إن الفارق بين الحركة الصهيونية والنظام العربي كبير، فالحركة الصهيونية احترفت الجمع بين الظلم الاستعماري الاستيطاني تجاه سكان البلاد الأصليين مع الاعتماد على الرابطة اليهودية والحداثة الأوروبية الغربية. أما النظام العربي فأقام نظامه على تفتيت وتهميش المجتمع الوطني في ظل التركيز على المؤسسات الأمنية.
هكذا مع الوقت فقد النظام العربي بعد عقود من الاستقلال زخمه وقوته، فقد كان يمتلك قضية في زمن الرئيس عبد الناصر وفي زمن الملك فيصل، لكنه أصبح في السنوات القليلة الماضية مشروع سلطة تمتلك قاعدة محدودة في المجتمع. لم يعد هناك مشروع عربي وطني او مشروع ديمقراطي او مشروع إسلامي أو إنساني أو تنموي عادل في النظام العربي، فحالة الإنسان في المرتبة الدينا.
وفي المقابل لازال المشروع الصهيوني يحمل في طياته قوة دفع رغم إمعانه في الظلم تجاه سكان البلاد الأصليين من الفلسطينيين والعرب، فهو الآخر مشروع سلطة لكنه أكبر من ذلك بكثير كونه مشروعا استعماريا استيطانيا ومشروع دولة جوهرها اليهود واليهودية. لازال المشروع الصهيوني بكل زخمه وعنصريته يسعى للتفوق على كل العرب وتهميشهم، ويسعى بنفس الوقت لتوسعة أراضيه واقتصاده وتعليمه، وهو مستمر في مشروع اضطهاد الشعب الفلسطيني والعربي الذي يقف حجر عثرة أمام استكمال مشروعه.
وفي المقابل أصبحت علاقه النظام العربي مع مواطنيه قائمة على عدم ثقة والخوف، فالنظام العربي فقد صوابه منذ الربيع العربي 2011، وهو يعيش هاجس أن كل تعبير ونقد و تجمع هو مقدمة لربيع جديد. لدى النظام العربي حساسية مفرطة من كلمة الشعب والديمقراطية والحرية والتداول على السلطة. لهذا وجدت الدول العربية إنها تحتاج لأجهزة استخبارات جبارة لمراقبة المواطنين والبحث في خصوصياتهم ومنعهم من التعبير. فلدى السلطات العربية الكثير لتخفيه عن الصفقات والفساد والتصرف بالأموال العامة.
وبينما علاقات الصهيونية مع الشعوب العربية كانت ولازالت وستبقى مشوهة، إلا أن علاقتها باليهود والمواطنين اليهود الإسرائيليين تقوم على التحيز العنصري وعلى استغلالهم في مشروعها الجهنمي وجعلهم يشعرون أنهم في حالة حصار بسبب العالم الخارجي. لدى إسرائيل مشروع سيطرة ومصادرة أراض وجلب مهاجرين جدد، ولديها مشاريع في التعليم والاقتصاد والتكنولوجيا والبحث، ومن أهم مشاريعها مساعدة العالم العربي على تفتيت نفسه.
استمرار تدفق الحراكات الشعبية ونشوء حركات أوسع انتشارا في الوطن العربي سيبرز مع الوقت نخبا عربية قادرة على تلبية الطموحات الشعبية في ظل الالتزام بالعدالة والرحمة والحقوق
وبينما لا يثق النظام العربي بالعرب أو بالشعوب أو بالمواطنين، إلا أن النظام العربي لديه ثقة كبيرة بالغرب ويعتبر أن الاعتماد عليه بديل واضح عن الاعتماد على الشعوب.. أما الصهيونية فهي على النقيض، إذ تمتلك الثقة بالمجتمع الصهيوني على حساب كل نقيض. ورغم أن النظام العربي استقل عن الغرب منذ عقود، إلا أن النظام العربي ينظر للغرب بصفته النموذج المتفوق الذي لا يمكن اللحاق به.
لقد فقد النظام العربي في معظم دوله القدرة على اللحاق بنموذج الغرب كما فعلت الصين وجنوب كوريا وتايوان ودول آسيوية عدة ردمت الهوة مع الغرب. لقد كانت مشاريع الدول العربية بعد الاستقلال مباشرة مهتمة بردم الهوة مع الغرب. لكن ذلك لم يعد قائما مع النخب العربية في السنوات العشر والعشرين الماضية. فقد فقدت الأمل أولا بنفسها ثم بشعوبها، ووجدت أنها أكثر اعتمادا على الغرب من اي جيل من أجيال النخب العربية السابقة.
وليس غريبا ان من نظر نظرة دونية لشعبه وسكان بلده من النخب العربية الراهنة سيعجب الآن بإسرائيل. فما يقع اليوم من تصريحات حول التحالف مع إسرائيل ليس سوى نتاج تفكير نخب فقدت الحس التاريخي وفقدت الثقة بالنفس. ان الإعجاب بإسرائيل كما عبر عن نفسه في العامين 2019 ـ 2020 ، هو نتاج هزالة قطاع هام من النخب العربية، ولهذا فهي مرشحة لإعادة إنتاج ازمتها والازمة العربية بعد عبور جائحة كورونا.
إن هدف إسرائيل الأساسي أن تكون قوة متفوقة في الإقليم. وهذا يشمل كل مجال سياسي واقتصادي وعسكري وتكنولوجي. لهذا تستثمر إسرائيل في بناء قدراتها الذاتية باستقلالية. لكن المشاريع العربية، لا تقوم على قدرات ذاتية، بل نجدها تستجدي عودة الاستعمار بعد فشلها في إدارة الدولة، وهذا بطبيعة الحال سيضعها في بوتقة التبعية ليس فقط للغرب بل وأيضا للصهيونية المتداخلة مع الغرب.
إن دولنا تبتاع التكنولوجيا والخدمات الأمنية وتعتمد على البيوت الاستشارية لدراسة مشكلاتها التي تعجز تلك المؤسسات الاستشارية عن فهمها. إن التكنولوجيا والخطط البراقة التي توزعها علينا المؤسسات الاستشارية ليست بديلا عن نهضة الشعوب والعمل لنشر الحكمة والتعليم.
إن الاعجاب بالقوة وبقوة الاستعمار والاستيطان والظلم ليس غريبا. فقد سادت في زمن الثورة الجزائرية نخب جزائرية أعجبت بالمستعمر الفرنسي وسعت لاستمرار احتلاله للجزائر، وساد جنوب أفريقيا، قبل نجاح مانديلا، نخب سمراء وقادة قبائل أعجبت بالعنصرية البيضاء وسيطرتها بينما القت كل اللوم على الملونين. ان الفشل وعدم القدرة والعجز ينتج نخبا محلية تزداد إعجابا بالعدو الصهيوني و ذما بالضحايا والشعوب.
لقد اختبرت الشعوب العربية قيمة التحرك من أجل إيجاد مخارج للمحنة العربية في 2011 وذلك من خلال ثورات الربيع العربي. وقد طرح المخرج نفسه أمامهم طوال العام 2019 من خلال حراكات شعبية سبقت انتشار جائحة كورونا. لقد انتشرت تلك الحراكات في السودان والعراق و لبنان والجزائر. حراكات العرب الشعبية، عملية تاريخية ضاغطة على النخب وفاتحة للمجال العام. إن استمرار تدفق الحراكات الشعبية ونشوء حركات أوسع انتشارا في الوطن العربي سيبرز مع الوقت نخبا عربية قادرة على تلبية الطموحات الشعبية في ظل الالتزام بالعدالة والرحمة والحقوق. آن الأوان للتفكير في مخارج تتجاوز محنة النخب المفتونة بأعدائها والمنعزلة عن شعوبها وحضارتها.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
مقال أكثر من رائع…
عزيز نا الدكتور الغبرا
جمال عبد الناصر كان دمية بيد الغرب الأمريكي
اذا لن نقرأ ماضينا القريب فلا نستقبل لنا
وشكرا
علة العلل في العالم العربي هي ضعف مشروعية الانظمة الناتجة عن ضعف السلطة الشعبية و الحل يبدأ بالحريات السياسية و ارساء اسس لانظمة ديموقراطية تهتم باركان التقدم و هي التعليم و الصحة و العدل و الزراعة
اتفق معاك و لكن ما هو ادهي و امر ان احنا عندنا تعليم و عندنا صحة و عندنا زراعة و هناك عدل و لكن كلها وضعت ضمن اطار و منظومة لا تخدم اي من هذة الاشياء. خذ علي سبيل المثال التعليم في كل المستويات مدارس وجامعات اصبح تجارة و تجسيد واقعي للمسرحية القديمة لفؤاد المهندس و عبدالمنعم مدبولي رحمهما الله و حكاية السماك و ابنة و كروية الارض.
ففي ايامنا هذة اصبح كثير من المسؤلين عن التعليم كعبد المنعم مدبولي و غالبة اولياء الامور و ابنائهم كالسماك و ابنة?????
دعنا نرجع للوراء وانت سيد العارفين جميع الانظمة خلقها الاستعمار الغربي وحتى البلاد التى حاربت مستعمريها بضراوة عاد اليها الاستعمار تدريجيا بزرع طبقة بلباس جديد ترتبط ليس مصالحها بالاستعمار فقط بل تدين بفلسفته على حساب مبادئ الامة وشعوبها والنتيجة كما ترى وكيف تدعم دول الغرب حكم الاستبداد في بلادنا على نقيض ما تتشدق به
الفرق الأهم في نظري بين الأنظمة العربية والنظام الصهيوني، أن النظام الصهيوني يمتلك مشروع واضح المعالم وبعيد المدى ،ويسعى لتحقيق أهدافه عبر منظومة مؤسسات واضحة المعالم وتخضع جميعها لسيادة حكم القانون،بينما القبائل العربية فلا تملك من أمرها شيئا، سوى المحافظة على السلطة وتقديس الحاكم.
حسبنا الله ونعم الوكيل
تحياتي دكتور شفيق زميل مدرستنا المأمون الابتدائية بالكويت ايام الاجلاء الافاضل رحمهما الله الناظر المبجل عبد الفتاح كشكش و العملاق الوقور فاروق
حبايب.
الواقع المر الذي نعيشة و منذ ايام طفولتنا هو انعدام التغير و التطور. فمنذ ذلك الزمن يحكم الصهاينة من يخدمهم و تطورا و ابدعوا في ذلك في حين احنا حكمنا و مازال يحكمنا من فقط يخدم نفسة و تطور و ابدع في ذلك. و التاريخ هو خير دليل علي ذلك فائنظر الي حالنا ايام المأمون (المدرسة) و انظر الي حالنا الان.
واسفاه