فُرِضت إيران عدوا بديلا للعرب، وتُوِّج ذلك بتفجير حرب طائفية سنية شيعية، تكون مدخلا لهذا التلاقي بين الأنظمة الرسمية العربية وتل أبيب، لإعادة رسم الخرائط السياسية في المنطقة، وهندسة الفضاء العربي على قاعدة التقسيم العرقي والطائفي. بما يؤكد حقيقة المشروع الذي يتم ترسيخه الآن وجوهره، تعميق الشرخ والمضي في سياسة الحيلولة دون وحدة العرب، وفرض التقسيم والتجزئة وتباعد القرار السياسي.
التطبيع الذي يحدث تحت عناوين اقتصادية وعسكرية وأمنية، هو في عمقه إعادة توجيه لمسار العلاقات العربية باتجاه إسرائيل، وربطها بالمشروع الصهيوني، وبالولايات المتحدة الأمريكية. وهو مخاض يحقق لإسرائيل أمانيها في مواجهة مشتركة ضد إيران، بعد أن أصبح الأمريكي يحدّد للعرب من هو الصديق ومن هو العدو. وهي مسارات محدِّدة لمشروع استعماري متواصل، يقوم أساسا على ابقاء شعوب المنطقة مفككة، ومتأخرة وغير حاضرة ضمن لعبة الأمم. ومن الواجب محاربة أي اتجاه من قبلها لامتلاك العلوم والتقنية وتطوير قدراتها المادية. هذا ما حدث مع العراق، ويُراد له أن يتم ضدّ إيران، ومع دول عربية أخرى، من حاصل نسخ معدّلة لسايكس بيكو، التي بدأت بفرض الاستعمار الغربي على كل الدول العربية وتصفية الامبراطورية العثمانية، وتقسيم الوطن العربي إلى دويلات مفعمة بكل أسباب التوتر وعدم الاستقرار، تتصارع على الحدود، ولا تخرج عن دائرة ردود الفعل والاستقواء بالأجنبي، وتنفيذ أجنداته على حساب مصالحها الوطنية ومطالب التكامل العربي والمشروع الوحدوي. فالتحالفات الجديدة هي تجسيد للمشروع الأمريكي الذي عمل على خلق روابط وثيقة تصل حد التحالف بين إسرائيل وقوى الاستبداد السياسي والاقتصادي في الداخل العربي. والإشراف الأمريكي على المشروع الصهيوني في المنطقة لا يعني تراجع الدول الأوروبية عن مساندته، فالغرب يرسم علاقاته مع العالم العربي والإسلامي تبعا للسياسة الإسرائيلية وحسب، وهو ما يشكل الرهان بالنسبة للبعض، والانحدار الطبيعي للبعض الآخر، والفخ بالنسبة لمن لا يحسبون كل نتائج مواقفهم. وفيما يبدو، استسلمت بعض الأنظمة العربية لمعالم الشرق الأوسط الجديد، الذي بشّرت به الإدارة الأمريكية زمن حكم بوش الابن وقاده المحافظون الجدد. وتلك الشراكة العربية الإسرائيلية البديلة للصراع والمواجهة تُرجمت في أواخر حكم إدارة دونالد ترامب باتفاقيات سلام مجانية، لا تعيد الحقوق الفلسطينية، وإنما تمعن في إخضاع المنطقة للمطالب الأمريكية، ولطموحات إسرائيل في التوسع وفرض سياسة الأمر الواقع بكل أشكال القمع والاستيطان والإرهاب.
الشراكة العربية الإسرائيلية البديلة للصراع والمواجهة تمعن في إخضاع المنطقة للمطالب الأمريكية، ولطموحات إسرائيل في التوسع وفرض سياسة الأمر الواقع
تخاذل بعض الأنظمة، يفضح ملاحقتها لذاك التلاقي بين المشروعين الصهيوني والاستعماري الغربي، الذي وضع الأمة العربية هدفا للسيطرة والهيمنة متّخذا من تهويد القدس وتصفية فلسطين التاريخية وتحويلها إلى قاعدة متقدمة، حجر الزاوية في المخطّط الغربي الاستعماري. فالحق التاريخي الذي لا ينساه الفلسطيني المشرد يُداس عربيا، وفق منطق المقايضة والبيع والشراء. والدول العربية التي تندفع نحو التطبيع، يبدو أنها تحررت من التزاماتها العروبية، وبعضهم يمارسون عمليا دور الحلفاء الجدد، ويبذلون قصارى جهدهم لترسيخ هذا المشروع، وإعطائه كل أسباب التمكين والتوسع. وعلى حساب حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة، تستمرّ معادلة الخدمات المتبادلة، على النحو الذي قدّمته إسرائيل للولايات المتحدة في شكل تعزيز الصادرات من خلال استثارة العالم العربي، وسعيه إلى شراء السلاح الأمريكي ليكافئ تسليح إسرائيل، ومن ثم استنزاف ثرواته وتحويل أموال النفط العربية إلى الخزينة الأمريكية. ومن خدم المصالح الأمريكية، وساهم في تقويض القوى القومية الاستقلالية في المنطقة منذ عقد الستينيات، ليس مستغربا أن ينال ما ناله من أعطيات سخية، لن تقف عند حزمة التوقيعات التي قدّمها دونالد ترامب، وحتى اتفاقيات التطبيع في آخر عهدته، ارتبط معظمها بوعود لبيع طائرات أمريكية حديثة للدول المطبعة، وبمقايضة على شاكلة شطب دولة من لائحة العقوبات، أو اعتراف لا معنى له على منطقة محلّ نزاع حدودي. ومن البيّن بأنّ ضعف البنى المؤسسية للنظام الرسمي العربي، جعل قرارات القمم العربية بلا تنفيذ، خاصة ما يهمّ الاجتماعات العاجلة بشأن التطوّرات التي تحدث كلّ مرة في فلسطين المحتلّة، والجامعة العربية التي كان تأسيسها عام 1945 خطوة في الطريق المخالف لمسار تطور أحداث مشروع الشرق الأوسط، والتصدي العربي للمقترحات البريطانية والأمريكية، وتحويل الصمود إلى مواجهة بعد قيام ثورة يوليو في مصر عام 1952، باتت منتهية الصلاحية، بمجالسها وبياناتها الختامية التي يتمّ تحريرها قبل بداية القمّة. وهي عوامل وهن وفّرت السياقات المناسبة للتفرقة والتشرذم، وحدّت من فعالية النظام العربي وتطوره، ما سمح بتعاقب التحركات الشعبية تحت وطأة الظروف والأزمات، وخيبة الأنظمة التي تزيد من انفصالها عن الشعوب، وتكالب بقية الأمم على منطقة الشرق الأوسط عموما وعلى المنطقة العربية على وجه الخصوص.
ثمة إقليمية يجب الدفاع عنها، ومعالجتها باتت ملحة في ظل التكاملية التي لا تقبل الحياد، ويجب أن لا نبقى أسرى للشعارات والمجاملة الشخصية التي لا تتعدّى حيّز الزعامات. فالتدخلات الخارجية في المنطقة راهنت على إكمال مخطط تفكيك رابطة النظام الإقليمي الرسمي العربي، بفرض سياسة استقطاب جديدة على قاعدة محوري الاعتدال والشر التي صدّرها المحافظون، دعاة الحرب والتدخل الخارجي. واندماج بعض الأنظمة العربية في مخططات إعادة تشكيل الصورة تحت عنوان السلام، يضع مشروع المقاومة أمام رهانات صعبة، وهو الذي يرى أنه ملزم بحدود الهوية والانتماء وليس بحدود الجغرافيا الضيقة. ومثل هذه التطوّرات التي يراد بها إعادة تشكيل الفضاء العربي، تضعه في مواجهة مصيرية مع مشروع تمتين المصالح الأمريكية والصهيونية، التي تسعى لتحقيق أعلى درجات المكاسب على قاعدة حماية بقاء إسرائيل، واستمرار تدفق النفط بأسعار مناسبة، ومنع قيام أنظمة قوية تعادي واشنطن وتل أبيب، وتناصر القضايا العربية العادلة.
كاتب تونسي
قال الشاعر ابن الرومي في احدى قصائده بليت ببلوى و البلايا كثيرة ، ما اكثر البلايا في عالمنا العربي و لعل اهمها و اكبرها شأنا و اكثرها خطورة بلايا و نوائب و نوازل الاستبداد العربي سيما تلك المحيطة بالقضية الفلسطينية ، هذا الاستبداد الذي بدل أن يخرج الأمة من النكبة قادها الى النكسة و هو تعبير مهذب للتستر على الهزيمة العربية القاسية ،و هي الهزيمة التي لا تزال تتتابع فصولا و تتفاقم اثارا منذ أن تحول النظام العربي الى متفرج عاجز على ما يجري داخل البقية الباقية من فلسطين لانجاز الفصل الثاني من النكبة للاستلاء عل كامل ارض فلسطين التاريخية ، هذا الاستبداد الذي يطلب استدرار العطف الامريكي و الاوروبي و هم بناة و حلفاء اسرائيل و هم من اوجدوها قصدا من خلال وعد بلفور و هم الذين اغرقوها بالمال و السلاح ، هذا الاستبداد الذي لا يعرف التمييز بين القول و الفعل يرى أن حل الصراع العربي الاسرائيلي لا يتم الا من خلال مداخلة امريكية ،امريكا التي تطالب الفلسطينيين بجمهورية افلاطون في الوقت الذي ترعى فيه جمهوريتها كافة اشكال الانظمة الاستبدادية ، انها نوائب الاستبداد التي لو علم بها عبد الرحمن الكواكبي لارتج في قبره . شكرا استاذ العبيدي على المقال المبني على الحجة و الاقناع .
“المستبد عدو الحق، عدو الحرية وقاتلهما” “الأُمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الإستبداد لا تستحق الحرية” هكذا تكلّم الكواكبي. فعلا هي نكبة حقيقية وأكثرها قبحا تمسّك العرب بما يسمى مبادرة السلام حتى ضاعوا وأضاعوا كلّ شيء. ما أكثر البلايا ونوازل شرعيات القهر السياسي. دمت جميلة وشكرا لك على الإضافة المميّزة كالعادة. طابت أيامك
أحلى ما في نشره التونسي (د لطفي العبيدي)، في جريدة القدس العربي، البريطانية، تحت عنوان (الهندسة السياسية لخريطة الشرق الأوسط وإعادة تشكيل الفضاء العربي)، هو جمع فرضيات المثقف والسياسي أساس فكر وفلسفة ورؤية، أنا من وجهة نظري منحرفة تماماً عن الواقع بسبب فرضيات نظرية المؤامرة، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
بعد فضيحة ما حصل يوم 5/6/1967 وما بعده في الأمم المتحدة، من هزائم ديبلوماسية وعسكرية أدت إلى ضياع القضية الفلسطينية، بسبب الثلاثي (جمال عبدالناصر، والحبيب بورقيبة، وعبدالعزيز بوتفليقة)،
لولا روح الفريق عند مجموع أعضاء دول أوبك، من العرب والمسلمين، من أجل العمل على إنجاح حرب عام 1973، لما نجحنا في النصر وفي المقاطعة الاقتصادية ضد كل من دعم الكيان الصهيوني، وحتى نجحنا في إصدار قرار من الأمم المتحدة لتجريم الصهيونية كحركة عنصرية فاشية، على أرض الواقع، أليس كذلك؟!
بعد ذلك بسبب عبقرية مناهج تعليم MBA الأمريكية في الإدارة والحوكمة، عملت على تحويل هذه المقاطعة/النقمة إلى نعمة لصالح الإقتصاد الأمريكي، السؤال كيف قامت بذلك؟!
أقنعت السعودية وبقية دول أوبك، لتسعير كل منتجات الطاقة بالدولار الأمريكي،
فعلا قضية النفط محرك القضايا وجوهر المشكل العربي بالنظر إلى الأطماع والمؤامرات والمخططات الجيوسياسية التي ارتبط جلها بنفط المنطقة وخيراتها. دمت أستاذ عبد الله
فظهر مفهوم إقتصاد البترودولار، الذي رفع مستوى الإيرادات في دولنا إلى مستويات خرافية،
ولقد ثبت أن دول مجلس التعاون في الخليج العربي، كانت أفضل من خدم الإنسان والأسرة والشركة المنتجة للمنتجات الإنسانية، مقارنة ببقية دول أوبك، ودليلي على ذلك، ما موجود من رصيد صناديق الاستثمار السيادية، مقارنة ببقية دول العالم،
الإشكالية عقلية (مطربة الحي لا تطرب)، من جهة، وعقلية أن النجاح له علاقة بالشرق أو الغرب، وليس له علاقة بدولنا،
ولكن هذا لم ولن ولا أقصد به، أن النظام البيروقراطي لدولة الحداثة، لا يحتاج إلى نقد، ومناهج التعليم يجب أن يكون همها الآن، لتكوين جيل يستطيع منافسة الآلة (الروبوت)، في الإيرادات/الأرباح، وليس فقط في الجودة والكفاءة،
حتى لا نصل إلى ما وصلت له حالة الصين يوم 1/7/2019، في احتلال مجلس النواب في (هونغ كونغ)، كرمز الديمقراطية في دولة بنظامين،
أو ما حصل في أمريكا يوم 6/1/2021، من احتلال مجلس النواب في واشنطن، كرمز الديمقراطية الغربية،
أو في الجانب الآخر، ما حصل من فشل إنقلاب تركيا يوم 15/7/2016، كرمز لفشل عقلية موظف الآلة/العالة بلا ضمير أو مشاعر إنسانية، سبحان الله،
ذبذبة قيمة العملة التركية، أفضل مثال لمشاكل Blockchain and e-Currancy التي تعمل على خلخلة مفهوم أي دولة،
ما ذكرته ممتاز أخ عبد الله. وهي أمثلة في غاية الدقة ومعبرة عن واقع الصراع والأزمة.