الوزير السابق خالد شوكات: سجن زمّال واستبعاد مرشحين آخرين يضرب مصداقية الانتخابات التونسية

حسن سلمان
حجم الخط
0

تونس- “القدس العربي”: قال خالد شوكات، الوزير السابق ورئيس المعهد العربي للديمقراطية في تونس، إن سجن المرشح الرئاسي العياشي زمال ورفض هيئة الانتخابات إعادة المرشحين عماد الدائمي ومنذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي للسباق الانتخابي، يضرب مصداقية العملية الانتخابية برمتها، ويُنذر بشرعية ضعيفة لمؤسسة الحكم.

وأضاف، في حوار خاص مع “القدس العربي”، أن “المؤسسة الانتخابية هي حجر الرحى في الأنظمة الديمقراطية، فالانتخابات الحرّة والنزيهة والتعددية هي المعيار الأساسي في التفريق بين النظام الديمقراطي وسواه من الأنظمة الهجينة والاستبدادية. ولعل أهم ما ميّز عشرية الانتقال الديمقراطي في تونس هو أنها أكسبت البلاد لأوّل مرّة مؤسسة انتخابية ذات مصداقية نظمت العديد من الاستحقاقات التي لم يشكك أحد في نتائجها، وشكّل هذا الأمر علامة فارقة ليس في تاريخ تونس المعاصر فحسب، بل في المجال العربي عامة، الذي ما يزال متعثرا في تجاربه الديمقراطية عامة، والانتخابية على وجه الخصوص”.

هيئة انتخابات معيّنة

وتابع شوكات “ولهذه الأسباب وغيرها، فقد لاحظ التونسيون التراجع المتواتر على صعيد المؤسسة الانتخابية منذ التحوّل الذي جرى قبل ثلاث سنوات ونيف، والذي بلغ ذروته بما حصل في مسار تنظيم هذه الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي يفترض إجراؤها في 6 أكتوبر القادم، حيث أن القياس إلى الانتخابات الرئاسية التي أجريت سنة 2019، تمكّن من الوقوف على الفوارق الرهيبة والتراجعات العظيمة التي حصلت، ابتداء باستبدال هيئة انتخابات منتخبة بهيئة انتخابات معيّنة، مرورا بمنع أكثر من مئة مرشح عبّروا عن رغبتهم في الترشح بحجج واهية، ثم رفض تطبيق أحكام المحكمة الإدارية، التي أعادت عددا من المرشحين الجديين للسباق، وانتهاء بوضع أحد أهم المرشحين الثلاثة (العياشي زمال) في السجن”.

واعتبر أن ما سبق ساهم في “دق إسفين في نعش استقلالية الهيئة، وضرب مصداقية العملية الانتخابية، على نحو ينذر بشرعية ضعيفة تجعل من مؤسسة الحكم في غاية الهشاشة، فيما يتطلب الواقع التونسي بما يتخلله من صعوبات وازمات، نظاما قويا ومؤسسات ذات شرعية قوية”.

ويشكك مراقبون بشفافية نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخاصة في ظل منع هيئة الانتخابات لعدد من المنظمات المحلية من مراقبتها، فضلا عن “الشروط” المثيرة للجدل بشأن الحملة الانتخابية.

منع أكثر من مئة مرشح بحجج واهية، ورفض تطبيق قرارات المحكمة الادارية بإعادة مرشحين جديين للسباق، دق إسفينا في نعش استقلالية هيئة الانتخابات

وعلّق شوكات بالقول: “تختلف هذه الانتخابات – رغم أهميتها من الناحية السياسية في ظل ما جرى من انقلاب على مؤسسات الانتقال الديمقراطي – عن كل الانتخابات التي جرى تنظيمها طيلة العشرية، وستكون نتائج الانتخابات مطعونا فيها، سواء من قبل المرشحين الذين تم إقصاؤهم بطرق ملتوية، وهم يمثلون التيارات السياسية الكبرى في البلاد، أو من قبل منظمات المجتمع المدني التي كانت تلعب دورا في مراقبة العملية الانتخابية وتزكيتها داخليا وخارجيا، حيث جرى منع أهمها تحت ذرائع غير مقنعة، أو من قبل الرأي العام، سواء الوطني أو الدولي، بالنظر إلى ما شاب المسار من هفوات غير خافية”.

وأضاف: “والمحصّلة في رأيي، أنه لا يمكن البناء – بالمعنى السياسي – على عملية انتخابية جرى التشكيك فيها في جميع أطوارها وأدواتها”.

الغرق في وحل السلطة

وحول اتهام المعارضة للرئيس قيس سعيد بـ”تمهيد الطريق” نحو الاحتفاظ بالحكم لخمس سنوات أخرى، قال شوكات: “المرور بالقوة في الحكم غالبا ما يقود إلى إغراق أصحابه أكثر في وحل السلطة، فكل من سعى في تاريخ تونس المعاصر للاحتفاظ بالسلطة على هذا النحو كانت نهايته بائسة وحزينة”.

وأوضح بقوله: “كان مصير بورقيبة على جلالة قدره الإقامة الجبرية لمدة 12 عاما في خريف عمره، وانتهى الأمر بالرئيس بن علي إلى الموت في منفاه غريبا عن أهله، وكنا نعتقد أن تونس غادرت مربع الحكم الفردي التسلطي، وأن أهل الحكم اعتبروا من سيرة الأولين، وأننا انتقلنا بفضل الانتقال الديمقراطي إلى قواعد اجتماع سياسي عصرية من بينها الاحتكام إلى صندوق انتخابي شفاف ونزيه والتداول السلمي على السلطة، لكن هذا التقدير انتكس فيما يبدو لعوامل متشابكة بعضها داخلي وآخر إقليمي، حيث ما يزال المجال العربي مستعصيا للأسف على التحول الديمقراطي الحقيقي والمستدام”.

الحكم بالقوة يقود إلى إغراق أصحابه في وحل السلطة، حيث قضى بورقيبة 12 عاما في الإقامة الجبرية، وتوفي بن علي في المنفى

نظام سياسي حر

ودعا شوكات المجموعة الوطنية من منظمات مدنية وأحزاب سياسية إلى “مواصلة تشبّثها بقيم الديمقراطية ومبادئها واستمرارية نضالها المدني السلمي من أجل إعادة قطار البلاد إلى سكته الحضارية صحيحة، لتضحيات التونسيين من أجل نظام سياسي حر وديمقراطي تعود إلى أكثر من قرن، وقد قدموا أجيالا من الشهداء والسجناء من أجل ذلك، وهذا المسار الطويل من التضحيات لن يذهب هدرا”.

وأضاف: “القضاة كذلك جزء من هذه العملية النضالية، فمن بينهم العديد من المؤمنين باستقلالية سلطتهم ودورها في المراقبة والتعديل وضمان الحقوق، وكثير من بينهم يقدم التضحيات الجسام في سبيل ذلك، وقد بينت الأزمات معادن الاحرار، ورحم الله المحن كم هي ضرورية للفرز وإعادة البناء”.

واستدرك بالقول: “أنا متفائل – رغم كل شيء – بمستقبل تونس التي ستظل منارة للإصلاح والتغيير وإسناد أمتنا العربية الإسلامية في قضاياها، واستعادة مكانتها ودورها الذي تنتظره منها الإنسانية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية