المنطقة العربية، تقع على جغرافية قارية في المساحة والنفوس، وتنوع الموارد الطبيعية، بما يجعل منها؛ في ما لو استغلت، كتلة اقتصادية، لها وزنها وثقلها في الاقتصاد العالمي، وبالتالي يمنح القرار العربي السياسي؛ قوة في التأثير، في الحقلين الإقليمي والدولي لصالح القضايا العادلة للعرب. هذا من جانب، أما من الجانب الثاني؛ فامتلاك دول المنطقة العربية؛ أكبر كمية من مخزون الطاقة (النفط والغاز) في العالم، وأيضا تشكل جغرافيتها جسرا لمرور أنابيب نقل الطاقة إلى العالم، بالإضافة إلى المضائق، والممرات البحرية، ذات الاهمية الاستراتيجية على الاقتصاد والتجارة بين قطبي الكرة الأرضية.
الجانب الأخير هو الأهم، والأكثر قوة وتأثيرا في القرار الدولي، عبر صيغ من التبادل النفعي بين دول المنطقة العربية، ودول عظمى أو كبرى بعينها، من التي لها دور حاسم ومؤثر، في صياغة وصناعة القرارات الدولية، ما يجعل من الدول العربية مجتمعة (افتراضا) صوتا وازنا في العلاقات الدولية، أو في القرارات الدولية؛ في ما يخص قضايا العرب العادلة، وفي المقدمة منها، بل في جوهرها القضية الفلسطينية، إلا أن الواقع، يختلف اختلافا كاملا عن هذا الافتراض؛ أي أن هذه الأنظمة، بخلاف إرادة شعوبها، لا تستخدم قدراتها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي، من أجل أن يكون لها وجود فعال في القرار الدولي، ما يحفظ لها حقوقها المشروعة، لكنها منهوبة من قوى إقليمية ودولية، تستغل ما عند العرب لمصالحها الخاصة، ولدعم سياستها في العالم. المؤسف أن الأنظمة العربية هي التي تركض وراء هذه الدول، سواء ما كان منها في قلب الإقليم العربي، أي التي تمت زراعتها بإرادة استعمارية، ذات أبعاد إمبريالية استراتيجية (الكيان الاسرائيلي) أو في الجوار العربي، أو في المجال الدولي، من الدول العظمى والكبرى؛ للمحافظة على حدودها وبقاء هذه الأنظمة على سدة الحكم على حساب مصالح الشعوب العربية. لقد اعتمد النظام الرسمي العربي، في بقائه على كرسي الحكم، على الدعم الدولي، الذي كانت دوله حتى وقت قريب قبل بداية (الحكم الوطني) دولا مستعمرة ومحتلة وناهبة لخيرات الأوطان العربية، ولم تزل حتى اللحظة، بل ازدادت شراسة وغطرسة وإجراما، ونهبا واستغلالا. لقد اعتمد النظام الرسمي العربي على الراعي الدولي المستغل؛ في التغطية على جرائمه، وفي الدعم العسكري من خلال قواعد عسكرية، إلا بعض الاستثناءات من بين هذه الدول إلا أنها مارست الاستبداد والطغيان والإجرام بحق شعوبها. من جهة أخرى، وكي لا أجانب الأنصاف؛ كانت أنظمة وطنية، قارعت الاستعمار، سواء الخفي منه أو الظاهر، وقامت بما هو مفترض منها، من بناء قاعدة صناعية وزراعية، ونهضة علمية وتعليمية، وبناء جيوش يعتد بها، في العقود الخمسة المنصرمة من النصف الثاني من القرن العشرين، إلا أنها من الجانب الثاني دخلت في معارك مع بعضها بعضا، وصادرت حقوق الشعب في إبداء الرأي في سياستها، وتصفية جميع القوى السياسية التي لا تتوافق أيديولوجيتها مع أيديولوجية النظام؛ ما جعل القوى العظمى والقوى الإقليمية؛ كأمريكا وروسيا والكيان الإسرائيلي، وغيرها من الدول الغربية، ودول الجوار العربي؛ أن تجد بيسر وسهولة، مساحة لها في تحريك ذيولها في ممرات غاطسة تحت الأرض. هذا الوضع قاد بالضرورة، التي تحتمها طبيعة علاقة هذه الأنظمة مع شعوبها، على اعتمادها، على عرابيها وحاميها وداعميها، الدوليين والإقليميين؛ لقد أفرغت الدول العربية من القوى الوطنية الحية، ومن رموز التنوير والنهضة؛ إما بالسجن أو بالتغييب القسري، أو بالتصفيات الجسدية، أو بالتهجير إجبارا، لانعدام متنفس الحرية الفكرية، وهذا هو الحاصل في الاوطان العربية، التي طالها الخراب والدمار والتشظي، والاقتتال الأهلي؛ والتي حكمتها أنظمة وطنية، لكنها مستبده وديكتاتورية، قبل الإطاحة بها، بثورات شعبية، جرى حرفها عن أهدافها، بقصد ممنهج. هذه الأنظمة، لم تجد مصدات أمامها، تحوَل بينها وبين اقتلاع بنية الوطن، وهز ثوابت الوطنية فيه، وإحداث خلل بنيوي في هيكلية الدولة؛ بسبب سياسة الاستبداد والتصفيات للقوى الوطنية، قبل الإطاحة بها، من الشعب الثائر على الظلم والطغيان، الذي لم يجد قيادة وطنية له؛ وجودا فعالا في الساحة، تتولى التنظيم والتوجيه نحو أهداف ثورة الشعب. ونتيجة هذا الفراغ تصدرت المشهد السياسي في دول الخراب هذه، أنظمة ركيكة وهشة ومتناحرة، تتصارع في ما بينها للانفراد بكرسي العرش، ولو بديمقراطية صورية، ليس فيها أي مضمون من مضامين الديمقراطية، الا اذا اعتبرنا فوضى الآراء واضطراب المواقف، والتزاحم والتدافع أمام باب الشهرة والتسيد والبروز؛ محتوى ديمقراطيا. إن الأنظمة التي يتشكل منها النظام الرسمي العربي، سواء القديم الباقي، أو الجديد الذي تحيط الشكوك بالطريقة الدراماتيكية، التي استلم بها الحكم، ولو من خلال صناديق الاقتراع، أو التي، حتى اللحظة تتقاتل على مقعد القيادة، جميعها؛ إما تعتمد على الدعم الدولي والإقليمي في ضخ الدماء في جسدها حتى تستمر في عراكها مع بعضها بعضا، أو التي تعتمد في بقائها جالسة على مقعد القيادة، على الحماية الدولية، أي حماية أمريكا أو غيرها؛ بتثبيت قاعدتها، على ركائز متوازنة، بمنع رياح التغييرات التي رفعت رايتها الشعوب، من الوصول إليها؛ بحرف خط سيرها عن مساره الحقيقي.
السياسة العربية أنتجت دولا هشة وقابلة للاختراق. والنظام الرسمي العربي، إلا القليل منه اتبع الطريق الخطأ في دعم قضية فلسطين
هناك أنظمة عربية؛ تقوم بما يتناقض مع مسار التأريخ وضروراته الحتمية، هذه الأنظمة؛ تشكل جزءا مهما من النظام الرسمي العربي، من دون أدنى شعور بالعيب من شعوبها التي تراقبها وتستهجن أفعالها، أنظمة تبحث عن الحماية والدعم من الكيان الإسرائيلي، في محاولة بائسة وغير ذات جدوى، لملء الفراغ الذي سوف تتركه أمريكا. وتتناسى هذه الانظمة أن أمريكا والكيان الإسرائيلي؛ وجهان لعملة واحدة، وكل ما يقال عن الخلاف والاختلاف بينهما في الآراء والمواقف ما هو إلا محض هراء. إن النظام الرسمي العربي، سواء ما كان منه قائما، أو الجديد القائم حاليا؛ اقترف، ولم يزل، جرائم مزدوجة بحق الشعوب العربية وأوطانها، اضطهد الشعوب العربية وحرمها من ممارسة دورها التاريخي في التغيير والتقدم، حين أخرجها من دائرة الفعل والوجود في صناعة المواقف هذا النظام كان يقف ولا يزال مع أعداء الشعوب العربية؛ من أجل البقاء. وأيضا في توائم وتزامن؛ أخذت هذه الأنظمة تتقاتل مع بعضها بعضا بالإنابة عن اجندة الراعي الدولي والإقليمي لها ولوجودها، بصورة مباشرة، أو عبر وكلاء الخيانة، لمصلحة هذا الراعي، الذي استخدم ويستخدم الثروات الاستراتيجية للأوطان العربية، والموقع الاستراتيجي؛ لخدمة مصالحه الاستراتيجية، سواء ما هو في المنطقة العربية، أو في الجوار العربي، أو في المجال الدولي. هذه السياسة العربية أنتجت لنا؛ دولا هشة، وقابلة للاختراق. النظام الرسمي العربي، سواء ما هو موجود في السابق، (إلا البعض القليل منه اتبع الطريق الخطأ في دعم القضية التاريخية، قضية فلسطين) أو ما هو كائن في الوجود حاليا؛ استخدم القضية الفلسطينية في التسويق لخطابه السياسي، إرضاء للشعوب، وضمان ولائها له. بينما الحقيقة التي تجري في الواقع، وفي الغرف المظلمة؛ كانت بخلاف هذا الخطاب بالكامل. وهذا هو ما ظهر جليا في السنوات الاخيرة، فقد تم تسويق التطبيع مع الكيان الاسرائيلي المحتل للأرض العربية الفلسطينية، في الخطاب السياسي الغبي، لهذه الأنظمة؛ على اعتبار أنه لخدمة القضية الفلسطينية عبر الدبلوماسية والسياسة والسلام، ودعوة الفلسطينيين إلى الخروج من الصندوق، حسب وصف أحد هذه الأقلام أو لجهة الحقيقة، إحداهن.. بمعنى اخر؛ أن يكفوا عن الجهاد من أجل قضيتهم العادلة؛ باتباع طريق الدبلوماسية والسياسة، التي لم تنتزع من الكيان الاسرائيلي المحتل، حقا لهم مهما كان صغيرا، خلال أكثر من سبعة عقود خلت.
كاتب عراقي