الشارع الجزائري، الشارع الفرنسي، السترات الصفراء، السلم، العنف، القوة… بعض من مقومات «خلاط» يمتص غضبا عموميا متعدد الأبعاد، لكنه مؤصل في بوتقة واحدة تدعى المعاناة. ليس مجديا في هذه السطور العودة إلى طبيعة الحراك الشعبي وأبعاده الاجتماعية. لكن المجدي في المقابل تنزيل الحركة الاحتجاجية كظاهرة في سياق أشمل، يضم الأسباب التي ولدتها ولكن لا يكتفي بها فيشمل أيضا الظرفية الموضوعية التي نزلت فيها.
وما أسميه الظرفية الموضوعية هنا: تأسيس مجتمعات حديثة على ضوء العولمة. صبر نافد من أنظمة تعمر ويتساءل الشعب أين هو منها، مقابل صبر نافد من أسلوب انفرادي في ممارسة الحكم، توقف عن مراجعة النقابات وممثلي المجتمع المدني وغيرهما من أصوات الشعب، ليجعل من مصالح فئة شغلا شاملا مطلقا، منتجا كل مقومات تنفيذ مخطط عرقلة تسيير الدولة الحديثة والمجتمع المدني الحديث .فلا نستغرب أن يرى الشعب نفسه واقعا بين مطرقة نظام استبدادي وسندان استبداد بالحكم.
الجزائر، فرنسا، قد يتساءل القارئ عن وجاهة مقارنتي، لكن لا تعنيني هنا فرنسا والجزائر كبلدين، كما لا يعنيني هنا تاريخهما المشترك الحافل بالتقلبات بمقدار ما يعنيني كيف يرزح بلدان يتصدران عناوين الأخبار تحت نير مؤسسات وهياكل استولى عليها، وفق خصوصية كل بلد وثقافته، النظام. هنا نتساءل: كيف يضمن الإنسان لنفسه عيشا يسمح له بتحقيق ذاته اقتصاديا فيثبت نفسه كشخصية تحترم نفسها ويحترمها غيرها بدون أن تولد تلك الشخصية ميتة لأن «النظام سحقها»؟ لقد نشر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مؤخرا «منبرا» يتصور فيه الشأن الأوروبي مستقبلا.
لا أعارض الإبداع من حيث المبدأ، لكن أتساءل كيف سيتمكن الرجل، وهو من أكثر المسؤولين السياسيين معرفة بطريقة عمل المؤسسات الأوروبية، من إقناع المواطنين بقدرة مقترحات على غاية من التجريد على التحول إلى خدمات تؤثر تاثيرا مباشرا على الحياة اليومية للمواطن. صحيح أن إحداث «وكالة أوروبية لحماية الديمقراطية» تمنع التمويل الخارجي للأحزاب السياسية، يمكن أن يساهم في إضفاء المزيد من النزاهة والشفافية على الممارسات الديمقراطية، لكن إلى أي حد يمكن لصوت المواطن أن يكون مسموعا أكثر بمثل هذا الإجراء؟ صحيح أن تعميم نواميس أوروبية على الفلاحة تحرم استخدام أنواع معينة من المبيدات، قد يساهم في تحسين جودة المواد الغذائية، لكن إلى أي حد يسمح مثل هذا الإجراء بمواجهة فعلية للشركات متعددة الجنسيات صاحبة القول الفصل شبه الدائم في الإنتاج الفلاحي المعمم؟
الشعبان الجزائري والفرنسي وإن في سياق مختلف وبمراحل مختلفة، ضحيتا مبدأ واحد وهو أن النظام يريد إسقاط الشعب
صحيح أن ضمان حد أدنى للأجور الأوروبية يتيح للعامل إمكانية ممارسة عمله وهو يحظى بأنصاف المعاملة في تلقي الأجور، لكن إلى أي حد يمكن الاقتناع بأن الدول الثماني والعشرين ستقف قاطبة إلى جانب مثل هذا المقترح الحكيم؟ صحيح أن تشجيع الإنتاج الأوروبي لقطع الطريق أمام «المنافسة» خطوة جيدة، لكن لنفرض أن يتمكن الاتحاد من «تفريخ» السيارات الكهربائية الأوروبية بالآلاف، فستعمل هذه السيارات في النهاية ببطاريات صينية أو كورية …فرنسا والجزائر، كل وفق حالتها الخاصة، تلتقيان في قاسم مشترك وهو مواجهة النظام :بالمطالبة بحرية التعبير والعيش بكرامة والتطلع إلى المستقبل جزائريا، وبالمطالبة بحرية الانعتاق من المنظومة الإدارية والعيش بكرامة أكثر والتطلع إلى المستقبل فرنسيا.
أليس شعبانا، الجزائري والفرنسي، في نهاية المطاف، وإن في سياق مختلف وبمراحل مختلفة، ضحيتي مبدأ واحد، وهو أن النظام يريد إسقاط الشعب؟
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي
أظن هذا عنوان منطقي (النظام يريد إسقاط الشعب) في سياقه الزمني والمكاني، عندما يصدر من مستشرق فرنسي نشأ في المغرب، ويتحدث عن أحداث فرنسا والجزائر في عام 2018/2019.
لكني أختلف معه تماما في طريقة القراءة، والتفكير وفق مفهوم، الإبداع يكون، بقلب الأمور رأسا على عقب، في صراع المتناقضات، لعنوان لغوي، من لغة غير فرنسية.
لأن العولمة والإقتصاد الإلكتروني هو منتج أمريكي، وليس له علاقة بدولة الحداثة الأوربية، ومفاهيم معانيها، لمعنى الإنسان والأسرة والشركة، من هو الصالح، ومن له حق المواطنة، ليكون من ضمن الشعب أو ثقافة النحن كأسرة إنسانية، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.
ولأن التدوين اللغوي في أدوات العولمة، فرضت معنى جديد لمفهوم اللغة، وطريقة الترجمة بين اللغات، بعيدا عن مفهوم النقل الحرفي/الببغائي بلا فهم أو علاقة لغوية غير الصوت (البيروقراطي في تنفيذ أي مهنة لوظيفة/مقاولة))، والإقتصاد الإلكتروني، فرض مفهوم جديد مختلف لمعنى الهوية، أو العملة في تنفيذ أي عقد/مقاولة تجارية، أو التسجيل ومكانه لحفظ الحقوق من الغش.
التناقض الحقيقي للعولمة، من وجهة نظري على أرض الواقع، نلاحظه في تكاليف صناعة السينما داخل أمريكا لو كانت مليون، ففي الصين ربما ألف وفي الهند ربما مائة بينما في أفريقيا ربما عشرة؟!
فلماذا تتم صناعة الفن اللغوي، في سوق أمريكا بالذات، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني، لمن يبحث عن أفضل مردود لاستثماراته؟!
ما الذي يُميّز الإنتاج، في أمريكا لصناعة فن الكذب/الأحلام اللغوي، لتحتكر جلّ أرباح السوق الحر، من كل دولنا حول العالم، بشكل عملي بعد 1945، على أرض الواقع حتى عام 2019؟!??
??????