الواضح للكثير من العرب أنه بفضل عوامل عديدة منها التوسع الكبير في الأنشطة الإيرانية في قلب الإقليم العربي ومنها الضعف العربي ومنها الرغبة الأمريكية في منع بروز دول قوية في الشرق الاوسط، سوى إسرائيل، انتقلت القمم العربية والخليجية من التركيز على فلسطين والصهيونية الى التركيز على إيران بصفتها العدو الجديد. هنا جوهر الارتباك في الموقف العربي / الخليجي. فبينما يتفق الكثير من المواطنين العرب والخليجيين بأنه توجد مشكلات متراكمة مع إيران، الا أن الخلاف بين الكثير من الدول عربية يقع في كيفية التعامل مع هذه الخلافات. إن التأقلم مع السياسة الأمريكية في هذه المرحلة والداعية لعقوبات قاسية بحق إيران والمتجهة نحو التصعيد اللفظي وربما العسكري ليست السياسة الأفضل للتعامل مع إيران. لهذا تبرز دعوات للحوار لا تجد لها متنفسا في بيانات القمم العربية الاخيرة.
وقد جاء بالفعل البيان الختامي للقمة العربية كما لمجلس التعاون متهربا من مواجهة المشكلات الحقيقية التي تواجه الإقليم طولا وعرضا. وعلى الرغم من التحديات التي تثيرها إيران الا ان المشكلة العربية والخليجية ليست مقتصرة على إيران. ففي الجوهر لا تملك المؤتمرات أدوات حقيقية للضغط على إيران، كما أن العمق العربي لا يملك علاقة متزنة مع تركيا الدولة التي تستطيع خلق توازن مع إيران. هكذا بدا المؤتمر العربي والخليجي المنعقد في مكة استمرارا لما قبله، لا جديد ولا قديم.
ونتساءل بعد القمم: هل فعلا يستطيع العراق أن يقف سدا أمام إيران؟ وهل بإمكان عمان أو الكويت وقطر خط سياسة متطابقة مع السياسة السعودية في الشأن الإيراني أو حتى اليمني أو اللبناني أو المصري؟ بالطبع تختلف الدول واحتياجاتها وموقعها الجغرافي ونظرتها للعلاقات، كما تختلف طموحات الأنظمة وطبيعة قياداتها ومدى استقرارها. بل تختلف القيادات في مدى اقتناعها بالحل العسكري أو السلمي أو بالحوار أو بالمواجهة. وهذا يعني تعدد السياسات بتعدد الأنظمة.
لقد اتضح حجم الانشقاق في المؤتمر من خلال تحفظ الرئيس العراقي المعتدل برهم صالح الذي أعلن أن العراق لم يشارك في البيان الختامي ولا يوافق عليه. هذا يعني أن البيان الختامي تمت صياغته من قبل لجنة لم تشارك فيها الكثير من الدول العربية. وقد تحفظت قطر بلسان وزير خارجيتها على نتائج القمة. وهناك تحفظات اخرى على البيان الختامي بعضها لم يعلن من قبل الدول لكنه واضح في سلوكها.
لائحة الاتهام بحق إيران، موجهة للكثير من الدول العربية في سلوكياتها تجاه حقوق المواطن، والتعدي على الحريات والتدخل في شؤون الآخرين
وعندما نقرأ لائحة الاتهام بحق إيران، وهي في جوانب منها محقة، نجد أن ذات اللائحة موجهة للكثير من الدول العربية في سلوكياتها تجاه حقوق المواطن، والتعدي على الحريات. هذه الدول تقوم بالتدخل في شؤون الاخرين، وتتدخل ضد حركات شعبية وحراكات في دول اخرى، كما وتتدخل في نزاعات. بل سنجد أن لائحة الاتهام بحق إيران يمكن توجيهها للولايات المتحدة وسياساتها الاقليمية. نحن إقليم شديد العسكرة، وهذا ينطبق على إيران كما وعلى العرب، ولا مخرج لنا سوى بالحوار وخلق ارضية للتفاهم. في السابق دعم العالم العربي صدام حسين ضد إيران في حرب استمرت ثماني سنوات، ثم تبين مع الوقت مدى خطأ تلك الحرب. فهل يعيد العالم العربي ذات الخطأ الاستراتيجي؟
لقد أصبحت جامعة الدول العربية كما اصبح مجلس التعاون الخليجي دون مستوى وعي الشعوب ودون مستوى طموحاتها في التنسيق والتعبير والدور والارتقاء نحو الحلول. اتضحت هذه الحالة وأصبحت جلية منذ فشل مجلس التعاون كما وجامعة الدولة العربية في التعامل حرب اليمن وإيقافها، واتضحت أكثر مع أزمة الخليج وحصار قطر التي تختم الان عامها الثاني. القصور وضعف الادارة واضح في الحالة العربية برمتها في العراق كما وفي سوريا واليمن وغيرهما، بل وصل الانشقاق العربي العربي والخليجي الخليجي لليبيا. وقد انعكس ذات الاشكال في كل قضية تهم العالم العربي، فلا وقع النجاح في التعامل مع البطالة العربية، ولا في التعامل مع الظلم والتهميش ونقص الحريات وإيقاف عنف الدولة، ولا في التعامل مع القضية الفلسطينية أمام تهويد فلسطين ومصادرة القدس واقتلاع عرب فلسطين.
وهناك سؤال يطرح: فهل المؤتمران الطارئان لمؤسسة القمة العربية ولمؤسسة مجلس التعاون يصبان باتجاه السياسة الامريكية للتغطية على عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة ضد إيران؟ لكن ألم نتعلم من دروس العمل العسكري الأمريكي التي توصلنا لطريق مسدود؟ العراق نموذج للعمل العسكري الامريكي. وهذا يطرح سؤالا اخر: فهل فعلا تنوي الولايات المتحدة التصدي لإيران بينما إدارة ترامب لا تريد الحرب؟ فعلى الرغم من كل التصعيد الكلامي فإن إدارة الرئيس ترامب تنتظر السوية مع إيران وهي في هذا تستخدم العرب والخليج والقمم للضغط. هدف ادارة ترامب تسوية جديدة مع إيران تشمل النووي الإيراني كما وتشمل الصواريخ البعيدة المدى التي تؤثر على إسرائيل. ويجب لا ننسى أن أمريكا واجهت داعش بالتعاون مع إيران، وأن بولتون مستشار الأمن القومي الامريكي الداعي للحرب قام مع مجموعة المحافظين الجدد بتسليم العراق لإيران في 2003. إن الهدف الأمريكي الأساسي حماية اسرائيل أولا، أما بالنسبة للخليج فالهدف الأمريكي صفقات السلاح أولا واستقرار النفط بأسعار منخفضة ثانيا.
في مؤتمر القمة العربي في قمة مجلس التعاون لقاء جديد بلا نتائج، حشد بلا حشد، دعوات بلا ترجمة. مازلنا في نظام عربي فقد نفسه، وفقد طريقه، وفقد قدرته الانسانية على التفاعل مع احتياجات الشعوب بالكرامة والحقوق. هذه المرة لن يأتي الخارج المتقلب إلا بحسابات هدفها المزيد من السيطرة على وضع عربي فقد استقلاله. ففي ذكرى حرب 1967 مازلنا في مناخ الهزيمة رغم سعي الشعوب لرسم وضع مختلف.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت
السؤال الذي يتبادر إلى ذهن بعض القراء : لماذا لا تسعى الدول العربية المعارضة للمشروع السعودي إلى عزل النظام السعودي وضرب حصار عليه برا وبحرا وجوا ؟ والامتناع عن الحج والعمرة لعدة مواسم ومقاطعته اقتصاديا وثقافيا حتى تعلن السعودية موقفا مغايرا مقبولا ، هل بالامكان فعل ذلك ؟
بخصوص الحرب العراقية الإيرانية و التي عشت بداياتها بحكم عملي المدني ، أعتقد أنه عاجلاً أم آجلاً كان لها أن تحدث .
النظام “الثوري” الإيراني حالما وصل للسلطة وضع نصب عينيه محاربة النظام البعثي”الكافر”، و كان الإعلام الإيراني يحرض العراقيين ليل نهار على “الثورة الإسلامية”، ثم وصل الأمر إلى قصف لأراضي عراقية .
بعد أربعين سنة ما زالت ممارسات النظام الإيراني تشابه ذلك .
كعراقي ، فقط تمنيت لو أن الراحل صدام حسين تمتع بصبر أطول و أشهد العالم جميعه قبل أن تحصل الحرب ، و التي أيضاً تمنيت لو كان بالإمكان تفاديها ، غير أن عندي شك بذلك …و لعن الله الحرب
جوهر هذا المقال هو ما يسميه الكاتب “الضعف والارتباك العربي” والحلول المقترحة لهذه الحالة، لكن يذكَر أيضًا في بداية المقال التوسع الكبير للأنشطة الإيرانية في الإقليم العربي. وهنا يطرَح سؤال: هل يحدث هذا التوسع نتيجة لحالة الضعف والارتباك وهل ترمي النشاطات الإيرانية إلى منع بروز دول قوية في الشرق الأوسط مثلما تسعى إليه الوﻻيات المتحدة؟
القمم العربية تعقد بشكل مكثف عندما تشعر بخطر ما يداهم مصالحها،فحين لانسمع ولو بقمة تعقد لمناقشة الملفات الشائكة التي تتخبط فيها شعوبها المقهورة.