جوبا- أتيم سايمون: طالما كانت جماعات “النيقرز”، التي اشتقت اسمها من الكلمة الإنكليزية “Niggers”، وتعني (الزنوج)، تمثل هاجسًا أمنيًا كبيرًا للسلطات في دولة جنوب السودان، ومصدر إزعاج للأسر والمجتمعات المحلية.
وتتورط تلك المجموعات أو العصابات التي تتشكل من مراهقين من الجنسين، في أعمال قتل ونهب وتخريب واضطرابات أمنية، تنتهي غالبًا بمحاكمتهم والزج بهم في السجون.
وتضم جماعات “النيقرز” في العاصمة جوبا مجموعات من الشباب معظمهم مراهقين لا تتجاوز أعمارهم العشرينات، ينحدرون من كل الجماعات العرقية في البلاد، ويشتهرون بارتداء سراويل جينز واسعة منسدلة لأسفل، وقمصان وتيشيرتات عليها صور مطربي “الراب” و”الهيب هوب” من الأفارقة الأمريكيين الذين يحاكون أزياءهم.
وعادة ما يقومون بتصفيف شعرهم على طريقة لاعبي كرة القدم المشهورين، وأحيانًا يستخدمون الشعر الملون المستعار، وتزين أعناقهم سلاسل فضية ونحاسية كبيرة تتدلى حتى منطقة البطن؛ لكن أخطر ما في الأمر أنهم يتحركون دائمًا في مجموعات كبيرة مسلحة بالأسلحة البيضاء مثل السواطير والسكاكين، وأحيانًا يحمل البعض أسلحة نارية.
وفي العاصمة جوبا، ينقسم “النيقرز” إلى ثلاث مجموعات، هم: “لوست بويز” أي (الأولاد الضائعون)، و”أوت لوز” أي (الخارجون عن القانون)، ومجموعة “ميامي”، ويتجمعون خلال العطلات الرسمية؛ خاصة يومي السبت والأحد، وكذلك في الأعياد الرسمية.
ويقوم هؤلاء المراهقين بإيجار قاعات مغلقة أو أندية ديسكو، وسط وغربي العاصمة، لإقامة حفلات نهارية صاخبة، حيث يشعرون بحريتهم التامة ويعاقرون الخمور المستوردة، والمخدرات المهربة مثل الحشيش و”القات” وغيرها من حبوب الهلوسة.
وغالبًا ما تنتهي تلك الحفلات بأعمال عنف وفوضى؛ خاصة حينما يكتشفون وجود عناصر تابعة لجماعات أخرى بينهم، وعندما تتدخل الشرطة لفض أحداث الشغب تحدث اشتباكات ومواجهات في شوارع المدينة، ويسقط ضحايا من المواطنين خلال الاشتباكات التي سرعان ما تنتهي بهروب البعض وإلقاء القبض على آخرين لتقديمهم للمحاكمة.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث الرسمي باسم الشرطة في دولة جنوب السودان، دانيال جاستن: “تعتبر ظاهرة انتشار عصابات (النيقرز) من أكبر المهددات الأمنية التي تواجه الشرطة بالعاصمة جوبا وبقية ولايات البلاد؛ وذلك بسبب الجرائم وأعمال الفوضى التي يقومون بها”.
ظاهرة انتشار عصابات “النيقرز” من أكبر المهددات الأمنية التي تواجه الشرطة في العاصمة جوبا وبقية ولايات البلاد
وأضاف أنهم “يتسببون في ترويع أمن المواطنين بالمدينة، إذ تسببت المواجهات بينهم منذ عام 2012 في مقتل أكثر من 30 من أعضاء المجموعات إلى جانب جرح نحو 200 منهم، بينما أصيب أكثر من سبعين بعاهات مستديمة”.
ويتركز وجود جماعات “النيقرز” في عدة أحياء سكنية غربي ووسط العاصمة جوبا، وتتراوح أعداد المجموعة بين 300 إلى 500 فرد من الجنسين.
ولكل مجموعة هيكلها الخاص، حيث يقود كل منها زعيم واحد يجري اختياره بالتوافق بين أفرادها بناء على قدراته القتالية وقوة شخصيته القيادية، ويخضع الجميع لتوجيهاته، وله حاشية ترافقه وتوفر له الحماية، وهي بمثابة القيادة العليا التي تضم أقوى أفراد المجموعة.
في السياق، قال دانيال سامسون أرو، الأستاذ بكلية التربية بجامعة “أعالي النيل” (حكومية) والكاتب الصحافي بصحيفة “الوطن” العربية التي تصدر في جوبا، إن ظاهرة عصابات “النيقرز” مسألة طبيعية مرتبطة بفترة المراهقة التي يفتقد فيها الشباب من الجنسين إلى الرعاية والمسؤولية من الدولة والأسرة، ما يجعلهم عرضة لاستغلال آخرين لديهم أفكار إجرامية.
وأضاف: “لمعالجة تلك الظاهرة، لا بد من توعية الأسر من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية بضرورة الاهتمام بهم، وأن تصمم لهم برامج تتيح لهم النقاش كجماعات عمرية بصورة إيجابية، وإرشادهم بطريقة تجعلهم يستشعرون مسؤولياتهم وأدوارهم، وأن تقام دور وإصلاحيات لرعاية هؤلاء الشباب ومعالجتهم”.
وفي 21 أبريل/ نيسان الجاري، ألقت الشرطة القبض على 30 من أفراد تلك العصابات، بعد أن اشتبكت مجموعتان تضمان ثماني فتيات في “حرب شوارع” قرب مقر كنيسة “سانت جوزيف” الكاثوليكية، أثناء احتفالات أعياد القيامة، ما أسفرت عن وقوع نحو 10 إصابات خطيرة.
وغالبًا ما تكون الأسباب الرئيسية وراء تلك المواجهات، هي محاولة إظهار القوة للجنس الآخر، حيث يتنافس الشباب على الفتيات بصورة كبيرة.
من جانبه، قال بيتر جاستن (18 عامًا)، وهو عضو سابق في مجموعة “ميامي” إنه ترك المجموعة العام الماضي، إثر مواجهات مع الشرطة خلال احتفالات أعياد الكريسماس، أسفرت عن مقتل أحد أفراد مجموعته برصاص الشرطة، واعتقاله مع آخرين، وحكم عليه بالحبس ثلاثة أشهر، قرر بعدها ترك المجموعة ومواصلة الدراسة.
وأضاف: “تحدثت إلى أسرتي كثيرًا من أجل الابتعاد عن تلك الجماعات والتركيز على الدراسة، خاصة بعد خروجي من السجن”.
وأضاف: “الآن تركت كل شيء، المجموعة، وتعاطي الخمر، والقات، لكنني ما زلت أتلقى تهديدات من أفراد المجموعة الذي يريدونني أن استمر معهم، لذلك قررت مغادرة منزل الأسرة، والسكن مع أحد أقاربي في حي بعيد عن منطقة نفوذهم”.
وتنقسم العاصمة جوبا إلى 3 مناطق نفوذ، تقيم في كل منها مجموعة من المجموعات الثلاث وتعتبر منطقتها مستعمرة خاصة، وتحرّم دخولها على بقية أعضاء المجموعات الأخرى، ولا يجوز لأي منهم السكن بها أو حتى زيارتها.
وتعتبر زيارة أي فرد من تلك المجموعات نوعًا من الاستفزاز الذي ينتهي بالاعتداء على الشخص الغريب بالأسلحة البيضاء خاصة السواطير والسكاكين، التي تترك آثارًا وجروحًا خطيرة على الضحية، وتنتهي المعركة بترديدهم لعبارة “لقد أنجزناه”.
وعن هذه الظاهرة يقول الباحث الاجتماعي زكريا وليم، إن “عصابات النيقرز تعتبر منظمات سرية، وجماعات ثانوية تلبي وتشبع احتياجات المراهقين المنحرفين بسبب التفكك الأسري، وسوء الأوضاع المعيشية إلى جانب سيادة ثقافة العنف التي تعتبر من مخلفات الحرب الطويلة التي عاشها شعب جنوب السودان، وباتت آثارها واضحة في العنف الأسري بين الوالدين، ما يتسبب في غياب الرقابة على الأبناء أثناء فترة المراهقة”.
وأضاف: “هذه الظاهرة تتطلّب تدخلات عاجلة من الدولة ممثلة في وزارة الرعاية الاجتماعية، التي يجب أن تنظم برامج لرعاية الشباب، والاستفادة من قدراتهم وطاقاتهم في الأنشطة الرياضية والثقافية”.
وأشار إلى ضرورة “سن القوانين التي تحارب الظاهرة، والتي تبدأ بحظر نشاط تلك الجماعات رسميًا، إلى جانب إطلاق حملة توعية لهؤلاء المراهقين في مدارسهم عن خطورة الالتحاق بعصابات النيقرز، والعمل مع أسرهم من أجل علاجهم من الإدمان الذي يقودهم لارتكاب العديد من الجرائم في حق المواطنين العزل”.
(الأناضول)