ورداً على الخطوة التركية، بدأت اليونان مناورات عسكرية بالذخيرة الحية في المنطقة بمشاركة قواتها البحرية والجوية وتستمر لثلاثة أيام، لكن اللافت كان الإعلان عن مشاركة الإمارات التي قالت إنها أرسلت 4 طائرات حربية متقدمة للمشاركة في هذه المناورات، وسط أنباء عن مشاركة فرنسية وأمريكية أيضاً في المناورات إلى جانب اليونان.
وبالتزامن مع ذلك، أعلنت وزارة الدفاع التركية أنها سوف تقوم بمناورات عسكرية في المنطقة ذاتها بمشاركة «دول حليفة»، قبل أن تعلن، الثلاثاء، أن سفناً حربية تركية وإيطالية أجرت «تدريبات ومناورات عسكرية لتطوير آليات التنسيق والعمل المشترك في شرق البحر المتوسط».
وفي سابق الاثنين، اعتبر وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، أن «عزم اليونان إجراء مناورات في مساحة تتداخل جزئياً مع منطقة تنشط فيها سفينة أوروتش رئيس لا يتوافق مع مبدأ حسن الجوار والقوانين البحرية»، وذلك عقب اجتماع له مع رئيس الأركان وقادة الجيش، محذراً من أن المناورات اليونانية «تعرض سلامة الملاحة للخطر وتزيد التوتر بين البلدين»، وتوعد بأن القوات البحرية التركية تواصل أنشطتها «بكثافة وحزم».
إلى ذلك، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن البحرية التركية «لن تتراجع»، واعتبر أن إعلان اليونان يعرض السلامة الملاحية لجميع السفن الموجودة بالمنطقة للخطر، وقال: «اليونان زجت نفسها في فوضى لا تستطيع الخروج منها، والذين يلقون باليونان أمام البحرية التركية لن يقفوا وراءهم»، وأضاف: «اعتباراً من الآن، ستكون اليونان هي المسؤولة الوحيدة عن أي تطور سلبي في المنطقة». وفي محاولة جديدة لنزع فتيل الأزمة ومنع تفجر الأوضاع، زار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، الثلاثاء، أنقرة وأثينا، والتقى نظرءئه في البلدين، حيث استهل جولته بالتأكيد على أن «الوضع الحالي في شرق المتوسط يشبه اللعب بالنار، وأن أي شرارة في هذه المنطقة قد تتسبب بكارثة كبيرة»، محذراً من خطر المواجهة العسكرية، لافتاً إلى أن بلاده تفعل ما بوسعها من أجل التهدئة وخفض حدة التوتر. وأعلن من أثينا، قبل التوجه إلى أنقرة، أن «دوامة التصعيد (بين البلدين) تثير مخاوف كبيرة». وقال: «نحن بحاجة ماسة وفورية إلى مؤشرات لخفض التصعيد ورغبة في الحوار» بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي في ضوء اجتماع حول المسألة يعقده وزراء الخارجية الأوروبيون الخميس والجمعة في برلين.
وبعدما التقى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس ونظيره نيكوس ديندياس، دعا ماس إلى وضع حد «لكل الأنشطة التدميرية والاستفزازات» في شرق المتوسط. وإذ أعرب عن «تضامنه مع اليونان» العضو في الاتحاد الأوروبي، اعتبر ماس أن «لا أحد لديه مصلحة في مواجهة عسكرية بين بلدين جارين وعضوين في حلف شمال الأطلسي. ورأى أن «تسوية سلمية للنزاعات في شرق المتوسط لن تكون ممكنة إلا عبر حوار مباشر بين تركيا واليونان». وبعدما رحّب بالمبادرة الألمانية، ذكّر وزير الخارجية اليوناني بأن اليونان «مستعدة للحوار، لكن الحوار لا يمكن أن يتم في ظلّ نظام تهديدات»، وطالب بـ «عقوبات» أوروبية على تركيا.