الوطن بلا مواطن قطعة أرض جرداء

حجم الخط
3

يسألوننا عن الوطن و قداسة الوطنية، ويوجعون رؤوسنا بخطبهم الرنانة ودروسهم عن ذلك وباسم الوطن ننفى ونطرد ونشرد وباسمه نستغل وباسمه نقتل ونذبح إذا ما رفضنا الانصياع، ولا يزال هذا القتل متواصلا منذ سنين لا يتغير مع تغير الحكام وأنظمة الحكم والدساتير والقوانين.
أنا يا سيدي كآلاف الشباب، لا وطن بمفهوم الوطن لي، فالوطن ليس سوى قطعة أرض جرداء قاحلة بدون المواطن، فلا كرامة لوطن يداس على رقاب مواطنيه مرة باسم الامن ومرة باسم الدين، ولاحق للحياة لوطن يموت فيه المواطن كل يوم، والموت هنا هو سلب الحياة وسلب الفرح وسلب الأمل، فالفقر والظلم والجوع والبطالة كلها ميتات مختلفة تقتل فينا الأشياء الجميلة من أحلام وآمال عندما ترتطم بصخرة الواقع المزعج المزري.
إن المواطنة في العالم العربي هي مسألة معقدة، فهذا المفهوم الأساسي لبناء أي منظومة سياسية لايزال مبهما، فرغم كل الدساتير والقوانين التي وضعت وتوضع لا يزال هذا المفهوم بعيدا عن الوضوح، فبين دساتير يورَث فيها المواطن كما تورَث الأنعام والأبقار وأخرى تفتح الباب لسلطة الدولة على حساب حقه في الحياة يتأرجح عموما مصير المواطن، وإذا ما نظرنا إلى واقع الامور بعيدا عن النصوص تكون الصورة أوضح، فالمواطن في عالمنا العربي فئتان، مواطن فئة أولى أو مواطن الموالاة الذي يتمتع بكامل حقوقه وتفتح في وجهه كل مؤسسات الدولة مادام يدافع عن السلطة القائمة ويحارب الجميع من أجلها حتى وإن كان يتمعش على القليل من الفتات المتبقي الذي تلقيه له السلطة من الحين إلى الحين، ومواطن ثان لا حق للحياة له على أرضه ليس لأنه معارض لفكر السلطة بل لأنه فقط لا يواليها ولا يقدم لها فروض الطاعة.
إذا ما تحدثنا عن المواطنة كمفهوم معنوي لغيابها كمفهوم مادي فإن الحديث دائما ما يكون على علوية القانون وسلطة القانون، فالمواطن رهين بجملة واحدة يجمع عليها كل الساسة (بما لا يخالف القانون) حتى وإن كان هذا القانون ظالما وجائرا أو مميزا لطبقة دون أخرى، هذا القانون نفسه الذي يشرع للفقر والجوع والبطالة، هذا القانون نفسه الذي يجرد المواطن من كافة حقوقه فقط بناءا على رغبة السلطة.
عندما قامت ما يسمى بثورات الربيع العربي كانت الشعارات مجتمعة كلها في ثلاثة مفردات : الكرامة والخبز والتشغيل، وها نحن بعد سنتين لم يتبقى لنا سوى الفتات من الخبز هذا إذا لم يجهزعليه الانتهازيون ويجعلوه أمرا ثانويا كما جعلوا الكرامة والتشغيل، ولم يبقى أيظا من الشارع الموحد سوى القليل من الثابتين على مبادئهم ولا يزالون يعانون التضييق والتغييب، فشعار اليوم هو شعار هذه العالم العربي منذ مئات السنين نفسه لم يتغير ولن يتغير ‘مات الملك عاش الملك’، طبعا مع تزيينه وبرقشته ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية .
إن السلطة الحقيقية اليوم في عالم الربيع العربي هي تحالف رجل الدين مع رأس المال، فبالدين السياسي وحده يمكن القضاء على روح التمرد المتأصلة في الإنسان، روح التمرد التي تدفعه للثورة على الجهل والجوع والفقر والإستغلال، فاستغلال الدين وحده طريقهم لامتصاص هذه القوة المرعبة الساكنة في روح الإنسان، فنرى فتاوي تشرَع الإستغلال والتفاوت الإجتماعي وغياب التقسيم العادل للثروة وغياب مبادئ تكافئ الفرص، وتكريس مبدأ الموالاة على حساب الكفاءة، وإقناع حاملي الشهائد العليا بالبطالة وربطها بالقدر وتكفير الخروج على الحاكم ونقده ومساءلته، كلها نفس الصور التي تجمع عليها كل تحالفات رجال الدين مع رؤوس الأموال، ولا أدري متى سيفهم الإنسان في عالمنا العربي أن معظم رجال السلطة لا يكلمونه عن الدين إلا إذا ما تعلق الأمر بالإلتفاف على حقوقه الشرعية.
منذ عشرات السنين تعودت حكوماتنا المتعاقبة إعتماد أنصاف الحلول، وهذا ما زاد في تأزم الواقع وتراكم المشاكل، فليس هناك ما هو أسوء في الحياة من النصف، فلا معنى لنصف القول ولا معنى لنصف الطريق وليس هناك ما هو أقسى من نصف أمل أو نصف قلب أو نصف نجاح سرعان ما ينقلب إلى ألم وحسرة. وبالرغم لكرهي للنصف ها أنا اليوم أجد نفسي كآلاف غيري في منتصف هذا العالم الواسع ولا أدري هل وطني في حقيقته ليس سوى نصف وطن وهل حلمي بوطن حقيقي قادر على إحتواء كل أبناءه يقوم على العدل و التعاون وتكافئ الفرص هو أيظا نصف حلم…
عبد القادر معيوف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الامارات:

    شكرا للأخ الكاتب على مقاله القيم المفيد .
    صحيح : ( المواطنة ) في العالم العربي …ضبابية ومائعة وغير واضحة المعالم ؟؟؟
    في الغرب : يستطيع أي ( مواطن ) نقد الحكومة ونقد الرئيس بكل حرية
    وحتى لو أخطأ …يُطبق عليه القانون الذي يكون ( فوق الجميع ) …؟؟؟
    في العالم العربي : لو قام شخص بنقد ( فراش الوزير ) …يخرب بيته ؟؟؟!!!
    قبل أيام : صادر شرطي بريطاني …سيارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة
    ( هيلاري كلينتون ) …وكتب ( مخالفة ) ع السيارة …وحاول حراس الوزيرة
    إقناع الشرطي بسحب المخالفة : أجابهم ( آسف ) …
    ( الجميع تحت القانون ) …ولا يوجد أحد فوق القانون مهما كان منصبه ؟؟؟!!!
    شكرا .

  2. يقول السعيد بن أحمد / الجزائر:

    جدلية المواطنة والوطن في الوطن العربي تراوح نفسها في دائرة مفرغة ..
    مفهوم المواطنة و الوطن لا يتحقق واقعا إلا بالعدل وتجسيد قاعدة أن الكل يخضع للقانون .. حينها فقط تتجسد لدى المواطن فكرة الوطن.

  3. يقول ف ه د ا لدوسري المملكه:

    في الحقيقة والواقع ياحكام البلاد وياساسة دول العدل ويا قضاة الشريعه ويا مجلس الامن والشوری
    الشعب يريد ان تقسيم دولكم وجعلها اقاليم منفصله

    وتسلمو نصف بلادكم الی اعداءكم وتصبح ملك النصف وحاكم النصف

    فاصبحت مل المم العر السع

    كلكهبيهوديه

    اما حياة اعزاز ولا موت يشرف مواقيفه

إشترك في قائمتنا البريدية