القاهرة ـ «القدس العربي»: تواصل مصر لعب دور الوساطة في «حرب غزة» مؤكدة أنها ترفض أي سيناريو يتضمن تهجير أهالي القطاع إلى سيناء، أو إعادة احتلال القطاع، لكن يبدو أن «الوساطة المصرية» تواجه تعثرا خلال الأيام الماضية، خاصة بعد تهديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بإعادة احتلال محور فيلادلفيا، إضافة إلى الاعتراضات التي قدمتها الفصائل الفلسطينية على المبادرة المصرية لوقف الحرب في القطاع.
وقال مصدر مصري رفيع المستوى الأسبوع الماضي، إنه لا يمكن الاستغناء عن الوساطة المصرية في حل أزمة قطاع غزة، حسب ما ذكرت قناة القاهرة الإخبارية المملوكة لجهاز المخابرات المصرية.
القناة اكتفت بنقل التصريحات عن المصدر دون تسميته، التي جاء فيها، إنه لا يوجد بديل عن المسار التفاوضي لحل الأزمة في قطاع غزة.
وأضاف: الدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه وفي حالة عدم وساطة مصر فقد تزداد حدة الأزمة وتتفاقم بما يتجاوز تقديرات كافة الأطراف.
ونفت مصادر مصرية لـ«القدس العربي» ما تردد عن إبلاغ مصر الاحتلال الإسرائيلي تجميد دورها كوسيط بين الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية.
وقالت المصادر، إن مصر أبلغت الاحتلال، أن حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» أبلغت القاهرة بتعليق المفاوضات مع إسرائيل بشأن وقف إطلاق النار عقب اغتيال العاروري في هجوم إسرائيلي استهدفه في ضاحية بيروت الجنوبية.
وكانت هيئة البث الإسرائيلية قالت إن مصر أبلغت تل أبيب رسميا بتجميد دورها كوسيط بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في إطار المساعي لإبرام صفقة تبادل جديد للأسرى، على ضوء اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في بيروت.
وكان وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت، كشف، تفاصيل المرحلة الرابعة والأخيرة المفترضة للحرب، في وثيقة مكونة من 3 صفحات بعنوان «اليوم التالي» ووصف مصر باللاعب الرئيسي.
وثيقة غالانت، تتحدث عن مرحلة ما بعد الحرب، وأن قطاع غزة لم يعد خاضعا لسيطرة «حماس» وجاء فيها: بمجرد «تحقيق أهداف الحرب لن يكون هناك وجود مدني إسرائيلي في قطاع غزة، ومع ذلك، ستحافظ إسرائيل على حريتها التشغيلية في قطاع غزة، وستواصل إجراء تفتيش على البضائع التي تدخل قطاع غزة».
كما تبنت الوثيقة، وجود قوة عمل متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة بالشراكة مع «شركاء أوروبيين وإقليميين مكلفة بإعادة تأهيل القطاع».
وأكد غالانت أن إسرائيل ستواصل الحوار مع مصر التي وصفها «لاعب رئيسي».
ولم يقدم الوزير تفاصيل تذكر عن الحكم المستقبلي للقطاع، لكنه اكتفى بالقول إن الكيان الذي يسيطر على المنطقة سيبنى على قدرات العناصر «غير المعادية» الموجودة بالفعل في غزة.
خطة التهجير
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن الأولوية الراهنة فيما يخص حرب غزة هي التوصل إلى وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وإيصال المساعدات الإغاثية بالكميات الكافية لمواجهة المأساة الإنسانية التي يواجهها أهالي القطاع، اتساقا وتنفيذا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وشدد السيسي خلال لقائه وفا من الكونغرس الأمريكي، الأربعاء، على «ضرورة العمل بجدية على التسوية العادلة والشاملة للقضية الفلسطينية، من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا للمرجعيات المعتمدة» وذلك وفق بيان للرئاسة المصرية.
كما أكد على «رفض مصر التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية، من خلال تهجير الفلسطينيين من أراضيهم».
ووفق بيان الرئاسة أكد على «أهمية العمل المكثف والمسؤول لتجنب عوامل اتساع نطاق الصراع في المنطقة، لما لذلك من تبعات خطيرة على السلم والأمن الإقليميين والدوليين».
وكانت مصر قدمت مبادرة لوقف العدوان على قطاع غزة، لم تلقى ترحيبا من فصائل المقاومة، واضطرت لتعديلها وحذف البند الخاص بإدارة القطاع بعد انتهاء الحرب.
وتضمنت المبادرة 3 مراحل، الأولى بدء هدنة إنسانية لمدة أسبوعين قابلة للتمديد لأسبوعين أو ثلاثة، تطلق خلالها «حماس» سراح 40 من المحتجزين الإسرائيليين من فئتي النساء والأطفال (أقل من 18 عاماً) والذكور من كبار السن خصوصاً المرضى.
وتشمل المرحلة الثانية عقد حوار وطني فلسطيني برعاية مصرية بهدف «إنهاء الانقسام» وتشكيل حكومة تكنوقراط (مستقلين) تتولى الإشراف على قضايا الإغاثة الإنسانية، وملف إعادة إعمار قطاع غزة، والتمهيد لإجراء انتخابات عامة ورئاسية، بينما تقضي المرحلة الثالثة بوقف كلي وشامل لإطلاق النار، وإبرام صفقة شاملة لتبادل الأسرى تشمل كافة العسكريين الإسرائيليين، والاتفاق على عدد الأسرى الفلسطينيين، ثم الانسحاب الإسرائيلي من مدن قطاع غزة، وتمكين النازحين من العودة إلى منازلهم.
ونصت الفقرة الأخيرة من المبادرة المصرية على قيام مصر وقطر والولايات المتحدة، بتنسيق تشكيل حكومة خبراء فلسطينية (تكنوقراط) لإدارة قطاع غزة والضفة الغربية.
ولعبت قطر ومصر دور الوسيط بين إسرائيل و«حماس» في اتفاق أدى إلى هدنة لمدة أسبوع في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أطلقت خلالها «حماس» سراح أكثر من 100 امرأة وطفل وأجنبي كانت تحتجزهم، مقابل إطلاق سراح 240 امرأة وشابا فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.
إلى ذلك، استدعى تهديد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باحتلال محور «فيلادلفيا» ردود فعل غاضبة في مصر، طالبت السلطات المصرية باتخاذ موقف حاسم لمواجهة مخطط الاحتلال.
ومحور فيلادلفيا، ومحور صلاح الدين، على شريط يمتد على الحدود بين مصر وقطاع غزة، يقع ضمن المنطقة العازلة المعروفة بـ«د» بموجب اتفاقية السلام التي وقعتها مصر وإسرائيل عام 1979. ويمتد من البحر المتوسط شمالا إلى معبر كرم أبو سالم جنوبا، بطول نحو 14 كيلومترا.
حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، قال إن تصريح رئيس حكومة الكيان الصهيوني نتنياهو، الذي هدد فيه مصر باحتلال ممر صلاح الدين – فيلادلفيا، بين غزة ومصر، هو تهديد مرفوض يتطلب ردا حاسما من مصر، شعباً وحكومة.
وأضاف في بيان: «التهديد يمثل تعبيرا عن نفس المنهج الذي قامت عليه دولة العدوان الاستيطاني الصهيوني، التي لم تكتف بما ترتكب من جرائم إبادة جماعية يكسرها الصمود الأسطوري العظيم لشعبنا في غزه، بل تهدد بتوسيع نطاق العدوان ليشمل مصر، وليشمل أيضا تهديد حزب الله ولبنان، وقوى وبلدان عربية أخرى».
وزاد: هذا التمادي الوقح المتغطرس، وإن كان يعبر عن خلل في رؤية رئيس الوزراء الصهيوني نتيجة ما لحقه من زلزلة بسبب «طوفان الأقصى» وانتصار المقاومة عليه، إلا أنه تجاوز خط لا ينبغي الصمت عليه، وهو مؤشر على ضلوعه في خطة التهجير القسري لشعبنا في غزة إلى سيناء كما في الضفة إلى الأردن.
وواصل: التهديد باحتلال شريط ممر صلاح الدين – فيلادلفيا، ليس إلا مزيدا من مطاردة الأبرياء المسالمين الصامدين العظماء من أهلنا في غزه نحو الجنوب توطئة لدفعهم، ضد إرادة مصر والعرب وكل رأي حكيم، نحو سيناء.
اتفاقيات مذلة
وأكد أن هذا التهديد يستوجب ردا حاسما من الحركة الشعبية في مصر المطالبة بموقف، وأن الحكومة المصرية مطالبة بموقف، وليعلم الجميع ان هذا التصريح من رئيس الحكومة فرط اليمينية العنصرية في الكيان الصهيوني هو تعبير واضح باستخدام القوة والتهديد بها ضد ما أدعى أنها «اتفاقات سلام» عقدت، وكانت مذلة مرفوضة شعبيا، من بينها وأولها كانت «كامب ديفيد» وهذا تملص مرفوض مما رفضناه في هذه الاتفاقية.
وواصل: تهديد مصر والتعبير عن الضلوع بلا خجل في الاستهانة بقدر مصر وقيمتها ومكانتها وأمنها هو المتوقع من عدو لم يجد حتى الآن صدا رسميا عربيا من أي دولة عربية يليق بمستوى عدوانها على غزة وتدمير بنيتها الأساسية والإبادة الجماعية لسكانها.
وحذر صباحي، من أن تصريح نتنياهو سيكون له ما بعده وهو تصريح تجاه توسيع مدى المعارك الدائرة الآن، وعلى مصر ان تتحمل قدرها وممارسة دورها والقيام بمسؤولياتها والارتفاع إلى مكانتها لصد العدوان عليها وعلى شعبنا في غزة، وليكن معلوما أن خط الدفاع الأول عن مصر هو المقاومة الباسلة في غزة الآن، وانه إذا تمكن جيش الاحتلال من غزة، لا قدر الله، فانه لن يوفر مصر ولا سيناء.
وختم: هذه معركة عربية شاملة ينبغي لكل عربي أن يدخل فيها، وأن لا يتهرب من أداء دوره في مواجهتها، والرد واجب الآن وفورا على هذا العدو، ليس باللفظ، وإنما أيضاً بالسلوك.
سجن كبير
مصطفى بكري عضو مجلس النواب المصري، طالب بالرد بحسم على ما وصفه بـ«وقاحة نتنياهو».
وكتب على حسابه الرسمي على منصة «اكس»: التهديد باحتلال محور فيلاديلفيا يجب أن يقابله احتجاج رسمي وتحذير معلن، لأن ذلك يمثل اختراقا لاتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، واعتداء على السيادة المصرية، وخنقا لغزة ويجعلها تعيش في سجن كبير، ويفرض عليها الحصار الدائم كلما شاء، ويفتح الطريق أمام تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.
وأضاف: إظهار العين الحمراء واستعراض القوه مطلوب في هذا الوقت. الصمت لن يكون مجديا معهم، ونحن على ثقة أن القيادة والجيش لن يسمحوا للعدو بتنفيذ مخططاته.
بدوره عبر حزب المحافظين الليبرالي المعارض، عن قلقه من الأنباء الواردة بشأن عزم إسرائيل الدخول بالدبابات إلى محور صلاح الدين، مؤكدا أن حال حدوث ذلك سيشكل خرقا خطيرا لمعاهدة السلام ولاتفاقيات تنظيم الحدود والمعابر ويعرض حياة الجنود المصريين للخطر. ولفت الحزب، إلى ان أي سحب للجنود يعني فتح الحدود وزيادة مخاطر التهجير القسري للفلسطينيين من غزة إلى الأراضي المصرية ما يشكل خطرا داهما على الأمن القومي المصري.
ودعا الحزب كافة القوى السياسية والسلطة في مصر إلى الوقوف صفا واحدا ومنع أي خطر على الأمن القومي المصري أو المساس بالسيادة المصرية على أرض مصر وحدودها.
اتفاقية المعابر
واتفاقية المعابر والمعروفة باسم «اتفاقية فيلادلفيا» جري توقيعها في أول أيلول/سبتمبر 2005 بعد الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وبموجبها انتقلت مسؤولية تأمين الحدود مع غزة.
وتخضع هذه الاتفاقية لبنود «اتفاقية المعابر الإسرائيلية الفلسطينية» وهي بروتوكول عسكري ينص على أن تتولى قوة إضافية من حرس الحدود المصري القيام بمهام أمنية محددة في المنطقة على الحدود المصرية الغزاوية المعروفة باسم ممر فيلادلفيا، لافتا إلى أن اتفاقية السلام الموقعة بين مصر والاحتلال الإسرائيلي عام 1979 منعت وجود أي قوات مسلحة مصرية في المنطقة المتاخمة للحدود وعرضها حوالي 33 كيلومترا، والمعروفة بالمنطقة «ج» وسمحت فقط بوجود قوات من الشرطة المصرية مسلحة بأسلحة خفيفة.
وتتحدد مهمة هذه القوة الإضافية في منع العمليات الإرهابية ومنع التهريب عامة والسلاح والذخيرة على وجه الخصوص، وكذلك منع تسلل الأفراد والقبض على المشبوهين واكتشاف الأنفاق وكل ما من شأنه تأمين الحدود على الوجه الذي كانت تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل انسحابه.
وتتألف القوة من عدد 4 سرايا، تعداد أفرادها 750 فردا، ينتشرون على امتداد 14 كيلومترا هي طول الحدود المصرية مع قطاع غزة، وإن مصر طالبت بأن يكون عدد هذه القوات 2500 ولكن الاحتلال الإسرائيلي رفض ذلك.
وجرى إدخال تعديلات على اتفاق فيلادلفيا فى 16 تموز/يوليو 2007 بعد أحداث انفصال حماس بغزة الذي تم في حزيران/يونيو 2007 والذي اضيفت بموجبه بنود جديدة لإحكام الحصار على غزة.
وكانت مصر قد أعلنت رسميا في عام 2021 تعديل بنود اتفاقية دولية أمنية مع إسرائيل، ما يعزز الأمن طبقا للمستجدات والمتغيرات.
وقال المتحدث العسكري المصري في بيان وقتها: «نجحت اللجنة العسكرية المشتركة بناءً على الاجتماع التنسيقي مع الجانب الإسرائيلي، في تعديل الاتفاقية الأمنية، بزيادة عدد قوات حرس الحدود وإمكاناتها في المنطقة الحدودية في رفح».
واتفاقية كامب ديفيد وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في أيلول/سبتمبر 1978 إثر 12 يوما من المفاوضات السرية في منتجع كامب ديفيد الأمريكي.
وكانت مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان، نشرت صورا ومقاطع مصورة قالت إنها تظهر انتهاء السلطات المصرية من تفكيك أبراج المراقبة المحاذية لمحور فيلادلفيا وإعادة بنائها غرباً داخل الأراضي المصرية، مع تعزيز السياج الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، بجدار خرساني وسواتر ترابية.