تونس ـ «القدس العربي»: تتفاقم معضلة الهجرة غير النظامية التي تعاني منها تونس ودول المنطقة وتسببت في الخلاف والتوتر بين تونس ودول الجوار بسبب الاختراقات الحاصة على الحدود التي تسهل مرور المهاجرين. ويزيد هذا الملف من الضغوطات الداخلية والخارجية على تونس التي تسعى الأطراف الأوروبية لجعلها حارسا لحدودها البحرية.
ولئن تعددت أسباب الهجرة غير النظامية من فقر ونقص تنمية وحروب خاصة في الدول التي تعرف أزمات عديدة في القارة السمراء، إلا أن هناك قناعة راسخة لدى طيف هام من التونسيين بأن دول الجوار لا تقوم بما يلزم القيام به لمنع دخول المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء إلى البلاد باعتبار أن الخضراء، ليست لديها حدود مباشرة مع هذه البلدان المصدّرة للمهاجرين. كما أن المسافة التي يقطعها القادمون إلى تونس من مالي والنيجر وتشاد وغيرها من بلدان جنوب الصحراء الأفريقية، طويلة جدا والطبيعة قاسية ولا يمكن لبشر أن يقطعها إلا بمساعدة أطراف وشبكات تهريب في البلدان المجاورة تنقلهم وتسهل مرورهم.
وتم تداول فيديوهات في مواقع التواصل الاجتماعي تبرز أشخاصا في الجوار، يوصلون مجموعة من مهاجري جنوب الصحراء إلى الحدود التونسية ويدفعونهم دفعا إلى الدخول إلى أراضي البلاد وهو ما يتطابق أيضا مع شهادات وتقارير لبعض وسائل إعلام تونسية.
ومع الجهود التونسية المبذولة لمنع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الإيطالية انطلاقا من التراب التونسي، مقابل تسهيل حركة مرور المهاجرين من الحدود مع دول الجوار، يبدو أن الخضراء مقبلة على سنوات عجاف وعلى أزمات متعددة باعتبار عدم قدرتها على التكفل بهذا السيل الجارف من المهاجرين. فالبلد يعيش أزمة اقتصادية منذ أكثر من عشرية، وبالكاد يستطيع تلبية حاجيات مواطنيه، وفي غياب التشغيل للمهاجرين، وغياب ما يقتات منه هؤلاء المهاجرون، قد يتحولون إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار الذي يعرف التونسيون أكثر من غيرهم ماذا يعني غيابهما وهم الذين هددوا في أمنهم واستقرارهم خلال الأشهر الأولى للثورة.
خلاف داخلي
ويربط البعض بين التنافر في العلاقات التونسية الليبية الحاصل على المستوى الرسمي، وبين ملف الهجرة، في حين أن هذه الأزمة بين البلدين في رأي البعض الآخر لا علاقة لها بملف مهاجري جنوب الصحراء الوافدين إلى الأراضي التونسية. إذ يدرك التونسيون أن الجار الليبي، وخلافا للجار الجزائري، ليست لديه سلطة مركزية قادرة على مدها على كامل الإقليم والمعابر بين البلدين فما بالك بضبط حدوده المترامية ومنع تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء إلى الأراضي التونسية.
وبالتالي فإن مسألة غلق معبر رأس الجدير الشريان الحيوي الرابط بين البلدين سببه خلاف ليبي داخلي حول أي طرف يتحكم بهذا المعبر، والدليل على ذلك أن معبر الذهيبة – وازن الحدودي مفتوح ويشهد حركة مرور طبيعية بين البلدين ولم يفكر أي طرف بغلقه باعتبار سيطرة فريق محدد عليه من الجانب الليبي. وكدليل أيضا على أن إغلاق معبر رأس الجدير هو بسبب خلاف ليبي داخلي هو اتفاق وزير الداخلية التونسي مع نظيره الليبي مؤخرا على إعادة فتح المعبر، لكن هذا الفتح تأجل لمرتين بسبب الخلاف الليبي الليبي الذي لم يحسم بعد ويبدو أنه لن يحسم.
كما أن هناك أطرافا في جوار تونس تخلط بين مصالحها الخاصة المتمثلة في أموالها المحجوزة في البلاد التي لم تفرج عنها السلطات التونسية، وبين مصالح عموم المواطنين وخاصة المواطن البسيط المطالب بالتنقل إلى تونس للعلاج ولديه مواعيد لعمليات جراحية أو لكشوفات طبية لا تحتمل الانتظار. وقد ساهم هذا الخلط وعدم النضج السياسي في نشوء مشاكل كثيرة نجمت عنها إعاقة لتدفق المسافرين في أكثر من مرة، وصفقات سقطت في الماء وكان يمكن أن تعقد، وتصريحات غير مسؤولة ساهمت في مزيد زرع الشقاق.
تشكيلات مسلحة
وفي هذا الإطار أكد الباحث الليبي إدريس حميد لـ«القدس العربي» أن «تونس وليبيا ترتبطان بروابط تاريخية وجغرافية ولكن ما حدث في ليبيا بعد 2011 من سيطرة للتشكيلات المسلحة على الوضع الأمني ومنها معبر رأس الجدير في جزئه الليبي أثر على حركة السير بين تونس وليبيا وتسبب في تعطيل حركة المسافرين، وأيضا من الجانب التونسي هناك بعض الملاحظات فيما يتعلق بالتأخير في حركة السير. قامت الحكومة الليبية في محاولة منها للسيطرة على المعبر من الجانب الليبي وحدث اشتباك مسلح في شهر آذار/مارس الماضي بين المجلس العسكري بزوارة وهو تشكيل مسلح وقوات الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية. ومن ثم تمت السيطرة على الأوضاع وبدأت عملية إجراء صيانة وتعديلات في المعبر وحدث اجتماع بين المسؤولين على مستوى وزارات الداخلية في كلا البلدين وأيضا لقاء على مستوى أعلى بين الرئيس التونسي قيس سعيد ورئيس الحكومة الليبية على هامش المنتدى العربي الصيني الذي عقد مؤخرا في الصين».
وأوضح محدثنا بأن ما حدث من تأجيل مرتين لفتح معبر رأس الجدير كان بسبب عدة خلافات بين وزارة الداخلية الليبية والتشكيل المسلح في زوارة وهو أحد الإشكاليات التي تعاني منها ليبيا خاصة المنطقة الغربية التي تسيطر فيها الميليشيات على نقاط المؤسسات الأمنية داخل العاصمة. ويرى الباحث الليبي أنه لا بد من وجود شرعية الدولة الليبية على الحدود وعلى المعابر الحدودية بشكل خاص حتى تسير الأمور على أحسن ما يرام وأن تنتهي قصة سيطرة التشكيلات المسلحة على هذه المعابر.
بؤرة صراعات
وجنوب ليبيا كما جنوب الجزائر هما بوابتان رئيسيتان للمهاجرين من جنوب الصحراء باتجاه شمال أفريقيا عموما وتونس بوجه خاص باعتبار قرب البلاد من إيطاليا بوابة الأفارقة نحو قلب أوروبا. كما بات الجنوب الليبي في ظل غياب دولة مركزية موحدة وقوية بؤرة للتهريب لمختلف البضائع، سواء الممنوعة أو غير الممنوعة، ولتجارة المخدرات والسلاح والإرهاب العابر للحدود. كما كان في وقت ما بؤرة لصراعات عرقية حصلت بين الطوارق والتبو، وبين التبو وقبائل ليبية أخرى على غرار أولاد سليمان وزوية وغيرها، ناهيك عن تجارة البشر والصراع على النفط.
وتختلف الجهات التي تواليها القبائل في الجنوب الليبي، فبعضها موال للسلطة في طرابلس أو للحركات الأصولية أو لإيطاليا أو تركيا أو غيرها، رغم أن الكثير منها كان مواليا لنظام معمر القذافي قبل ثورة 17 شباط/فبراير 2011. بالمقابل فإن هناك قبائل أخرى في الجنوب الليبي موالية للشرق أي لحفتر ومن معه أو لجهات أخرى كانت موالية لحفتر وباتت في تنافر معه.
ولعل الأخطر في الجنوب الليبي، هو تمركز ميليشيات أجنبية تشادية ونيجرية ومالية وسودانية واتخاذها من هذا الجنوب مستقرا لها ومكانا لانطلاق عملياتها ضد حكومات بلدانها المجاورة لليبيا. وتنتمي غالبية هذه الفصائل المسلحة إلى المعارضات في هذه البلدان الأفريقية ومصالحها متعارضة ومتناقضة ومتضاربة فيما بينها. فمعارضو الحكم في تشاد متواجدون جنبا إلى جنب في الجنوب الليبي مع ميليشيات دارفورية سودانية معارضة لنظام الخرطوم وموالية لنظام نجامينا الموالي بدوره إلى باريس.
وفي خضم هذه الفوضى العارمة تجد الميليشيات الأجنبية وعصابات تهريب البضائع والبشر نفسها تتحرك بحرية في الجنوب الليبي وقد خبرت المنطقة ومسالكها الوعرة وصحاريها وقفارها الشاسعة. وهذه الميليشيات والعصابات الأجنبية بحاجة إلى المال لتنفق على المنتمين لها فتجنح إلى تجارتي السلاح والبشر بالتعاون مع أطراف من الداخل تقتات من هذه الأنشطة وتستغلها للإثراء. ويجد المهاجرون من جنوب الصحراء من بين هؤلاء وأعوانهم من يوصلهم إلى مبتغاهم وذلك عبر وسائل نقل مسخرة للغرض بعد أن يسددوا ما عليهم من مبالغ مالية، فيصلون إلى مدن وقرى تونسية على غرار جرجيس والعامرة وجبنيانة لتكون نقطة الإنطلاق باتجاه القارة العجوز.
تأمين الحدود
ويرى البعض أنه على تونس أن تقوم بتأمين حدوها البرية من خلال تدعيمها بالخنادق والجدران والأسيجة، ومن خلال تكثيف نقاط المراقبة والكاميرات وعدم انتظار الطرفين الليبي والجزائري لمنع تدفق المهاجرين على الأراضي التونسية. وعلى إيطاليا وبلدان الناتو التي خلقت الفوضى في ليبيا أن تتحمل مسؤولياتها في تأمين الحدود البرية التونسية من جهة ليبيا حتى لا يتدفق المهاجرون من جنوب الصحراء على القارة العجوز، فيما يبقى اللغز هو الجزائر التي من المفروض أنها تتباهى باستمرار بقدرتها على السيطرة على إقليمها وضبط حدودها.
أما أن تؤمن تونس الحدود البحرية للإيطاليين وبالتالي أوروبا دون أن يقوم الأوروبيون بالمساعدة في تأمين الحدود البرية بين تونس وجيرانها فإن ذلك يؤدي إلى تدفق مهاجري جنوب الصحراء على تونس وبقائهم فيها بسبب عدم قدرتهم على إكمال الرحلة إلى أوروبا. ويخلق هذا الوضع أزمات عديدة لتونس خاصة وأن القادمين عبر الصحراء الكبرى من بينهم فارون من العدالة وأشخاص كانوا منخرطين في ميليشيات ومدربون على القتال وسلوكهم عدواني وليسوا كلهم طلاب علم أو شغل وعيش كريم، والأمن التونسي في غنى عن صراعاتهم التي برزت مؤخرا في جرجيس وسابقا في مدن أخرى.
غضب شعبي
ورغم أنه لم تبرز على المستوى الرسمي اتهامات مباشرة تونسية للجيران بالتقصير في منع المهاجرين من العبور إلى التراب التونسي، إلا أن هناك غليانا وأصواتا تبرز من هنا وهناك تحمل الجوار المسؤولية على ما يحصل من إغراق لتونس بالمهاجرين. فالعلاقات بين بلدان المنطقة ليست على ما يرام بسبب عديد الملفات ومنها ملف هجرة الأفارقة من جنوب الصحراء.
ورغم الاتفاق بين رؤساء تونس وليبيا والجزائر بمناسبة القمة الثلاثية التي احتضنتها مؤخرا العاصمة التونسية على ضرورة توحيد المواقف وتكثيف التشاور والتنسيق لتعزيز مقومات الأمن والاستقرار بالمنطقة، وعلى تكوين فرق عمل مشتركة يعهد إليها التنسيق لتأمين حماية الحدود المشتركة من مخاطر وتبعات الهجرة غير النظامية وغيرها من مظاهر الجريمة المنظمة، إلا أن شيئا من ذلك لم يتحقق. وعلى الميدان بقيت دار لقمان على حالها واستمر تدفق المهاجرين من جنوب الصحراء على التراب التونسي من دول الجوار بدون أي تحرك فعلي لإيقاف هذه المعضلة التي تدفع فيها تونس الثمن غاليا على كافة الأصعدة.
أزمة عميقة
رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبد الكبير قال لـ«القدس العربي» إن «مسألة الهجرة واللجوء أصبحت أزمة عميقة رغم أن تونس ليست بلد إيواء ولجوء بل هي بلد عبور حسب اتفاقية المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين مع تونس في اذار/مارس2011 التي وقعت بعد أن توافد علينا مئات الآلاف من ليبيا من مهاجرين ولاجئين وطالبي لجوء وعابرين باتجاه مخيم الشوشة نتيجة الحرب التي شنها الناتو على ليبيا». ويضيف محدثنا: «وتدريجيا في عام 2015 تم غلق المخيم بشكل نهائي لأنه حسب الاتفاقية يعتبر وقتيا وتنتهي مدته بانتهاء أسباب حدوث الحرب في ليبيا.
وبعد مرور السنوات بدأت تتكاثر أعداد المهاجرين واللاجئين من جنسيات عديدة تدريجيا، وتحول الإيواء في المخيمات خارج المدن إلى إيواء حضري في المدن خاصة المدن الجنوبية مثل جرجيس وبن قردان وتطاوين وقابس. ثم تفاقمت مع أزمة كورونا أعداد المهاجرين خاصة في صفاقس التي أصبحت وجهة حقيقية لعديد المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء للاعتبارات التالية أولا: لأنها بلد ومدينة فيها مواطن شغل ويطيب فيها العيش، وثانيا لأنها قريبة من المنافذ البحرية لركوب البحر نحو إيطاليا وتحديدا جزيرة لامبيدزا.
اليمين المتطرف
يؤكد عبد الكبير في هذا الحديث أنه بصعود اليمين المتطرف في إيطاليا ووصوله إلى الحكم بقيادة جورجيا ميلوني أمضت تونس اتفاقية متعلقة بالهجرة مع الجانب الإيطالي، وكانت سبقتها أيضا اتفاقية أمضاها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مع أوروبا. كما أمضى الرئيس التونسي قيس سعيد في عام 2020 اتفاقية تتضمن حراسة الحدود وتؤمن عودة بعض المرحلين التونسيين من إيطاليا وبعض الدول الأوروبية مقابل بعض المساعدات العينية وتسهيل القروض ومساعدة الأمن التونسي بقوارب الحماية والمحروقات والتدريب وتبادل المعلومات.
ويضيف: «بعد عام 2020 بدأت الأعداد تتضاعف ومباشرة في عام 2022 خرج أكبر عدد المهاجرين من منطقة المتوسط نحو أوروبا من تونس خاصة من سواحل ولاية صفاقس، وسواحل ولاية نابل على غرار الهوارية، وبعض المدن الأخرى في جنوب شرق تونس مثل جرجيس وبن قردان وقابس. إن المسارات التي يتخذها اللاجئ وطالب اللجوء باتجاه أوروبا متنوعة والخيارات كبيرة على امتداد سواحل البلاد التونسية، ونتيجة لذلك احتلت تونس المرتبة الأولى في أعداد المهاجرين الوافدين منها على أوروبا وذلك لسنوات 22 و 23 فقد بلغ عدد المغادرين للتراب التونسي أكثر من 40 ألفا من بينهم لاجئون وطالبو لجوء وأجانب ومواطنون تونسيون».
حراسة حدود حقيقية
ويضيف عبد الكبير: «في عام 2023 اندلعت حرب الخرطوم التي أثرت تأثيرا كبيرا على الأعداد المتزايدة وصار تقريبا خروج أكثر من خمس ملايين مواطن سوداني من العاصمة ومن السودان ككل باتجاه مصر وليبيا وتونس. وجاءتنا أعداد كبيرة عن طريق حدودنا البرية مع الجزائر وليبيا الشيء الذي ضاعف الأعداد مع ارتفاع تشكيات المواطنين والصدامات الحاصلة بين بعض متساكني صفاقس المدينة.
أعتقد أن قرار السلطات التونسية المفاجئ بإخراج المهاجرين بالقوة نحو غابات الزياتين من وسط مدينة صفاقس جانب حقوق الإنسان وذلك بعد أن اندلعت مشاكل عديدة تم على إثرها أيضا ترحيل مهاجرين نحو الحدود البرية باتجاه ليبيا والجزائر الشيء الذي تسبب في مشاكل عديدة وقعت للمهاجر واللاجئ وطالب اللجوء. في المقابل تكثفت زيارات رئيسة الحكومة الإيطالية إلى تونس حيث أنها التقت الرئيس التونسي والمسؤولين أكثر من مرة الشيء الذي جعل تونس مجبرة على إمضاء اتفاقيات تعاون مشترك واتفاقية مقاومة للهجرة غير النظامية في إطار الحد من الهجرة من السواحل التونسية الأمر الذي نعتبره حراسة حدود حقيقية تفاقمت معها أعداد المهاجرين وتحولت تونس من بلد يسهل فيه الانتقال والمغادرة إلى بلد احتجاز للمهاجرين الذين يدخلون من حدودنا البرية مع ليبيا والجزائر ومن الحدود البحرية لذلك تضاعفت الأعداد».
ويعتبر عبد الكبير أن تونس أصبحت اليوم مركزا لتجميع المهاجرين غير النظاميين سواء بالوسط أو بالجنوب التونسي الشيء الذي جعل الأزمة تتفاقم. وأعتبر أن الأوروبيين نجحوا في تصدير أزمة الهجرة إلينا، وأصبحت تونس تعاني مشاكل حقيقية الأمر الذي دفع السلطات المحلية إلى أن تراجع بعض الاتفاقيات وتقوم ببعض المحاولات لاحتواء هذه الأزمة، ولكن للأسف الشديد شاهدنا عديد الكوارث الإنسانية وتجاوزات حقيقية. في المقابل هناك عدم رضى دولي على تونس باعتبار بعض الممارسات التي تعتبرها بعض الأطراف الخارجية لا تحترم حقوق الإنسان والاتفاقيات الدولية.
وأضاف محدثنا: «الملاحظ ان أعداد المهاجرين التي كانت تنطلق من تونس باتجاه إيطاليا هذا العام هي عشر الأعداد التي وصلت السنة الماضية إلى السواحل الأوروبية وهو يعتبر نجاحا للدبلوماسية الإيطالية التي باتت تعتبر التجربة التونسية نموذجا يقع تسويقه وتطبيقه مع البلدان الأخرى على غرار الجزائر ومصر وليبيا وغيرها. واليوم العلاقات الدولية تشهد شدا وجذبا فيما يتعلق بملف الهجرة، ومن جانب آخر هناك استحقاقات تونسية نحو الوصول إلى التمويل الدولي، إذ يقع ربطه بمسألة مراقبة الحدود وهذا شيء نرفضه لأننا نعتبر تونس كأي بلد في العالم لها الحق في الوصول للتمويل الدولي من غير شروط ولكن للأسف الشديد السياسة الأوروبية قاسية جدا مع تونس وهناك صعوبات حقيقية».
وتابع محدثنا: «نعتبر أن الاتحاد الأوروبي يعمل على مزيد تحميل تونس ما لا تتحمله، ففي عملية الإنقاذ البحري توكل المهمة إلى الأمن التونسي في التعامل مع كل عملية إنقاذ وكل مهاجرين غير نظاميين ينطلقون من ليبيا يتم توجيههم من قبل الإيطاليين إلى السواحل التونسية للإنقاذ ولتلقي المساعدة وتتم العودة بهم إلى أحد الموانئ التونسية في بن قردان وصفاقس والمهدية ويتم إيواؤهم. بالتالي أصبح لدينا ثلاثة منافذ للدخول، منافذ برية مع الجزائر وليبيا، ومنفذ بحري في عملية الإنقاذ البحري مقابل بعض المساعدات. واليوم هناك ضبابية في هذا الملف ومشاكل كبيرة بين تونس والمنظمات التي تعنى بالهجرة».
خلاف حقيقي
ويضيف عبد الكبير بأن الخلاف حقيقي بين تونس ودول الجوار وليس فقط ليبيا باعتبار أن هناك تصديرا للأزمة نحو تونس لانها الحلقة الأضعف. فالجانب الجزائري يستقوي بإمكانيات الدولة ويصدّر أعدادا كبيرة من المهاجرين وطالبي اللجوء.
ونرى اليوم الأرقام التي دخلت عبر الحدود الجزائرية تفوق الـ 10 آلاف مهاجر، في المقابل ليبيا في المنطقة الغربية على حدودنا تتنشر فيها الميليشيات وهناك تقاطع بين هذه الميليشيات وشبكات الإتجار بالبشر. فجزء من مصادر تمويل هذه الميليشيات هو الإتجار بالبشر فهي تُجمّع المهاجرين في المنطقة الغربية وتصدّرهم عبر الحدود التونسية ويتراوح سعر نقل الفرد الواحد بين 100 و 500 دولار يختلف بحسب المسافة التي سيجتازونها ومن أي نقطة سواء من الغرب أو الشرق الليبي باتجاه الحدود الغربية عبر تونس. ورأينا العام الفائت أن أكثر من 8 آلاف مهاجر دخلوا من ليبيا، الأمر الذي أثرّ على العلاقات بين البلدين مع وجود خلافات في عملية التنسيق مع دول الجوار. فهناك لقاءات عديدة حصلت بين وزير الداخلية التونسي الأسبق ووزير الداخلية الليبي في حكومة الوحدة حول ضرورة التوقيع على اتفاق ينصّ على ان تونس تمنع المهاجرين من مغادرة ترابها باتجاه ليبيا والعكس صحيح، أي أن تتصدى ليبيا لكل المهاجرين الذين يريدون التوجه نحو تونس باتجاه أوروبا. ولكن للأسف الاتفاقية لم تدم طويل فقد التزم الجانب التونسي بحماية الحدود مع ليبيا ولكن في المقابل الداخلية الليبية لم تستطع السيطرة على الميليشيات لانها أقوى من الدولة وبقيت عملية الإتجار بهم نحو تونس متواصلة».