القاهرة ـ «القدس العربي»: «أربع نساء من مصر.. فيلم وثائقي من إخراج المصرية تهاني راشد وإنتاج كندي عام 1997. تدور أحداثه حول أربع ناشطات مصريات، وهن صافيناز كاظم، شاهندة مقلد، وداد متري، وأمينة رشيد. تجمعهن صداقة قديمة وكل منهن لها وجهة نظر دينية واجتماعية وسياسية مختلفة. يطرح الفيلم العديد من الأسئلة عن الهوية ودور المرأة في المجتمع والثقافة، والنظرة للفن والإبداع، وعلاقة المرأة بالمكان». من تعريف ويكيبيديا للفيلم وبياناته في المهرجانات.
ورغم أن إنتاج الفيلم عام 97، إلا أنه تم رفعه مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي، وثارت حوله مناقشات ووجهات نظر مختلفة، وبالطبع تواترت منشورات الرفض والتأييد والاتهامات، كعادة الموسومين بالثقافة في قدرتهم على المواجهة والنضال ـ على فيسبوك فقط ـ فكانت فرصة لاستعراض بعض ما جاء في الفيلم، بغض النظر عن معارك التفاهة المعهودة على صفحات المثقفين.
الفئة المُختارة
تخيّرت المخرجة أربعة نماذج نسوية ـ اعتقدت ـ أنهن يمثلن وجهات نظر مختلفة في الأحوال السياسية والاجتماعية المصرية، وبما أن المخرجة نفسها تنتمي لهذه الفئة، فلم تجد إلا أن تأتي بمن يمثل فئتها هي شخصياً، وهن.. وداد متري (1927 ــ 2007) أول أمرأة تم انتخابها في اتحاد الطلاب في جامعة فؤاد الأول 1951، ومن رموز اليسار والعمل النسائي. صافيناز كاظم (1937) الكاتبة والناقدة المسرحية. شاهندة مقلد (1938 ــ 2016) من شهيرات الحركة النسائية، خاصة محاربة الإقطاع ـ هكذا يُشاع ـ وأمينة رشيد (1938 ــ 2021) أستاذ الأدب المقارن في جامعة القاهرة قسم اللغة الفرنسية، حفيدة إسماعيل صدقي وزوجة الناقد والأكاديمي الراحل سيد البحراوي. هذه هي النماذج المُختارة لاستعراض أحوال مصر من قبل انقلاب يوليو/تموز 1952 وحتى منتصف تسعينيات القرن الفائت. وحتى تجتمع الثقافة مع السياسة، فالمعرفة الأكيدة لهن توطدت في اعتقالات سبتمبر/أيلول 1981.
النضال الفرنسي
تتحدث أمينة رشيد بالفرنسية طوال الوقت، فـ»اللغة العربية كانت قاصرة على الخدم، لكن البيت كله يتكلم الفرنسية» هكذا تقول وهي تقف في مشهد أمام بيت طفولتها، الذي تحول إلى مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم الآن. وتضيف حفيدة إسماعيل صدقي باشا أنها تعرّضت للرشق بالحجارة عام 1947 لأن جدها كان قد وقع على معاهدة صدقي – بيفن، التي تزيد من تبعية مصر لإنكلترا. قائلة «كانت الصدمة الأولى التي أدركت على أثرها أن ثمة مَن يهاجمني، وأن من يهاجمني كان على حق». لكن هذا لا يمنع من تواتر لقطات لأمينة في المنزل الريفي لزوجها سيد البحراوي، وامرأة مُسنة ــ ربما والدته ــ ترتدي أمينة ما يُشبه الجلباب الفلاحي فوق ملابسها الأصلية، بينما الزوج يرتدي زيه الرسمي.. الجلابية الفلاحي والكوفية، ومنه إلى لقطات للقرى والفلاحات ووسائل المواصلات المتواضعة في الريف، دون نسيان رجل يركب حماراً يسير أمام أحد الحقول.
نضال المتعلمات
أما وداد متري فتستعيد ذكرياتها من صحف وقصاصات قديمة عن نضالها، وكيفية أن جمال عبد الناصر حقق ما كان مجرّد أمنيات، بإعطاء المرأة حق التصويت في الانتخاب ـ دون السؤال عن ماهية هذا الانتخاب ـ وهو ما كان تتويجاً لنضال طويل. تمتلك متري صوتاً جميلاً وتغني من حين لآخر بعضا من أغنيات عاطفية لأم كلثوم تمثل ذلك الزمن.
نضال الفلاحات
«رصاصة أطلقها الإقطاع» هذه العبارة جاءت في الفيلم على لسان المناضلة شاهندة مقلد زوجة الشهيد (صلاح حسين) الذي لم ينس أن يذكر في خطابه الغرامي الأول لها بعد الزواج أن الحب الأكبر هو.. حب الشعب. فالعبارة هنا ـ رصاصة أطلقها الإقطاع ـ تُذكّر بعبارة «بضاعة أتلفها الهوى» في رواية «بين القصرين». وحكاية شاهندة متداخلة ومتضاربة، ولم تكن في حقيقتها كما كانت تصدّرها هي ومَن يحاولون جعلها مناضلة وزوجها شهيد ـ ده ولا الشهيد طه السماحي في ليالي الحلمية ـ وقد مات الرجل في مشاجرة في قرية (كمشيش) في محافظة المنوفية عام 1966، وبعدها تولت الزوجة النضال حتى رحيلها. المهم حاربت المرأة الإقطاع ـ لاحظ أن ذلك في ظل دولة عبد الناصر، مش الملك فاروق ــ وتسير شاهندة بين الفلاحين، وأحياناً في زيّها الفلاحي، حتى تتمثل مشاركتها همومهم وقضاياهم. وتذكُر.. أن (الإقطاع كان متربصا بصلاح) ـ مين الحاج إقطاع ده.. أنا مش عارف ـ وبعد موته تحولت الجنازة إلى مسيرة ثورية، هنا تتدخل وداد متري قائلة «شاهندة بعد الحادثة دي أثبتت إن المرأة المصرية ما فيش قوة تقدر تقف أمامها». ونترك الست وداد، ونعود إلى شاهندة التي تسترسل.. «إنه في 1965 كان عبد الناصر جاي زيارة للقرية، لأنه كان مترشح لفترة رئاسية جديدة، فوقفت شاهندة ورفاقها في استقباله لإعلانهن التأييد لجناب البكباشي ـ حاول أن تصدق أن عبد الناصر كان بيلم أصوات من القرى، خاصة دون وجود مرشح خصم، فالأمر كان استفتااااااااء ـ ليس هذا فحسب، فعبد الناصر كان يصطحب معه في هذه الرحلة الرفيق (جيفارا) وكان لا بد من وجود نساء مدرَبات في طليعة المستقبلين، فالمرأة مثل الرجل. المهم.. تذكُر شاهندة أنها تسللت من بين الحشد وهرولت إلى الزعيم القائد، فأمر الحرس بتركها، عملت إيه بقى هللت تؤيده، وكتر خيرها سابته يمشي هو وصاحبه!
هناك صورة شهيرة لجيفارا عند زيارته إحدى القرى مع مجموعة من الفلاحين المصريين يدخنون السيجار، وطبعا دول مش فلاحين عاديين، دول أشبه بالفلاح اللي قعد معاه مبارك وشرب شاي في موسم الترشح لفترة رئاسته الأخيرة.. يعني واحد انتهى في 67 والثاني في2011.
أحبُه مهما أشوف منه
من أفضل أجزاء ما يُسمى بالفيلم رأي صافيناز كاظم في مواجهة صديقاتها، بداية من وجهة نظرها في الفكر الإسلامي ومدى ملائمته سياسياً، وهو ما عارضها فيه جميع الصديقات، من وجوب فصل الدين عن الدولة، إضافة إلى أنها حمّلت عبد الناصر مسؤولية كل ما حدث، فتقول.. «واحد عامل مشروعه الأول تحرير فلسطين يجي ينهزم في الآخر! يا إما بيقول كلام كبير هو مش قده، يا إما راجل كذااااب». لتنفلت شاهندة بصوتها النضالي.. «هو مش راجل كذاب، لكنه تصور أنه بيعمل الصح.. كان فيه أخطاء واحنا كنا ضد الأخطاء.. وصلاح دفع دمه ثمن الأخطاء اللي ارتكبتها المرحلة الناصرية» ـ يا مثبت العقل ـ لتعلق كاظم مستشهدة بأغنية عبد الوهاب «أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه». مع ملاحظة أن الست شاهندة أيدت بكل الحب انقلاب يوليو/تموز 2013، الظاهر إن كان كيفها «يوليو وعساكره».
وفي الأخير نقول لـ «مدام تهاني». هناك فيلم اسمه «أحلام هند وكاميليا» إبقي شوفيه يمكن تعرفي ستات مصر.