القاهرة ـ «القدس العربي»: كشفت النيابة العامة المصرية، أمس الأحد، عن أن تحقيقاتها في كارثة تصادم قطارين في سوهاج الشهر الماضي، كشفت عن تضارب في شهادات سائق القطار ومساعده، بالإضافة إلى ترك رئيس قسم المراقبة المركزية في أسيوط، مقر عمله وقت وقوع الحادث، وتعاطي كل من مراقب برج محطة (المراغة جوهر) الحشيش المخدر، وأيضاً تعاطي مساعد سائق (القطار المميز) عقار «الترامادول».
وذكرت في بيان أن التحقيقات كشفت عن توقف (القطار المميز) قبل مزلقان السنوسي، بين محطتي سكة حديد المراغة، وطهطا لعدة دقائق، ثم تحركه متجاوزا المزلقان، وتوقفه مرة أخرى حتى قدوم (القطار الإسباني) من محطة سكة حديد سوهاج، واصطدامه بالقطار المتوقف، فوقع الحادث الذي أسفر عن وفاة عشرين شخصا، وإصابة مئة وتسعة وتسعين، ونتجت عنه تلفيات بالقطارين بلغت قيمتها خمسة وعشرين مليونا، وثمانمئة وتسعين ألفا، وخمسمئة وثلاثة وثمانين من الجنيهات.
تضارب
وأضافت أن سائق (القطار المميز) ومساعده ادعيا في التحقيقات ظهور إشارات ضوئية على شاشة التحكم في كابينة القيادة، تفيد انخفاض معدل ضغط الهواء بالأنابيب الواصلة بين عربات القطار ما أوقفه آليا، وأحالا أسباب هذا الانخفاض إما إلى سحب أحد مقابض الخطر بأي من العربات، أو غلق أحد صمامات تحويل الهواء المضغوط بالمكابح ـ الجزرات، وأنه مع بدء ارتفاع معدل ضغط الهواء تحرك القطار متجاوزا مزلقان السنوسي، ثم توقف آليا مرة أخرى بموقع التصادم، فتبين مساعد السائق غلق أحد الصمامات بين العربتين الثالثة والرابعة وصورها بهاتفه، بينما شهد من سُئل من المصابين والركاب والعاملين في القطار من الكمسارية وأفراد الأمن بعدم رؤيتهم سحب أي من مقابض الخطر أو سماعهم الصوت المميز الصادر عن سحبها.
وتابعت أنها قدمت تلك الأقوال والصور إلى اللجنة الهندسية المشكلة لبحث حقيقة الأمر فنيا، بينما أكد سائق القطار المميز في التحقيقات إيقافه جهاز المكابح والتحكم الآلي أثناء الرحلة، بدعوى تعطيله حركة القطار وتأخير مواعيد وصوله إلى المحطات. وزادت: بينما قرر مساعد سائق (القطار الإسباني) توليه القيادة إبان وقوع الحادث، مدعيا سيره على سرعة تسعين إلى خمسة وتسعين كيلومترا في الساعة، وتأكده من إضاءة جميع الإشارات الضوئية السيمافورات، باللون الأخضر على طول شريط السكة الحديدية قبل موقع التصادم، ما يسمح له بالمرور، ولكنه على مسافة خمسمئة إلى ستمئة مترٍ من موقع التصادم رأى توقف (القطار المميز) فاستخدم المكابح اليدوية لإيقاف الجرار والعربات، ولكنها لم توقفها فوقع التصادم، بينما ناقض سائق القطار في تلك الرواية، مؤكدا توليه هو القيادة وقت الحادث، وسيره على سرعة تسعين كيلومترا في الساعة، ومشاهدته توقف (القطار المميز) على مسافة مئة متر، حيث استخدم المكابح ذاتها المشار إليها دون تمكنها من إيقاف القطار، وقد أقر السائق ومساعده بإيقاف جهاز المكابح والتحكم الآلي بالقطار، وأحال السائق سبب ذلك إلى تأخيره الحركة مدعيا إصدار الهيئة القومية للسكك الحديدية تعليمات شفاهية بعدم تشغيل هذا الجهاز، وسماعه بها بمعهد تدريب السائقين في بوردان.
إهمال
وكشفت التحقيقات، وفق النيابة، ترك رئيس قسم المراقبة المركزية في أسيوط مقر عمله وقت وقوع الحادث، على الرغم من مسؤولية هذا القسم عن مراقبة حركة القطارات في موقع التصادم، بينما أسفرت التحقيقات مع اثنين من المراقبين بالقسم عن إخلالهما بمهام عملهما؛ حيث تأخر أحدهما عن تنبيه سائق (القطار الإسباني) بتوقف (القطار المميز) وأخطأ في رقم هذا القطار حال بدئه في تنبيه سائقه، بينما لم يوال الآخر محاولات الاتصال بسائق (القطار الإسباني) لتنبيهه، بعد إخفاق محاولتين فقط ادعاهما للاتصال به، وأكدت سجلات الاتصالات التي أجراها المذكور المستخرجة من شركة الاتصالات عدم إجرائه المحادثتين اللتين ادعاهما.
كشفت عن تضارب في شهادات السائق ومساعده… وترك موظفين مواقع عملهم
وكانت النيابة العامة استمعت إلى محادثات لاسلكية سجلتها أجهزة الاتصالات في مقر القسم، فتبينت منها تأخر محاولات التنبيه واستمرارها على الرغم من وقوع الحادث.
وقالت النيابة إنها انتقلت إلى برجي مراقبة محطتي المراغة وطهطا ـ الواقع الحادث بينهما ـ وشاهدت بشاشات المراقبة إضاءات السيمافورات في شريط السكة الحديدية بين المحطتين قبل وقوع الحادث، فتبينت إضاءة سيمافورين يقعان قبل موقع التصادم بنحو كيلومترٍ وثلاثمئة وعشرة أمتار، أحدهما مضيء بلون أصفر يعني وجوب تهدئة السرعة، والآخر بالقرب من محل التصادم مضيء بلون أحمر يعني لزوم التوقف، وذلك على خلاف ما زعمه مساعد سائق (القطار الإسباني).
محاكاة
وذكرت أنها عاينت النقطة التي تُرى منها إضاءة السيمافور الأحمر والقطار المتوقف في شريط السكة الحديدية؛ وحددت بالاستعانة بخبراء هيئة المساحة المصرية، وقوعها على مسافة خمسمئة وخمسة وثلاثين مترا من موقع التصادم، وأجرت من تلك النقطة ثلاث عشرة محاكاة لاستخدام كافة أنواع المكابح اليدوية بجرار مماثل للمستخدم بـ(القطار الإسباني) حال سيره على سرعة تسعين كيلومترا في الساعة، فأسفرت النتائج عن توقف الجرار في كل مرة قبل نقطة التصادم. وأكدت أنها ستعرض تلك النتائج على اللجنة الهندسية المشكلة لبحثها من الناحية الفنية واستخلاص النتائج النهائية.
ولفتت إلى أنها تلقت إفادة من كل من مدير عام صيانة البنية الأساسية ومدير عام التشغيل على الشبكة في الهيئة القومية لسكك حديد مصر في منطقة أسيوط، تضمنت تأكيدا بأن منطقة الحادث ليست من مناطق فك الارتباط التي يمكن فيها إيقاف جهاز المكابح والتحكم الآلي في محافظة سوهاج، وأكدا مُقدما تلك الإفادة في التحقيقات بأن تلك المنطقة تعمل بنظام التقاطر الكهربائي الذي يستلزم تشغيل هذا الجهاز ـ على خلاف ما زعمه سائقا القطارين ومساعداهما.
وأسفرت مشاهدة النيابة العامة، وفق البيان، لتسجيلات آلات المراقبة في محطة سوهاج الكائنة قبل محل الحادث يوم وقوعه عن جلوس مساعد سائق (القطار الإسباني) بمقعد القيادة، واستلامه بدلا من السائق النموذج سبعة وستين (67) حركة، الصادر من المحطة، والثابت فيه السرعة المقررة في منطقة الحادث والتي كانت لا تتجاوز تسعين كيلومترا في الساعة، فتحفظت النيابة على النموذج وتبينت فيه التوقيع باسم السائق بما يفيد الاستلام، فاستكتبت السائق ومساعده على هذا التوقيع وأثبت تقرير «قسم أبحاث التزييف والتزوير» بـ«مصلحة الطب الشرعي» كتابة المساعد التوقيع بدلا من السائق، وبمواجهة الاثنين بتلك النتيجة أقرا بواقعة التزوير، وتمسك كل منهما بقيادته القطار وقت الحادث.
وكلفت «النيابة العامة» «الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية» بفحص نتائج مشاهدة آلات المراقبة المشار إليها للتأكد من صحة ظهور مساعد سائق القطار الإسباني فيها باستخدام تقنية القياسات البيومترية، فتأكد ظهوره بها.
وكان تقرير «مصلحة الطب الشرعي» وسؤال محرره في التحقيقات أسفرا عن عدم تناسب الإصابات المشاهدة والموصوفة بسائق (القطار الإسباني) ومساعده، مع ما ادعياه في التحقيقات من بقائهما بالكابينة الأمامية للجرار إبان التصادم، وأنه من الجائز تصور مغادرتهما الكابينة قبل وقوعه، وعلى هذا شكلت النيابة العامة لجنة ثلاثية من أطباء «مصلحة الطب الشرعي» للتأكد من صحة تلك النتيجة، فانتهت اللجنة ـ بعد معاينة موقع الحادث في حضور السائق ومساعده وبإشراف النيابة، إلى صحة ما انتهى إليه التقرير السابق، مُضيفة تصورين آخرين لما حدث، هما إما تواجد السائق ومساعده بالممر الفاصل بين الكابينتين الأمامية والرئيسية، وقت التصادم، أو تواجدهما بالكابينة الرئيسية ـ اللاحقة على الأمامية ـ في ذلك التوقيت، قاطعة بعدم جواز بقائهما بالكابينة الأمامية حسبما زعما. وحسب بيان النيابة، أسفرت نتائج تحليل تعاطي المواد المخدرة الصادرة من وزارة الصحة، عن تعاطي كل من مراقب برج محطة المراغة المخدر، وتعاطي مساعد سائق (القطار المميز) عقار «الترامادول».