خلال الحرب الأوكرانية الحالية وحتى في أزمات سابقة، تعودنا على قالت باريس.. وقالت واشنطن.. وقالت بكين.. وقالت لندن.. ولكن أحيانا ننسى عملاقا اسمه الهند بساكنته التي تتعدى مرتين مجموع أوروبا وأكثر من ساكنة القارة الافريقية وكذلك الأمريكية، إنها دولة الهند التي يخطب ودها الجميع في صمت وعلانية.
وتغيب الهند نسبيا في أبحاث الكثير من الباحثين في مستقبل العلاقات الدولية، لاسيما من الزاوية الجيوسياسية، حيث يقتصر الاهتمام على الغرب والصين وروسيا عموما، لاسيما في الإعلام ومراكز التفكير الاستراتيجي. ويحدث أن يحضر هذا البلد في لحظات تاريخية معينة، ويستحضر الجميع العملاق الذي يعتقد الكثيرون أنه نائم. وعمليا، تسترعي الهند الانتباه نسبيا منذ تحولها إلى قوة نووية سنة 1998 وأساسا خلال السنوات الأخيرة في الدراسات حول نادي «البريكس» المكون من الهند والبرازيل وجنوب افريقيا والصين وروسيا. لكنها عادت خلال الحرب الأوكرانية لتحظى باهتمام العواصم الكبرى بسبب موقفها، وآخر حلقة في هذا الاهتمام زيارة رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون الى نيودلهي الأسبوع الماضي، ثم زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين منذ أيام لمحاولة الإبقاء على هذا البلد مرتبطا بالغرب.
بوصلة المصالح سواء الآن أو مستقبلا تفرض على الهند ضرورة الاندماج في محيطها حتى لا تصبح هدفا للدول المجاورة، خاصة أنها تتقاسم معها الحدود البرية والبحرية
ومنذ بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، امتنعت الهند عن التصويت 11 مرة كلما أثيرت فيها هذه القضية في المنتديات الدولية، سواء كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA) ، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (UNSC) وحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقامت الهند فقط بإدانة الجرائم ضد الإنسانية في بوتشا، وطالبت بتحقيق دولي واستعداد لتقديم المساعدات الإنسانية إلى أوكرانيا. وهذا الموقف الذي يقلق الغرب ويفرح روسيا والصين، يبرز، كما ذهب معهد التفكير الاستراتيجي الهندي «كلاوس» سياسة الهند الساعية الى الحفاظ على موقف وسط، وهو ليس بالسهل في هذا النزاع الذي يحمل تبعات جيوسياسية عميقة تمس مصالح الهند، إن هي فقدت التوازن المطلوب. في هذا الصدد، تجد الهند نفسها في وضع صعب بشأن الحسم في مستوى التنسيق في العلاقات الدولية مستقبلا، بين الدولة التي تجد نفسها في الانتماء إلى ما يمكن تسميته «استيقاظ الحضارات القديمة»، أو الاستمرار في الارتباط بالعالم الغربي. وخلال العقود الأخيرة، فضلت الهند الانتماء إلى نادي الدول المحايدة «عدم الانحياز»، غير أنها حافظت على علاقات متميزة مع الغرب وأساسا الولايات المتحدة ثم مع روسيا. لكن الأزمة الأوكرانية تعيد تشكيل العالم كما حدث في بداية القرن العشرين، ومعه تتخذ معظم الدول مواقف معينة ومن أبرزها قرار معظم الدول العربية اتخاذ مسافة من الغرب في هذه الأزمة. ويراهن الغرب على الهند لخلق توازن في جنوب القارة الآسيوية. ذلك أن حدودها مع الصين وتوسطها المحيط الهندي وقربها من المحيط الهادي تجعل واشنطن ترى فيها دولة مركزية رفقة اليابان لكبح الثنائي «الصين – روسيا» الآن ومستقبلا. ولهذا ترغب واشنطن ولندن في استمالة الهند الى التنسيق مع الحلف البحري الجديد «يوكوس» المكون من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا منذ سبتمبر/أيلول الماضي لمحاصرة الخطر الصيني مستقبلا. ويعمل الغرب جاهدا على تطوير التبادل التجاري مع الهند بحكم أن المصالح التجارية المتبادلة والثابتة تؤدي الى تفاهمات سياسية عميقة وطويلة المدى. ويوجد تيار في الهند يعتبر مستقبل البلاد مرتبطا بالغرب أكثر من دولة مثل الصين الراغبة في الهيمنة الإقليمية والعالمية، ومثلها مثل اليابان، تعتبر الهند الصين هي «العدو المفترض الأول». غير أن بوصلة المصالح سواء الآن أو مستقبلا تفرض على الهند ضرورة الاندماج في محيطها حتى لا تصبح هدفا للدول المجاورة، خاصة أنها تتقاسم معها الحدود البرية والبحرية، وترى في هذا الصدد كيف أصبحت اليابان هدفا للصين وروسيا على حد سواء بسبب سياستها الغربية. ورغم بدء تطويرها صناعة عسكرية مقبولة جعلتها من الدول الأوائل في صناعة الصواريخ فرط صوتية، ما زالت الهند تعتمد على السلاح الروسي، إذ أن الهند هي أكبر مشتر للسلاح في العالم، وأساسا من روسيا وليس من الغرب. وتعتقد نيودلهي في خطورة تطور العلاقات بين الصين وروسيا على أمنها القومي، حيث ستكون الخاسر الأكبر بسبب المشاكل الحدودية التي لديها مع الصين، وبسبب فرضية محاصرة الدول الثلاث لها وهي الصين وروسيا وباكستان، إن هي انخرطت في المخططات العسكرية الغربية، ولهذا، تفضل الحوار وتعزيز العلاقات الاقتصادية وسياسة الوسط.
وعمليا، اتخذت الهند خطوات مدروسة لتطوير العلاقات مع روسيا والصين، لكن مع تعزيز سياسة مستقلة تبدو في بعض الأحيان وكأنها موجهة ضد البلدين، ذلك أن الهند غير راضية عن وضعها في العلاقات الدولية وتريد التحول إلى مخاطب رئيسي والحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي. وكل تغيير في موقعها الجيوسياسي لا يمر عبر الغرب، بل بالانضمام الى ما يعرف بـ»استيقاظ الحضارات القديمة» أساسا الصين وروسيا التي تنازع الغرب الريادة على العالم. وبدأت الصين تزيح الولايات المتحدة من مرتبة الشريك التجاري الأول للهند، ولا تبخل روسيا ببيع الهند مختلف أنواع الأسلحة المتطورة، بل وتفويت جزء من التكنولوجيا العسكرية. وفي الوقت ذاته، تقدم نيودلهي على قرارات جريئة مثل استعمال العملات الوطنية في التبادل التجاري مع الصين وروسيا، بدل الاعتماد على الدولار، الأمر الذي سيشكل ضربة قوية لهيمنة الولايات المتحدة، وبدأ هذا التغيير الآن بعدما قررت روسيا بيع صادراتها النفطية بالروبل.
في الوقت ذاته، يوجد سخط وسط جزء من الطبقة المثقفة في الهند على الغرب، ولا يعود فقط إلى معاناة الهند خلال الحقبة الكولونيالية، بل كيف عمل الغرب على تطوير الصين من خلال استثمارات ضخمة، وقام بتهميش الهند رغم ارتباطها بالغرب علاوة على أنها دولة ديمقراطية صلبة توصف بـ»أكبر ديمقراطية في العالم» نظرا لحجم الساكنة التي تصوت في الانتخابات وتعد بمئات الملايين.
لقد تبنت الهند في هذه الأزمة سياسة «الوسط الغامض» بين الغرب والثنائي الصين – روسيا، غير أن التحولات التي يشهدها العالم باندلاع الحرب في أوكرانيا، التي تشكل الخريطة الجيوسياسية العالمية، بدأت تحتم على نيودلهي الحسم في توجهاتها المستقبلية بين غرب قام بتهميشها تاريخيا، وقوى صاعدة تريد إعادة تشكيل العالم تكون فيه للحضارات القديمة دورا ليس فقط في العلاقات الدولية، بل في مستقبل الإنسانية. حرب أوكرانيا امتحان للعملاق الصامت أو المنسي للحسم الجيوسياسي مستقبلا.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
الهند الهندوسية،. الخطر الداهم على مسلمي الهند،. الله يستر من القادم
الهند ستبقى لعقود رهينة تطور الصين، وستصبح مرتبطة بها
ربما ، لكن من زاوية واحدة كيف أهمل الكاتب عامل القومية المحافظة وأحيانا المتطرفة التي تضرب عنيفا في المجتمع الهندي، هذه تتعارض مع مفهوم الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية وبشكل خاص في الحزب الديموقراطي .
تصنع الهند ماكينات حلاقة الاغنام
احلق لجونسون واكسب في اجر
او اعطيه مشط