ماذا جنينا من الربيع العربي؟ إنه مطر موحل وليس ربيعاً، ما هي نتائج هذا الذي أطلقتم عليه ربيعاً عربيّاً؟ لقد دمّر اقتصاد الدُّول العربية واستنزف طاقات شعوبها، كان الناس قبل ربيع الدَّمِ آمنين في بيوتهم، لم يضطروا إلى اللجوء والهجرة، ولم يتعرضوا إلى هذه الإهانات التي يلاقونها حيثما ذهبوا، لقد كان سعر صرف الليرة أو غيرها من العملات العربية مقابل الدولار كذا وكذا، ولكن العملات تدهورت! وكان ثمن ربطة الخبز كذا، وجرّة الغاز كذا، ولم تكن طوابير أمام الأفران، فإلى أين وصلنا؟ لقد كان التعليم والتطبيب متوِّفرا للجميع، إذن، لقد نجحت المؤامرة على الشعوب العربية، والمستفيد الوحيد مما جرى هو إسرائيل وأعداء العرب.
هكذا يردِّدُ بعضُ أولئك الذين صدمتهم غزارة الدماء التي أهرقت، بعض هؤلاء من ردّاحي الأنظمة، وبعضهم يتحدث بنيِّة طيّبة، وكان يحلم بتغيير هادئ من دون إراقة دماء. خطأُ هؤلاء الحالمين أنهم يحمّلون الشعوب التي ثارت مسؤولية التدهور والخراب. الحقيقة أنه لولا ما سبق الثورات من ظلم وقمع وفقر وانسداد في طريق أي محاولة للإصلاح، لما قامت ثورات أصلا. الثورات لا تشتعل بقرارات خارجية، والشعوب لا تثور بواسطة حاكوم (رِيموت) من بعيد، ولا من خلال دعايات مهما كانت قُوَّتُها، الانقلاب نعم، ممكن أن يحدث بالقوة، يسيطر العسكر على مقاليد الحكم ويعلنون حالة طوارئ وينتهي الأمر، ولكن الثورة لا تنطلق إلا عندما يكون الناس مستعدّين للمقامرة في مواجهة خطر الموت، أو الاعتقال والتعذيب والسجن الطويل، أو قطع الأرزاق، بسبب رداءة وتعاسة واقعهم.
قد تحاول جهة ما تثوير الناس لأجندة ما، وقد يخرج بضع مئات وحتى عشرات الآلاف إلى الشوارع نتيجة تحريض أو دعاية كاذبة، ولكن إذا كان النظام سليماً، ولديه الحد الأدنى من العدالة، فلا تلبث المياه أن تعود إلى مجاريها ولو على مَضَضٍ. لكن عندما يكون الألم حقيقياً وعميقاً جداً وملتهباً، ووصل إلى حدِّ اليأس، فإن الملايين يخرجون إلى الميادين والشوارع لأسابيع وأشهر وربما لسنين، في مواجهة المخاطر، لأنهم ما عادوا قادرين على تقبّل واقعهم، ويزدادون توهّجاً عندما يشمُّون رائحة الحرّية تقترب منهم، وهذا ما حدث في الربيع العربي.
الثورات لا تشتعل بقرارات خارجية، والشعوب لا تثور بواسطة رِيموت من بعيد، ولا من خلال دعايات مهما كانت قُوَّتُها
الثورات لا تنجح في الموجة الأولى، لأن لكل نظام جذورًا عميقة يضربها خلال عقود من زمن حكمه، وليس من السهل اقتلاعها، فهناك فئات واسعة أيضاً من المستفيدين والمكرَّسين، يخشون فقدان امتيازاتهم، فيدافعون عن النظام لأنهم باتوا جزءاً منه. أكثر من مرَّة، تساءل بعض ثوار الصالونات، أين قيادات الثورات العربية؟ هذا استغباء وليس غباءً، فهؤلاء يعرفون أنه لا يوجد نظام ديكتاتوري يسمح بنشوء معارضات داخل بلده، اللهم إلا الشَّكلية منها، فالمعارضات تمرُّ في عمليات تطهير وتشذيب كثيرة، حتى تصبح شكليةً، وطرحها أقرب إلى النفاق منه إلى نهجٍ معارض، معارضات تمسح لها أنظمة القمع على رأسها وقفاها، هي في الواقع إحدى أذرع النظام، وتؤدي دوراً لإيهام الشعب بأن هناك معارضة، هي تعمل على استيعاب وتفريغ الصواعق، تُجمِّلُ النظام من دون المسِّ في بنيته الأساسية. هل سمعتم عن معارض في نظام عربي داخل برلمان يطالب بتحديد فترة زمنية للرئيس، كما هو متّبع في كثير من دول العالم؟ هل سمعتم عن معارض يسأل سيادته أو سيادة أحد وزرائه، من أينَ لك هذا؟
بلا شك أنه يوجد معارضون أبطال، ولكن هؤلاء ابتلعتهم الظلمات في غياهب السجون، وانقطعت أخبارهم، أو دُبّرت لهم مكائد، وأسيء إلى سمعتهم سواء الوطنية، أو حتى الشخصية، لتسهيل مهمة التخلص منهم وتحطيمهم، لكي يكونوا عبرة لغيرهم. وإذا كانت فرنسا قد اعترفت بقتل جنودها لأحد معارضيها في الجزائر وادعت أنه انتحر، فمثل هذا يوجد الكثير في بلاد العرب، ولا بد أن يأتي يوم ويُكشف ما ارتكب كل نظام في حق معارضيه. قد تنجح بعض ضغوط عالمية في إنقاذ معارض من مصير محتوم، ولكن الأغلبية تتعفن داخل معتقلات النسيان.
الدِّماء الزَّكية التي أهرقت، والتي تُهرق في مقاومة الظلم لا تذهب هدراً، حتى وإن بدا الأمر عكس ذلك، فالشعوب لا تنسى من ضحوا لأجل حريتها، حتى لو بعد حين.
مرّت عشر سنوات على الثورة السورية، وبشار الأسد يتمسك بالسُّلطة، ولن يتخلى عنها حتى لأقرب الناس إليه، ولن يسمح بنشوء منافس جدِّي، لأنه يعرف أن تخلّيه يعني نهاية حقبة من تاريخ سوريا الحديث، ويعني فتح ملفات المعتقلين والضحايا والتعاون والتواطؤ مع قوى إقليمية ودولية لوقف هذا الربيع وإغراقه بالدم، لحثِّ الناس على مقولات من طراز، ماذا جلب لنا الربيع العربي؟ تُجهَضُ الثّورات وتُحبط مرَّة أو اثنتين وثلاث مرات، ولكن الطريق فُتح إلى المستقبل، ولن يستطيعَ أحدٌ إغلاقه، كوّة النور التي شقّت الظُّلمات وأبهرت شعوب العالم لن تنطفئ، قد ينخفض لهيبها قليلا، ولكنها تُصلِح ذاتها وتنهض من جديد، بإرادة وحكمة التجربة المتراكمة حتى الخلاص وميلاد الفجر الصادق.
كاتب فلسطيني
” الثورات لا تنجح في الموجة الأولى، لأن لكل نظام جذورًا عميقة يضربها خلال عقود من زمن حكمه، وليس من السهل اقتلاعها، فهناك فئات واسعة أيضاً من المستفيدين والمكرَّسين، يخشون فقدان امتيازاتهم، فيدافعون عن النظام لأنهم باتوا جزءاً منه.” إهـ
كلام حكيم! الثورة الفرنسية مثال على هذا الكلام!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لقد إتفق العالم على تدمير الشرق الأوسط لضمان حماية الكيان الصهيوني!
هناك تدمير طائفي بالعراق, وتدمير عسكري بسوريا, وتدمير مالي بلبنان, وتدمير حقوقي بفلسطين!! ولا حول ولا قوة الا بالله
لا فض فوك
ثمن الثورة و الكرامة و الحرية باهظ جدا، ليست كل الشعوب قادرة على دفعه. و كلما تأخرت الشعوب في طلبها ازداد ثمنها كما هو الحال في كل بلاد العرب.
هي كما ذكرت .. مطر موحل .. و كذلك ثورات الشعوب لا تشتعل بقرارات خارجية ولا بريموتات من بعيد.. ولكن الذي حصل فيما يسمى بثورات الربيع العربي ما هي الا مخططات شيطانية من دول عظمى ظالمة و بتأمر مع أنظمة عميلة من اجل تدمير هذا الوطن العربي و ارجاعه الى الوراء قرون عديدة و ذلك من اجل المحافظة على تفوق دولة بني صهيون عسكريا و اقتصاديا و من اجل فتل و اخماد اب صوت وطني يطالب بالحرية و التحرر .
الديمقراطية نظام جميل ونهج عالمي رائع ولا يطبق الا في قليل من الدول.
بالنسبة لنا نحن امة العرب ربما لم نعتاد عليه.انظر ماذا حدث في مصر ثورة انتخابات رئيس لم يكمل السنه زج في السجن ليحاكم ويعتلي سدة الحكم مستبد اخر.
بالنسبة لربيع العربي كما ذكرت مأمرة عالمية دولية لأضعاف كيان واقتصاد دول المواجه والعربية بالذات.
كل ربيع ونحن بخير يا عرب.
” العرب ” لم تصلهم الثورات ….يا أستاذ …..
*كان الله في عون الشعوب العربية المنكوبة
بحكام فاسدين مستبدين.
حسبنا الله ونعم الوكيل فيهم.
لم ولن يكون ربيع عربي بل هو خريف أسود ملعون ومشؤوم راح ضحيته الابرياء والشرفاء
دمت ودام نبض قلمك المخلص الوفي ?
مقالة سياسية جيدة جدا تدل على كاتب مستقل وجودي وجريء يمتلك رسالة إنسانية شريفة، لغته حديثة ودقيقة، تهدفه للتوعية والتيقيظ، وكذلك لتحريك مشاعر ووجدان وعقل الجماهير.
فلا غرو أن قوبلت ثورات الربيع العربي منذ أسابيعها الأولى بقدر كبير من التوجس الممزوج بالعداء، حيث وجدت الشعوب العربية التي ثارت على طغاتها، في موقع الاستهداف والتآمر الخفي والظاهر من طرف نظام عربي مأزوم ورافض لكل تطور.
على الرغم بأن ثورات الربيع العربي كانت في جوهرها مدفوعة بمطلبي الحرية والكرامة الذين غمرا عقول وقلوب شباب عربي مقهور ومقموع في أكثر من موقع عربي، وما كان لها دوافع أيديولوجية أو أحلام تصدير الثورة للجوار القريب أو البعيد، إلا أن حكومات عربية كثيرة وقفت منها موقف المتربص، وعقدت العزم على خنقها في المهد عبر استخدام سطوة المال والإعلام، وانتهاج سياسة تلويث المنابع وخلط الأوراق.
من المؤكد أن هناك مجموعة من الحقائق المغيبة عمدا في زحمة هذا الجدل السياسي الذي صاحب ولحق ثورات الربيع العربي(يتبع)