إلى وقت قريب، كان قراصنة الكتب يخجلون من فضح أسمائهم، لا يكشفون عن هوياتهم، يتوارون خلف تسميات وصور مُستعارة، لا يردون على الرسائل ولا على عتاب كتّاب أو ناشرين، يوقنون أن فعلتهم تتنافى مع القانون ومع الأعراف، يلتزمون الحياء، مثل لص عجز يكبح غرائزه، يسطون على كتب ويلقون بها في بحر الإنترنت، ينشؤون مدونات يرفعون فيها الصيغ الرقمية من أحدث الأعمال أو أقدمها، وينتظرون من قراء التقاطها، هؤلاء القراء الذين يقتاتون كتباً مقرصنة كانوا أيضاً يتدثرون بالخجل، لا يعلنون عن أنفسهم، يختفون في حياء، يتخاطفون الكتب كعصافير تلتقط فتاتاً في وجل، بدون أن يتركوا كلمة شكرٍ للقرصان، أو سارق الكتب، كانت القرصنة سوقاً لأناس لا اسم لهم ولا وجه، نعلم فعلتهم ونجهل هويتهم.
هذا ما كان يحدث في زمن سابق، لكن منذ بضع سنوات، اختلف الوضع، صار للقراصنة اسم ووجه وحسابات معروفة، باتوا لا يرون حرجاً من فعلتهم، زادتهم السوشيال ميديا ثقة في النفس، تضاعف منسوب ضراوتهم، صار يراودهم أنهم يقدمون أعمالاً فاضلة لمجتمع القراءة، أنهم يملؤون فراغاً في ظل مشقة تنقل الكتاب بين أقطار عربية، ورفع القراء من حماستهم، لم يعد يروقهم التخفي، بل يصرون على الظهور، يسدون آيات شكر لسارقي الكتب، يتفاعلون معهم، من بينهم طلبة وأساتذة في الجامعات ونقاد يثنون عليهم، كون كتاباً معيناً أفادهم في أبحاثهم، ويطلبون منهم المزيد، لم تعد قرصنة الكتب عربياً تؤمن بالأخلاق، بل بسرعة القنص وإرضاء جمهور الكتب المجانية.
استفادت صناعة القرصنة (يمكن أن نُطلق عليها صناعة بحكم أنها تقترح سلعة ولديها زبائن) من الفيسبوك، في البدء، فتعددت صفحات تقترح كتباً مرقمنة، مستعينة بتصوير أحدث الإصدارات بسكانير، في عملية لا تستدعي وقتاً طويلاً، لكن سرعان ما كانت تلك الصفحات تُغلق من كثرة الإبلاغ عنها، فالكتّاب والناشرون يلجؤون إلى تبليغ إدارة الفيسبوك، عن ذلك النشاط المُخالف للقوانين بحجة أن أصحاب الصفحات يتمنعون عن الرد عن اعتراضهم، لم يطل عمر القراصنة على الفيسبوك فوجدوا منذ سنوات قليلة منصة أرحب، أكثر جاذبية وأسهل استخداماً وأقدر على جذب الزبائن: منصة تليغرام. يمكن بسهولة تحميل هذا التطبيق على الموبايلات وعلى أجهزة الكومبيوتر، كي نصادف عدداً لا بأس به من قنوات تعرض كتباً لم ينقضِ على خروجها من المطابع أكثر من أيام قليلة. في هذه القنوات المتاحة على (تليغرام) لا يخجل القرصان من الإعلان عن نفسه، عن اسمه، وعن بلده، بل إنه يتبادل المحادثات مع جمهوره، والمثير أن تلك القنوات الرقمية صارت تقترح سبر آراء متابعيها، تسألهم الكتب التي يودون الوصول إليها ويوفرونها لهم، كما أن قراءهم يزيدون من ضغطهم، ويطلبون منهم عناوين بعينها، وبمجرد أن يُتاح الكتاب على (تليغرام) ينتقل بسهولة إلى منصات تواصل اجتماعي أخرى، بل إن قراء لا يجدون حرجاً من إبلاغ أصدقائهم على الفيسبوك أن كتاباً معيناً بات متاحاً للتحميل، كما لو أنهم يعلنون عن وصول لقاح في زمن كورونا، لتنطلق التعليقات والتهليلات أسفل المنشورات.
تخصص بعض القراصنة في كتب تصدر في بلدهم، لم يكن صعباً أن نعرف جنسية أي واحد منهم، من خلال فقط تتبع مصادر الكتب التي يسرقها، لكن فشيئاً شيئاً تغير الوضع، فقد وسعوا من نطاق نشاطهم، صار الواحد منهم يتيح كتاباً صدر في الجزائر، وفي اليوم التالي يقدم كتاباً آخر صدر في لبنان.
ومن سطوة التحميل على السعي إلى الكتاب الورقي، يقع نقاد وكتّاب (يفترض أنهم من المدافعين عن الكتاب) في فخ الترويج للقرصنة، فحينما يفكر أحدهم في كتابة مادة عن رواية أو ديوان شعر، ينشر صورة الكتاب بختم القرصان، نعم، كل كتاب مقرصن يرافقه ختم من قام بالعملية، لكل قرصان ماركة، ولكل واحد منهم هوية بصرية تفرقه عن الآخرين، وبين القراصنة أنفسهم معارك ضارية، إذا لم يذكر أحدهم مصدره الأصلي (أي مصدر القرصان الأول الذي حمل كتاباً معيناً) ويشترطون على القراء أن يذكروا عناوين قنواتهم على تليغرام، في حال رغبوا في الحصول على كتب جديدة مجانية، وبينهم أيضاً صداقات وتعاون مشترك.
تخصص بعض القراصنة في كتب تصدر في بلدهم، لم يكن صعباً أن نعرف جنسية أي واحد منهم، من خلال فقط تتبع مصادر الكتب التي يسرقها، لكن فشيئاً شيئاً تغير الوضع، فقد وسعوا من نطاق نشاطهم، صار الواحد منهم يتيح كتاباً صدر في الجزائر، وفي اليوم التالي يقدم كتاباً آخر صدر في لبنان، بات للقراصنة معاونون، يشتغلون مع طاقم مساعدين، يتسع حضورهم من محيط أطلسي إلى خليج عربي، لم يعد يثنيهم في مساعيهم بعد جغرافي أو تعثر توزيع الكتب، وتآلف الناس مع هذه الفكرة، بعدما كانوا يطلبون بجسارة من الكتاب نسخ (بي.دي.أف) تحولوا إلى تقديم طلباتهم إلى القراصنة، ونجد على تليغرام رسائلهم، يطلب أحدهم من الجزائر كتاباً صدر في مصر، وآخر من العراق يطلب كتاباً صدر في السودان، وتأتي الإجابات بأن يتمهلوا قبل أن ينالوا السلعة التي يرغبون فيها، فقد زاد الضغط على القراصنة لا على الناشرين، يجدون أنفسهم في عسر من تلبية طلبات زبائنهم المتزايدة، إنهم يقتنصون الكتب، يسربونها في نسخ رقمية، ولا شغل لهم غير ذلك، بل لا وقت لديهم لمطالعة الكتب التي قاموا بقرصنتها، لا يهمهم سوى زيادة عدد متابعيهم.
راسلني أحد القراصنة، قبل أشهر، يطلب مني واحداً من كتبي، نبهته إلى إن فعلته تتنافى مع قوانين الحماية الفكرية، فاستشاط غضباً، وتمكن من قرصنة الكتاب المطلوب، بعد أسبوع من رسالته، وقد تعمد تشويهه وتحريف كلمات وجمل والإخلال بالمتن (علمت لاحقاً أن هذه العملية تعرض لها كتّاب عرب آخرون رفضوا تسريب أعمالهم، فقام القراصنة بمعاقبتهم) ثم عاد إليّ مهللاً أنه قدم لي خدمة، بأن وفر الكتاب للقراء، وأنه كتب منشوراً يفيد بأن من أعجبه الكتاب فعليه اقتناء النسخة الورقية منه، هل يوجد شخص يقتني الورقي بعدما طالع الرقمي مجاناً؟ طبعاً لا، قراء يتنعمون في جنة القراصنة الجدد، يقرؤون ما يشاؤون، وكتاب تحت رحمة قرصنة، ومعهم ناشرون، في وضعية لا يمكن أن تسود سوى في عالم عربي، يسن قوانين حماية المؤلف ثم يهملها.
روائي جزائري
القارئ معذور بسبب غلاء الكتب
فأنت ككاتب لو أخذت ثمنا مناسبا أو قليلا من دار نشره واشترت عليها عدم رفع سعره عاليا لاستطاع القارئ شراءه ورقيا ولم يحمله من النت مقر صنا
لذا لا تلومن القارئ….
القرصنة عميل مشين وينبغي محاربته بكل القوانين. لكن من جهة يتقاسم اللوم الكاتب ودار النشر لأن الكتب معروضة للبيع في المكتبات ومعارض الكتب بأسعار غير معقولة. يرجى الكتابة وفضح هذه الأسعار والدعوة إلى تخفيضها حتى تكون في متناول الجماهير العربية الفقيرة. تسعد