المنتخب «المجنس» صناعة قطرية متجانسة!

■ لقبوه بمنتخب «الأمم المتحدة» و»منتخب العالم» والمنتخب «متعدد الجنسيات»، ونعتوه بكل الاوصاف التي لا تمت للأخلاق ولا للرياضة بأية صلة لمجرد أنه منتخب بلد يوصف دوما بالصغير، مساحة وسكانا، من منظورهم يجب أن يبقى تحت عباءة الكبار، ولا يراد له أن يكبر بدوره ويتطور وينافس ويفوز، لكن رد الصغار كان كبيرا فوق أرضية الميدان بعيدا عن التهريج الإعلامي والتخريف السياسي، فتوج بجدارة باللقب الآسيوي وبكل الألقاب الفردية والجماعية المطروحة للمنافسة، بما في ذلك الفوز بقلوب عشاق الكرة في العالم العربي، ولقب قوة التحمل والصبر على الأذى وكل الاساءات ليصنع الصغار قصة جميلة سيكتبها التاريخ وترويها الأجيال أُريدَ التشويش عليها بالعودة إلى الحديث عن ظاهرة التجنيس التي تنتهجها الكثير من دول العالم، الكبيرة والصغيرة، في كل المجالات من زمان للاستفادة من المواهب والخبرات.
القطريون اكتفوا بالرد على حملات التشكيك فوق أرضية الميدان والتأكيد على أن منتخبهم هو «صناعة قطرية» خالصة لشبان قطريين موهوبين ولاعبين عرب لم يسبق لهم اللعب في منتخباتهم الأصلية. لاعبون موهوبون ولدوا في قطر أو هاجروا اليها ووجدوا المناخ الملائم لتفجير مهاراتهم في أجواء فنية وتنظيمية متميزة، لعبوا في كل الفئات السنية لمنتخب قطر وشكلوا أسرة كروية واحدة تم الاستثمار فيها فنيا وتربويا وماديا ليجعلوا منهم أبطالا لآسيا بكيفية فريدة من نوعها وهي المأمورية التي لم تقدر عليها منتخبات عريقة لبلدان «كبيرة مساحة وسكانا» تمتلك ثروات طبيعية وموارد بشرية ومادية لا نظير لها!
صناعة المنتخب القطري بدأت بقرار سياسي لبناء مشروع رياضي تم التخطيط له وتوفير الإمكانات لتجسيده من خلال أكاديمية «أسباير» التي انتقت المواهب ولمت شملهم لتؤطرهم وتكونهم وتبعث فيهم الروح وحب اللون العنابي الذي منحهم بدوره فرصة تفجير طاقاتهم في دوري محلي يملك كل عوامل النجاح، وفي أندية أوروبية تم الحاقهم بها للتأقلم مع المستوى الاحترافي العالي، فكانت الثمار الأولى تتويج منتخب أقل من 19 سنة بلقب كأس آسيا للشباب سنة 2014 بقيادة المدرب الحالي للمنتخب الأول الاسباني فيليكس سانشيز الذي رافقهم في منتخبي أقل من 20 ثم أقل من 23 عاما، وختمها بالتتويج معهم بعد ذلك باللقب الآسيوي للأمم في انتظار المشاركة في كوبا أمريكا ثم كأس القارات لتحضير منتخب تنافسي في كأس العالم المقررة في قطر سنة 2022 بنفس العائلة ونفس العزم والحزم.
الصناعة القطرية التي تم التخطيط لها منذ زمن لم تكن كروية وفنية فحسب، بل كانت نفسية وذهنية وأخلاقية وعائلية لمسها الجميع في الامارات العربية المتحدة بمناسبة نهائيات كأس آسيا للأمم التي كان فيها العبء والشحن والضغط على اللاعبين كبيرا، زادهم إصرارا على تحقيق الفوز لأنهم تحلوا بالتجانس وبكل مقومات الأسرة الواحدة الموحدة التي نشأت على الحب والاحترام والجهد والعطاء للوطن الواحد الذي أكرمهم وعلمهم ووفر لهم أسباب النجاح التي لا تتوافر في مجتمعات أخرى تعتمد بدورها على الخبرات والمهارات المحلية والأجنبية في كل المجالات.
الصناعة القطرية أنتجت منتخبا «قطريا» بدون تجاوز اللوائح والقوانين المسيرة للعبة كرة القدم والتي تسمح للاعبين باختيار البلد الذي يمثلونه في سن محددة بعد التقيد بالشروط اللازمة التي أكد الاتحاد الآسيوي التزام قطر بها، عندما رفض في الشكل والمضمون الاحترازات التي تقدمت بها اتحادات خليجية تضم منتخباتها لاعبين مجنسين من العرب والعجم منذ زمن، مثلها مثل الكثير من المنتخبات العالمية الكبيرة التي فازت بكأس العالم بفضل المزج بين مواطنيها ومجنسيها، على غرار فرنسا المتوجة بلقبين عالميين بلاعبين أفارقة وعرب، وألمانيا التي فازت بكأس العالم 2014 بتسعة لاعبين أفارقة وعرب وأتراك وبولنديين، ففرنسا وألمانيا صنعتا التتويج باللقب العالمي في المدارس والأكاديميات بدون أن يشكك أحد في أحقيتهما بالتتويج بكأس العالم.
كل دول العالم استفادت من لاعبين أجانب عبر التاريخ وجنست رياضيين وعلماء ومفكرين وأطباء ومهندسين وخبراء في كل المجالات، احتضنتهم ووفرت لهم مناخا ملائما وإمكانات لم يجدونها في بلدانهم الأصلية وصنعوا منهم أبطالا متميزين يقدرون الأفضال فيردون الجميل، لكن وجب التنويه أن التجنيس لوحده لا يصنع الأمجاد ولا يحقق البطولات بدون توفير كل شروط النجاح والتألق، وبدون جهد وتقدير وحب واحترام متبادل، كما لا يمكن أيضا تعليق شماعة الفشل في الكرة على ظاهرة التجنيس لأن «صناعة» اللاعب الرجل ثم «الفريق المتجانس» ورسم الاستراتيجية السليمة وتوفير الإمكانيات اللازمة هي العوامل الكفيلة بتحقيق النجاح.
المنتخب القطري كان فعلا عربيا، بل عالميا في كأس آسيا بالإمارات، لأنه أبدع فنيا وأخلاقيا، ولقي تعاطف ومساندة كل العرب والعجم ليس بسبب عامل التجنيس، بل بفعل التجانس الذي أظهره والمتعة التي صنعها والصبر الذي تحلى به في مواجهة التضييق ورد الاعتبار لشعب تحلى بالصبر ولبلد صمد في وجه الحصار المفروض عليه منذ أكثر من عشرين شهرا.
المنتخب القطري تحمل تبعات ظروف سياسية بعيدة عن الكرة، من حسن حظه ومن سوء حظ المستضيف أنه لعب على أرض محاصريه، فكل فوز محقق ينظر اليه وكأنه استفزاز من طرف من يعتبرون السياسة غطاء وتبريرا لكل شيء. المنتخب القطري أظهر للعالم الفرق الجلي بين التجنيس والتجانس بين أن تكون رياضيا وأن تضع السياسة على الهامش في تصرف أخلاقي لا يمارسه إلا الكبار، قطر توجت وسيبقى التاريخ مكتوبا بخط سميك حتى وإن نظر إليه بعيون سياسية ضيقة.

إعلامي جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول SDG:

    حتي انت يا حفيظ ….

  2. يقول عبدالباسط:

    كلام منطقي لا يعيه الموتورون كلام لا يفهمه الذين لا يستطيعون الرؤيا ابعد من اقدامهم

  3. يقول علي حسين أبو طالب / السويد:

    هذه أحسن مرافعة ضد من نال من فوز قطر ببطولة كأس آسيا في الإمارات العربية المتحدة , و قطر بالنسبة للاعبيها المجنسين الذين ساهموا بالدور الطليعي في هذا الفوز هي في الأخير بلدهم , و يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ” ليس بلد أولى بك من بلد , خير البلاد ما حملك ” , و قطر هي التي حملت هؤلاء اللاعبين المجنسين عرباً كانوا أو عجماً فهي إذاً بلدهم التي أكرمتهم فأخلصوا لها و احبوها و خدموها , و يقول الله سبحانه و تعالى ” هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِه ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ” , فهؤلاء اللاعبون المجنسون لم يحصلوا على فرص ممتازة في بلدانهم تتناسب و مؤهلاتهم الرياضية فمشوا في مناكب الأرض إلى حيث قطر التي حملتهم فصارت بلدهم , فحملوها كما حملتهم .

  4. يقول نواف زريقات الاردن:

    حفظ الله قطر ولاعبيها ومشجعيها واتمنى لهل كل التقدم والازدهار امين يا رب العالمين

  5. يقول كريم:

    كفيت ووفيت يا ابن بلدي تحليل منطقي وموضوعي

  6. يقول د. اثير الشيخلي - العراق:

    من أفضل ما كتب في هذا الشأن تحديداً، و وضع الكثير من النقاط العائمة فوق أحرفها.
    .
    لم أفهم تعليق احد الاخوة بقوله، حتى انت يا حفيظ؟!
    .
    واقول، هل على حفيظ ان ينكر الواقع و يتكلم بالأكاذيب و البهتان و التدليس مثل آخرين حتى يكون مرضياً عنه؟!
    .
    أيضاً تصحيح لأخ آخر، رغم ان الاستاذ كاتب المقال وضح الأمر بشكل جلي، هؤلاء اللاعبين اما ولدوا في قطر او نشأوا فيها وهم صغار و لم يذهبوا إلى مكان آخر ليحملهم و لم يحملهم ، إنما بدأوا مباشرة في قطر و معها و استمروا يحملون رايتها و صنعوا فيها بالكامل ولم يمثلوا دولة أخرى من قبل.
    .
    قطر استوفت كل أسس النجاح، تخطيطاً وإدارةً و تمويلاً ، فكانت النتائج و كان الإنجاز غير المسبوق ولن يكون هذا هو نهاية الطريق حتماً.

  7. يقول Ilyas:

    كلام منطقي و صواب بارك الله فيك يا اخي حفيظ

  8. يقول خير الدين عوين:

    احسنت ما كتبت يا استاذ حفيظ زادك الله من علمه كنت اعتقد انك متفوق في المجال الرياضي فقط.ربي يحفظك

  9. يقول سامى عبد القادر:

    منذ بدأ الحصار الجائر, والدولة الكبيرة مقاماً “قطر”, تلقن محاصريها الصغار الأربعة دروساً قاسية فى كل مناحى الحياة, أخلاقياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً … حتى جاءت بطولة آسيا لكرة القدم, فظن الصغار أن الفرصة قد واتتهم لرد الإعتبار لكرامتهم المبعثرة, فعلمتهم سيدتهم قطر, أنها قادرة على اكتساحهم بأرجلها أيضاً!!!
    .
    وأكثر ما أعجبنى فى البطولة, هو أن الفريق القطرى بنتائجه الباهرة, قد أجبر الموتور المتآمر ابن زايد على ترك الملعب بعد نصف ساعة فى كل مبارياته, فكان فريق “قطر” هو الذى حاصره فى عقر داره!! … حاجة عظمة

  10. يقول زكريا:

    كلام في الصميم لأعداء النجاح و لكل من يريد تسييس الرياضة.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية