عمان – «القدس العربي»: يقف أحد أهم وأقدم مسؤولي الإعلام في القصر الملكي الأردني، وفي سلسلة اجتماعات، أمام مفارقة الرواية والسردية عشية انفلات العديد من المؤسسات عند سؤال مهني بامتياز يرافق المؤسسة منذ سنوات طويلة.
أين حلفاء الرواية الأردنية؟ أين أصدقاؤنا؟
سؤالان يبدوان صغيرين بعدد الكلمات، لكنهما أساسيان عندما تكتشف الدولة في لحظات التجلي والشفافية وخلف الستارة أن سرديتها في مسار الأحداث خالية في الجزء المهني على الأقل من الحلفاء أو الذين يستطيعون الإجابة على الأسئلة العالقة في ظل هجمات متتالية على المملكة في الدور والوظيفة، وأيضاً على قيادتها ومؤسساتها وشعبها، بتوقيع منابر الإعلام الدولي. ليس سراً أنه لا يوجد في دوائر القرار مختصون خبراء في الاشتباك مع المنتج الإعلامي الدولي والعالمي وأحياناً العربي.
وليس سراً الاعتقاد وسط نخب القرار بأن أزمة منصات التواصل داخلياً ونشاط ما يسمى ببث المعارضة الخارجية، تكشفان مجدداً ظهر السرديات السلبية وظهر الإعلام الرسمي الأردني.
أمام «القدس العربي»، أقر وزير الاتصال الحالي فيصل الشبول، بالأزمة التي تواجهها الرواية الأردنية بين الحين والآخر، وألمح إلى خطة مفصلية قيد الطهي خلف أبواب الحكومة، لكن الحكومة ليست وحدها منتجة للفعل أو لرد الفعل في الميدان.
وأمام «القدس العربي» أقر وزير الاتصال الناطق الرسمي الأسبق صخر دودين، أيضاً وعدة مرات، بنفس الأزمة وتحدث عن خطط وضعت، لكن ماكينة الطحن الوزاري غيرت الاتجاهات والبوصلة.
في اجتماعات سيادية الطابع، يحاول مكلفون وموظفون العودة مجدداً لتكنيك جدع الأنف وتضليل الذات، فقوائم التصنيف شرسة بين محظوظين ومحظيين «من هم معنا» لا يصدقهم أحد في الشارع ولا حتى في العالم الغربي، وبين من «هم ضدنا» دوماً حتى دون اختبار.
لكن الأزمة تبقى وسط التلاوم والتشخيصات والتصنيفات دون حلول والسبب له علاقة في اتجاهين. استقرار تقاليد الخصومات والحسابات الشخصية عند الفلاتر العاملة مع القرار والحكم، هذا أولاً.
وثانياً، التصنيف ضمن الاعتبار الأمني فقط، وإسقاط كل معايير المهنية والكفاءة في بناء ونسج القصة، ولا يتعلق الأمر هنا بتردي الإعلام الرسمي والخاص فقط، ولا بتلك الحالة الذهنية الغريبة أردنياً، التي جعلت رواية المنصات دوماً قائدة وتتزعم وتجبر حتى الحكومة والسلطة على الانحناء معها وملاعبتها بين الحين والآخر.
يقول الوزير السابق دودين: وضع صعب ومعقد جداً.. لا يحتاج لجرأة في التشخيص فقط، لكن لمثلها في المعالجة، وهو الأهم.
طبعاً، الحوارات في المسألة الإعلامية المهنية تحديداً في ظل سلسلة غزوات تبدو منهجية ومنظمة أحياناً لترويج الرواية السلبية ضد الأردن والأردنيين، تصبح عقيمة أكثر كلما أديرت في زوايا الدولة العميقة ضمن مفارقة تستمر بالتكرار برزت بوضوح مع الخلل والقصور المهني الشديد الذي رافقت ترويج وتسويق مشروع باسم وعنوان تحديث المنظومة السياسية للبلاد. وهو مشروع ينطوي على تحول كبير ومفعم بالإيجابية، ويؤسس لفتح صفحة جديدة في مستقبل الأردنيين كما قال أمام «القدس العربي» رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي.
بين العقم والعمق تبرز إشكالات متعددة تتجلى في أن الأزمة الإعلامية تتصدر، لكن سرعان ما يخفق الرهان عندما يتعلق الأمر باستحضار أي من النخب والرموز بقصد تعزيز شبكة بنيوية قادرة على الاشتباك الإيجابي لصالح الرد على الافتراء ضد الأردن ومؤسساته أحياناً، أو لصالح بناء جدار استراتيجي فني مهني قادر على التسلل فعلاً في عمق الروايات السلبية التي يتبناها الإعلام الدولي منذ الفتنة الشهيرة في نيسان الماضي.
«كيف نضع حداً لهذا الاستنزاف والنزيف؟» سؤال طرحه بحضور «القدس العربي» مسؤول بارز من ذوي الصلة بصناعة السياسات، لكن بلا جواب؛ لأن من يكلفون بصناعة رواية إيجابية أو إدارة هذا الملف الإشكالي سرعان ما ينقلون معهم في عمق وظائفهم وأدوارهم حساباتهم وأجنداتهم إما الشخصية أو الشللية.
يقر أيضاً وعبر اتصال مع «القدس العربي» ولاحقاً في ندوة يحضرها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، بتلك الأزمة الإشكالية نفسها، لكن يتجرأ أيضاً على إسقاطها على النخب السياسية، ثم يسأل وبصيغة علنية وبصوت مخنوق سياسياً أحياناً: لماذا لا يدافع رموز السياسة وحرس الدولة عن مشروعهم ودولتهم؟
قد يكون الرئيس الفايز أجرأ من تحدث عن تقصير النخب والأدوات والرموز بحق دولتهم بين السياسيين المحليين، لكن في عمق بعض المشاورات والاجتماعات وحتى على المستوى المرجعي في بعض التفاصيل وجهت استفسارات لجنرالات حول سبب السكوت والتغاضي عن الإساءات والتجريحات التي تمس بالصورة الأهم وتحاول التعامل مع رفع سقف النقد وشخصنته بعيداً عن مصالح الدولة والوطن بقدر كبير من التساهل، فيما تنتفض المستويات البيروقراطية في حال الإساءة لشخص أو فرد موظف.
بات التساؤل هنا تحديداً حرجاً للغاية، وسرعان ما أعقبته اعتقالات احترازية تقول رسالتها ضمنياً بأن ما سكتت عنه الدولة لأسباب لها علاقة بالاحتقان الاقتصادي لم يعد ضمن قائمة ما سيستمر السكوت عنه.
الاختلاف بين كبار السياسيين والبيروقراطيين وأحياناً حتى بين جنرالات، يسمح باسترخاء المشهد وتسلل الروايات السلبية والانطباع كبير بأن رموز الدولة وأصحاب المواقع العليا الآن غير موحدين في التصور والتكتيك والاستراتيجية والاشتباك، وبالتالي المصارحة كبيرة مؤخراً عندما يتعلق الأمر بأبسط الأسئلة.. أين أصدقاء الرواية الأردنية في الإعلام والمشهد؟
طبعاً، ارتفع صخب مثل هذا التساؤل مؤخراً، لأن الارتياب موجود بالمزيد من غزوات الإعلام المتوقعة التي تستهدف الأردن مجدداً في إطار حسابات سياسية مغرقة بالتعقيد، وتعبر عن نفسها من خلال الصمت الإعلامي الرسمي المريب والغريب حتى على المناكفات البائسة التي يبدو الإسرائيلي إيدي كوهين متخصصاً بإنتاجها لمضايقة الأردن، قيادة وشعباً، بين الحين والآخر.
كل شي تضعونه في ملام إسرائيل ؟ العيب منكم وفيكم أنتم ضعيتوا البلد وتهجوا ملككم وملكتكم ليل نهار بسبب وبغير سبب…وادخلتم عين العدو الصهيوني فيكم. بعد أن قتلتم إخوانكم الفلسطينيين واليوم تريدون الخلاص من الهاشميين. انتوا إيه ؟