النظام العالمي الذي تتحكم به القوى العظمى والكبرى، تلوي به أعناق الحقائق والوقائع على الأرض بما يؤدي في نهاية المطاف، إلى ما يتلاءم ويتناسب مع ما تريد، بصرف النظر عن الحق والعدل، وعن السلام والأمن والاستقرار في العالم، الذي من المفترض بها أن تسعى إليه.
كل الوقائع والحوادث والحروب والنزاعات، التي جرت في السابق وتجري الآن، وربما في المستقبل، لم يجر البحث فيها أو عن حلول لها، بما يستوجب العدل والحق، أو على قاعدة القانون الدولي، بل على قاعدة المعايير المزدوجة، أي الكيل بمكيالين.
هذه السياسة التي تتبعها القوى العظمى والكبرى، الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي؛ ساهمت أو ساعدت في إطالة أمد الحروب والنزاعات في العالم الثالث، سواء بتأجيج الحروب والنزاعات، أو تخليقها وتوليدها، وإيجاد مسببات لها. عليه نلاحظ أن كل الحروب والنزاعات بأذرع الوكلاء، ما هي إلا تلبية لأهدافهم ذات الأبعاد الاستراتيجية، لتصبح الشعوب هي الضحية وهي حطبها في الوقت نفسه، مع أنها ليست حربها، أو نزاعاتها، وما أقصده أغلبها وليس جميعها، فهناك حروب يشعلها المقاومون لتحرير أوطانهم من الاحتلال، أو الاحتلال الاستيطاني كما هو حاصل للفلسطينيين. جميع عمليات الغزو واحتلال الدول ذات السيادة، مهما كانت التبريرات والمسوغات؛ عمل مدان ومرفوض، أما الكيل بمكيالين بين غزو واحتلال، وغزو واحتلال آخر؛ فمرفوض تماما، سواء من الأسرة الدولية، أو من القانون الدولي. حدثت غزوات أمريكية وروسية، في أقل من عقدين؛ من أهمها الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، والغزو الروسي لأوكرانيا، والمستمر حتى كتابة هذه السطور، اللذان جرى التعامل معهما على طريقة المعايير المزدوجة، بطريقة واضحة جدا، باختصار أورد المقارنات التالية، عن كيفية التعامل الدولي مع الغزوتين، وأيضا الفروقات بين مسبباتها، ونتائجها:
أولا؛ أوكرانيا تحادد الاتحاد الروسي، كما أنها ترتبط معه بتاريخ مشترك، منذ القرن التاسع، أيام الامبراطورية القيصرية الروسية، وكانت كييف عاصمتها. كما أن أوكرانيا لها القدرة وفي ظرف أسابيع وربما أيام، كما ترى روسيا، على حيازة وامتلاك سلاح نووي، بفعل وجود القاعدة المادية، التي امتلكتها من أيام الاتحاد السوفييتي. وقد صرح الرئيس الأوكراني، بأنه يفكر في إعادة العمل على صناعة السلاح النووي، ما أثار مخاوف المسؤولين الروس. أما العراق الذي يبعد أكثر من عشرة آلاف كم عن أمريكا، فلم يمتلك أسلحة الدمار الشامل، والامريكيون يعلمون هذا علم اليقين، لكنهم استخدموا هذه الحجة وهم يعرفون أنهم يكذبون؛ لغزو واحتلال العراق.
ثانيا؛ أوكرانيا عملت أو طلبت أن تكون عضوا في حلف الناتو، وهذا الذي دفع الاتحاد الروسي لغزوها، للقضاء على هذا الحلم، اي حلم الانضمام إلى الناتو. أما من جانب العراق فلم يكن جارا لأمريكا، ولا يشكل أي تهديد لها مهما كان حجم هذا التهديد. العراق كان قد خضع للحصار، على مدار ما يقارب 13 عاما، أتى على كل جميل فيه، وعلى البنية التحتية، وعلى قواته الدفاعية. كما أن الدول المحيطة به، والدول الأخرى المجاورة، جميعها دول من العالم الثالث، أي لم تكن تشكل، حتى إن تحالفت مع العراق، افتراضا؛ أي تهديد لأمريكا، مهما كان حجمه.
العالم لا يحكم بالعدل، ولا بما يفرضه القانون الدولي، ولا من أجل السلم الدولي، بل ما يحكم العالم هو مصالح القوى العظمى والكبرى
ثالثا؛ أوكرانيا تقع على الخط الساخن والفاصل بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي، اي دول حلف الناتو، فهي بهذا الموقع تشكل قاعدة ارتكاز للناتو في مواجهة روسيا. أما من جانب العراق فلم يكن أو لم يقع في موقع أو على الخط الساخن والفاصل بين القوى العظمى؛ حتى يشكل تهديدا استراتيجيا، على السياسة الامريكية في الحافات الملتهبة، أو على الصراع الأمريكي مع القوى العالمية التي تنافسها على الريادة في العالم. هذا لا يعني أن العراق لا يقع في الموقع الاستراتيجي بين القارات، بل العكس هو الصحيح، إنما هناك فرق كبير بين الموقعين لناحية قواعد الاشتباك والصراع المباشر بين القوى العظمى.
رابعا؛ في اوكرانيا، إقليم الدونباس، يشكل الروس الغالبية أو الناطقين بالروسية هم الأغلبية، التي تقول عنهم روسيا إنهم يتعرضون للقتل على مدار ثماني سنوات، وهي قامت بغزو أوكرانيا لحماية هؤلاء من اضطهاد النازيين الجدد في أوكرانيا، أو القوميين المتطرفين، كما يقول عنهم المسؤولون الروس، وعلى رأسهم بوتين. أما في العراق فلم يكن فيه أي أمريكي، ولم تكن هناك أي منطقة يقطنها الأمريكيون، ويتعرضون لاضطهاد الحكومة العراقية؛ حتى تغزو العراق لنجدتهم وحمايتهم، أما قولهم إنهم غزوا واحتلوا العراق لتحرير شعبه من نظام ديكتاتوري، فهو قول فنده الواقع، خلال ما يقارب العقدين، بل على العكس من هذا فقد دمروا الوطن دولة وشعبا، وزرعوا فيه الشقاق والنفاق. وهنا لا أبرئ النظام من الخطايا والأخطاء، ولا أضعه في واقع ديمقراطي، غير ما كان عليه من واقع، ليس فيه ديمقراطية بأي شكل كانت.
من لحظة إطلاق أول إطلاقة مدفع عند بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ضجت جميع وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمقروء؛ بالحديث عن الغزو الروسي، وفي اللحظة ذاتها؛ بدأ رؤساء دول الاتحاد الأوروبي، بتصريحات تشجب وتدين الغزو الروسي، وتتوعد روسيا بالويل. في اتساق متزامن تتابعت العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا، وشملت جميع القطاعات بلا استثناء، وكذلك الكيانات والأشخاص، ولم يسلم منها، الرئيس الروسي ووزير الخارجية، ولا تزال عملية العقوبات مستمرة، إضافة إلى إمداد أوكرانيا بالمال والرجال والسلاح الفتاك، والمهم هنا هو شجب الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة لهذا الغزو. من الجانب الثاني تم تحريك مجلس الأمن الدولي، لعقد جلسة لمناقشة وإدانة الغزو الروسي، وكان قرار الإدانة سيصدر لولا الفيتو الروسي، وهذا الحق هو واحد من أهم دعائم ديكتاتورية مجلس الأمن وتحكمه بالكرة الأرضية، أي تحكم القوى العظمى والكبرى في جميع أركان المعمورة دون معايير واضحة. أثناء الغزو الأمريكي للعراق، ورغم المظاهرات التي ضجت بها عواصم الغرب، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن لا الأمم المتحدة ولا مجلس الأمن الدولي ولا القوى العظمى والكبرى، بما فيها روسيا والصين وفرنسا، لم تحرك ساكنا، في وقت كانت فيه القوات الامريكية؛ تدمر العراق، وتستخدم جميع ما في ترسانتها من أسلحة محرمة دوليا. لم تصدر حتى الآن، أي إدانة أو شجب لما قامت به الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي، وما أقصده بالإدانة؛ تحميل الولايات المتحدة ما حلّ بالعراق من دمار وخراب وقتل وتشريد، أي إدانة ببيان رسمي سواء من مجلس الأمن الدولي، أو من الهيئة الأممية. لقد مرّ هذا الغزو، وبعد ذلك الاحتلال وإلى الآن، مرور الكرام. الكيل بمكيالين أعتى أنواع الظلم والوحشية؛ والتفرقة بين هذا الشعب وذاك، أقوى وأعمق أنواع التفرقة العنصرية. صحيح أن النظام العراقي كان قد ارتكب خطيئة كبيرة بغزو واحتلال الكويت، لكنه اعتذر عن هذا الغزو. كما أنه اعترف بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي، ولو على مضض، وهي في أغلبها، قرارات مجحفة جدا، وتجاوزت صلاحيات مجلس الأمن الدولي المنصوص عليها في لائحة إقامته، كما أنها تجاوزت رأي العراق، كون الأمر يعنيه، وبالذات ترسيم الحدود والتعويضات، والأخيرة كانت مجحفة جدا. ما أريد أن أصل إليه؛ هو أن العالم لا يحكم بالعدل، ولا يحكم بما يفرضه القانون الدولي، ولا من أجل السلم الدولي، ولا من أجل الاستقرار والتنمية ونشر الديمقراطية، بل ما يحكم العالم هو مصالح القوى العظمى والكبرى فيه، وليس المصالح المشروعة أبدا، فهذه المصالح يتم كسرها وإعادة صياغتها بالكذب والتزوير بما يجعلها، تبدو وكأنها مصالح مشروعة أو الغاية منها هو تأسيس للقواعد والمعايير التي تضمن الاستقرار والسلام في العالم، بينما الحقائق على العكس تماما، وأكبر الأدلة على هذا التوجه؛ ما خرجت به علينا، ثورات الربيع العربي، بعد إزاحتها من طريق الثورة، إلى طريق آخر، طريق الثورة المضادة؛ التي تمت بها إعادة إنتاج الديكتاتوريات بثياب الديمقراطية الممزقة.
إذا ما نظرنا إلى الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا، أو الصحيح الغزو الروسي لأوكرانيا، فما هو إلا صراع مصالح استراتيجية. الاتحاد الروسي يريد من هذا الغزو فك الطوق من حول رقبته؛ للمحافظة على وجوده كدولة عظمى لها قوتها في لعب الدور الوازن في العلاقات الدولية، بينما أمريكا تريد أن تحكم هذا الطوق حول رقبة الدب الروسي؛ لتقليص دوره في اللعبة الدولية. الحفاظ على الدور الفاعل في الموازنة الدولية؛ يفتح المجال واسعا في توسعة المصالح في الكرة الأرضية لهذه الدولة العظمى، أو لتلك الدولة العظمى، أي توسعة المجال الحيوي على حساب مصالح شعوب العالم الثالث. عليه فإن حروب أو غزوات الدول العظمى والكبرى لدول العالم الثالث، أو العالم الثاني في بعض الأحيان وهي محدودة بالقياس إلى غزواتهم لدول العالم الثالث؛ ما هي إلا للحصول على المغانم، وتثبيتها على قاعدة من الأنظمة الموالية، وليس للشعوب أي مصلحة في هذه الغزوات.. في الختام أقول إن العالم، يعيش الآن مرحلة انتقالية سيكون العالم فيها مختلفا كليا عن هذا العالم الذي نعيشه، أي من عالم أحادي القطب إلى عالم متعدد الأقطاب، ربما أربعة أقطاب سوف تتحكم في مصير العالم، روسيا والصين وأمريكا والاتحاد الأوروبي، والمقصود بالأخيرة؛ ألمانيا وفرنسا، وبالذات ألمانيا. إنها دورة مقيتة، مع أن العالم ذا التعددية القطبية؛ يوفر مساحات واسعة للمرونة أمام دول العالم الثالث، إنما تظل كفة الميزان لصالح الأقوياء. عليه فإن هذه الدورات التاريخية المقيتة، لا بد ذات يوم، أن تكسرها، إرادة الشعوب الحرة، بما فيها شعوب الدول العظمى والكبرى، على مسارات تطور العقل البشري، وبالتالي تعميق حس البشر بالظلم وانعدام العدالة في عالم تتحكم في مصيره، القوى العظمى.
كاتب عراقي
ومن مظاهر غياب العدالة أيضا أن “المنتظم الدولي” لجأ إلى الخيار العسكري مباشرة ضد العراق دون اللجوء إلى الوسائل المتبعة عادة كالعقوبات لثنيه عن غزو الكويت…
وبالعودة للموضوع الأوكراني الروسي، تبقى سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم علامة فارقة فيما يحدث اليوم، حيث كانت بمثابة جرح للكبرياء الأوكراني لم يمر مرور الكرام، حيث بقيت النار تحت الرماد، كما أنها أصابت الغرب بالحنق لعدم قدرته على الرد، وربما هذا مايفسر ابتعاد الرئيس الأوكراني عن التهدئة قبل الغزو، لا بل وتماديه في تحدي الرئيس الروسي، وقبل ذلك تمادي أوكرانيا في استفزاز روسيا عبر الدعوة إلى إلحاقها بالنيتو و بالاتحاد الأوروبي… وحتى عندما لاح الغزو استمر التحدي لأنه من أهداف غزو بوتين هو انتزاع اعتراف بضمه للقرم كما صرح بذلك، وهو مما يبدو أن الأوكرانيين مستعدون للتضحية ببلدهم كلها من أجل منع حدوثه…
ومن أعطى بوتين الحق بالتكلم باسم الأوكرانيين من قومية روسية و الدفاع عنهم ؟
بايدن النعسان أصبح تعبان من ضربات الدب الروسي ،الذي سيقهر أمريكا وحلف الناتو المهترئ، والله يحرر فلسطين ويكسر شوكة إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا قولوا آمين