لسنا ندري من أي مدرسة سياسية يستمدّ القائمون على الشأن السياسي في الجزائر قواعد عملهم الإتصالي، فمنذ ‘الأزمة الإقفارية ‘التي ألمّت بعبد العزيز بوتفليقة منذ شهر ونقله على عجل إلى مستشفى فال دو ‘راس العسكري في باريس،لم تصدر رئاسة الجمهورية إلاّ بياناً يتيماً واحداً يشبه في مبناه إلى حد كبير البيانات ال’وبلزية التي كانت تُحدِّث الألمان المساكين عن انتصارات الرايخ الثالث وأبناءهم تمزّق جثثهم قنابل الحلفاء في كل أنحاء أوربا . دأبت السلطة في الجزائر خاصةً منذ مجيء بوتفليقة إلى قصر المرادية على ممارسة الإتصال’ الأخرس ‘في عديد القضايا التي تمسّ مباشرة بإهتمامات المُواطن الأولى كقضايا الأمن والسياسة الداخلية والمسائل الإقتصادية والإجتماعية، حيث لم يتحدث الرئيس عن فيضانات باب الواد 2001 التي أودت بحياة آلاف الجزائريين ولا حينما تم تفجير مقر الحكومة والمجلس الدستوري ومقر الأنتربول وممثلية الأمم المتحدة 2006 . ولم يخاطب الشعب في عديد المجازر التي ذهب ضحيتها المئات من أفراد الجيش ولا حينما امتنع 75’ من الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات التشريعية 2006 ولا حين بقيتْ البلاد بدون حكومة 8 أشهر ولا حين تسرّبت إشاعة وفاته ولا إبان فضيحة الخليفة ولا الطريق السيار ولا فضيحة سوناطراك وملف الدعم الفلاحي الذي فوّت على الجزائر فرصة إقلاع حقيقية وغيرها من مئات القضايا الوطنية التي إلتزمت حيالها السلطة القائمة صمتاً مطبقاً لا ينِّم إلاّ عن إزدراء ولامبالاة بالمواطن وما يمكن أن ينتظره من مسؤوليه الذين لم يؤمنوا يوماً بجدوى التواصل معه وتنويره حول قضاياه الجوهرية . السلطة السياسية ذات الجذور العسكرية في الجزائر لا يمكنها أن تكون بِدعاً من السُّلَط الهرِمة لإعتبارات تاريخية وسياسية وهي لا تؤمن كغيرها من السّلط المغلقة بالسماح لرعاياها بتناول قضاياه السياسية بالنقاش والنقد،يُفسّر ذلك أن المؤسسة العسكرية لا تتواصل مع الإعلام إلاّ عندما أصدر بياناً يمنع فيه الصحافة من إطلاق تسمية ‘الخرساء الكبرى ‘ على وزارة الدفاع ولا يملك جهاز الإستخبارات فيها قانوناً أساسيا واضحا يحدد صلاحياته ولا يملك خلية إتصال ويُفسّر ذلك أيضاً عدم إدلاء بوتفليقة طيلة 15سنة من حكمه بأي تصريح لجريدة جزائرية ولا حتى إذاعة ولا تلفزيون عكس الصحف الأجنبية في حين يشتري بمليون دولار صفحات في جريدة لوموند الفرنسية لنشر مقالات وحوار حول مسيرة حكمه وتسويق صورة الرئيس كما تُسوّق السّلع الكاسدة . وتعود أسباب إعتماد ‘الإتصال الأخرس’ كوسيلة إتصال مفضلة لدى النُّظم الأوليغارشية العسكرية عموما والسلطة في الجزائر على نحو أخصّ لعدم وضوح طبيعة القواعد التي تنسّق العمل الإعلامي المؤسساتي ومرْكَزَة القرار على مستوى الرئاسة التي تنفرد غالبا بالإغلاق المحكم لمصادر المعلومة إلاّ ما سُرِّب منها لخدمة خطط بعينها والسّبب الثاني وهو الخاص ببوتفليقة في الحالة الجزائرية وهو صيانة صورة الرئيس والحفاظ عليها من كل ما من شأنه أن يخدشها بـ’بهدلة’ إعلامية تكشف أوراق الرئيس وتفضح مستواه كما حصل مع سابقه المتنحّي ليامين زروال إذ تجرّأ خلال مؤتمر صحافي عميد الصحافيين الجزائريين سعد بوعقبة عليه وسأله إن كان يشعر فعلا أنه الحاكم الفعلي للجزائر أو كما حصل مع بوتفليقة إثر خروجه من مكتب الإنتخاب وسأله الصحافي سيد أحمد سميان إذا كانت نتائج الإستفتاء قد زُوِرت في أقبية المخابرات العسكرية . مهما يكن من أمر فإن التكنولوجيا الحديثة قد تجاوزت الحُكام الذين لا يملكون حتى إيميلات ولا مدوَّنات ولا حسابات تويتر ولا فايسبوك كما هو الحال في الجزائر، هذه الوسائط التي استغنى بها ذوي الإهتمام السياسي عن ينابيع السلطة المجففة وصارت تلعب دوراً محوريا في نسف كل الخطط الإعلامية التي قد تديرها السلطة عبر الأبواق الإعلامية العمومية والموالية منها، إلى الحد الذي أوصل الوزير الأول سلاّل إلى تَوسُّل الثقة من الصحافيين بقوله ‘ أرجوكم صدّقوني’ الرئيس بخير. عبد الوكيل بلام الجزائر [email protected]