يأتي توجه المحكمة الجنائية الدولية لطلب استصدار مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت من جهة، وقياديي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اسماعيل هنية ومحمد الضيف ويحيى السنوار من جهة ثانية، كصفعة لإسرائيل بالدرجة الأولى.
فمن المفهوم أن يتعامل الجانب الفلسطيني، وحركة حماس بالتحديد، مع القرار على أنه يساوي بين الضحية والجلاد، وبين مقاوم ومستعمر، إلا أنه، ومن الناحية الواقعية العملية ينعكس هذا التوجه القضائي الدولي بشكل سلبيّ ومباشر على نتنياهو وغالانت، ويشرع عليهما أبواب النبذ في كل بلدان العالم من الفئة الملتزمة سابقاً إنفاذ مذكرات الاعتقال المطلوبة من المحكمة الدولية، كما يساهم هذا التوجه التعقبي التجريمي لنتنياهو وغالانت بتسريع إنهاء حياتهما السياسية في الداخل الإسرائيلي، والأهم، أن القرار يضغط بالنتيجة على آلة التدمير والإبادة الإسرائيلية في اللحظة التي تتفاقم فيها التناقضات بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل، والتناقضات داخل الحكومة الإسرائيلية، وينتظر أن يمارس هذا التوجه تأثيره على استمرار التسليح والتمويل الأمريكيين والغربيين للحرب الإسرائيلية.
كما يزيل هذا التوجه جزءاً من الكتلة الاسمنتية التبريرية التي تحول منذ سنوات طويلة دون التجريم الدولي لإسرائيل على فظائعها وصلفها ضد الفلسطينيين وما ألحقته بهم من نكبات وكوارث.
في نهاية المطاف، تعترف الأمم المتحدة بإسرائيل كدولة عضو في المجتمع الدولي، ويأتي تجريم نتنياهو وغالانت بهذا الصدد ليساوي إسرائيل بحركة مسلحة لا بدولة ممأسسة.
بالتالي، يأتي وضع اسم نتنياهو وغالانت إلى جانب هنية والسنوار والضيف في سياق، ولو كان متاحاً لهكذا تدبير، الوصول إلى خواتيمه المنطقية، سياق التشكيك من حيث المضمون بالسمة «الدولتية» لإسرائيل.
فحوى التوجه القضائي الدولي معاملة إسرائيل كميليشيا. التجريم الدولي لنتنياهو وغالانت نقطة تحول تاريخية تتجاوز الأشخاص لاستنطاق نموذج استعماري استيطاني يقدم نفسه كدولة ويريد في الوقت نفسه أن تكون هذه الدولة معصومة أخلاقياً وهي ترتكب كل محظور، وتعتقل شعباً بكامله، دولة خرافية محصّنة من أي تبعات أو مسؤوليات، كما لو أن اضطهاد اليهود في التاريخ، وبشكل استئصالي منهجي شامل في الحقبة النازية، يعطيها لإسرائيل هذه ضمانة أبد الدهر بأن لا يلاحق فيها أي مسؤول ضالع في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، في تدمير قطاع غزة على من فيه، كعقاب جماعي متواصل على مرأى العالم أجمع منذ ثمانية أشهر.
يبقى الاستفهام إن كانت هذه اللحظة القضائية الدولية المشرّعة على تجريم نتنياهو وحربه الإبادية على الفلسطينيين ستتكامل مع تبلور قناعة أوسع، وأكثر رسوخاً، تتعلق بأنه ما عاد من الممكن، بالنسبة للمجتمع الدولي، التفتيش عن استقرار في الشرق الأوسط من دون الضغط بجدية على إسرائيل كي توقف هذه الحرب المسعورة أولا، وكي تدرك ثانيا أنه لا مهرب في آخر المطاف من استحقاق تقرير المصير للفلسطينيين. هل في الأمر استرسال في التفاؤل غير الجائز وسط واقع قاتم ومأسوي؟ ليس تماماً. فحتى بالنسبة إلى الدول الغربية الأكثر دعماً لإسرائيل تتحول هذه الدولة يوماً بعد يوم إلى وطأة، ليس فقط حكومة نتنياهو المكابرة على هذا المتغير «النفسي» العالمي. لا بأس من التصارح هنا: استفاقة «الضمير الأخلاقي» وحتى القضائي الدولي، ليست إلا انعكاساً في نهاية التحليل لعجز إسرائيل، رغم نجاحها الهمجي في ارتكاب جرائم إبادة جماعية، في حسم الحرب بشكل لا رجعة فيه وواضح في قطاع غزة، وعدم رغبتها، ممثلة بنتنياهو وغالانت، في البحث عن أي مخرج من هذه الحرب.