القاهرة ـ “القدس العربي”: فيما فسره بعض المراقبين بأنه تراجع أمام تلويح الرئيس السيسي بمراجعة العلاقة مع المؤسسة المالية الأهم عالميا، قالت كريستالينا جورجييفا المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، أن الصندوق منفتح بشكل كبير على تعديل برنامج مصر. وأضافت أن مصر تتحمل تكاليف باهظة بسبب التوترات في المنطقة، وأعربت عن اعتقادها أن “مصر ستكون في وضع أفضل إذا تم تنفيذ الإصلاحات عاجلا وليس آجلا”. وكشفت مديرة الصندوق عزمها زيارة مصر خلال عشرة أيام لمراجعة الوضع الاقتصادي. وحذر الدكتور صلاح الدين فهمي أستاذ القانون الدولي والمنظمات الدولية في كلية الحقوق جامعة عين شمس، من أنه في حالة عدم الوصول إلى اتفاق، مع الصندوق سيزداد الأمر صعوبة على المواطنين، وستكون هناك صدمات اقتصادية غير مسبوقة، وكشف فهمي عن أن صندوق النقد الدولي طلب من مصر مؤخرا، إعادة تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى حسب الاتفاق المبرم بينهما، مشيرا إلى أن مصر حققت 80% من طلبات صندوق النقد الدولي حتى الآن. وتعهد أحمد كوجاك وزير المالية بعدم زيادات الأعباء الضريبية على المستثمرين، مؤكدا سعي الحكومة لتبسيط الإجراءات وخفض الأعباء والتكلفة، وقائلا، نستهدف توسيع القاعدة الضريبية، وجذب كل أنشطة التجارة الإلكترونية في ظل التحول للاقتصاد الرقمي، ولأول مرة سيكون هناك نظام ضريبي مبسط ومتكامل لتحفيز الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة وأنشطة ريادة الأعمال.
استنكر الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين في وزارة السياحة والآثار، مقطع الفيديو القصير المصمم بالذكاء الاصطناعي، الذي أثار جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يظهر عمالقة يحملون الأحجار لبناء الأهرامات. ودحض المعلومات المغلوطة التي يحاول الفيديو تصديرها، بنسب بناء الأهرامات والحضارة المصرية إلى قوم عاد، ونفى بناء العماليق للأهرامات واصفا إياه بالكلام الفارغ. وشدد على أن أجدادنا هم من بنى الأهرامات والمعابد، داعيا إلى زيارة متحف الحضارة لمشاهدة مومياوات المصريين القدماء، مشيرا إلى أن أطولها لا يتجاوز 172 سم. وأعلن المهندس حلمي مصطفى زهري، مدير مديرية التموين والتجارة الداخلية في القليوبية، تشديد الرقابة على الأنشطة التجارية. وفي هذا الصدد تم ضبط نصف مليون “مصاصة” غير مطابقة للمواصفات الغذائية داخل مصنع تغليف مواد غذائية في مركز طوخ، وتم التحفظ على المنتجات وتحرير محضر جنح لحيازته سلعا مجهولة المصدر. وبهدف ضبط الشارع ومواجهة تزايد حوادث السيارات وتنفيذا لاستراتيجية وزارة الداخلية، بتكثيف الحملات المرورية على الطرق والميادين كافة لتسيير الحركة المرورية وتحقيق الانضباط المروري، والحد من وقوع الحوادث. وواصلت الإدارة العامة للمرور، توجيه الحملات المرورية لتحقيق الانضباط، وتطبيق قانون ولوائح المرور على قائدي السيارات وضبط المخالفين منهم. وأسفرت الجهوده خلال 24 ساعة عن ضبط 1865 مخالفة التحدث في الهاتف المحمول أثناء القيادة.
تشويه الشهيد
من الغريب والعجيب على حد رأي الدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد” أن تأتي المذمة “من أهل الدار”، ممن حملوا راية المقاومة في يوم من الأيام. من عضو في المجلس الوطني الفلسطيني الذي يمثل السلطة الفلسطينية في الضفة هو اللواء أسامة العلي، الذي لم يجد نقيصة إلا وحاول إلصاقها بالسنوار، في عملية تشويه ممنهج تتجاوز محاولة النيل من شخص أو رمز، إلى النيل من حالة هي حالة المقاومة ورفض الاحتلال الإسرائيلي. فبابتسامة صفراء باهتة يعلوها التشفي، يبدي الرجل في لقاء فضائي معه، نوعا من الارتياح المكتوم لرحيل السنوار، فيما يبدو معه وكأن السنوار كان مصدر إزعاج يتحول معه هدف التخلص منه لأمر واجب. ولو أن ذلك حقيقي بالنسبة لإسرائيل، فمن الغريب أن يكون التخلص من السنوار والقضاء عليه مصدر راحة للسلطة الفلسطينية، التي تتماهى في النهاية بغض النظر عن الخلافات مع المقاومة في غزة، ويتوحد هدفهما في التحرر من الاحتلال، وإن اختلف الأسلوب، سواء بالمقاومة من “حماس” أو بالسياسة من قبل فتح. ولا يكتفي العلي بذلك، بل يصدمنا برؤيته التحليلية وليست المعلوماتية، التي تحاول أن تنزع عن السنوار أسطورة الصمود التي بدا عليها، فراح يزعم أنه انتحرـ بفعله ـ دون أن يقدم طرحا متماسكا يعزز ما يقول في ضوء خطورة تلك الفرضية. ويمعن العلي في نظرية المؤامرة ونزع كل فضيلة عن المقاومة وقائدها، لحد يرقى إلى تهمة الخيانة والتواطؤ، حيث يؤكد أنه لم يتم القبض على السنوار، رغم أن ذلك كان ممكنا حتى لا يفضح السنوار مؤامرة طوفان الأقصى، التي يبدو من حكيه، أنها عملية تم التوافق عليها بين “حماس” وإسرائيل. المجال يضيق عن الرد على العلي، ولكن الإجابة المختصرة هي ماذا جنينا من النهج الذي يؤمن به العلي والسلطة الفلسطينية، النهج الذي يمثل بديلا للمقاومة التي تمثلها فصائل غزة؟ الإجابة لا شيء سوى المزيد من ضياع الأراضي والحقوق الفلسطينية والمزيد من الخضوع للاحتلال.. فهل هذا ما يريده العلي؟ أعتقد.
غطرسة المهزوم
لا شيء يمكن أن نصف به ما أعلنه نتنياهو بعد عملية اغتيال يحيى السنوار من وجهة نظر سليمان جودة في “الوفد” سوى عبارة واحدة هي: غطرسة القوة. لقد أعلن رئيس حكومة التطرف في تل أبيب بعد عملية الاغتيال، أن الحرب لم تصل إلى نهايتها بعد وأنها مستمرة.. وهذا الإعلان يدل على مدى ما ذهب إليه غرور القوة لدى إسرائيل، ثم لدى حكومة التطرف فيها. ومن قبل كان وزير الدفاع الفرنسي قد حذر الإسرائيليين من هذا المسلك، وقال لهم ما معناه، إن عليهم ألا يغتروا بتحقيق نجاحات تكتيكية.. أي نجاحات قصيرة المدى.. ولكن غرور القوة نفسه منع رئيس حكومة التطرف من الاستماع إلى النصيحة الفرنسية. ولو أنه استمع إليها لكان قد سأل نفسه بعد عملية اغتيال السنوار فقال: وماذا بعد؟ ولو أنه أنصف نفسه لكان قد سأل السؤال ذاته بعد عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران 31 يوليو/تموز، لا لشيء، إلا لأن اغتيال المعتدلين أو الأقرب إلى الاعتدال مثل هنية سوف يضعه مع المتشددين في حركة “حماس” وجها لوجه. من قبل كانت إسرائيل قد اغتالت الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، ومن بعده اغتالت كثيرين من قيادات الحركة أيضا، ومن الواضح أن السنوار لن يكون الأخير إذا مضى الساسة المتطرفون في الدولة العبرية على ما هُم ماضون عليه من تطرف، ومن تشدد، ومن عمى سياسي. إن اغتيال ياسين لم يحل المشكلة، ولا اغتيال هنية أدى إلى حلها، ولا اغتيال السنوار سوف يحلها هي أيضا. ولكن سيحلها أن يفهم الساسة المتطرفون في تل أبيب، أن الفلسطينيين أصحاب أرض وأصحاب حق، وأن دفاعهم عن أرضهم وحقهم يمثل قضية عادلة، وأن كل حل لا يعترف لهم بحقهم في أرضهم، لن يؤدي إلا إلى المزيد من العنف والدم.. هذا ما تقوله التجربة منذ قامت إسرائيل في 15 مايو/أيار 1948، وهذا ما يقوله التاريخ، وهذا ما يقول به المنطق السليم للأمور. وإلا فالبديل أن يظهر هنية آخر، وسنوار آخر، وبغير سقف ولا عدد، وهذا ما لا تريد إسرائيل أن تفهمه، وإذا فهمته فإنها تتعامى عنه، وإذا تعامت عنه فإنها تجد نفسها في مأزقها الحالي الذي لا ترغب في أن تُقر به أو تعترف.
توأمان شريران
الجيش “الذي لا يُقهر” كما تتندر منه فريدة الشوباشي في “الوطن”، يلجأ إلى ماما أمريكا لإنقاذه، حيث إن حرب الإبادة التي يشنّها منذ أكثر من عام في قطاع غزة والضفة الغربية في فلسطين، ثم زحفه إلى لبنان وهو يتوقع استسلاما، ومن ثم خضوعا للمخطط الصهيوني، قد باءت بفشل تام، بما يعني هزيمة الدولة الصهيونية. وطلبت إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية أن تدخل إلى جانبها، وأن تُقنع قادة لبنان بتنفيذ المخطط الصهيوني بتشكيل حكومة ترضخ لمحاربة المقاومة، بل إبلاغ نتنياهو عن أي لبناني يقاوم العدو، وباختصار أن تنفّذ الدولة اللبنانية جميع رغبات الاحتلال كشرط تتبناه واشنطن لوقف إطلاق النار. وقد أجابت السلطات اللبنانية برفض هذا الطلب الذي لا مثيل له في العالم ولا في تاريخ الحروب السابقة التي لم تسجّل مثل هذه الوقاحة، من جانب المعتدي، ويعيش العالم هذه الأيام سقوط الأقنعة التي كانت ترتديها الولايات المتحدة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد أن أبادت الملايين في هيروشيما ونجازاكي بقنابل نووية، ومعروف أن واشنطن هي الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي. ومن الجدير بالإشارة بداية إزاحة الدولار عن عرشه، كما اتضح بجلاء بعد تشكيل منظمة البريكس، حيث تتعاون الدول الأعضاء مع بعضها بعضا بعملاتها المحلية، دون أدنى تدخّل من الدولار. وقد جذبت القضية الفلسطينية اهتمام العالم، وفي كل يوم يزداد التعاطف مع الشعب العربي المقاوم في فلسطين ولبنان ويرتفع مستوى الوعي بأن العدوان مصيره مزبلة التاريخ.. العالم على عتبة حقبة جديدة سيزول فيها منطق الاحتلال المعادي لأماني الشعوب وأفول عرش الدولار الذي أصاب الكثير من الدول بالاختناق، والأمل يلوح في الأفق باجتياز حقبة الهيمنة الأمريكية التي أكدت الأحداث أنها هيمنة ضارة ومعادية لأماني الشعوب المتطلعة إلى الحرية والتقدّم والعيش بسلام، ويحل التعاون والبناء، كما نبّه رئيسنا، محل القتل والدمار والاستغلال.
بطوننا خاوية
“من فشل إلى فشل تسير حكومتنا الرشيدة على رقاب المصريين ضاربة عرض الحائط بصرخات المواطنين، الذين هزمهم غول الغلاء اللعين”. كل البيوت المصرية على حد وصف هشام الهلوتي في “الوفد” تعاني الأمرين لتدبير نفقات المعيشة مرة بالترشيد الإجباري، ومرات بالسلف والديون على أمل أن تنتبه الحكومة وتعدل من سياستها في الإنفاق على مشروعات ليست لها ضرورة الآن، ويمكن تأجيلها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. الحكومة للأسف تتجاهل غضب المواطنين وتعتبر كل ما ينشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي آراء معادية، وتكتفي بتطبيل بعض الإعلاميين الذين يزينون لها القرارات الخاطئة. الحكومة للأسف لجأت منذ فترة طويلة إلى الحل الأسهل وهو تدبير ميزانيتها من جيوب المواطنين الذين اضطروا إلى الاستغناء الإجباري عن كثير من الأساسيات، والتقشف تحت وطأة الارتفاعات الجنونية لأسعار كل شيء. البنزين وحده زاد منذ عام 2014، حتى الآن 11 مرة، من بينها عدة زيادات بنسبة 50% مرة واحدة، وفي هذا العام ارتفع ثلاث مرات، وعلى سبيل المثال بنزين 80 أو بنزين الغلابة، زاد من 90 قرشا عام 2014 ليصل يوم الجمعة الماضي إلى 13.75 جنيه، وقياسا على ارتفاعات البنزين المتتالية ارتفعت أسعار كل السلع، إلى جانب ارتفاع أسعار وسائل النقل، وفي المرة الأخيرة يوم الجمعة الماضي وللأسف كانت الحكومة أول من أعلن عن رفع أسعار وسائل النقل العام بمقدار جنيهين للتذكرة، لتمنح سائقي الميكروباصات الضوء الأخضر لزيادة الأجرة على المواطنين. للمرة الثالثة أحذر بأن ارتفاع الأسعار فاق كل التصورات ولم يعد لدى المواطنين القدرة على مواجهة غول التضخم الذي يلتهم كل شيء. بيوت كثيرة محرومة منذ أكثر من عامين من البروتين بأنواعه، سواء اللحوم الحمراء أو البيضاء، أو حتى الأسماك والألبان ومنتجاتها والزيوت كلها ارتفعت بشكل جنوني، ولم تعد فكرة الامتناع عن تناول ما يرتفع ثمنه مجدية، لأن البدائل أيضا مثل البقول أيضا أصبحت فوق قدرتهم. ولذلك ليس غريبا أن يكون الحديث بين الناس في مصر كلها وفي كل المجالس سواء في الأماكن العامة أو الخاصة، في وسائل المواصلات وأماكن العمل أو الأفراح وحتى العزاءات عن غول الأسعار الذي التهم كل شيء.
كما فعل بوكا
الكلب بوكا من حيث لم يكن يخطر له على بال أصبح حديث العالم لأنه نجح في تسلّق الهرم والنزول منه لا يلوي على شيء. فجأة كما أخبرتنا نيفين مسعد في “الشروق” انتشرَت صوره في كل مكان، وجلست تطعمه سائحات مثل القمر هو وكل قطيعه، وهذا هو الشيء الأهّم بالنسبة له. لا يهتّم بوكا كثيرا بأن تملأ صورته صفحات الجرائد العالمية، فهو لا يطالع الصحف لا العربية ولا الأجنبية، الشيء الوحيد المهم بالنسبة له هو أن تمتلئ بطنه بما لذّ وطاب من يد السائحة الفاتنة، التي جلَست على أحد سلالم الهرم تتأمّله بإعجاب وهو يأكل. هذا الأمر يثبت أن الأهمية هي مسألة نسبية جدا، فهذه الشهرة العالمية التي لا تشدّ انتباه السيد بوكا، هناك ملايين البشر، حفيوا كما في لغتنا العامية، ليحققوا جزءا يسيرا منها على المستوى المحلّي، فمنهم مَن حقّق مراده، ومنهم مَن لم يحالفه التوفيق. أما أن حكاية الكلب بوكا تبعث على الأمل وتطرد اليأس، فهذا صحيح تماما، لأنه ما كان أحد يتصوّر كيف يمكن لحيوان أليف أن يصعد إلى أعلى قمّة الهرم حتى فعلها البطل بوكا، وبالتالي ومن الآن فصاعدا يستطيع كل منّا أن يطلق العنان لأمانيه مهما كانت بعيدة بُعد المسافة بين سفح الهرم وقمّته. ويمكنه أن يشجّع نفسه على المبادرة والمغامرة والإقدام ويقول لنفسه سأفعل كما فعل بوكا.
لكل مجتهد نصيب
بوكا كلب شارع، وعلى المستوى الشخصي تفضّل نيفين مسعد وصف بوكا بالكلب البلدي، لأن وصف كلب الشارع يعطي الانطباع بأن هذا الكلب كان يعيش عيشة هانئة رغدة، ثم غدرَت به الأيام وجار عليه الزمن ووجد نفسه في الشارع، وهذا أمر غير حقيقي. بوكا وأمثاله من سلالة الكلاب تعيش حياتها في الشارع أبا عن جد. ثم إنه في الفترة الأخيرة زاد عدد العائلات التي تلفظ كلابها في الشارع لأسباب السفر أو ضيق ذات اليد وخلافه، وبالتالي يتغيّر حال كلاب البيوت وتصير بدورها كلاب شارع، وهذا يخلط الحابل بالنابل، والجيرمن شيبرد، والغولدن ريتريفر والوولف والبيجل، إلخ بالكلاب البلدي، وهو ما لا يجوز، فالبلدي بلدي والإفرنجي إفرنجي. إذن هذا كان موقفي دائما من تفضيل وصف الكلب البلدي، على وصف كلب الشارع، أما وأن السيد بوكا فاجأنا ووصل بمجهوده الذاتي إلى العالمية، فإن هذا يدفعني أكثر وأكثر للثبات على رأيي، ففي وصف الكلب البلدي تأكيد على قيمة الانتماء، ونوع السلالة والقدرة على الإنجاز والتفوّق. وبالمناسبة فإن بعض صديقاتي العاشقات للكلاب يقلن إن الكلب البلدي شديد الذكاء، وها هو بوكا يثبت أن الكلب البلدي ليس فقط شديد الذكاء، لكن صحتّه أيضا باسم الله ما شاء الله حديد. كان البطل بوكا يطارد العصافير التي أخذت تشاغله وتطير من فوق مستوى من مستويات الهرم إلى آخر، فكان يصعد وراءها ولا يشعر أنه يلهث. يقول البعض إنه كان يبحث عن التسلية، ويقول البعض الآخر إنه كان يمنّي نفسه بغداء شهي قوامه جوز عصافير، لكن من باب الحرص على صورة البطل التي ارتسمت عالميا لبوكا – أتصوّر أنه قد يكون الأنسب اعتبار صعوده لقمّة الهرم بهدف اللعب مع العصافير. رأى بوكا سائحٌ أجنبي كان يطير بباراشوت عاليا عاليا فوق سطح الهرم، فأدرك أن مشهد بوكا وهو يصعد بعزم وإصرار درجات الهرم- هو مشهد استثنائي بكل المقاييس فتصرّف بسرعة شديدة، ولم يفوّت اللحظة.
حال نجاحها
تأخرت أمريكا عن الكثير من دول العالم في إيصال امرأة لأهم منصب سياسي في منظومة حكمها، وسبقتها عشرات الدولن حيث قادت نساء دولهن في مختلف قارات العالم، من مارغريت ثاتشر في بريطانيا، إلى أنديرا غاندي في الهند، ومن بنازير بوتو في باكستان إلى أنغيلا ميركل في ألمانيا وعشرات غيرهن. إلا أن حالة كامالا هاريس، لو نجحت تختلف حسب محمد المنشاوي في “الشروق” عما سبقها لأسباب مختلفة. إذ يعد وصول هاريس حدثا فريدا، ومن بين أهم تبعات ذلك تبوؤها المباشر لمنصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية”. وبسبب حجم وطبيعة القوات المسلحة وانتشارها، وبسبب أهمية ومكانة وخطورة الولايات المتحدة، يعد ترؤس امرأة لأقوى دولة وأقوى جيش في العالم حدثا فريدا يستدعي النظر إليه. يعد الجيش الأمريكي الأقوى في العالم بلا منازع، ولا يعني هذا بالضرورة انتصاره في كل الحروب التي يدخلها، ولأسباب لا تتعلق بقوته أو تجهيزاته لم ينتصر الجيش الأمريكي في حروبه سواء في فيتنام أو أفغانستان أو العراق. ميزانية الجيش الأمريكي هي الأكبر، وتقدر بنحو ثلث ميزانيات كل جيوش العالم مجتمعة، وتخطت ميزانيته 900 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يزيد على مجموع نظيراتها في الدول السبع التالية مجتمعة، وهى: (الصين، السعودية، روسيا، بريطانيا، الهند، فرنسا، اليابان). ويبلغ تعداد القوات الأمريكية ما يقرب من مليونين من العسكريين ما بين قوات نظامية وقوات احتياط. تمثل نسبة النساء اليوم ما يقرب من 15% (ما يقرب من 300 ألف مقاتلة) في كل التشكيلات العسكرية الأمريكية. لأمريكا مئات القواعد العسكرية حول العالم، ولها مئات الآلاف من الجنود في دول عدة. وخلال تاريخ أمريكا القصير شاركت وحدات نسائية متطوعة في كل الحروب التي خاضتها منذ تأسيس الدولة في نهاية القرن الثامن عشر. وبعد انتهاء حرب فيتنام عام 1973، انتهت الخدمة الإلزامية للرجال في الجيش الأمريكي، وأصبحت كل القوات الأمريكية تتشكل من المتطوعين الرجال والنساء. وسُمح للسيدات بالوصول إلى أعلى الرُتب وتتلقى راتب الرجال نفسه.
هل يرضخون لها؟
هل ينزعج كبار العسكريين الأمريكيين من كون قائدهم الأعلى امرأة؟ فقط، بل يتهمها منافسوها بعدم وجود خبرة في السياسة الخارجية، أو إدارة أزمات دولية؟ الإجابة حسب محمد المنشاوي هي لا… كل الضباط ملتزمون بطاعة أوامر وقرارات هاريس بما فيها تلك المتعلقة بالحرب والهجمات العسكرية أو غيرها. لا يُنتظر أن تكون القائدة هاريس أقل خشونة أو أكثر نعومة ممن سبقوها من قادة رجال على رأس القوات المسلحة الأمريكية، ويدلل التاريخ القريب أن النساء يأخذن بلادهن لحروب مثلهن مثل الحكام الرجال. رئيسة الوزراء الهندية السابقة أنديرا غاندي حين أمرت الجيش الهندي بدعم استقلال بنغلاديش عن باكستان عسكريا، ومارغريت ثاتشر أمرت بغزو جزر فوكلاند والحرب مع الأرجنتين، وقادت غولدا مائير إسرائيل أثناء حرب أكتوبر/تشرين الأول. ولن يخضع وينصاع العسكريون لهاريس نظرا لقوتها وشخصيتها وتاريخها، بل سيخضعون لها لأنها الرئيسة المنتخبة. من الجدير بالذكر أن وزارة الدفاع لا تعبر عن تفضيلها لمرشح على آخر، وسيخضع البنتاغون للرئيسة هاريس أو للرئيس ترامب. يشارك العسكريات والعسكريون الأمريكيون في الانتخابات، ويدلون بأصواتهم بحرية تماما كأى مواطِنة/مواطن آخر، ويمكن لهم كذلك العمل بالسياسة والسعى للوصول لأي منصب سياسي فقط بعد الاستقالة من وظيفتهم العسكرية، أو بعد التقاعد من الخدمة العسكرية. في الأعراف الديمقراطية الأمريكية، وغير الأمريكية، تخضع وزارة الدفاع للقرارات الصادرة من القيادة السياسية المنتخبة، وتخضع كذلك لإمرة الرئيس والكونغرس طبقا لما حدده الدستور من فصل واضح للسلطات. ويعكس خضوع البنتاغون للرئيسة كامالا هاريس أو لغيرها جوهر العلاقات المدنية العسكرية في أمريكا، حيث يؤدي العسكريون القسم للحفاظ على حدود الدولة وصيانة دستورها. وفي القضايا المتعلقة بعمليات عسكرية محدودة كانت أو واسعة، سيقوم كبار العسكريين الأمريكيين بتقديم نصائحهم إلى الرئيسة هاريس، ثم ينفذون ما تتخذه من قرارات. وكما ستملك الرئيسة هاريس السلطة، ستمتلك أيضا المسؤولية المباشرة لقرارها، وسيُترك الحساب للشعب الأمريكي في الانتخابات بعد المقبلة عام 2028.
سياحة سوداء
يمزق الحزن قلوب البعض حينما ينظر إلى أشخاص تنعم بهواء نقي، وتعيش وسط أجواء هادئة، وإذا بصدورهم تشتعل نارا، ولا يهدأ لهم بال حتى تلوث أيديهم النقاء، وتشوه الجمال، هذا حال الفاسد، كما يصفه حسين خيري في “الأهرام” متابعا: يسعى حثيثا إلى نشر القبح، ويدفع بقوة إلى فرض كل شيء حقير مستهجن على سكان العالم، وأول فروع القبح المستهدف إقراره في ثقافات الشعوب هو نشر مظاهر الدمار وما يفوح منها من رائحة الموت. وأثناء إلهاء الشعوب بتلك الثقافات الكريهة يشعلون الحروب في شتى أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه، محاولة لكي تألف الناس مشاهد الدمار والخراب وإراقة دماء الأبرياء، وإذا سكتت أصوات المدافع في بلد، احتدمت حروب في بلاد أخرى، تمارس فيها عمليات إبادة لشعوب تقف عائقا في مواجهة أهدافهم الدنيئة، وتغمر السعادة قلوب هؤلاء الحاقدين وقتما يرون الخوف يزحف إلى الصدور، وتزيد غبطتهم حين تخنع الرؤوس لبطش القاتل. ولا عجب عندما تلجأ الفئة الحاقدة إلى ترويج مفهوم ما يسمى بالسياحة المظلمة، التي تبعث رائحة الموت، وبمرور الوقت تصير أفئدة من الناس تهوى الترحال إلى مواقع الدمار والأطلال، ويطلق عليها خبراء السياحة مصطلح آخر يُعرف بالسياحة السوداء. ولا يختلف مفهوم السياحة السوداء عن مثيلتها من ألعاب الموت على الإنترنت، ويضاف إليها حديثا موضة تصوير الأموات في أوروبا وأمريكا، ويتسع القوس ليشمل الكثير من ظواهر اجتماعية عالمية غاية في السوء والانحطاط الأخلاقي، وتقف خلفها مافيا إعلامية ومؤسسات ثقافية واقتصادية عملاقة.
الجاني والضحايا
أول من نشر مصطلح السياحة السوداء للعلن حسبما أطلعنا حسين خيري أستاذان من جامعة غلاسكو كاليدونيان في أسكتلندا، وبعد فترة من النشر تعرض شبكة “نتفليكس” مسلسلا وثائقيا حول مواقع السياحة المظلمة الشهيرة أشهرها متاحف متخصصة لعرض رموز الموت والتعذيب، وأكبر متحف لها في كمبوديا، يضم صورا لآلاف المعذبين المعتقلين من الأطفال وجميع الأعمار، وبجوار معرض الصور قسم يقتني بقايا عظام وجماجم للضحايا المعذبين على يد مجموعة الخمير الحمر، ولا يقتصر الأمر على هذا فهناك مواقع أخرى تستخدم كمتاحف مفتوحة تبرز آثار الدمار النووي في تشيرنوبل وفي هيروشيما ونجازاكي. ويظل إرث الاضطهاد والقهر الموروث منذ حلبات المصارعة الرومانية يجري في عروق أحفاد عشاق التعذيب وسفك الدماء، الذين يرغبون في نشر ثقافة العنف، ومن مخاطر السياحة المظلمة أن يتقمص عدد من السائحين روح العداء نتيجة لزيارة مواقعها، وقد يطغى على ما في داخلهم من مشاعر للسلام والعفو. وتحول آثار الدمار وبقايا القبور من هياكل عظمية إلى مواقع سياحية، يتنافى تماما مع المقصد المنطقي للسياحة من متعة واستجمام، والسؤال ما المتعة من إنشاء متحف كبير في فرنسا يعرض جماجم فدائيين جزائريين قاوموا المحتل الفرنسي لبلادهم؟ أم أنه استعراض بطولة زائفة لمجموعة من الساديين، بينما يعد من جهة أخرى تحريضا لأبناء وأحفاد المستعمر الفرنسي على استكمال مسيرة الترصد لمعارضيه، ولذا كان عداء اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا للجاليات الإسلامية والسوداء والآسيوية، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارته لمتحف الإبادة الجماعية في عاصمة كمبوديا.
لعنة الخواجة
غريبة هي بلادنا كما يصفها مصطفى عبيد في “المصري اليوم”: لا تشتهي نهار العدالة، فلا تُنصف في المجازاة، ولا تُسدد فواتير الامتنان لمن يستحقونه. تُعلي زائفين وتُطفئ نافعين، فكم ذا أبالسة تصدروا المنابر، وكم أنبياء دُفنوا أحياء، فنسيهم الجميع. فعند غلبة الانتهازية، وضعف الوعى، وخمود الأدمغة، يتوارى عظام، ويبرز مخادعون، وتتبدل حقائق، وتتغير أدوار، فلا يبين بطل من كاذب، ولا يتضح نافع من تاجر شعارات. تلك كانت مُقدمة ضرورية لقراءة واحدة من الروايات الحديثة، الكاشفة، الرائقة، واللافتة، والمتجاوزة لفكرة الإمتاع والتسلية، إلى ضفة الكشف والإنصاف وإزاحة المساحيق المضللة. ورغم كونها الرواية الأولى لصاحبها، إلا أنها ثقيلة بما حوته من فكر، وعميقة بما طرحته من مشاعر، وطيبة بما حملته من تعاطف مع إنسان وهبنا منافع جمة. أما الروائى، فهو وائل السمري، الذي عرفناه شاعرا رقيقا، وصحافيا استقصائيا، مُهتما بالتقليب في الأرشيفات القديمة، ليستخرج لنا حكايات لم ترو من قبل. أما روايته، فهي «لعنة الخواجة» الصادرة قبل أيام عن الدار المصرية اللبنانية، التي تعيد سرد حكاية اليونانى أدريان دانينوس، أعظم شخص بالنسبة للمصريين في القرن العشرين، لأنه ببساطة ووضوح نفع الناس، كل الناس، وما زال بفكرته الخالدة وهي السد العالي. يريد الروائي المجرب أن يقول لنا إن الأبطال مخادعون، والقادة منتفخون، وإن الكلام الكبير عن بطل مصر، وقائدها، وزعيمها، وعظيمها في غير محله. فمن أحمد عرابي، إلى مصطفى كامل، وصولا إلى جمال عبدالناصر، شهدنا خطايا وسقطات، وفي المجمل فإن ما تركوه من تراث وعمل وآثار عليه خلاف وخلاف. وجميعهم، رغم ذلك، نالوا أوسمة تقدير، وربحوا قصائد مدح، وحظوا بوصلات تصفيق، بينما هناك عظيم أكبر وكبير أعظم ربما لا يعرفه كثيرون، وهو صاحب فكرة السد العالي: أدريان دانينوس.
الحاكم والنيل والشرعية
أدريان، بمعنى الثرى باليونانية، ابن مهاجر يوناني أحب مصر وسكنها في زمن التحامها بالحداثة، ولد كما أشار مصطفى عبيد في أبريل/نيسان 1887 وارتبط لدى البعض بكذبة أبريل، فاعتبره كثيرون مجنونا، واحتسب ساسة ومسؤولون ما يقوله وهما وخيالا، لكنه ظل يُلح ويُلح، ويلف ويدور، ويكتب ويتحدث، ويطرح ويخطط، ويقابل كل شخص يُمكن أن يستمع إليه ليخبره بأنه يمكن إنشاء سد عالٍ لتأمين احتياجات مصر من المياه خلال الفيضان، ولتوليد الكهرباء. تعذب أدريان دانينوس في أروقة البيروقراطية، تجاهله الساسة، وهوجم، وتعرض للسخرية، وعندما التقطته ثورة يوليو/تموز لترسم أمجادها، همّشته وجنّبته، وقدمت الدولة الحليفة، وهي الاتحاد السوفييتي، وقدمت الكوادر الروسية عليه، فانزوى وعانى بسبب لقب «الخواجة»، ثم نسيه الناس. بشغف الباحث، وبروعة المبدع، استغل وائل السمري أرشيف أوراق دانينوس ليكتب لنا حكايته الإنسانية التي ساهمت في تغيير حال المصريين جميعا، وحال التاريخ نفسه. وليس علينا إلا أن نتخيل ما كان حال مصر الآن، أن لم يكن هناك سد عالٍ. يتذكر الكاتب مقولة آسرة كتبها الباحث النرويجي المفتون بالنيل، تارييه تيفت، في كتابه «النيل أعظم أنهار التاريخ»: «إن شرعية أي حاكم مصري مرهونة بقدرته على ضمان تدفق الكمية الكافية من مياه النيل لري الحقول»، لأتخيل كيف كان هذا المشروع، الذي فكر فيه وابتكره وتبناه خواجة يوناني، داعما للدولة المصرية الجديدة التي تأسست في يوليو/تموز 1952، وتمددت وتطورت إلى يومنا. تلمع صورة دانينوس لنتذكر كيف حورب، وووجه، ونُسي، وتوارى ذكره في ظل تمدد لظاهرة «رهاب الأجانب» التي كبرت مع سطوع نظام عبدالناصر، ثم ارتدت أردية التربص والتشكك بالغرباء وتخوينهم، مع اتساع المد الديني في ما بعد. تُمتعنا رواية وائل السمري بشخوصها وتداخلات الأزمنة، وذلك المزج الجميل بين الواقع والخيال، لكنها تذكرنا أيضا بجرائم شتى ارتكبت تجاه أجانب نافعين تمصروا حبا في هذه الأرض، لكن بعض بنيها أنكروهم وطمسوا ذكرهم.
لو لعبت يا زهر
مصر مقبلة على موسم سياحي جيد خلال الشتاء، حيث يقبل السائحون من كل دول العالم إلى مصر للاستمتاع بالطقس المصري المعتدل وأيضا المواقع السياحية الفريدة، سواء في الآثار المصرية العريقة التي تدون آلاف السنين على أرض مصر، إضافة للحضارات الأخرى التي تركت آثارها مثل الآثار البيزنطية والرومانية والإسلامية في العهود السابقة لتظل الآثار المصرية القديمة بتنوعها مثار إعجاب ملايين السائحين في زيارتهم لمصر إضافة إلى توفير عشرات الآلاف من الغرف الفندقية والسياحة العلاجية والطبيعة الخلابة والشواطئ المتميزة في البحرين المتوسط والأحمر، وإنشاء آلاف القرى السياحية في ساحل البحرين الأحمر والمتوسط، وآخرها مدينة العلمين الجديدة وأيضا شرم الشيخ. مصر تمتلك وفقا لمحمد الهواري في “الأخبار” مقومات سياحية فريدة إضافة إلى الاستقبال الطيب من المصريين للسائحين من مختلف بلاد العالم والترحيب بهم في مصر، وإقبال السياحة العربية والاستثمارات المستمرة في صناعة السياحة وقرار البنك المركزي بتوفير المليارات لصناع السياحة للتوسع في إقامة الفنادق الجديدة في كل المناطق السياحية. لا شك أن مصر كلها فيها مواقع سياحية في جميع المحافظات، سواء من الآثار القديمة أو المواقع الحضارية المتميزة، وشبكة الطرق المتميزة، ووسائل النقل السياحي والمراكب في النيل والأمان الذي يشعر به السياح على أرض مصر، وتوافر العمالة التي تعمل في صناعة السياحة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، ما يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للمواطنين، إضافة للبرامج السياحية التي تنفذها شركات السياحة بما يزيد من متعة السائحين خلال زيارتهم لمصر. إن مصر مؤهلة لتكون أكبر دولة سياحية ليس في الشرق الأوسط فقط، بل وعلى مستوى العالم لما تضمه من مقومات سياحية فريدة واستقبالها للمهرجانات السنوية الفنية والرياضية في كل أنحاء البلاد شمالا وجنوبا.
إننا في حاجة لتشجيع السياحة الداخلية خاصة لأبنائنا من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات، لكي يعرفوا تاريخ بلادهم والحضارات القديمة والحديثة التي عاشت وتعيش في مصر وما تشهده البلاد من ثورة عمرانية تعكس روح الجمهورية الجديدة.