النبوءة السورية

حجم الخط
0

يمكن أن نفرض أنهم رفعوا في اسرائيل في الايام الاخيرة مستوى الاستعداد العسكري تجاه سورية، وليس في الجوانب الاستخبارية فقط.
إن احتمال ان ترد سورية على اسرائيل اذا هاجمتها الولايات المتحدة ليس عاليا في الحقيقة، لكن المنطق ليس هو الغالب دائما في الشرق الاوسط،
فاذا مُست الكرامة الوطنية السورية نتيجة هجوم امريكي فقد يكون الرد السوري غير عقلاني.
تُقدر جهات أمنية أن الرئيس السوري سيبذل كل جهد كي لا يعطي اسرائيل سببا لضرب منظوماته الاستراتيجية كصواريخ ارض ارض، والمنشآت الكيميائية، ومنظومة الدفاع الجوي المتقدمة التي يُنشئها الروس في سورية في السنوات الاخيرة، في الأساس. والسوريون يعلمون ايضا أنه توجد في جهاز الامن الاسرائيلي اصوات تعتقد ان الحرب الاهلية في سورية فرصة ذهبية لازالة هذه التهديدات من برنامج عمل الشرق الاوسط. اضافة الى ذلك فان السوريين والروس والايرانيين يتابعون تقنيات حديثة طورها سلاح الجو الاسرائيلي، تُمكّن من القضاء على أهداف بايقاع يثير الذهول (واسرائيل من جهتها لم تحاول في الحقيقة إخفاء هذه القدرات). ولا يُحتاج الى خيال خصب جدا لنفهم كيف يفترض ان يتم التعبير عن تلك القدرات في سورية وفي لبنان. ولهذا من المنطق ان نفرض ان الاسد لن يمنح اسرائيل حجة لضرب القوة الاستراتيجية التي بناها، بقوة.
وحتى ان لم يكن الاسد مذعورا فان الايرانيين مذعورون. أليسوا هم الذين أنفقوا مليارات على الذراع السورية غير التقليدية، والاستراتيجية. إن هذه النفقات خُصصت لساعة امتحان مع اسرائيل ولا يُفترض ‘أن تُهدر’ بسبب اجراء سوري عسكري أحمق في ريف دمشق.
وفي هذه الاثناء فان الاستعدادات لهجوم امريكي على سورية هي في مستوى الوعي أكثر من أن تكون في المستوى العملي. والامريكيون مهتمون باحداث جو تعجل ونشاط من اجل إبطال الضغوط. وقد أعلن البيت الابيض عن نقاشات محمومة يُجريها الرئيس اوباما مع مستشاريه للفحص عن سبل العمل، وألغى الاسطول السادس في مقابل ذلك الاجازات وأعاد الى البحر المتوسط سفنا حربية كانت قد أتمت فترة مكوث، وكانت توشك أن تعود الى الولايات المتحدة.
إن الجيش الامريكي في واقع الامر غير مُحتاج الى استعدادات والى دفع قوات في الشرق الاوسط الى الأمام، فهي موجودة هنا. وقد كانت مشكلة الامريكيين وما زالت في مستوى متخذي القرارات، ولا سيما الرئيس. لا اعتراض عند مستويات العمل في وزارة الدفاع الامريكية على الحاجة الى هجوم امريكي على سورية، لكن كلما ارتفعنا نحو قمة الهرم ضعف هذا التأكيد.
الامريكيون الى الآن يستطيعون تجاهل استعمال سلاح الابادة الجماعية على المدنيين هنا وهناك، لكن السوريين جروا الحبل في هذه المرة حتى النهاية واضطروا الرئيس اوباما الى اتخاذ قرارات لا يريد اتخاذها، لكنه مُجبر. يجب عليه أن يعرض التصميم نحو الداخل ويجب عليه ان يُظهر التزام الولايات المتحدة العالمي، بفضل مكانتها باعتبارها القوة العظمى. وبعبارة اخرى يجب عليه أن يُعيد ثقة العالم عامة، والشرق الاوسط خاصة، بالولايات المتحدة مع أدنى قدر من تعريض القوات الامريكية والمصالح الامريكية للخطر.
ولما كانت عملية برية في سورية غير مأخوذة في الحسبان، بقي خيار هجوم جوي: بطائرات وبصواريخ بحرية أو بهما معا. ويمكن أن تكون أهداف الهجوم ذات معنى استراتيجي كجعل سماء سورية منطقة حظر طيران، أو ذات معنى تكتيكي كضرب أهداف محدودة متصلة بمنظومة سلاح الابادة الجماعية، وبصواريخ ارض ـ ارض، أو كل هدف رمزي آخر لردع الرئيس السوري عن استعمال السلاح الكيميائي مرة اخرى.
إن فرض سماء نقية يوجب حفاظا دائما، أي الاحتكاك الطويل مع منظومات الدفاع الجوي السوري، وهو ما يمكن ان يفضي الى رفع مستوى التوتر مع روسيا. وفي مقابل ذلك فان هجوما محدودا على عدد من الاهداف للردع هو عملية قصيرة الأمد ستُمكّن الامريكيين من إظهار الفِعل من دون تورط. وللعملية الاستراتيجية ايضا قدرة على ترجيح كفة المتمردين مقابل العملية التكتيكية التي لن تُغير توازن القوى.
وحسب الأنباء التي نُشرت في الولايات المتحدة يُفترض ان يعود رئيس هيئة الاركان العامة الامريكي مارتن دامبسي الى الشرق الاوسط في الايام القريبة، مع ضباط كبار من حلف شمال الاطلسي، للقاء رؤساء الاركان في الدول العربية الموالية للغرب. وسيُقدرون الوضع الاقليمي ازاء التطورات في سورية ويبحثون ايضا في احتمال أن ترد سورية عسكريا على تلك الدول اذا هوجمت.
يمكن ان نأمل فقط أنه اذا استقر رأي الامريكيين على الهجوم فانهم سيُبلغوننا قبل ذلك ببضع ساعات كي نستطيع الاستعداد لاحتمال أن يُجن السوري.

يديعوت 25/8/2013

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية