أخذت الدراما الرمضانية هذا العام حصة الأسد من الانتقادات والدعاوى التي نودي بها هنا وهناك في البلدان المغاربية لإيقافها. وهذا تحت حجج كثيرة، إضافة إلى الأسباب القيمية والأخلاقية التي لم تراع فيها (الجزائر) والتراجع عن بعض المكتسبات الاجتماعية والقانونية (تونس) وتزييف التاريخ (المغرب).
هناك أسباب أخرى جعلت الدراما هذا العام تتعرض لنقد «علمي» من طرف الناقد الأكاديمي محمد الأمين بحري، الذي صرح لجريدة «الاتحاد» الجزائرية والتي نشرها على صفحته الرسمية على الفيسبوك عن أسباب ضعف الدراما هذا العام في الجزائر خاصة والتي أرجعها لعدة أسباب، منها أن جل الأعمال الرمضانية لهذا الموسم «تعاني من أزمة سيناريو فعلية، وأخطاء إخراجية تتمثل في إدارة الممثلين بدمج مواهب شابة قادمة من عالم الـ»سوشيل ميديا» مع أسماء فنية كبيرة دون تكوينها مسبقا». والسبب الآخر هو أن هذه المسلسلات «تفتقر إلى الهوية الجزائرية، والمشاهد الجزائري لا يجد هوية الشخص الجزائري وهذا مشكل كبير، حسب رأي بحري. فالمسلسلات تفتقر لهوية المكان». المكان لديه أهمية كبيرة في النص من حيث هوية البلد. والعديد من الأعمال التي تبث لا يمكن للمشاهد أن يعرف في أي ولاية أو مدينة تجري فيها الأحداث. وبالتالي عندما يمحى المكان تمحى الهوية»، إضافة «إلى أن جل سيناريوهات الأعمال التلفزيونية عبارة عن تكرار لسيناريوهات الموسم السابق، للأعمال التي هي في موسمها الثاني والثالث. كما هو الحال في مسلسل «بنت البلاد». وحتى الشخصيات بقيت في لعب نفس الأدوار كمسلسل «يما». كذلك الحال لسلسلة «دقيوس ومقيوس» الفكاهية فيرى الناقد «أنها رجعت لموسمها الأول والثاني رغم أن الموسم الماضي تغيرت فيه كتاب السيناريو وتغير كذلك الانتاج والإخراج وحتى الممثلين». أزمة السيناريو هذه والتكرار والاستنساخ طال أيضا، حسب محمد الأمين بحري مسلسل» بابور اللوح» الذي غلب عليه الاستنساخ من «أولاد الحلال». وسيتكوم «الحاج لخضر» هو نفسه برنامج «عمارة الحاج لخضر»، فلا وجود لعمل قام «بالكسر الدرامي في الأحداث»، بالإضافة إلى أن «السيناريوهات تغلب عليها المحاكاة، مثل مسلسل «يما» الذي يحاكي سلسلة «الكازا دي بابال «قليلا في الشكل وليس في المضمون. و»بنت الحلال» تحاكي المسلسل التركي «الزوجة الجديدة».
قرار تقاعد الأساتذة وجدل الكفاءة
أثار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول التقاعد الخاص بالموظفين المنتمين لأسلاك الأساتذة الباحثين والباحثين الدائمين، جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي. فالقرار سيحيل أكثر من 1200 أستاذ للتقاعد. العدد ليس بالهين، خاصة لمن يتمتعون بالكفاءة والخبرة في ظل تدهور الجامعات ومراكز البحث ونقص التأطير والمحسوبيات في الترقية وفي تولي مناصب إدارية لتسيير البحث والمؤسسات البحثية والعالمية. فبين حماسة البعض التي أوصلتهم إلى قول ما لا يصح قوله الذي وصل لحد «الاستشفاء» و»إهانة» الأساتذة المعنيين بالقرار. ورد الدكتور الناقد الأستاذ سعيد بوطاجين على صفحته على هؤلاء قائلا: «اللهم خذنا إلى جوارك قبل أن يأتي جيل من الدكاترة الصعاليك ويقول مبتهجا: أنتم مجرد ديناصورات». بقدر ما في العبارة من هزل فيها طعم المرارة مما يحدث في الجامعات ومراكز البحث. كما كتبت الدكتورة أمينة بلعلي على صفحتها على الفيسبوك عن الموضوع: «الجيل الذي لا يعول عليه. مع صدور القرار الذي يقضي بإحالة الاساتذة الذين بلغوا السبعين على التقاعد، قرأت تعليقات من أساتذة وباحثين ينتظرون التوظيف، تحمل كما من الكراهية والعقوق وسوء الخلق، بلغ الأمر فيها إلى حد وصف أساتذتهم بالديناصورات، وبالخرف، بل إلى حد تمني الموت لهم وغيرها من الشتائم غير المبررة، على الرغم من أننا يمكن أن نجد مبررات لهذا القرار (وأنا معه بالمناسبة). وهذا الخطاب يؤكد عجز هؤلاء عن صياغة إشكالياتهم ومشكلاتهم في الحياة العامة وفي الحياة الأكاديمية. فأغلب أنشطة بعضهم العلمية تمت إما بتعاطف من المشرفين أو بتواطؤ من لجان المناقشة».
وتضيف الدكتورة بلعلي: «لم يحسن هؤلاء صياغة فرضياتهم، ولم ينتبهوا إلى أن الأستاذ لم يكن عائقا كما أن تقاعده ليس حلا، فلو كانت المنظومة الجامعية وسياسة التوظيف في الجزائر قائمة على استراتيجية تعليمية علمية حقيقية، لما آل الأمر إلى ما هو عليه الآن، وفرض على الجامعة أن تقبل بنجاح من يحوز على خمسة من عشرين في مسابقة الدكتوراه، وهو لا يحسن كتابة جملة باللغة العربية. محزن جدا أن تسول لهؤلاء أنفسهم أن يتطاولوا على أساتذتهم بهذا الخطاب. إنه جيل لا يعول عليه لكي يكون بديلا لمن أراد توديعهم بالشتائم والدعاء عليهم بالموت عوض شكرهم وتكريمهم. حقيقة أشعر بالندم الشديد، وأنا لم أصل السبعين بعد، كنت حين التفت خلفي ولا أرى إلا سيلا من الشتائم تتبعني حين أغادر الجامعة غير مأسوف عليها وعلي».
لقد فقدت القيم، مع فقدان التكوين لقيمته ولم يعد للعلم والبحث أفاق المعرفة والاكتشاف وإضافة قيمة للتراكمات العلمية السابقة، بل أصبحت الشهادات «غاية» في حد ذاتها والمناصب «هدفا» يبرر كل الوسائل.
ومما جاء على صفحة الاستاذ حبيب بوخالفة «تطلب تعليمات وزارية من الأساتذة الجامعيين الذين بلغوا سن 65 إخلاء أماكن التدريس في الجامعة. الغريب في الأمر أن القرار إداري في تفاصيله ولا يتناول أي جانب بيداغوجي علمي. السبب الذي جعل الجامعة منذ عقود تسير كما تسير أي بلدية أو دائرة. الإدارة الساذجة بالبيروقراطية والترقيع تمنح الأفضلية إلى أي عون إداري من أستاذ محاضر أو حتى بروفيسور. يجد عدد كبير من الأساتذة المدرسين في حالة استرخاء والراحة. فالمردودية العلمية والانتاج الفكري عبر نشر مقالات أو دراسات لا أهمية له كثيرا عند قليل من الأساتذة مقارنة بالبعض الآخر الذي ينتج شيئا على المستوى من البحث.
يستفيد الأساتذة الإداريون من الريع عن طريق العلاوات المختلفة، دون أي جهد علمي ونتائج ملموسة في البحث العلمي. كما شخص الظاهرة المؤسفة صديقي الكاتب الدكتور البروفيسور السعيد بوطاجين ما يحصل في الجامعة مدعاة للرثاء لأن هناك من توقفوا عن القراءة بمجرد ترقيته. لقد كانوا يخططون إلى هذه الدرجة كنهاية للجهد».
ويضيف الأستاذ بوخالفة «لا تزال الجامعة سجينة التلاعبات الادارية والبيروقراطية الجهنمية، حيث أن جزءا كبيرا من الأساتذة المدرسين تحولوا إلى إداريين (العميد، ونائب العميد. ورئيس القسم، والأساتذة المساعدين والمسؤولين) ينتفعون من استيعاب التعويضات وهو شكل معين من أشكال الفساد». هذا الفساد وتقاسم الريع والشللية بالاقتراب من المسيرين والنافذين في الوزارات الوصية على البحث والجامعة، خلق مسارات أخرى تنظم النشاط الذي لا يرتقي في كثير من الأحيان إلى العلم، بل لا يتعدى ملتقيات وندوات احتفالية مناسباتية وسياسية ليست من مهام الباحثين والأكاديميين. لكنها قبلة لمن يسعون لكسب الثروة والعلاقات التي تفتح لهم أبواب السفر والنشر دون تقييم حقيقي، حيث يتم التحايل على كل شيء. وتتشكل «كيانات» في الداخل والخارج، حسب المقاس والمصالح المتبادل. وهكذا تتم الترقيات وتتوطن الألقاب «العلمية»، التي تظهر للإعلام وللواجهة في ترويج «سلعي» بخس للمعرفة العلمية والأكاديمية.
ويضيف الأستاذ بوخالفة «صرح الوزير عن «إجراء إداري» بسيط يفسح المجال لحاملي الدكتوراه الجدد، ربما كان من الحكمة طرح المشكلة من منظور علمي بيداغوجي أولا، بحيث تكون أهمية استبعاد أولئك الأساتذة الذين لم ينتجوا أعمالا ومقالات علمية في مجالات معترف بها وهم على مشارف سن 70 عاما. ثم يضيف وزير التعليم العالي والبحث العلمي (كلمة دسمة) أنه «يمكن للجامعة دائما أن تلجأ إلى توظيف باحثين متميزين كعاملين بعقود». من هم هؤلاء «الباحثون المتميزون»؟ يتساءل الدكتور أحمد شنيقي (كاتب وناقد وباحث وأستاذ ضيف بعدد من جامعات أوروبا) من جامعة عنابة. نستغرب لهذه التعليمة التي لم توفر حق الأساتذة المعترف بهم دوليا والذين أنتجوا أعمالا متميزة أصبحت مراجع عالمية في مجالها. كيف يمكن للجامعة أن تتخلى عن هذه الأسماء العلمية المعروفة دوليا بهذه الطريقة البيروقراطية القمة. لا نجد في كل جامعات الدول أن الادارة هي أساس تنظيم الجامعة الا في الجزائر، والدليل أننا الجامعة الوحيدة في العالم التي تمنح أسماء أميين على الجامعات ومراكز البحث».
يختم الأستاذ بوخالفة منشوره بالقول: «حان الوقت ومن الضروري أن تتحول المعرفة العلمية داخل الهرم الجامعي وخارجه المعيار الحقيقي لتنظيم استقلالية الجامعة. وتصبح الإدارة في خدمة المعرفة والعلم في الجامعة وليس العكس. وأن «تصبح الكفاءة العلمية هي العمود الفقري الذي تقف عليه الجامعة حتى تنتقل المعرفة إلى الطالب بشكل جدي ونافع، وتخرج الجامعة من ذيل الترتيب العالمي للجامعات وتكون فعالة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة».
لا يمكن أن يتم التغيير نحو المعرفة بسهولة. وما أكثر أكلة «الريع» والمتشبثين بالألقاب وبالمناصب ومن تحميهم شبكات «الاتجار» بالعلم في كل مكان. من يفكرون في كل شيء ليلا وعلى الموائد والولائم. فقد يكون من الأجدى أن تؤخذ معايير غير السن للتقاعد.
كاتبة من الجزائر
الإبتذال أصبح ماركة مسجلة في كل القطاعات الثقافية و لا يقتصر على الأعمال التلفزيونية فقط
الصناعة السينمائية في الجزائر. تميعت واضمحلن، منذ مجيء القنوات التي ساهمت بقدر كبير في تدني مستوى الخطاب الدرامي الموجه للمتلقي. ضف إلى ذلك ضعف السيناريو والحوار والمواضيع التي تشابكت مع ضعف الممثلين الذين لا تكوين أكاديمي لهم عكس سنوات السبعينيات والثمانينيات. أصبح كل من هب ودب يدخل مجال التمثيل دون مقومات فنية اكاديمية تضفي مصداقية وجمالا على العمل الفني. أغلب من هم الآن في التمثيل في الجزائر ظهروا عن طريق إما الصدفة أو المعربفة وهم كثيرون او السوشيال ميديا وهم لا يملكون التكوين اللازم لذلك . تفاهة المواضيع والخطاب الدرلمي بتواطؤ قنوات الإنتاج جعل السينما في الجزائر في الحضيض. فهي لا تخاطب الجزائري فحسب بل وتستخف بعقله فأغلب خطاب ولهجة التمثيل هي إما عاصمية أو من الغرب بالتالي لا تمثل هوية ومكونات الشعب ناهبك عن المواضيع التافهة التي هي نسخة طبق الأصل من مصر أو تركيا ولا علاقة لها بالجزائر ….كارثة ما يجري في هذا المجال.
الصناعة السينمائية في الجزائر. تميعت واضمحلت، منذ مجيء القنوات التي ساهمت بقدر كبير في تدني مستوى الخطاب الدرامي الموجه للمتلقي. ضف إلى ذلك ضعف السيناريو والحوار والمواضيع التي تشابكت مع ضعف الممثلين الذين لا تكوين أكاديمي لهم عكس سنوات السبعينيات والثمانينيات. أصبح كل من هب ودب يدخل مجال التمثيل دون مقومات فنية اكاديمية تضفي مصداقية وجمالا على العمل الفني. أغلب من هم الآن في التمثيل في الجزائر ظهروا عن طريق إما الصدفة أو المعربفة وهم كثيرون او السوشيال ميديا وهم لا يملكون التكوين اللازم لذلك . تفاهة المواضيع والخطاب الدرامي بتواطؤ قنوات الإنتاج جعل السينما في الجزائر في الحضيض. فهي لا تخاطب الجزائري فحسب بل وتستخف بعقله فأغلب خطاب ولهجة التمثيل هي إما عاصمية أو من الغرب بالتالي لا تمثل هوية ومكونات الشعب ناهيك عن المواضيع التافهة التي هي نسخة طبق الأصل من مصر أو تركيا ولا علاقة لها بالجزائروهذا هو التكراؤ والإجترار بعينه ….كارثة ما يجري في هذا المجال.