إحدى النتائج التي توصلت إليها من خلال دراستي للنخبة الوزارية في الجزائر، التي ستصدر على شكل كتاب هذه الأيام بالجزائر، كانت الموقف السلبي الذي عبرت عنه الأغلبية الساحقة من الوزراء المنتدبين ونواب الوزير وكتاب الدولة من هذه التجربة التي لجأ إليها الكثير من الحكومات لأسباب مختلفة، عبر تاريخ الجزائر السياسي كما ظهر في حكومة عبد الحميد الإبراهيمي، أو سيد أحمد غزالي، على سبيل المثال. أسباب منها إرضاء بعض الشلل ومراكز القوى التي تطالب بدخول الحكومة، أو احترام التوازن الجهوي، الذي يكون منقوصا عند تشكيل الحكومة الأصلية، أو حتى إضفاء نوع من التنوع الجندري على الحكومة في آخر دقيقة، قبل الإعلان الرسمي عنها.
منصب لم يكن راضيا عنه لا وزير القطاع، كامل الصلاحية، ولا رئيس الحكومة ولا الوزير المنتدب نفسه، الذي اشتكى لنا الكثير منهم في المقابلات التي أنجزناها معهم من عدم تحديد الصلاحيات، والصراعات المتولدة عن هذه التجربة بين الأشخاص والهياكل، زيادة على نقص الإمكانيات المتاحة لهذا المنصب. صراعات تصل في بعض الأحيان إلى الموظفين الكبار والصغار، عندما يكتشفون سوء التفاهم بين الوزير والوزير المنتدب، أو نائب الوزير، خاصة إذا ارتبط الأمر بحالة اضطراب سياسي يؤدي في الغالب إلى التقليص من عمر الحكومة، جعل بعض نواب الوزير أو الوزير المنتدب، يصرّح لنا بأنه عمليا لم يشتغل.. «ضيعت وقتي في الحصول على مقرات ومكاتب وبعض شروط العمل. أُقلت من منصبي قبل أن أبدأ في الحصول عليها. بعد شهور من تنصيبي».
نظام سياسي فضل على الدوام التعامل مع الفرد التكنوقراطي أو البيروقراطي من دون قاعدة اجتماعية، يمكن التخلص منه بسهولة في أي وقت تقتضيه التوازنات داخل وخارج الحكومة
بالطبع الأمر يكون مختلفا عندما نكون أمام وزير هو وزير الدفاع، ورئيس الدولة في الوقت نفسه، والوزير المنتدب رئيسا لأركان الجيش، كما هو الحال في هذه الحكومة الأولى للرئيس تبون في بداية عهدته الثانية، التي أعلن عن تشكيلها الأسبوع الماضي. علمتنا تجارب النظام السياسي الجزائري أنها عادة ما تكون العهدة الأصعب بالنسب للرئيس الجزائري، وكل النظام السياسي. تزيد فيه حدة الصراعات من كل نوع داخل النظام وخارجه، وفي علاقاته مع المجتمع، رغم أن تعيين وزير منتدب في وزارة الدفاع لم تكن التجربة الأولى في الحالة الجزائرية. ونحن نتذكر أن البلد عرف تعيين وزير منتدب للدفاع في سنة 2005 في شخص عبد المالك قنايزية، الذي كان له مرور كذلك على رئاسة قيادة الأركان في بداية التسعينيات لمدة ثلاث سنوات كاملة.
حكومة تبون في بداية عهدته الثانية، التي لم تجدد كثيرا من جهة الحضور النسوي، ليس على مستوى الكم فقط – أربع وزيرات فقط كاملة الصلاحيات وكاتبتي دولة ـ بل على مستوى الكيف كذلك. ونحن نعاين القطاعات التي كانت من نصيب النساء، كقطاع العلاقة مع البرلمان والتضامن وشؤون المرأة والبيئة والسياحة. قطاعات تحولت مع الوقت إلى تخصص للمرأة، حتى إن كانت صاحبة تأهيل عالٍ قد يكون أحسن من ذلك التأهيل المسجل عند زميلها الرجل. تأهيل تمت مراعاته جزئيا في حالتي كتابة الدولة للطاقة والشؤون الافريقية، الذي كان من نصيب المرأة. في هذه الحكومة التي عاد على رأسها للمرة الثانية الدبلوماسي نذير العرباوي، مفارقة حقيقية إذا عرفنا المطلوب تأديته من قبل هذه الحكومة في الميدان الاقتصادي كأولوية مطلقة، تمنح رئاستها لدبلوماسي من دون تجربة تسيير اقتصادي يُعتد بها. ليتأكد من جديدة ذلك الاتجاه الثقيل الذي برز بقوة داخل النظام السياسي، تجسد بشكل واضح مع الرئيس عبد المجيد تبون، في إبعاد الأحزاب السياسية عن الحكومة، حتى تلك التي ساندته في ترشحه للعهدة الثانية، التي قد تجد فيه قيادتها في موقف لا تحسد عليه مع إطاراتها وقواعدها وهي تبعد بهذا الشكل عن الحكومة. في رسالة قوية للساحة السياسية تقول، من أراد الاقتراب من الحكومة عليه الابتعاد أولا عن الأحزاب السياسية، من دون أن يعني ذلك بالضرورة غياب مناضلي الأحزاب عن المشهد السياسي الرسمي، الذي يبقى ضعيفا. كأفراد وليس كممثلين لأحزاب يرفض الرئيس تبون، حسبما يبدو الدخول مع قياداتها في مفاوضات سياسية، وهو يشكل حكوماته، مفضلا عنها مفهوم المجتمع المدني الفضفاض، الذي يتم التعامل داخله مع فرديات كإلكترونات حرة، يتم استدعاؤها لأداء مهام محددة يمكن الاستغناء عنها، من دون تبعات سياسية مهمة عندما يقتضي الأمر ذلك.
الخلفية البيروقراطية للرئيس تبون وتجربته داخل جبهة التحرير، خلال فترة الأحادية التي وصل فيها إلى عضوية لجنتها المركزية، وأزماته مع النظام السياسي ورجاله، في مراحل عديدة، يمكن أن تفسر لنا هذا النفور من الحزب والتحزب الحاضر لدى الرجل، وهو يقدم على تشكيل حكوماته، داخل نظام سياسي لم يقبل بدور مهم للحزب تاريخيا، بقي على الدوام ضعيفا ومن دون تأثير، كما بينته التجربة البومدينية، التي يبدي الرئيس تبون إعجابا كبيرا بها، والتي تؤكد حقيقة سياسية مفادها، أن الحزب السياسي لم يكن محظوظا مع الرئيس الجزائري. طول فترة ما بعد الاستقلال، تعلق الأمر بفترة الحزب الواحد أو التعددية، حالة لم تساعد الحزب السياسي على الانغراس في المجتمع، بقي بعيدا عن اهتمامات المواطنين كقاعدة عامة لم يجذب إليه لا المواطن البسيط، ولا النخب التي بقيت متحفظة وبعيدة عنه، نظام سياسي فضل على الدوام التعامل مع الفرد التكنوقراطي أو البيروقراطي من دون قاعدة اجتماعية، يمكن التخلص منه بسهولة في أي وقت تقتضيه التوازنات داخل وخارج الحكومة، حتى وهو يحاول الحفاظ على نوع من التوزان الجهوي عند الإعلان عن الحكومة، سيصبح أكثر صعوبة في احترامه والتقيد به مع الوقت، نتيجة الحراك الجغرافي الذي ميز العائلة الجزائرية في العقود الأخيرة، التي ساد فيها الزواج المختلط جغرافيا، بين أبناء مناطق متعددة كمؤشر إيجابي عن بناء لحمة وطنية بين الجزائريين، لم يعد الانتماء الجهوي، بارزا كما كان يحصل في السابق، رغم أن الجزائريين ما زالوا يهتمون بشكل مرضي في بعض الأحيان وغير مبرر موضوعيا، بحضور أبناء جهتهم وولايتهم داخل الحكومات المختلفة، لا يتوقفون لأسابيع عن تهنئهم بمنصبهم الجديد للقول إنهم هنا ينتظرون أي إشارة من صاحب الحظ السعيد.
الحكومات التي لم يعد المواطن العادي، وحتى المهتم بالشأن السياسي يعرف أسماء وزرائها، نتيجة الابتذال الكبير الذي عرفه هذا الموقع السياسي – المهني الذي لم يعد ينتج أسماء مهمة، تفرض وجودها على الساحة السياسية، كما كان الأمر في السابق. ظاهرة لا تقتصر على الجزائر فقط، بعد أن تحول الوزير إلى موظف كبير لا يشارك في صناعة القرار يكتفي في الغالب بتطبيقه بدرجات نجاح متفاوتة.
كاتب جزائري