غزة ـ «القدس العربي»: منذ مطلع أغسطس/ أب الحالي، تُمسك منة النجار، 35 عاماً، هاتفها الذكي يومياً وبالساعات، تتابع في قلق، عبر منصات التواصل الاجتماعي، الأخبار الخاصة بتأمين دخول لقاح الوقاية من شلل الأطفال إلى قطاع غزة. وقد تصاعدت مخاوفها بعد تأكيد إصابة طفل (10 أشهر) بهذا المرض شديد العدوى، في أعقاب رصد منظمة الصحة العالمية وجود الفيروس المميت في عينات من مياه الصرف الصحي.
وفور أن سمعت الأم الفلسطينية عن بدء حملة تطعيم الصغار دون سن العاشرة ضد شلل الأطفال في المحافظة الوسطى خلال الفترة من 1 إلى 4 سبتمبر/ أيلول، هرعت، صباح أمس الأحد، إلى عيادة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» غربي دير البلح، من أجل تطعيم ابنها ياسين، 4 سنوات.
تقول: «كنت خائفة جدًا. أنتظر في كل لحظة الأخبار من أجل متابعة ما إذا قد تم توفير هذا اللقاح لتطعيم الأطفال، فأنا لا أحتمل أن يُصاب ابني بأي مكروه فضلاً عن الشلل أو لا قدر الله الموت».
اللقاح آمن
وتضيف لـ«القدس العربي» خلال حديثها: «جئت إلى هنا وكنت قلقة ألا يكون اللقاح آمنًا، لكن الأطباء أخبروني أن هذا اللقاح سيكون آمناً لطفلي، وسيقيه من شلل الأطفال، ويُسهم في تحسين مناعته».
وتعرب المواطنة الفلسطينية عن سعادتها بتطعيم ابنها ضد فيروس شلل الأطفال: «لقد تحسنت نفسيتي كثيرا بعد أن حصل ياسين على نقاط الفم، وهو الآن بخير».
وتتمنى من الله أن يشفي ويقي جميع أطفال قطاع غزة من الأمراض، بعد ما عايشوه من أهوال القتل والتشريد وانتشار الأمراض والأوبئة خلال حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، كما تدعو الله أيضاً أن تطول هدنة الأيام السبعة، التي وافق عليها الاحتلال من أجل حملة التطعيمات، «العمر بأكمله».
وسبق وأعلنت، منظمة الصحة العالمية عن انطلاق «هدنة» مؤقتة تستمر عدة أيام في قطاع غزة، وذلك في أماكن محددة، للسماح بتلقيح نحو 640 ألف طفل ضد شلل الأطفال.
ووفقا لما قاله ممثل المنظمة في الضفة الغربية وغزة، ريك بيبركورن، فإن حملة التطعيم، التي بدأت أمس الأحد، من السادسة صباحًا وحتى الثالثة مساء، ستستمر في وسط القطاع حتى الرابع من سبتمبر/ أيلول، ثم تنتقل إلى جنوب غزة، حيث ستكون هناك هدنة أخرى لمدة 3 أيام، يليها شمال غزة، مشيراً إلى أن هناك اتفاقا على تمديد الهدنة الإنسانية في كل منطقة ليوم رابع، إذا لزم الأمر.
ووصف الطبيب موسى عابد، مدير عام الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة في غزة، فترة الحرب بـ«الهدنة النقاطية» بمعنى أن «العيادات والنقاط الطبية الخاصة بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هي التي ستكون آمنة فقط خلال فترة التطعيم».
وأكد لـ«القدس العربي» التزام الحملة بالوصول إلى كل طفل في قطاع غزة «أينما كان» مشيراً إلى أن الاحتلال رفض أن تستمر الحملة في كل منطقة من مناطق قطاع غزة، لمدة 7 أيام، ووافق على منحهم «4 أيام فقط لكل منطقة».
ونفى مكتب رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، وجود هدنة في قطاع غزة، من أجل حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، وقال مكتبه إن «الأنباء المتداولة في هذا الشأن غير صحيحة» مشيراً إلى ممر آمن سيسمح بالوصول إلى نقاط تلقي التطعيم، وأن الممر سيكون لساعات محددة فقط.
مضاعفة الطواقم الطبية
وقال مدير عام الرعاية الصحية إنهم «اضطروا إلى مضاعفة عدد الطواقم الطبية القائمة على تنفيذ حملة التطعيم ضد شلل الأطفال، من أجل مسابقة الزمن وكسر الفجوة الزمنية، التي فرضها عليهم الاحتلال بهدف الوصول إلى عدد الأطفال المستهدف من الحملة، 640 ألف طفل، دون أي عائق».
وأكد أن التطعيم هو الحل الوحيد لوقاية الأطفال، خاصة من هم دون سن الخامسة، من الفيروس الخطير، الذي لا علاج له، والذي قد يصيبهم بالشلل أو يؤدي إلى وفاتهم.
وعن الجهود المبذولة للحفاظ على سلامة التطعيمات، أشار إلى أنهم «استأجروا مخزناً صحياً في مدينة دير البلح من منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) من أجل تخزين اللقاحات، وهو ما يعرف باسم (سلاسل التبريد)» لافتاً إلى أن الدراسات الصحية أثبتت مأمونية التطعيم، الذي استُخدم في دول عدة مجاورة، بالإضافة إلى دول أوروبية وغربية.
ونصح المسؤول في وزارة الصحة الفلسطينية، الأهالي بالتوجه إلى أقرب نقطة تطعيم من أجل تلقيح أطفالهم دون سن 10 سنوات ضد فيروس شلل الأطفال.
وأشار إلى سهولة الوصول إلى نقاط «الأونروا» الطبية المتنقلة في جميع مناطق المحافظة الوسطى، وكرر مناشدته للغزيين بضرورة الالتزام بتطعيم الأطفال في القطاع «للقضاء على هذا المرض الخطير».
ولم ينتظر عادل أبو طه، النازح من مدينة رفح، وصول الحملة إلى مدينة خان يونس، جنوبي غزة، في الخامس من الشهر الحالي، وذهب إلى نقطة طبية في مدينة دير البلح، من أجل تطعيم طفله زين، 11 شهراً، ضد شلل الأطفال.
ويقول: «جئت اليوم من أجل تلقيح ابني بالجرعة الأولى، وأنتظر الجرعة الثانية بعد 4 أسابيع من الآن، كي يحصل الرضيع على الجرعة الكاملة التي قد تقيه من أي أمراض قد تصيبه».
ويلفت خلال حديثه لـ«القدس العربي» الانتباه إلى «انتشار الأمراض الفيروسية مثل شلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي بين النازحين المكدسين في الخيام في ظل تهالك البنية التحتية، وانتشار المياه الملوثة وبرك الصرف الصحي في كل أنحاء القطاع، ما يشكل خطرًا كبيرًا وداهمًا على الأطفال» حسب تعبيره.
ويدعو أبو طه أولياء أمور الأطفال من سن يوم إلى 10 سنوات «ألا يتأخروا عن الذهاب إلى المراكز الطبية التابعة الأونروا وإعطاء أطفالهم هذا اللقاح، حتى لا يصابوا بأي أمراض لا سمح الله».
وأشار إلى تأكيدات المنظمات الأممية المشرفة على حملة التطعيم ضد شلل الأطفال ووزارة الصحة في غزة، على مأمونية اللقاح «هو آمن جداً على الأطفال، ويُعطى عن طريق نقاط الفم، وليس الحقن».