‘النهضة’ والغنوشي

ما الذي يجري بالضبط داخل حركة ‘النهضة’ التونسية؟! هناك مشكلة بالتأكيد مهما قـُـدّم من تفسيرات أو تبريرات. بالكاد مر يوم واحد فقط على توقيع زعيم الحركة راشد الغنوشي السبت الماضي على المبادرة التي على أساسها انطلق الحوار الوطني في البلاد بعد أزمة خانقة، حتى أصدر ‘مجلس شورى’ الحركة في نهاية اجتماع طارىء بيانا نسف فيه عمليا هذا التوقيع. حدث ذلك من خلال ثماني نقاط أوردها هذا البيان تؤكد بالخصوص على استمرار المجلس الوطني التأسيسي (برلمان المرحلة الانتقالية) بصلاحياته كاملة إلى حين انتخاب برلمان جديد ومواصلة الحكومة الحالية أعمالها.
هذا الكلام يعني ببساطة شديدة تراجع الحركة عما التزم به رئيسها أمام الأشهاد من قبول استقالة الحكومة الحالية خلال ثلاثة أسابيع واستكمال مهام المجلس التأسيسي في غضون أربعة أسابيع، وفق ما جاء في خارطة الطريق التي قدمها رباعي الوساطة (اتحاد نقابات العمال، اتحاد نقابات أرباب العمل، رابطة حقوق الإنسان وهيئة المحامين) ووافقت عليها معظم الأحزاب السياسية التونسية الممثلة في المجلس التأسيسي. مع ذلك، ها هو الغنوشي يحاول ‘ترقيع’ ما يصعب ترقيعه في الحقيقة بالقول إن بيان مجلس الشورى لا يتناقض مع قبول الحركة بخارطة الطريق التي وقـّعها هو شخصيا.
هذه ليست المرة الأولى، على كل حال، التي نرى فيها زعيم الحركة في موقف غير مريح وحتى محرج داخل حركته . وصل الأمر أحيانا ببعض وجوه هذه الحركة البارزين، من الجيل المؤسس أو الشاب، إلى حد التصريح علنا أن كلام الغنوشي في هذه المسألة أو تلك لا يلزم الحركة بالضرورة، أو أن ما قاله يمثل رأيه الشخصي وأن للحركة هياكلها القيادية المعبرة عن مواقفها الرسمية!!
هنا تتعدد التفسيرات وردود الفعل، فمن مسارع إلى القول إن ما يجرى يؤكد من جديد لعب الحركة المتواصل على أكثر من حبل، إلى آخر لا يرى فيه سوى توزيع للأدوار لمزيد كسب الوقت، إلى من يعتقد أن ما يلزم حركة ‘النهضة’ رسميا في النهاية هو توقيع رئيسها على وثيقة ‘خارطة الطريق’ وليس البيانات الصادرة عن هياكلها التي تبقى شيئا حزبيا داخليا، إلى غير ذلك من القراءات أو التأويلات، بعضها إتهامي باستمرار وبعضها الآخر يحاول فهم ما يجري حقيقة داخل هذه الحركة من تفاعلات وتجاذبات وحتى صراعات.
بداية لم يكن من السهل على الإطلاق على حركة عاشت لسنوات ملاحقة مقموعة، قياديوها إما في المنافي أو السجون أو تحت رقابة إدارية وأمنية لا تطاق، أن تجد نفسها فجأة تتحمل وزر حكم تونس دون تجربة سابقة ولا شخصيات محنكة. وكان لهذا ‘الإصطدام’ بالحكم ارتداداته المستمرة حتى الآن خاصة وأن الحركة تشقها أجيال وتيارات. البعض لم يعرف سوى التخفي أو الزنازين الانفرادية فظل أسير دوغمائية تربى عليها ولم تزدها المعاناة إلا رسوخا، الآخر عاش في الخارج فأثرى معرفته وعلاقاته، البعض لم يعرف بعد تجربته الطلابية سوى السجن فخرج منه وهو ما زال يحمل النفس الطلابي في عالم تجاوز تلك المراهقة، الآخر اختلط بعائلات سياسية مختلفة وأوساط حقوقية فنسّب قناعاته في كل شيء مقابل آخرين لا يرون أنفسهم إلا مهتدين على الدوام وبتفويض إلهي مفتوح … وهكذا.
بين كل هؤلاء يتحرك راشد الغنوشي. تراه أحيانا يميل إلى هؤلاء وتارة إلى أولئك. هو أحيانا براغماتي مرن بامتياز وأحيانا أخرى متشدد مخيف. بعض المقربين منه يرونه، مع ذلك أو بسببه ربما، الضامن الوحيد لاستمرار الحركة موحّـدة، فيما لا يتردد آخرون إلى دعوته إلى ترك السياسة والتفرغ إلى الدعوة التي يجيدها أفضل من غيرها . ثم إن الغنوشي مدعو أيضا إلى محاولة التوفيق الدائمة بين رفاقه القدامى والجيل الجديد مع الأخذ بعين الاعتبار القواعد الشعبية للحركة التي يصفها كثيرون بأنها في معظمها متشددة وحتى سلفية . بات الغنوشي مدعوا مؤخرا إلى محاولة ‘إدارة الخوف’ الذي بدأ يدب تدريجيا في صفوف أبناء الحركة من إمكانية انقلاب الأمور عليهم وعودتهم إلى السجون ثانية كما حصل في مصر. المشكلة أن هؤلاء كلما خافوا أكثر خاف منهم المجتمع أكثر. لهذا وغيره، لا حل للحركة إلا بتحصين نفسها وإنضاجها أكثر بالسعي الدائم إلى التوافق مع بقية الفرقاء السياسيين وتجنب التقوقع أو استمراء العودة إلى منطق الضحية وما يسببه ذلك من جنوح إلى التطرف. من هنا فالحوار الوطني الجاري حاليا هو بوابة الخلاص لتونس وللجميع، النهضة وغيرها كذلك، فهؤلاء ليسوا في النهاية بأفضل حال منها، وإن كان لاعتبارات أخرى مختلفة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حسن.تونس:

    اني أشفق على الأستاذ راشد الغنوشي الرجل المفكر صاحب عدة مؤلفات عن الاسلام المعتدل المساير للعصر.دخوله في عالم السياسة وامتلاكه السلطة في تونس واحنكاكه أحيانا بأنماط بشرية هابطة مفروضة عليه أنقصت من وقاره.وجب عليه اليوم الابتعاد عن هذه الأجواء والتفرغ للكتابة وترك السياسة للشباب القادرعلى التفاعل مع كل الحساسيات الموجودة على الساحة.

  2. يقول عبدآلرؤوف:

    ليعلم آلجميع أن آلمجلس آلتأسيسي آلتونسي يضم 186 نائبا يمثلون 20حزبا و31 نائبا من مستقلين . ” آلترويكا ” آلتي تمثل آلحكومة آلحالية هي مكونة من 1) حزب حركة آلنهضة , 2) آلتكتل , 3) آلمؤتمر, وإن أضفنا لهم مجموعة “آلعريضة ” ,, سيتبين لنا أن هؤلاء يمثلون 75 % من آلنواب و تقريبا 75 % من مجموع أصوات آلناخبين . أما بقية آلأحزاب و عددهم 16 زائد آلمستقللين فهم لا يمثلون أكثر من 25% من آلنواب و 25% من جملة آلناخبين .
    آلحديث عن إزمة سياسية خانقة في تونس فهذا يعد تضخيما لحجم من لا يستحق . هناك آستغلال لبعض آلأحداث من طرف أحزاب فئة ” آلصفر فاصل ” لبعث آلتوتر و لإرباك آلحكومة , و في كل مرة يفسلون في مسعاهم . و تمر آلأزمة بسلام , و ستمر هاته أيضا يسلام , بإرادة آلله .
    أما في ما يخص آلإزمة آلإقتصادية , فهي موجودة و ليست بآلخانقة . يجب ألا ننسى أننا دولة من آلعالم آلثالث ,ليس لدينا موارد طبيعية ضخمة , و مررنا منذ جانفي 2011 بآنتفاضة سعبية . زد على ذلك دخول نقابات آلعمال على آلخط لمساندة آلأحزاب آللائكية و آليسارية للإطاحة بآلحكومة آلإسلامية , و إعلان هاته آلنقابات عن آلإضراب تلو آلإضراب.
    أما في ما يخص حزب حركة آلنهضة و رئيسها آلأستاذ آلغنوسي . فآلحزب له مؤسسات , من بينها مجلس آلسورى ,وهو أعلى ساطة في آلحزب , كل آلقرارت تتخذ في صلب تلك آلمؤسسة بعد آلتصويت , إن حصلت على آلأغلبية . وتبقى حرية كل عضو في آلحزب لإدلاء برأيه بكل حرية في أي موضوع .

  3. يقول ضو-تونس:

    مقال سلط الضوء على جزء مهم من المشهد التونسي والتناقض داخل حركة النهضة الإخوانية وما يبدو عليها من ازدواجية في الخطاب وتعنت يهدد بنسف المرحلة الانتقالية ووأد المساعي التوافقية المتمثلة أساسا في مبادرة الحوار الوطني التي تقدمت بها المنظمات الوطنية الأربع الأبرز، خاصة أن الحركة طالما تنكرت لاتفاقات سابقة وتصريحات لزعمائها ،لازالت مسجلة ومتداولة إلى الآن في مواقع التواصل الاجتماعي، جرى نقضها لاحقا والالتفاف عليها وأبرزها تصريح شهير لرئيس الحركة راشد الغنوشي تعهد فيه بأن لا يتجاوز عمر المجلس التأسيسي والحكومة مدة سنة غير أن المدة وصلت إلى سنتين الآن ومازالوا يتحايلون للاستمرار..
    المشألة تبدو أعمق وتتجاوز تونس، فقد فشل الإخوان المسلمون في اختبارات السلطة ولم يقدموا إضافة أو ينجحوا في تحد من التحديات والمشكلات التي انتخبوا لحلها وتعهدوا بذلك سواء في تونس ومصر أو حتى المغرب ،باختلاف الواقع والوقائع، فكان كل همهم التمكن من الدولة والاستمرار في الحكم مهما اقتضى ذلك من تلاعبات وأساليب تذكّر بالأنظمة البائدة وهي استمرار لنفس الخيارات إضافة إلى التعامل بنفس الأجهزة والأدوات مع خصومهم ومعارضيهم.

  4. يقول بشير ناجي العوضي:

    أثبت الإسلاميون أنهم الفصيل الوحيد الذي الذي يقبل بالآخر ويحترم الديمقراطية بينما نرى العلمانين يبحثون عن إنقلاب يعيدهم لقمع الشعب وفتح الزنازين والمعتقلات هاتوا لي حزب علماني عربي يحترم الديمقراكية ويحتكم للصناديق هاتوا لي شخصية ليبرالية عربية تقبل بمشاركة كل الأحزاب الأخرى في الحكم . لن تجدوا أحدا .
    إن الذين فشلوا في انتخابات تونس يحاولون أن يعدوا الى الحكم بطريقة القفز على آرادة الجماهير ويظنون أنهم الأنسب والأصلح للحكم لا لشيئ سوى أنهم مجردون من القيم وخبراء في السلب والنهب وهم أساطين فساد .
    كيف يحاولون القفز الى الحكم لمجرد أن يغتال شخصا في المعارضة . كيف تسمح لهم ضمائرهم بحكم شعب لم يقبلهم بالإنتخاب المباشر .
    . إن على الإسلامين اليوم أن يثبتوا على مسارهم الديمقراطي ولكن بحذر شديد . وأن يقطعوا الطريق على كل الكلاب المسعورة الطامعة للحكم بطريقة الإنقلاب القذرة . وأن يفعلوا القانون ضد أولئك الإنقلابين . ليثق الشعب بهم .

إشترك في قائمتنا البريدية