نواكشوط ـ”القدس العربي”:كان يوم عودة الإنترنت إلى جوالات الموريتانيين يوما مشهودا؛ قوبلت عودة الشبكة السحرية بالزغاريد وتبادل الموريتانيون التهاني، وكأنهم قد بعثوا للتو من عالم البرزخ وكأن أرواحهم عادت إلى أجسادهم من عالم آخر في بعث جديد.
لا بد أن ننصف شعب موريتانيا في إدمانه على الإنترنت، فهذا الشعب البدوي مغرم بالأخبار، فأول سؤال يطرحه الشخص على من يلتقي به هو “اشطاري” أي ما هو الجديد؟ لقد وجد الموريتانيون في واتساب وفي فيسبوك وفي انستغرام وفي لقطات اسناب شات، شبكات ودهاليز للتبادل والتعلم والترفيه.
وكم كانت موجدة الموريتانيين على حكومتهم كبيرة عندما حرمتهم من الإنترنت عشرة أيام مرت ثقيلة كأنها عشرة قرون.
صب كبار الكتاب والمدونين جام غضبهم على الحكومة وتابعوا تدوينهم وتغريدهم من زوايا مختلفة حول هذه القضية الشاغلة للرأي العام.
تقول الدهماء عميدة التدوين في موريتانيا معلقة على واقعة الإنترنت “سبحان الحي الدائم الذي لا يموت، توقَّفَ نبضُ النَّتْ، خَمد فيس واحتُبِستْ نمائمه في حلقه، وخَمَد الواتس آب، واسترحنا من غوايات الصَّوتيات، وروائح الفضائح، توقفتْ سواقي الأضواء الكاشفة للأعراض عن الدَّوران، وأغْلِقَ البريد الضَّال، ولو لأيَّام”.
وأضافت “جرَّبنا عدم استحالة العودة للوراء، عُدنا للعصر الحجري لعالم الاتِّصال، وعتمة الهدوء التي لا تنقل خبرا مناَّ ولا إلينا، وعاد لتعبير (اشْريْتُ طاري) مذاقه الفضولي. أمضى البعض الأيام الأولى، في إظعان خلف مظانِّ الكلأ الإلكتروني، من خَطٍّ ثابت، لخط حكومي، إلى أن أطبق فرمان (المَخْزن) بالصَّمتِ المطلق”.
وزادت “لم يكن ذلك حالي.. فعلاقتي سيئة جدًّا بالتلفزيون، وأجهل تماما تويتر، وسناب شات، وانستغرام وذُريّتها من الخيارات والتَّطبيقات التي تتناسل في اللحظة، وتحفر القبور الجماعية لوقتنا”.
“اكتشفت، أن حُبَّ البعض للنَّت آخر حبٍّ صادق ما زال على قيد الحياة إلى جانب حُبِّ المال، لكنيِّ أؤمنُ بأنَّ كثرة الوصال تقتل الحُبَّ، تُفْقدُه أوجاعه اللَّذيذة، ومِنْ ألَذِّها مُتعة الامْتِنَاع، خُصوصًا إذا كان الفِراق لا يَسْتَعْجِل اللِّقاء.. لا كُرْهًا، لكن توجُّسًا من حرائق وَمَضَاتٍ قاطعة للطَّريق.. ففتنة هذيانها أشدّ فتكًا من الذّخيرة الحيَّة”.
وأردفت تصف الحالة “مذ دخل النَّتُّ حياتنا، والوقت يجري أمامنا كالبرق، لا نكاد نَأْنَس به، نترنَّحُ خلفه وسط مِضْمار الأخبار ونادرا ما نصل معه لخط النهاية، نحن نجاريه في غفلة، وهو يسلبنا الشُّعور بالرضا عن أي شيء؛ تعرَّضنا فجأة لسكتة إلكترونية، فتوقَّف النَّتُّ، وسَكَتَ عن الكلام المُباح وغير المُباح، وتوقَّف الوقت! أصبحت السَّاعات تتثاءب وتنافقنا لنشغلها بأيِّ شيء”.
“بكبسة قرار، تقول الدهماء، أدخلتنا السُّلطة في بَيَاتٍ اتّصالي، وأبْقتنا فيه حتَّى بعد صعود الدّخان الأبيض من سقف المجلس الدُّستوري، قد ينفع الصّمت على عِلاَّته سندًا للتَّعافي من الإدمان، لذَا أهْدرت علينا الحكومة من حكمتها غَلَبة، وأغْمدتْ مجاديفنا، أرسلتْ سَطْوتها خلف وقْتنا المُتملِّص، لتعيده إلينا.. فَكَمْ هيَّ حكيمة، وكم نحن جاحدون!”.
وتابعت “لاَحَ برق الشبكة، وبُعِثَت الحياة في النَّت، وانتفضتْ مَعْمَعة الوَمَضَات من مَحْبسها ثانيَّة، نحن بحاجة أحيانا إلى ترميم الجدار الفاصل بين عالَميْ الواقع والخيال لصالح الواقع؛ أصبح النَّت، بحيويَّةِ خدمة الماء والكهرباء في حياتنا، لكننا انحرفنا به عن مداره، وحوَّلناه للعبة على شاكلة سكِّين في خاصرتنا… وقد أيقظت اللُّعبة – ببساطة – أسوأ ما فينا”.
ألهمت واقعة الإنترنت شعراء موريتانيا فكتبوا قصائد العتب والغضب، ومقطوعات الفرح والبهجة بعودة الشبكة العنكبوتية؛ يقول الشاعر الموريتاني سلامة بن بكي:
بعد القطيعة ها قد عادت الشبكة
تمشي رويدا من الإعياء مرتبكة
والوتُسابُ غدا مثل العيال يرى
لا يستطيع سكونا لا ولا حركة
محنة شديدة مر بها شعب حرمته حكومته بحجة أمنه، من أداة يتنفس بها لا غنى له عنها، فاختنق لأيام قبل عودة الروح.