النقد الذاتي المشبوه

لقد كتب الكثيرون عن أهمية التجديد الحضاري، كمكون أساسي من مكونات المشروع النهضوي العروبي، المعني بوحدة واستقلال الأمة العربية وديمقراطية وتنمية مجتمعاتها. لكن جرى التركيز على ضرورة القيام بمراجعة تحليلية نقدية تجاوزية للتاريخ العربي القديم، وللتراث العربي المليء بالإشكالات الفكرية والسلوكية، كمدخل لعملية التجديد تلك، وهذا بالطبع أمر ضروري للغاية. غير أن هناك حاجة مماثلة، وبالتوازي مع تلك الجهود، لإجراء مراجعات تحليلية نقدية تجاوزية شاملة، لكل ما مرّ على المجتمعات العربية، من أفكار وأيديولوجيات، وتنظيمات، وممارسات سياسية، أثناء تاريخها المعاصر، وبالذات إبان الثمانية عقود الماضية.
أهمية القيام بذلك بصورة عقلانية موضوعية علمية، ومن خلال بحوث ميدانية كلما أمكن، يفرضها ما نراه أمامنا من محاولات مشبوهة، أو مليئة بالجهالة وقصر النظر، للقيام بعملية نقد ذاتي لمسيرة الحركات القومية العروبية. وبالطبع لا إشكالية مع ذلك النقد الذاتي، لو لم يتعمد بعض القائمين به، بقصد وخبث، تحميل الفكر العربي الوحدوي المسؤولية عن كل الأخطاء، والانحرافات التي ارتكبها بعض المنادين بذلك الفكر، من أفراد وأحزاب على الأخص. وبالطبع فإن هدف هؤلاء الخفي ليس إبراز الأخطاء في الممارسات الماضية، من أجل عدم تكرارها في المستقبل، وإنما هدفهم هو إقناع الشعب العربي، وعلى الأخص شبابه وشاباته، بالتخلي عن الفكر القومي الوحدوي، وبالذات عن الضرورة الوجودية العاجلة لقيام نوع من الوحدة بين شعوب هذه الأمة، وأقطار هذا الوطن العربي الكبير. ولا يهم عند هؤلاء الدلائل الكثيرة على فشل الدولة الوطنية أو القطرية العربية، في مجالات الأمن والإستقلال الوطني، والتنمية الاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، ولا فشلها حتى في المحافظة على كيانها من التمزق، وعلى مجتمعها من الصراعات العرقية والمذهبية والمناطقية.

هناك حاجة لإجراء مراجعات تحليلية نقدية شاملة، لكل ما مرّ على المجتمعات العربية، من أفكار وأيديولوجيات وتنظيمات

هؤلاء، وبالتناغم التام مع الرغبة الاستعمارية ـ الصهيونية، منذ مشروع سايكس ـ بيكو التجزيئي، ومشروع قيام الكيان الصهيوني في فلسطين لفصل المشرق العربي عن مغربه، في تفتيت هذه الأمة ومنع قيام أي وحدة بين أي أجزاء من كيانها. من هنا الأهمية النضالية المفصلية لوجود مراكز دراسات وأبحاث عربية جادة رصينة، ومفكرين قوميين عقلانيين موضوعيين، لكي يقوموا بمهمة النقد الذاتي المطلوب، ولكن من دون أن يكون ذلك على حساب وجود الهوية العروبية الجامعة، ومشاعر الانتماء العروبي، التي بناها التاريخ العربي المشترك، وغذتها ملاحم النضالات التعاضدية ضد الاستعمار والصهيونية طيلة القرن الماضي، بل وإلى يومنا هذا، وأبقت جذوتها، اللغة الواحدة والتراث المشترك والجغرافيا الواحدة والمصالح الكثيرة المترابطة.
ما يهمنا هو الوصول إلى النتيجة التي تبين أن الفكر القومي والثقافة العروبية لا ينحصران في حزب أو حركة أو أشخاص، وأن الدولة الوطنية لا تحتاج أن تخوض حربا استئصالية مع الطموح والعمل الوحدوي العربي، وأن الممارسات الديكتاتورية السابقة في هذا القطر العربي، أو ذاك، باسم القومية العربية لا ينفي على الإطلاق الضرورة القصوى لأن تكون الديمقراطية ليست محل مساومة أو تهميش في المشروع الوحدوي العربي المستقبلي، وأن نوع التوحد العربي يمكن أن يكون مرنا، ويتعلم من تجارب الآخرين، مثل الاتحاد الماليزي، أو الوحدة الاقتصادية الأوروبية، وأن نوع ومدى التوحد العربي النهائي تقره الشعوب بوسائل ديمقراطية سلمية تعاضدية.
قائمة المراجعة طويلة، وحتى معقدة، ولكن المهم هو وجود جهود تراكمية عربية نظيفة المقاصد والنوايا للقيام بهذه العملية، لسد الأبواب أمام الانتهازيين وخدم الاستخبارات الأجنبية، الذين ينتهزون فرصة الضعف والإنهاك والتمزق الحالي، لكي يقوموا بتدمير الفكر القومي العروبي الوحدوي، بعد أن نجحوا مع الأسف، بصور كثيرة، وعبر مراحل متعددة، في إزاحة قادة ومؤسسات المشروع القومي عن الكثير من ساحات العمل السياسي والإعلامي العربي.
كاتب بحريني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول خالد مصطفى الجزائر:

    القومية العربية مشروع فاشل أنتج التخلف والجهل وحتى الهلوسات والمهلوسين فمن نتائج مشروع القومية العربية مثلا تيارات الفكر الإسلامي مثلا التيار اللذي لا يؤمن بكروية الأرض وحجتهم أن الغرب بعلمه إكتشف حقائق الأشياء وهو يخفيها ليظلنا وهذا جهل فلو مثلا لو ذهبت لكبار علماء الفيزياء الغربيين وسألته سؤال بسيط ماهي الجاذبية لقال لك لاأعلم نعم إكتشفنا الجاذبية وقسناه وقننها الغرب وإكتشف حتى أمواجها لكن طبيعتها وما هيتها لا أحد يعرف نفس الشيئ للأمواج المغناطيسية والقوة النووية والكهرباء فمثلا نعلم أن الإلكترون تحركه الأمواج المغناطيسية وينتجها عند حركته وقسنا مستويات طاقة الإلكترون وحددناها بحل معادلة شرودينغر وحددنا مستويات طاقته بالإحتمالات والإحصاء الكمي وصنعنا الرقائق الإلكترونية,لكن طبيعة التفاعل لا أحد يعلم, المهم المشروع القومي العربي أنتج الجهل والتخلف والهلوسة لا أكثر وأنصحكم بالعودة الى جذوركم.

إشترك في قائمتنا البريدية