الهجوم الإسرائيلي على سوريا… استغلال للفرص أم لعب بالنار؟

حجم الخط
0

جولة الضربات التي حدثت في الجبهة الشمالية لم تنته بعد، فهذه مواجهة حساسة، وكل كلمة زائدة تقال في إسرائيل قد تغير الوضع. وهنا، في اختباره الأول كوزير دفاع، تصرف نفتالي بينيت كولد تناول بيديه رزمة ألعاب نارية فركض ليري الرفاق كيف يكون اللعب. تبجحاته –”لم تعودوا محصنين”– التي كان يقصد بها زعماء إيران، تؤخذ بجدية في طهران. وبشكل عام، منذ متى تمس إسرائيل بزعماء دول أجنبية حتى لو كانت معادية، بل وتعلن عن ذلك مسبقاً؟ هذه شعارات للميادين. على بينيت أن يفهم بأن الأيام التي كان يتحدى فيها وزراء الدفاع انتهت، وهو الآن مطالب بأن يكون الراشد المسؤول.

بزعم الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الروسية، كان الهجوم أمس هو الرابع في سلسلة هجمات جوية نفذتها إسرائيل منذ محاولة تصفية رجل الجهاد الإسلامي أكرم العجوري في 12 من هذا الشهر في حي الدبلوماسيين بدمشق. وحسب الروس الذين لا يزيفون البيانات الرسمية، فقد هاجمت إسرائيل في 18 من الشهر أهدافاً على حدود سوريا – العراق. وحسب الروس أيضاً، مرت الطائرات في المجال الجوي للأردن والعراق. في 19 من الشهر، وحسب الروس أيضاً، هاجمت إسرائيل المطار في دمشق وأطلقت صواريخ ضد أهداف على مسافة 18 كيلومتراً جنوب العاصمة السورية – ما يشرح إطلاق الصواريخ الإيرانية الأربعة نحو جبل الشيخ. وأمس، في 20 منه، في حدث حملت إسرائيل المسؤولية عنه، أطلق سلاح الجو -بزعم الروس- 40 صاروخاً جوالاً نحو ضواحي دمشق وتسبب بموت عشرة سوريين. هذه الهجمات المتتالية، بعد “صوم” طويل جداً، لم تأت رداً على نار صواريخ لمرة واحدة. هناك انطباع بأن ثمة خطة سياسية – عسكرية، وأن الأمر الأخير الذي تحتاجه هو ثرثرة وزير دفاع غر.

لقد تلقى الروس بلاغاً بالهجوم الإسرائيلي قبل بضع دقائق فقط من ضربة الصواريخ، وصباح أمس أصدروا “بطاقة صفراء” في بيان شجب فاتر جداً على لسان نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. وبعد الظهر أصدرت وزارة الخارجية لدولة إسرائيل “بطاقة حمراء”. فهم الروس بأن هناك ميلاً جديداً يعرض طائراتهم للخطر. ولهذا، قرروا أن يصدروا أمس منشوراً مفصلاً للأعمال العسكرية الإسرائيلية في سوريا، تماماً مثلما فعلوا بعد إسقاط طائرتهم الاستطلاعية في أيلول 2018، بعد هجوم جوي إسرائيلي. لقد حدد الروس لإسرائيل، حتى قبل بضعة أشهر، بأن دمشق –وأساساً المطار– منطقة مصالح روسية واضحة حيوية للحفاظ على مكانتهم في سوريا وللحفاظ على نظام الأسد. وهم الآن يلمحون بأن الحساب على الطريق. في هذا السياق يشار إلى أن رئيس هيئة الأمن القومي، مئير بن شباط -وبخلاف بعض المنشورات- كان في زيارة إلى روسيا قبل الهجوم، ولم يطلع مضيفيه على ما هو مرتقب.

أمس في أثناء الهجوم، دمر سلاح الجو بطاريات صواريخ مضادة للطائرات سورية فتحت النار نحو الطائرات. وضمن أمور أخرى دمرت بطارية من طراز روسي متطور نسبياً، أس آي 22. لإسرائيل مصلحة في الإيضاح للرئيس الأسد من خلال ضرب أهداف في دمشق والجيش السوري بأن استقرار حكمه منوط بإسرائيل أيضاً. إوذا كان لا يستطيع مطالبة الإيرانيين بالانصراف فليمارس الضغط على الروس.

والآن نرى ثلاثة سيناريوهات محتملة في الشمال، الأول: أن يتجاهل الإيرانيون الضربة لقياداتهم ومنشآتهم في دمشق، حتى الحادثة التالية. واحتمال هذا السيناريو ليس عالياً، لأن إيران تكبدت خسائر وأضراراً في لباب منظومة القيادة والتحكم والبنى التحتية لها في سوريا. حتى لا تختبئ إسرائيل هذه المرة خلف ذريعة مهاجمة أسلحة متطورة هربت إلى سوريا. فالأهداف التي تقررت في سلاح الجو أمس كانت أساساً قيادات رئيسية في منطقة دمشق: واحدة لقوة القدس نفسها والثانية للميليشيات الشيعية المؤيدة لإيران. إيران، التي ترى نفسها كقوة عظمى إقليمية وعيون حلفائها تتطلع إليها، لا يمكنها أن تمر على ذلك مرور الكرام.

السيناريو الثاني معقول أكثر: سترد إيران بنار صاروخية مقنونة نحو أهداف عسكرية في الشمال. والسيناريو الثالث هو الآخر ممكن، ولكنه أغلب الظن ليس قابلاً للتنفيذ في المدى القريب: هنا يدور الحديث عن صواريخ دقيقة نحو مواقع لبنى تحتية في عمق إسرائيل. مثل هذا التنفيذ يستدعي من الإيرانيين سلسلة من الأعمال ليست موجودة بقدر ما هو معروف في المدى القصير. في كل الأحوال يتعين على الجيش الإسرائيلي أن يحافظ على التأهب –ولا سيما الدفاعي– لفترة زمنية غير قصيرة.

تستغل إسرائيل هذه اللحظة نافذة فرص استراتيجية، بحيث تغرق فيها طهران في أزمة اقتصادية وتحديات الاضطرابات في الداخل وفي العراق ولبنان. وهجمات إسرائيلية ناجحة ضد أهداف إيرانية كفيلة أيضاً بأن تمنح ريح إسناد لمحافل في العراق ولبنان تعارض تواجد الإيرانيين في دولتيهما.

موعدان سياسيان سيؤثران على السلوك الإيراني في الأشهر المقبلة: الأول، شباط 2020، موعد الانتخابات للبرلمان في طهران، حيث قد تعود إلى حكم القوى المحافظة المدعومة من الحرس الثوري. والموعد الثاني هو الانتخابات في الولايات المتحدة في نهاية 2020. ولو كان هذا منوطاً بالرئيس الإيراني الحالي، لضبطت بلاده نفسها ولم تخلق أزمات دراماتيكية في المنطقة إلى أن يتبين من سيكون في البيت الأبيض.

في هذه الأثناء، قد يتفجر اللهيب في الساحة الشمالية في كل لحظة، وهذا يستوجب يداً مستقرة، متوازنة وهادئة على الدفة الأمنية.

بقلم: اليكس فيشمان

يديعوت 21/11/2019

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية