النكبة الاقتصادية مروعة… والسلطة لا تستطيع تحمل تبعاتها بمفردها… وإنجازات للكنائس المصرية أبرزها ترسيخ قيم المواطنة

حسام عبد البصير
حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : هل هي لحظة من صنع القدر حان وقتها كي تمد السلطة يدها لخصومها التاريخيين في الداخل؟ يعترف كثير من المراقبين حتى أولئك الذين عرفوا بتأييدهم الشديد للسلطة واختلافهم البين مع فرق المعارضة في الداخل والخارج، أن الأزمة الاقتصادية باتت تصل لحد النكبة، وأنه ليس بوسع السلطة الحاكمة التي تمثلها حكومة الدكتور مصطفى مدبولي أن تتحمل تبعاتها بمفردها، ويتجاوز كثير ممن يقدمون أنفسهم باعتبارهم أمناء على مصالح النظام والشعب بأنه ما من سبيل أمام السلطة للنجاة من ذاك التهديد الوجودي سوى الاستعانة بأهل الخبرة في المجال الاقتصادي، ولو كانوا من المصنفين بأنهم من خندق المعارضة.
اهتمت صحف أمس الخميس 9 يونيو/حزيران في المقام الأول بتسليط الضوء على ما اعتبرته إنجازات ضخمة تم إحرازها على مدار السنوات الثماني الماضية، التي تولى فيها الرئيس السيسي سدة الحكم. وبدوره رد البنك المركزي على ما تردد بشأن أسباب تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، مؤكدا أن مصر قامت بسداد نحو 24 مليار دولار التزامات خارجية منذ بداية العام الجاري. وكشف المركزي، قيام مصر بسداد نحو 10 مليارات دولار ديون خارجية شملت أقساط قروض مستحقة عليها، بجانب سداد 14 مليار دولار للصناديق الأجنبية منذ يناير/كانون الثاني 2022، وحتى نهاية شهر مايو/أيار الماضي. وأوضح أن هذه المبالغ وجهت لسداد قروض وسندات دولية مستحقة، ما يؤكد التزام مصر بسداد كل الاستحقاقات عليها في وقتها. ومن تقارير أمس الخميس: قال المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية القمص موسى إبراهيم، إن فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ 2014، تضمنت العديد من الإنجازات التي تحققت للكنائس المصرية، خاصة ما يتعلق بترسيخ قيم المواطنة والحوار. وأضاف القمص موسى إبراهيم أن “زيارة الرئيس السيسي السنوية للكاتدرائية للتهنئة بعيد الميلاد، هي رسالة إيجابية للمصريين المسيحيين من كل الطوائف، وتعكس محبة خالصة من الرئيس السيسي وهذه اللفتة أشعرتنا بأن المسيحيين موضع اهتمام وتقدير من رئيس الدولة”. وأشار إلى أن هذه الزيارة بعثت رسالة شديدة الأهمية للداخل والخارج، مفادها أن الدولة عازمة على تحقيق المساواة ومبادئ المواطنة على جميع المصريين، وأن الجميع سواء أمام الدولة.
ومن أخبار المكتشفين: قال الدكتور هشام سلام مؤسس مركز الحفريات الفقارية في جامعة المنصورة، ورئيس الفريق المصري، والأستاذ في الجامعة الأمريكية في القاهرة، أنه جرى اكتشاف حفرية بالتعاون مع وزارة البيئة لكنها كانت مغطاة بكمية ضخمة من الرمل والحديد، بسبب طبيعة المكان، ولم يتم الإفصاح عن ماهيتها لشهور طويلة، حيث لم تكن التفاصيل التشريحية واضحة على الإطلاق. وتابع هشام أن الحفرية المكتشفة حديثا لا تشبه أي حفرية أخرى في مصر، ولكن جرى اكتشاف عينة تشبه حفرية ديناصور هابيل في أمريكا الجنوبية، وهو ديناصور شرس جدا لأنه يتغذى على اللحوم، كما أن الحفرية المصرية أضخم من تلك الموجودة في أمريكا الجنوبية، وجرى تسمية الديناصور بـ«هابيل»، لأن هذا الاسم يرجع إلى مكتشفه روبرتو هابيل، وجرت ترجمة الاسم إلى «هابيل» اسم العائلة.
لا يبشر بخير

اهتم زياد بهاء الدين في “المصري اليوم” برصد التقارير الموثقة بشأن ما ينتظر العالم: توقعات النمو العالمي من جانب المؤسسات المالية الدولية انخفضت من 5.7% العام الماضي إلى 2.9% لهذا العام (أقل حتى من تقديرات إبريل/نيسان الماضي بعد بدء الغزو الروسي)، والصين ستشهد انخفاضا في النمو من 8% العام الماضي إلى 4%، ومتوسط معدل النمو في أمريكا وأوروبا لن يتجاوز 2.5%. أما في باقي العالم فالوضع أكثر سوءا، حيث من المتوقع أن يزيد عدد من يواجهون الفقر المدقع (ليس المجاعة) بحوالي 75 مليون شخص مقارنة بما قبل وباء كورونا، وأن يبلغ عدد اللاجئين من أوكرانيا 7 ملايين، أما مهاجرو افريقيا فيصعب تقدير عددهم، وإن كانوا في ازدياد مطرد. والوضع الاقتصادي العالمي لن يتحسن قريبا – حتى لو انتهت الحرب في أوكرانيا – لأن الاقتصادات الكبرى تواجه خطر ارتفاع الأسعار بشكل سريع في وقت انكماش النشاط الاقتصادي، وبالتالى انخفاض الإنتاج والدخول والحصيلة الضريبية ومعها الموارد المطلوبة للإنفاق العام. الخلاصة أنه – مع استثناء الدول المصدرة للنفط – فإن الوضع العالمي خطير، ولا يزال في بداياته، والمستقبل غير واضح المعالم، والبدائل المتاحة أمام الحكومات – كل الحكومات- محدودة وصعبة. ونحن جزء من هذا العالم، ولكن هناك مع ذلك ما يمكن عمله للخروج من هذه المحنة، بل اقتناص الفرص والخروج بأفضل مما كنا. وأقول هذا دون التقليل من صعوبة المهمة التي تواجه حكومتنا ومسؤولينا في هذا الظرف الحرج.

الخروج بأقل الخسائر

من أجل خروجنا بأقل الخسائر من الظروف الراهنة يقترح زياد بهاء الدين ما يلي: علينا أولا إدراك أن الحالة الراهنة خطيرة وممتدة، وأن الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة يحتاج لتجاوز المناقشات والخلافات بشأن الماضي، وتوجيه الطاقات كلها نحو الحاضر والمستقبل لأن الوضع لا يحتمل ضياعا للوقت ولا الجهد. والمستقبل هو الاستثمار والإنتاج ولا أي شىء آخر. يلزم أيضا التعامل مع الأزمة الراهنة من منظورها الإنساني وليس فقط الاقتصادي، فهذا وقت الوقوف بجانب المواطنين ومساندة الكادحين والمهددين بالسقوط في دائرة الفقر بكل الوسائل، حتى مع إرجاء تحقيق مستهدفات طموحة في إدارة الموازنة العامة، أو في استكمال مشروعات كبرى، لأن الحفاظ على إنسانية وكرامة المواطنين في هذه الظروف القاتمة هو الأهم. أتمنى أيضا أن يستوعب المسؤولون- والرأي العام معهم – أن هذا الإعصار لن تنجح في مواجهته ولا حمايتنا منه الأدوات المعتادة ذاتها، التى كان نجاحها محدودا حتى في الظروف العادية. لن يصلح الحديث عن تعديل القوانين، ولا إرسال بعثات تجوب العالم، ولا تشكيل لجان دراسة مشاكل المستثمرين، ولا النظر في إعفاءات ضريبية جديدة تأكل المزيد من مواردنا القومية. الموضوع يحتاج لتعبئة حقيقية من كل أجهزة الدولة لتحقيق هدف واحد وهو الوقوف إلى جانب كل من يسعى للعمل والإنتاج والتصنيع والتصدير والتشغيل، لأن من يحافظ على قوة العمل اليوم – بل يزيدها- يستحق أن يُعامل معاملة الأبطال. نحتاج أيضا لإغلاق الملفات المعلقة والمعطَّلة، فعليا ونفسيا، لتحقيقات لم تنتهِ، ومطالبات بلا قيمة، وملاحقات غير ذات جدوى، ولفتح أبواب التراخيص والموافقات خاصة لصغار المستثمرين، طالما ليس فيها ضرر معلوم للناس والبيئة والأمن العام، ولتخفيف قبضة البيروقراطية، ولحماية صغار المنتجين وكبارهم من الخوف والقلق الذي يُعطل المبادرات والاستثمارات.
كما نحتاج لشحذ كل الجهود والأفكار لاقتناص الفرص، نحتاج لفتح أبواب الاجتهاد في الرأي وعدم الخشية من الحوار ومن الانتقاد، ونحتاج لاستعادة كل الخبرات والكفاءات المصرية لكي تشارك وتدلي برأيها، بما فيها المهاجر والمعزول والموقوف دونما سبب مقنع، ونحتاج لتواصل مع صغار المنتجين والمستثمرين من خلال جمعياتهم ونقاباتهم واتحاداتهم كي يشعروا بأن أجهزة الدولة تحميهم بدلا من أن تلاحقهم.

ليس خائنا

اهتمت مواقع التواصل الاجتماعي اليومين الماضيين باختيار لاعب الاسكواش المصري محمد الشوربجي تمثيل منتخب إنكلترا والتخلى عن تمثيل بلده الأصلي في اللعبة، وصورت الأمر كما يرى محمد أبو الفضل في “الأهرام”، على أنه خيانة وربما مؤامرة لتفريغ الوطن من الكفاءات. قد يكون هذا التصرف مرفوضا من قبل البعض، غير أن التركيز عليه كأنه أول وآخر شخص يقدم على هذا التصرف يبدو غريبا، لأن مصر تستطيع أن تقدم أكثر من شوربجي في لعبة بزغ فيها نجم العديد من اللاعبين على مدار العقود الماضية. مسألة التجنيس الرياضي لا تقتصر على مصر فقط، فهناك العديد من اللاعبين يستهويهم هذا الطريق ويجدون دولا توفر لهم حوافز تدفعهم لتمثيلها، وتجاوز الأمر اللعبات الفردية إلى الجماعية، فمن ينظر إلى بعض المنتخبات الأوروبية سيجد أن عددا كبيرا من اللاعبين ينحدرون من أصول افريقية، وهي ظاهرة زحفت على دول عربية عدة للدرجة التي تجد أسماء أجنبية في منتخباتها. أخذ الحديث عن جنسية محمد الشوربجي مساحة كبيرة من الجدل على مواقع التواصل وتناسى من وجهوا له أصابع الاتهام أنه أمضى وقتا طويلا في إنكلترا وتشرب ثقافتها، ولا أحد يلومه على فعلته، لأن المقارنة الرياضية لن تكون في صالح مصر، التي كشفها بيان اتحاد الإسكواش المصري، الذي استخدم خطابا نمطيا يدينه ولم يستطع تقديم مبررات كافية تجعل الشوربجي يتمسك بتمثيله.

أولادنا في النهاية

المثير على حد رأي محمد أبو الفضل أن البعض من الغيورين على بلدهم هم أنفسهم تقريبا الذين وجهوا انتقادات بالغة السوء إلى اللاعب الموهوب محمد صلاح الذي أصبح نموذجا للمصري المحترف، حيث تعرض الفترة الماضية إلى هجوم عاصف دون اعتبار لما حققه من إنجازات فردية وجماعية مع فريقه ليفربول الإنكليزي. لم يعبأ من شنوا هجوما على الشوربجي بأن هناك الكثير من الأسماء المصرية في مجالات رياضية وعلمية وطبية اختاروا جنسيات دول أخرى منذ فترة، ولم يهتموا بالأهمية النسبية التي يمثلها التجنيس من حضور للقوة الناعمة المصرية عموما، والأكثر أنهم لم يناقشوا بحكمة الأسباب التي حرضت الشاب وأمثاله على اختيار رفع علم بلد آخر، ودراسة الدوافع التي أدت به إلى التخلي عن الاستمرار مع مصر. يمثل الجزء الأخير جوهر الأزمة، بصرف النظر عن تقييم حالة محمد الشوربجي، وهل هو يستحق أن تصب عليه اللعنات أم مجني عليه، فالعوامل الطاردة التي أدت به إلى اختيار بلد آخر لا تزال موجودة، وهي التي يمكن أن تكون أفضت بآخرين للهجرة والتجنيس وتفضي بغيرهم إلى المضى في الطريق ذاته. وقد تقود المواجهة الصريحة والمناقشة الجادة إلى علاج القصور المزمن. تأتي نقطة البدء من تحويل الموضوع من قضية شخصية إلى عامة، وتناوله باستفاضة لمعرفة أوجه الخلل التي أدت إلى هجرة عشرات الآلاف من الأطباء والعمل في دول أخرى بحثا عن الأجواء الملائمة والحصول على التقدير المناسب، وهناك آلاف حصلوا على جنسية دول ذهبوا إليها ووجدوا ظروفا أفضل للعمل والاستقرار. تزداد عملية التجنيس رواجا وتجد الكفاءات الكثير من الفرص المتاحة والإغراءات التي يمكن أن تجذبهم بعيدا عن مصر، وتتنامى ظاهرة المنافسة في البحث والتنقيب عن الأبطال، ولم يعد التجنيس يمثل حساسية لدى بعض الدول والأشخاص، بل تحول إلى أمر عادي، حيث تريد كل دولة تنمية قدراتها الرياضية والعلمية بوسائل شتى.

لم نتحرك بعد

الدنيا «مقلوبة» بالفعل، كما اشارت عبلة الرويني في “الأخبار” بسبب سرقات العصابات الدولية لقطع الآثار المصرية.. في إطار التحقيقات الفرنسية الدائرة حاليا، مع مدير متحف اللوفر السابق، بتهمة التواطؤ والتسهيل الكاذب لأصول ممتلكات متأتية من جريمة.. والقيام ببيعها لمتحف لوفر أبو ظبي (5 قطع أثرية) ومتحف المتروبوليتان في نيويورك (5 قطع أثرية أيضا)… في تطور جديد يندرج ضمن التحقيقات الفرنسية قامت المحكمة العليا في نيويورك، بمصادرة 5 قطع أثرية مصرية من متحف المتروبوليتان «محتمل سرقتها»، وفي الحال أعلنت إدارة المتروبوليتان «أن المتحف ضحية لمنظمة إجرامية دولية، وأننا مستعدون للتعاون مع السلطات». في الوقت نفسه أصدر متحف لوفر أبو ظبي بيانا «أنه الضحية الأولى، وأن من غير المقبول ألا نشكل طرفا مدنيا.. وأن المتحف ضحية لعمليات الإتجار بالآثار المصرية، فيما هو مؤسسة ثقافية رائدة ومعروفة في كل أنحاء العالم، ولأنه يتمتع بأخلاق لا تشوبها شائبة في هذا المواضيع، فإنه يرغب في جلاء الحقيقة كاملة وكشف كل ملابسات الملف». يعنى الدنيا شرقا وغربا، مقلوبة رأسا على عقب «تحقيقات وبيانات وضحايا» وقطع الآثار موضع التحقيقات، هي قطع آثار مصرية «محتمل تهريبها» ورغم ذلك لم يصدر أي بيان من مسؤولي الآثار المصرية، الذين التزموا الصمت، دون أي تعليق، كما التزموا من قبل الصمت سنوات، دون تعليق أو حتى سؤال، بينما القطع الأثرية معروضة علنا منذ 2017 في متاحف «لوفر أبو ظبي» و«المتروبوليتان».

ثماني سنوات

حرص أكرم القصاص في “اليوم السابع” على إحصاء مسيرة الرئيس حتى اللحظة الراهنة: عندما نتحدث عن 8 سنوات تولى خلالها الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرئاسة، علينا النظر إلى هذه المرحلة، علينا أن نضعها في سياق ثلاثة عقود منذ التسعينيات، حيث الفرص الضائعة والدخول إلى حالة من عدم الرضا أو الفهم والبقاء في جمود، رغم الفرص التي توفرت على مدى الفترة منذ بداية التسعينيات من القرن العشرين حتى منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة. وعلى مدى السنوات العشر التي سبقت 25 يناير/كانون الثاني، ساد شعور الفرص الضائعة في التحديث أو التنمية بعدالة، كانت هناك حالة من التردد ونسبة نمو لا تنعكس في صورة خدمات أو طرق أو إسكان أو مواصلات عامة، والعلاج للقادرين أو بقرارات بيروقراطية للعلاج، كان فيروس سي يلتهم أكباد المصريين، وأمراض كالسرطان والفشل الكلوي تفرض نفسها، دون أفق لمواجهة حقيقية، والعشوائيات تحزم العاصمة والمدن، والاختلال في ملف الإسكان أدى إلى عشوائية في الأحياء، والاعتداء على الأراضي الزراعية، والتوسع في الإسكان الفاخر على حساب الإسكان المتوسط والمنخفض. ملف المواصلات العامة أيضا واجه فوضى، توقف توسعات المترو وتحديث القطارات أو إطلاق خطوط جديدة، والنقل العام مرتبك بين قطاع عام عاجز وخاص مستغل أو عشوائي، مع حوادث طرق، بسبب غياب الطرق الحديثة، واختناقات المرور وتوقعات بأن تنسد القاهرة بزحامها وتصل السرعة في 2020 إلى 8 كيلومترات في الساعة.

المهم النتائج

كل ما تحقق من إنجازات وفق رأي أكرم القصاص، تم مع اقتصاد مختل ونمو مرتفع غير عادل في توزيعه، عاجز عن استيعاب الأزمات، طوابير الخبز وأنابيب الغاز والسلع الرئيسية، مع إدخال الأمن في محاولات حل الأزمات أو مواجهة تداعياتها، تعقيد في ملفات الصناعة أو المشروعات الصغيرة، مع أفق سياسي غير واضح، وعدم امتلاك شجاعة السير في إصلاح اقتصادي حقيقي، يدفع بالفرص للأمام، ويعالج المشكلة في سياق اجتماعي يفتح آفاق الاستثمار ويوفر فرص عمل، كل هذا على الرغم من توفر فرص كبيرة لتدفقات أموال من تحويلات أو عوائد وأراض. في الزراعة كان الاعتداء على الأراضي الزراعية بالبناء، وتوقف استصلاح أراض جديدة أو منحها وتوزيعها بلا قواعد، الأمر الذي فتح باب التسقيع والاتجار في الأراضي لتتكون طبقة مليارديرات الاتجار في الأراضي، مع استمرار التركز في مساحة لا تتجاوز 6-7 % من جغرافية مصر، في ظل تضاعف أعداد السكان، بمتوالية هندسية والعجز عن مجاراة كل هذه الأرقام بخدمات أو أفكار. وداخل هذه الفترة يتم وضع ثلاث سنوات بعد 25 يناير/كانون الثاني، تحولت أحلام التغيير إلى كابوس، الدولة والشعب واجها حالة من الشك والتشتيت، وكادت تدخل البلد في حرب أهلية، خاصة مع تقسيم الشعب وزرع حالة من عدم اليقين بين الناس، وأكثر نقطة كانت، تقسيم الناس ونشر الخلاف، وتصوير الشعب على أنه جماعات وتجمعات وقبائل وأضداد، مع وجود إرهاب نجح في دول من حولنا في أن ينتزع محاولات التغيير، ويحولها إلى حمامات دم وحروب أهلية انتهت بتفكك النواة الصلبة، بشكل يجعل من الصعب العودة إلى المربع الأول، مع ملايين اللاجئين، لتتحول أحلام التغيير إلى كوابيس، في مصر كانت بؤر الإرهاب تتجمع، لتبدأ عملية اقتسام المنطقة بين جماعات متطرفة وتنظيمات مسلحة.

خطر يلاحقنا

نتوجه نحو الخطر الذي يوشك أن يحيق بنا بصحبة الدكتور مصطفى عبد الرازق في “الوفد”: منذ أن دخلت أزمة سد النهضة قاموس حياتنا السياسية اتخذت أشكالا مختلفة في التعاطي معها من ناحيتنا، نحن كمصريين، سواء على مستوى صانع القرار أو على مستوى ردود فعل الشعب، لو أنك تتبعت الأمر بهدوء وروية لأمكن لك رسم منحنى متصاعد وإن ببطء من الشعور بالخطر، يمكن أن تلحظ ذلك في التصريحات الرسمية الصادرة عن مسؤولين في إدارة الملف أو على مستوى رجل الشارع العادي. في تقديري أن المسألة وصلت ذروتها في التعبير عن عدم ارتياح مصر لما يجري مع بدء ظهور مراوغة إثيوبيا ومحاولاتها الفكاك من ضريبة الحوار خلال مفاوضات واشنطن. وقتها كان صوت سامح شكري وزير الخارجية كما بدا في تصريحاته عاليا وبنبرة لا يتطرق إليها أي شك في قلق مصر من مسار المفاوضات. مع بعض التطمينات من قبل جهات دولية مختلفة، عادت الأمور إلى سيرتها الأولى على نحو يذكرنا بأجواء 2015، حيث اتفاق إعلان المبادئ، ولكن الفار بدا أنه يلعب في عبنا جميعا مع الملء الأول، وقتها لم تجد مصر سوى مجلس الأمن، وكان الخطاب التاريخي لسامح شكري الذي قدّم نموذجا على ريادة مدرسة الخارجية المصرية في التعامل مع الأزمات. تكرر الأمر مع الملء الثاني على نحو بدا معه تحقق عملي لمقولة ما أشبه الليلة بالبارحة، حيث تكرر سيناريو مجلس الأمن مع بيان متضمن مهلة ستة شهور في محاولة للتعاطي مع المخاوف المصرية.

فلنستعد للأسوأ

الجديد في هذه الأيام الذي انتبه له الدكتور مصطفى عبد الرازق، هو أنه مع تجدد المخاوف من عملية الملء الثالث، فإن مصر تتعامل حتى الآن بهدوء شديد يمكن لأي مراقب وصفه بأنه ثقة كبيرة في النفس، أو «ثبات انفعالي»، وهو الأمر الذي ربما أوحى بعنوان هذه السطور، وهو أن مصر «تسوي» أزمة سد النهضة على نار هادئة هذه المرة، ربما مع اقتراب مغاير يختلف عن تلك التي تمت في السنوات الماضية. يعزز ذلك التصريحات التي أدلى بها الرئيس السيسي على مدار الفترة القصيرة الماضية – خلال شهر تقريبا- وهي تقريبا ثلاثة تصريحات كلها تعيد التأكيد على موقف مصر الثابت من أزمة سد النهضة، الذي يتمثل في أنه لن يتم السماح بانتقاص شيء من حصة مصر، وإن جرى التأكيد هذه المرة أو الفترة على أن مصر لم تدخل في صراع مع أشقائها الأفارقة من أجل زيادة حصتها من مياه النيل. من متابعة من قريب للملف، فإن ظاهر الأمور وباطنها يشير إلى أن مياه النيل وحصة مصر منها في منظور القيادة المصرية خط أحمر، مع رصد ومتابعة دقيقين لكل ما يجري في أعالي النيل.. هناك في إثيوبيا وتقدير حدود الخطر على نصيبنا من تلك المياه جراء عملية بناء السد، ولا أبالغ إذا قلت إن ذلك يتم بشكل يومي، بل وعلى مدار الساعة. صحيح أن هناك بعض الجوانب التي قد تبدو غير واضحة، وصحيح أيضا أن بعض الإجابات قد لا تشفي غليل أصحاب الأسئلة بشأن أبعاد هذه الحالة من الهدوء في أداء الدبلوماسية المصرية، لكن إذا تعاملنا بمنطق أنه ليس كل ما يعرف يقال، خاصة في بعض الأزمات التي قد ترى الدولة أنها ينبغي أن تدار بميزان حساس من ذهب.

حروفها تشبهها

من أجمل اللقطات أن تستيقظ على حوارات عالية الصوت رقيقة ودقيقة النغمات من وجدان خديجة حمودة في “الوطن”: تبدو كأنها صادرة عن آلة موسيقية تستعد للعزف وتقفز على درجات السلم الموسيقي، إلا أنه سرعان ما تكتشف أنها صادرة من أصدقائك الذين يشاركونك الحياة فوق أغصان الشجرة الملاصقة لبيتك ونافذتك. وفي عالم الطيور اعتدنا أن نستمع إلى أرقى الحوارات وأمتعها، فنشعر كأن تلك الأصوات تعزف سيمفونية عالمية ساحرة تحكي قصص الإعجاب والغزل والغرام والوفاء والحفاظ على مشاعر الحبيب ومواساته والالتصاق به واحتضانه تحت الجناح، لتدفئته ومساعدته والتنازل له عن الطعام بكل رضا وسعادة والإحساس بالمسؤولية وضرورة دعمه وبناء العش الذي يحتضن داخله الصغار ويدافع عنه ضد أي معتدٍ. وقد تحدث الفلاسفة القدماء كثيرا عن لغة الطيور وأسرارها وعلاقتها بالبشر، حتى أن بعض الطرق الصوفية قالوا عنها (لغة الملائكة)، وكتب عنها المؤرخ البريطاني هارولد بيلي كتابا كاملا تحت اسم (اللغة الضائعة للرموز)، أشار فيه إلى أنها كانت تسمى أحيانا (اللغة الخضراء)، وأكد أن فهمها يعزز علاقة الإنسان بالطبيعة ويعمق فهمه لها ويقال عنها أيضا، إنها أول لغة خلقها الله في الكون وكانت لغة جميع المخلوقات بما فيها الإنسان الأول. وفي الموسوعات وكتب التاريخ القديم وصفت اللغة الهيروغليفية بأنها (أبجدية الطيور)، ولم يتوقف الأمر على ذلك فقط، فقد دخلت لغة الطيور الموسيقى المعاصرة، حيث ألّف الموسيقار الفنلندي جان سيبيليوس، في مطلع القرن الماضي، قطعة موسيقية بعنوان (لغة الطيور)، وإذا نظرت إلى مجموعة من الطيور الصغيرة ستشعر بدفء المشاعر وقوة الاحتياج الذي تترجمه تلك المخلوقات الدقيقة بالاقتراب والالتصاق وترتيب مجموعاتها حتى أثناء الهجرة من قارة لأخرى، فتبدو كما لو كانت جيوشا عسكرية متلاحمة مرتبة منسقة تتحرك خلف قائدها في مشهد مهيب.

لغة الملائكة

يبدو أننا نحن البشر على حد تصور خديجة حمودة، فقدنا الكثير مع الوصول للعالمية وسط التكنولوجيا والأجهزة المعقدة التي تفصلنا عمن حولنا وتغلق علينا جميع الحواس بحجة واهية لا طعم لها ولا معنى، وهي (الخصوصية) التي فرقت الأحبة وفتتت جميع العلاقات وألغت التجمعات. فإذا كنت من المتابعين للظواهر الاجتماعية والتغيرات التي تطول المجتمع، فلا بد أنك أحسست وشاهدت نزعة الاستقلال التي سيطرت على الأجيال الجديدة وعلى الفتيات وساهمت في إفشال المئات من الزيجات والعلاقات، والغريب أن تلك الظاهرة لم تقابلها أي مقاومة أو رفض من الشباب، بل وصل الأمر للتشجيع من العائلات وحث الفتيات على العمل والدراسة والسفر دون ارتباط، ويكفي أن تلاحظ الانفصال الذي حدث في المجتمع بين عالمي الفتيات والشباب، فالجماعات التي تسافر أو تقيم الاحتفالات الخاصة غالبها تميل إلى التمييز إلى حد ما. وعلى أطباء علم النفس والاجتماع دراسة تلك الظاهرة المفزعة، التي ستقضي على كل صور المشاعر الإنسانية وعلى تلك اللقطات الرومانسية التي اعتدنا رؤيتها والاحتفاظ بها في صناديق الحب والذكريات، حتى لا تنتحر المشاعر الحقيقية والأحلام، ولا مانع أن تكون لغة الملائكة هي دليلنا وطريقنا إلى السعادة، خاصة بعد أن أثبتت الدراسات أن بعض النظم الصوتية التي تستخدمها الطيور شبيهة بتلك الموجودة في اللغات البشرية، بل يمكن القول إن أغاني الطيور تضبط التناغم بين موجات أدمغتنا والموجات الصوتية التي تمتلئ بها الأرض والكواكب من حولنا.

ليست الأخيرة

ما حدث مع مجلة الكواكب التي أغلقت تتوقع كريمة كمال في “المصري اليوم” أن يحدث للكثير من الإصدارات الأخرى من الصحف والمجلات القومية، والمشكلة هنا كما تقول الكاتبة، إن مصير هذه الإصدارات قد نوقش منذ عدة سنوات، وتم التوصل إلى قرار الدمج، أو في الواقع التصفية، والمشكلة هنا أن اتخاذ هذا القرار كان بناء على أن هذه الإصدارات لم تعد توزع بالشكل الكافى، بل ربما لم تعد توزع على الإطلاق، وهي في الوقت نفسه تكلف الدولة أعباء مالية كبيرة نتيجة دعم الدولة المادي لها.. كان القرار معدا ومتخذا منذ سنوات وينتظر لحظة التنفيذ، ولا أحد يشكك في أن كثيرا من هذه الإصدارات قد توقفت عن التوزيع ولم تعد موجودة بالفعل، لكن هل كان الحل الوحيد هو التصفية أو الدمج؟ المشكلة هنا أن القرار اتخذ بمنطق التخلص من المشكلة، وليس بمنطق أفضل ما يمكن أن يحدث للحفاظ على تراث وتاريخ هذا البلد، المتمثل في هذه الإصدارات، فهذه الإصدارات هي في الواقع منجم لأي باحث أو دارس لتاريخ مصر، سواء كان التاريخ السياسي أو الاجتماعي أو الفني، وكان الأجدى عند مناقشة مصير هذه الإصدارات ليس النظر إليها على أنها عبء أو مشكلة، بل النظر إليها على أنها كنز يمكن الاستفادة منه بتحويله إلى مواقع يتم تخزين الأرشيف بها. بحيث تتحول هذه المواقع إلى مصدر يلجأ إليه الدارسون والباحثون في تاريخ مصر، على أن يعمل العاملون في هذه الإصدارات في عملية التحويل هذه تحت إشراف قيادة أو قيادات مؤهلة في الأرشفة والمواقع.. هنا فقط لا نكون قد تخلصنا من هذا التاريخ الحي، بل نكون قد استفدنا منه وقدمناه إلى الأجيال القادمة، لتستفيد منه هي الأخرى. أعربت الكاتبة عن امنيتها أن يعاد النظر في قرارات التصفية قبل أن تطال كل الجرائد والمجلات، فما عاد سوى أقل القليل من الصحف التي ما زالت موجودا على الساحة، والذي من المؤكد أنه سيلحق بالتصفية في ما بعد.. لذا طالبت الكاتبة بأن يعاد النظر في المسألة بمنطق الاستفادة، وليس التخلص من عبء ومشكلة.

اللعبة الأمريكية

تبدو أمريكا الآن على حد رأي جميل مطر في “الشروق” واثقة بما تفعل وبما تريد منا ومن غيرنا. تبدو واثقة بمعنى أن سياساتها الخارجية صارت تحظى بما يشبه إجماع الداخل. الإعلام على تنويعاته، بل خصوماته الأيديولوجية وولاءاته المتصلبة يقف موحدا ومؤيدا لمواقف وسياسات الحكومة، وفي أحيان مزايدا عليها. والكونغرس المنقسم على نفسه معظم الوقت ونصفه أو أكثر من نصفه معترض على سياسات الحزب الحاكم لا يجد الآن خطأ واحدا مهما في هذه السياسات وفي أحيان يضغط عليها لتزيد. توحدت، أو بدت موحدة، السلطتان التنفيذية والتشريعية، وعلى مسافة قصيرة جدا تقف الجماعة العسكرية بمعناها الواسع مشجعة أو لعلها صاحبة المبادرة والفعل، حسب فهم ومتابعة كثير من المعلقين. أسمع وأقرأ منذ سنوات، خاصة منذ انكشف المدى الذي انحدرت إليه القوة الأمريكية الشاملة تحليلات تحذر من تنامي مظاهر الانحدار الأمريكي. كثيرا ما أعرب محللون عن خشيتهم من أن تصل إلى الحكم إدارة عازمة على وقف هذا الانحدار واستعادة أمريكا العظمى والقوية بأي ثمن، فتجرب وتفشل بسبب تعقيدات عديدة. استند المحللون في خشيتهم إلى سوابق في السياسة الدولية حين لجأت دول إلى إثارة أزمات دولية تحد بها من احتمالات بزوغ قوى منافسة وتمنع هذه القوى من استغلال الضعف النسبي الذي طرأ على مواقع قوتها ومكانتها. لسنا في حاجة إلى عالم سياسة أو أستاذ في علوم الاستراتيجية ليقرر لنا أن ما فعلت أمريكا وما اتخذته من قرارات وما نفذت من سياسات خلال الشهور القليلة الماضية، شهور الأزمة الأوكرانية، جاءت محصلته حتى الآن لغير صالح أوكرانيا ولغير صالح أوروبا ولغير صالح العالم خارج منطقة الصراع المباشر، وهنا أضع الشرق الأوسط الذي يعنيني شخصيا أكثر من غيره، ثم أذهب إلى قلب الفعل وهو الولايات المتحدة، هل فعلا يمكن القول إن الولايات المتحدة نفسها أصبحت في وضع أفضل مما كانت عليه قبل أن تطلق واشنطن سلاسل العقوبات المفروضة الآن على روسيا وعلى أوروبا؟ هناك من كان يعتقد أنها حققت لنفسها مكسبا كبيرا حين استطاعت في مطلع الأزمة توحيد دول الغرب تحت قيادتها.

تلعب بالنار

مضى جميل مطر مفندا الأجندة الأمريكية: من المفارقات المذهلة في هذا الاندفاع غير المدروس بعناية من جانب الإدارة الأمريكية قرار الحكومة الألمانية تخصيص صندوق بمبالغ كبيرة لتسليح ألمانيا. كما وصلتني رسائل من أصدقاء في أوروبا تعبر عن مخاوف شديدة نتيجة ما اعتبره بعض الأوروبيين إنذارا خطيرا يتعلق بمستقبل القارة. جاء في رسالة من هذه الرسائل عبارة تتهم حكومة بايدن بأنها تلعب بالنار نتيجة عجزها عن وقف الغزو الروسي لأوكرانيا. واحدة من أقدر المحللات الأجنبيات كتبت لي رسالة بشأن إنجازات حكومة الديمقراطيين الأمريكيين. سخرت خلالها من رحلات الرئيس الأمريكي الخارجية، قالت عنه “سافر إلى أوروبا فتوالت كوارثها الاقتصادية، وعادت الانقسامات وتفككت وحدة الغرب التي نتجت عن العدوان الروسي. ثم سافر إلى شرق آسيا فاشتعلت الأجواء بمناورات عسكرية وبتصريحات سياسية وعسكرية متبادلة بعدوانية. عادت تغلي مياه كل مضايق مياه بحر الصين الشرقي بالتوتر ولغة الحرب. نحن في أمريكا الجنوبية نشكر الظروف التي سمحت بأن ينعقد المؤتمر الدوري لمنظمة الدول الأمريكية في مدينة لوس أنجلس”. ختمت صديقة الكاتب رسالتها بأنها لا تنتظر خيرا من هذه الزيارة ولديها سببان. أولهما أن أمريكا لم تغفر للعرب إجماعهم على موقف جديد من مجمل الصراع بين أمريكا وروسيا والصين، ثانيهما أن الصراع العربي الإسرائيلي صار يظهر غير ما يبطن. نجحت سياسات أمريكا في فرض تغييرات على أوجه معينة في علاقات الطرفين ببعضهما وعجزت عن الوصول إلى قلب الصراع. ولهذا العجز تداعيات أهمها الاقتناع المتزايد لدى أغلبية متزايدة العدد في قطاعات صناع الرأي في العالم العربي بأن أمريكا هي صانعة هذا العجز أو طرف أساسي في صنعه، وهو ما أثبتته قطعيا ردود فعل أمريكا المخزية على اغتيال شيرين أبو عاقلة، أثبتته أيضا مواقف أمريكا المتقلبة تجاه حليفاتها العربيات المنتجة للنفط والغاز. العالم بات في أمس الحاجة لقيادة مسؤولة وواعية ورشيدة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية